الصين تتعهد «تحويل» نموذجها الاقتصادي وتستهدف نمواً بـ 5%

من خلال الحد من طاقتها الصناعية الفائضة والإنفاق المسرف وتحييد المخاطر

فتيات يلتقطن صورة تذكارية أمام قاعة الشعب الكبرى حيث يعقد البرلمان مؤتمره السنوي (أ.ف.ب)
فتيات يلتقطن صورة تذكارية أمام قاعة الشعب الكبرى حيث يعقد البرلمان مؤتمره السنوي (أ.ف.ب)
TT

الصين تتعهد «تحويل» نموذجها الاقتصادي وتستهدف نمواً بـ 5%

فتيات يلتقطن صورة تذكارية أمام قاعة الشعب الكبرى حيث يعقد البرلمان مؤتمره السنوي (أ.ف.ب)
فتيات يلتقطن صورة تذكارية أمام قاعة الشعب الكبرى حيث يعقد البرلمان مؤتمره السنوي (أ.ف.ب)

حددت الصين هدفها لنمو اقتصادي يناهز خمسة بالمائة خلال عام 2024، في رقم طموح أقر المسؤولون في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بأن تحقيقه «لن يكون سهلا».

وقال رئيس الوزراء لي تشيانغ يوم الثلاثاء إن الصين تستهدف نموا اقتصاديا يبلغ نحو خمسة بالمائة هذا العام، في الوقت الذي تعمل فيه على تحويل نموذجها التنموي والحد من الطاقة الصناعية الفائضة، وتحييد مخاطر القطاع العقاري وخفض الإنفاق الحكومي المحلي المسرف.

وألقى لي تقرير العمل الأول له في الاجتماع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب (البرلمان الصيني). ويماثل معدل النمو المستهدف هدف العام الماضي، لكنه سيتطلب تحفيزا حكوميا أقوى من الصين حتى تتمكن من تحقيقه، إذ لا يزال الاقتصاد يعتمد على الاستثمار في البنية التحتية الحكومية، وهو ما أدى إلى تراكم جبل من الديون على حكومات المناطق.

وكشف التعافي المتعثر في مرحلة ما بعد كوفيد19 في العام الماضي عن الاختلالات الهيكلية العميقة في الصين، من ضعف استهلاك الأسر إلى انخفاض العائدات على الاستثمار بشكل متزايد، ما أدى إلى ظهور دعوات لنموذج تنمية جديد. وتسببت أزمة العقارات والانكماش الاقتصادي المتزايد وانهيار سوق الأوراق المالية وتفاقم مشكلات ديون الحكومات المحلية في زيادة الضغوط المفروضة على قادة الصين للاستجابة لهذه النداءات.

وقال لي: «علينا ألا نغفل أسوأ السيناريوهات، ويجب أن نكون مستعدين جيدا لجميع المخاطر والتحديات»، وأضاف: «على وجه الخصوص، يجب علينا المضي قدما في تحويل نموذج النمو، وإجراء التعديلات الهيكلية، وتحسين الجودة، وتعزيز الأداء».

ولم ترد تفاصيل فورية عن التغييرات التي تعتزم الصين تنفيذها. وقال لي إنه عند تحديد معدل النمو المستهدف، وضع صناع السياسات في الاعتبار الحاجة إلى تعزيز التوظيف والدخل ومنع المخاطر ونزع فتيلها، مضيفا أن الصين تعتزم اتخاذ موقف مالي «استباقي» وسياسة نقدية «حكيمة».

وتتوقع الصين أن يبلغ عجز الميزانية ثلاثة بالمائة من الناتج الاقتصادي، بانخفاض عن 3.8 بالمائة المعدلة العام الماضي. لكن الأهم من ذلك أنها تخطط لإصدار سندات خزانة خاصة طويلة الأجل بقيمة تريليون يوان (139 مليار دولار)، وهي غير مدرجة في الميزانية.

وتم تحديد حصة إصدار السندات الخاصة للحكومات المحلية للمناطق عند 3.9 تريليون يوان، مقابل 3.8 تريليون يوان في عام 2023. كما حددت الصين هدف التضخم الاستهلاكي عند ثلاثة بالمائة وتهدف إلى خلق أكثر من 12 مليون وظيفة في المناطق الحضرية هذا العام، ما يبقي معدل البطالة عند نحو 5.5 بالمائة.

ويتوقع محللون أن تخفض الصين توقعاتها للنمو السنوي في المستقبل. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في الصين 4.6 بالمائة هذا العام، ثم يتراجع أكثر على المدى المتوسط إلى نحو 3.5 بالمائة في عام 2028.

وهذه السنة، يجد آلاف المندوبين الذين يحضرون المؤتمر السنوي للبرلمان الصيني، أنفسهم أمام سلسلة من التحديات الاقتصادية والأمنية تشمل تراجع القطاع العقاري وارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب وتباطؤا اقتصاديا عالميا أدى إلى تراجع الطلب على المنتوجات الصينية.

ويتماشى هدف النمو المعلن لعام 2024 مع ما كان موضوعا للعام الذي سبقه، لكنه يبقى ما دون نسب سادت لأعوام طويلة وكانت أعلى من 10 بالمائة. وبلغت نسبة النمو في الصين العام الماضي 5.2 بالمائة، وهي كانت من الأدنى التي تسجّلها منذ التسعينات.

وقالت كبيرة اقتصاديي الصين في مصرف «يو بي إس» وانغ تاو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا نعد أن هدف النمو بنسبة خمسة بالمائة متواضع، بل على العكس نعتقد أنه (هدف) طموح».

وتابعت: «تواصل السوق العقارية الانخفاض ولم تبلغ القعر بعد، وهو ما يفرض ضغوطا تراجعية على الاقتصاد»، مرجحة أن ينعكس ذلك «تأثيرا سلبيا على التمويل والإنفاق المحليين للحكومة، وثروة الأسر وإنفاقها».

وحذّر لي تشيانغ في كلمته من وجود «مخاطر باقية ومخاطر خفية» في الاقتصاد الصيني، إلا أن الصين تحاذر منذ أعوام مواجهة الضغوط التي يعانيها اقتصادها من خلال خطة إنقاذ واسعة، خشية أن يفرض ذلك ضغوطا كبيرة على ميزانية الدولة. ولا يرى الخبراء أن مقاربة بكين في الفترة المقبلة ستختلف عن ذلك.

وبحسب تقرير عمل حكومي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، تعتزم الصين زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7.2 بالمائة هذا العام، حيث ستبلغ 1.665 تريليون يوان (231.4 مليار دولار).

وفي مسعى لتهدئة مخاوف المستثمرين، تعهدت الصين الثلاثاء بفتح «قنوات جديدة» للتجارة الدولية، إضافة إلى خفض التعريفات على التقنيات المتطورة. إلا أن السلطات أعلنت الاثنين إلغاء المؤتمر الصحافي التقليدي الذي كان يلي اجتماع المجلس الوطني لنواب الشعب، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1993. وكان هذا المؤتمر يوفر فرصة نادرة للصحافة الأجنبية لطرح الأسئلة بشكل مباشر على كبار مسؤولي البلاد.

ويرى المحللون أن هامش المناورة بالنسبة إلى صانعي السياسات في الصين سيكون محدودا هذا الأسبوع، إذ يجدون أنفسهم عالقين بين حدّي الإصلاحات الجذرية لتحفيز النمو الاقتصادي، وجهود تعزيز سلطة الدولة المركزية.

وقال أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة جونز هوبكنز الأميركية هو-فانغ هانغ لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الحكومة الصينية «قد تتشدد في الاتجاه الراهن لتعزيز إجراءات الأمن القومي على كل الجبهات»، عادا أن ذلك «لن يساعد الاقتصاد، لكنه قد يساعد الحزب الحاكم في مواجهة عاصفة الأزمة الاقتصادية».


مقالات ذات صلة

تركيا لإعادة تقييم الأجور حسب تطورات التضخم ودعم التوظيف

الاقتصاد مظاهرة لأصحاب الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين في أنقرة الجمعة رافعين لافتة «لا للجوع والبؤس» (إعلام تركي)

تركيا لإعادة تقييم الأجور حسب تطورات التضخم ودعم التوظيف

أعلنت الحكومة التركية أنها قد تعيد تقييم الحد الأدنى للأجور حال حدوث انحراف كبير للتضخم وتعهدت بمراجعة سريعة لأدنى راتب للمتقاعدين وسط غضب من أصحابها

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد أعلام الاتحاد ترفرف أمام البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

بيانات البطالة الألمانية تدعم ارتفاع عوائد السندات الأوروبية

ارتفعت عائدات سندات منطقة اليورو مقتربة مرة أخرى من أعلى مستوياتها خلال شهر أو أكثر، بعد صدور بيانات أظهرت ارتفاع معدل البطالة في ألمانيا بأقل من المتوقع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية... 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

لماذا يطالب ترمب بجزيرة غرينلاند وقناة بنما؟

يسعى ترمب من خلال مطالبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة للولايات المتحدة، لا سيما على حساب الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مضخات نفطية في حقل بولاية ألبرتا الكندية (أ.ب)

النفط قرب أعلى مستوى في شهرين وسط تفاؤل بجهود لدعم النمو العالمي

بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها في أكثر من شهرين هذا الأسبوع وسط آمال بأن تزيد الحكومات في أنحاء العالم سياسات تعزيز النمو الاقتصادي

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد موظف بنك يعد أوراق الدولار الأميركي بأحد الفروع في هانوي (رويترز)

قوة الدولار تضغط على الأسواق العالمية

ارتفع الدولار الأميركي بالقرب من أعلى مستوى له في عامين مقابل مجموعة من العملات، يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

الأعلى تاريخياً... 49.1 مليون مسافر عبر «مطار جدة» خلال 2024

278 ألف رحلة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة خلال 2024 (واس)
278 ألف رحلة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة خلال 2024 (واس)
TT

الأعلى تاريخياً... 49.1 مليون مسافر عبر «مطار جدة» خلال 2024

278 ألف رحلة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة خلال 2024 (واس)
278 ألف رحلة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة خلال 2024 (واس)

حقّق مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة إنجازاً تاريخياً، بتسجيله أعلى رقم تشغيل سنوي في تاريخ المطارات السعودية، بأكثر من 49.1 مليون مسافر خلال عام 2024، بنسبة نمو بلغت 14 في المائة مقارنةً بالعام 2023.

وتخطّى إجمالي عدد الرحلات عبر المطار 278 ألف رحلة، بزيادة 11 في المائة على العام الماضي، إلى جانب مناولة 47.1 مليون حقيبة عبر منظومته التشغيلية، بارتفاع قدره 21 في المائة.

وعن الأيام التشغيلية، سجّل المطار أعلى يوم تشغيل تاريخي له في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بأكثر من 174.6 ألف مسافر، في حين كان الشهر نفسه الأعلى في عدد المسافرين، الذي تجاوز 4.7 مليون.

ديسمبر الشهر الأعلى في عدد المسافرين عبر المطار بأكثر من 4.7 مليون (واس)

من جانبه، قال المهندس مازن جوهر، الرئيس التنفيذي لشركة «مطارات جدة»، إن هذه الأرقام تعكس النمو المتسارع للحركة التشغيلية في المطار، الذي يحظى بدعم القيادة السعودية والمتابعة المستمرة من قيادات منظومة النقل، ما أسهم في دعم أعمال تطوير بنيته التحتية.

وترتكز رؤية الشركة، وفق رئيسها التنفيذي، أن يصبح المطار محوراً عالمياً، مع التركيز على إيجاد نقلة نوعية في تجربة المسافر، والعمل بصفته بوابة للحرمين الشريفين، وتمكين السياحة والتجارة.

وثمّن جوهر ما قدّمه شركاء النجاح من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وتعاونهم المثمر عبر منظومة العمل الجماعي التي أسهمت في تقديم أفضل الخدمات التي تتناسب مع سمعة البلاد.