خسائر «المركزي» الأوروبي تُهدد سمعته واستقلاله وتُثقل كاهل موازنات الحكومات

قال المركزي الأوروبي إن مزيداً من الخسائر المالية سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يدفع مدفوعات الفائدة للمصارف إلى الارتفاع (رويترز)
قال المركزي الأوروبي إن مزيداً من الخسائر المالية سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يدفع مدفوعات الفائدة للمصارف إلى الارتفاع (رويترز)
TT

خسائر «المركزي» الأوروبي تُهدد سمعته واستقلاله وتُثقل كاهل موازنات الحكومات

قال المركزي الأوروبي إن مزيداً من الخسائر المالية سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يدفع مدفوعات الفائدة للمصارف إلى الارتفاع (رويترز)
قال المركزي الأوروبي إن مزيداً من الخسائر المالية سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يدفع مدفوعات الفائدة للمصارف إلى الارتفاع (رويترز)

سجّل المصرف المركزي الأوروبي خسائر مالية كبيرة أخرى في عام 2023، ما أدى إلى استنفاد آخر احتياطاته، وقال إن مزيداً من الخسائر سيتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة، مما يدفع مدفوعات الفائدة للمصارف إلى الارتفاع.

وفي حين أشار المصرف إلى أنه يستطيع العمل بفاعلية «بغض النظر عن أي خسائر»، فإن الحسابات لها آثار أوسع نطاقاً، من السمعة والاستقلال إلى مالية الدولة؛ وفق «رويترز».

ويشرح هذا الملخص المخاطر والتكاليف المرتبطة بالخسائر في المركزي الأوروبي والمصارف المركزية الوطنية في منطقة اليورو المكونة من 20 دولة.

هل سيؤثر ذلك على سمعة المصرف المركزي الأوروبي؟

طبع المركزي الأوروبي تريليونات اليوروات على مدى عقد تقريباً، على الرغم من تحذيرات كثيرة من خبراء اقتصاد محافظين. ويمكن أن تؤدي الخسائر إلى تضخيم الأصوات المنتقدة، خصوصاً إذا طلبت المصارف المركزية رأس مال إضافيا من حكوماتها، وهو ما قد يصوره البعض على أنه إنقاذ حكومي.

ويمكن أن تدفع الخسائر، التي قللت بالفعل من دخل الدول، وقد تؤدي إلى نفقات إضافية، الحكومات إلى التشكيك في كيفية عمل المصرف المركزي، وهو ما يشكل خطراً محتملاً على الشرعية والاستقلال في نهاية المطاف.

وبينما تجادل الهيئات الرسمية من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن الخسائر ليست مؤشراً على خطأ في السياسة، قد يجد الجمهور الأوسع صعوبة في فهم الفروق الدقيقة، خصوصاً وأن المصارف المركزية تعمل بشكل مختلف عن أي شركة أخرى.

ويمكن أن تضر الخسائر المستمرة أيضاً بمصداقية المصرف المركزي؛ لأنه عندئذ سيفترض المستثمرون أنه سيطبع العملة لفترة أطول.

هل ستؤثر الخسائر على موازنات الحكومات؟

استمتعت حكومات منطقة اليورو بأرباح موزعة من المصارف المركزية الخاصة بها لعقود؛ لذا فإن الخسائر تعني أيضاً فقدان الدخل للموازنات. وإذا استنفدت البنود وفقدت الخسائر كما هي الحال الآن، حتى الأرباح المستقبلية، فتصبح غير متاحة للمساهمين، حيث يجب على المصرف أولاً تعويض الخسائر، ثم إعادة بناء البنود، قبل دفع أي أرباح.

هل سيحتاج المركزي الأوروبي إلى إعادة رسملة؟

لا تعمل المصارف المركزية مثل المصارف التجارية، بل يمكنها أن تعمل بأسهم سلبية. والواقع أن أسهم المصرف الاحتياطي الأسترالي والمصرف الوطني التشيكي، بين مؤسسات أخرى، كانت سلبية، كما كانت حال المصرف المركزي الألماني (البوندسبنك) في بعض فترات السبعينات.

ومع ذلك، حذر البعض، بما في ذلك المصرف المركزي الهولندي، من أن وضع حقوق الملكية السلبية لا يمكن الحفاظ عليه لفترة «ممتدة»، وقد يلزم إعادة رسملة حكومية.

وحذرت المصارف المركزية في هولندا وبلجيكا وألمانيا في الماضي جميعها من احتمال تكبد مزيد من الخسائر الكبيرة.

وأعلن المصرف المركزي السويدي - الذي ليس جزءاً من منطقة اليورو - بالفعل أنه وفقاً لقوانينه الجديدة، يجب عليه التقدم بطلب إعادة الهيكلة إلى البرلمان لأن رأسماله قد انخفض دون الحد المطلوب.

هل سيؤثر ذلك على مراجعة إطار عمل المصرف المركزي الأوروبي؟

يقوم المركزي الأوروبي حالياً بمراجعة إطاره التشغيلي، بما في ذلك كيفية توفير السيولة للمقرضين في وضع مصرفي جديد.

وعلى مدى العقد الماضي، قدم البنك أموالاً وفيرة، ولا يزال هناك 3.5 تريليون يورو (3.8 تريليون دولار) من السيولة الزائدة تتدفق في النظام المالي، بعد سنوات من التخلي عن سياسة نقدية شديدة التيسير.

وإحدى القضايا التي يجري النظر فيها هي حجم مدفوعات الفائدة التي يقدمها المركزي الأوروبي للمقرضين مقابل السيولة الفائضة التي يحتفظون بها لدى المصرف ليلاً. ويرى بعض صانعي السياسات النقدية أنه ينبغي على المركزي أن يكافئ جزءاً أصغر من ودائع المصارف بسعر الفائدة الحالي البالغ 4 في المائة، ما يؤدي إلى خفض نفقات فائدة المصرف نفسه على حساب أرباح المصارف.

لكن عملياً، لا يوجد مبرر قوي لاستخدام سياسة نقدية مثل هذه، بالنظر إلى أن التفويض الوحيد للمركزي هو الحفاظ على استقرار الأسعار. وبالتالي، فإن أي إجراء يهدف إلى تعزيز وضع المصرف المالي الخاص قد يثير جدلاً قانونياً.

ومع ذلك، قد يُنظر إلى استمرار الخسائر لفترة أطول على أنها أمر غير مقبول؛ لأنها تطرح تساؤلات حول استدامة الإطار الحالي. ولذلك، فإن هذا يمكن أن يوفر مبرراً معقولاً لخفض المدفوعات التي يقدمها المركزي الأوروبي للمقرضين التجاريين.


مقالات ذات صلة

الصين تدافع عن «الإفراط في التصنيع»

الاقتصاد سيارات معدة للتصدير في ميناء يانتاي بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

الصين تدافع عن «الإفراط في التصنيع»

قال نائب وزير مالية الصين، إن القدرات الصناعية لبلاده تساعد العالم في مكافحة التغير المناخي، وفي جهود احتواء التضخم، في رد على انتقاد وزيرة الخزانة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)

اجتماع حاسم لـ«الفيدرالي» تظلله تعقيدات الاقتراب من الانتخابات الرئاسية

يتوقع على نطاق واسع أن يبقي المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة الرئيسية ثابتة عندما يجتمعون يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا قوات الأمن تعتقل ناشطين من «حزب الجماعة الإسلامية» في أثناء احتجاجهم على التضخم بإسلام آباد في 26 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

أغلقت السلطات الباكستانية، الجمعة، الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد، ونشرت آلافاً من قوات الأمن لمنع الاحتجاجات ضد زيادة التضخم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الاقتصاد موظفو «أمازون» يحملون الطرود على عربات قبل وضعها في الشاحنات للتوزيع خلال الحدث السنوي للشركة (أ.ب)

الاقتصاد الأميركي يفوق المتوقع وينمو بـ2.8 % في الربع الثاني

نما الاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع من المتوقع في الربع الثاني، لكن التضخم تراجع، مما ترك توقعات خفض أسعار الفائدة في سبتمبر سليمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار المصرف المركزي التركي في أنقرة (رويترز)

«المركزي» التركي يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الرابع

ثبّت مصرف تركيا المركزي سعر الفائدة على إعادة الشراء لمدة أسبوع (الريبو) المعتمد معياراً أساسياً لأسعار الفائدة عند 50 % دون تغيير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)

قال وزير المالية المصري أحمد كجوك، إن بلاده تتطلع إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يوم 29 يوليو (تموز) الحالي، «ونستهدف استمرار المراجعات القادمة بنجاح، والعمل على مسار الحصول على تمويل من صندوق المرونة والاستدامة».

وأكد الوزير، في بيان صحافي، السبت: «إننا نتعامل في مصر بتوازن شديد مع تداعيات جيوسياسية مركبة، في إطار برنامج شامل لتحسين الأداء الاقتصادي».

وأجرت بعثة من صندوق النقد الدولي، زيارة إلى القاهرة في مايو (أيار) الماضي، لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. لكنه أجّل مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار، إلى 29 يوليو الحالي، بعدما كانت على جدول اجتماعاته المقررة 10 يوليو.

واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس (آذار) الماضي، المراجعتين الأولى والثانية، في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، ما سمح لمصر بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.

وخلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين» في البرازيل، قال الوزير: «إننا ملتزمون بتحقيق الانضباط المالي من أجل وضع مسار دين أجهزة الموازنة للناتج المحلي في مسار نزولي، ونستهدف خلق مساحة مالية كافية تتيح زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، ونعمل أيضاً على خفض معدلات التضخم لضمان استقرار الأسعار لتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، ومساندة تنافسية الشركات».

وأشار الوزير إلى أن أولوية الحكومة خلال الفترة المقبلة زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص ودفع الأنشطة الإنتاجية والتصديرية، وكذلك تطوير بيئة الأعمال لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لافتاً إلى «أننا نعمل على تبسيط الإجراءات الخاصة بمنظومتي الضرائب والجمارك لإعادة بناء الثقة بين مجتمع الأعمال والإدارة الضريبية وتحسين الخدمات للممولين».

وأوضح كجوك، أن بلاده حريصة على دفع الإصلاحات الهيكلية ودفع الاستثمارات الخاصة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا وتحلية المياه والبنية التحتية، مشيراً إلى العمل أيضاً على «اتساق السياسات الاقتصادية من خلال وضع سقف لإجمالي الاستثمارات العامة والضمانات الحكومية ونسبة دين الحكومة العامة للناتج المحلي».

على صعيد موازٍ، عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية، لقاءاتٍ مكثفة مع وزراء الاقتصاد والتنمية والتعاون الدولي، إلى جانب مسؤولي مؤسسات التمويل الدولية، المُشاركين في الاجتماع الوزاري لـ«مجموعة العشرين» بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وذلك لبحث أولويات التعاون المشترك وتعزيز الشراكات المستقبلية في ضوء أولويات وبرنامج الحكومة.

والتقت المشاط بكل من: أحمد حسين وزير التنمية الدولية الكندي، وإيفا جرانادوس وزيرة الدولة للتعاون الدولي الإسبانية، وريم الهاشمي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيفينا شولز الوزيرة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وأنيليز جين دودز وزيرة الدولة لشؤون المرأة والمساواة في المملكة المتحدة، وخوسيه دي ليما وزير الدولة للاقتصاد الأنغولي، وكريسولا زاكاروبولو وزيرة الدولة للتعاون الإنمائي بفرنسا.

كما عقدت الوزيرة لقاءً مع جوتا أوربيلينين المفوضة الأوروبية للشراكات الدولية، وسيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وريبيكا جرينسبان الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، كما التقت أنيل كيشورا نائب الرئيس والمدير التنفيذي لبنك التنمية الجديد (NDB)، وألفارو لاريو رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد).

وخلال اللقاءات ناقشت المشاط، فُرص التعاون المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي استمراراً للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين وجهود تعزيز الاستثمارات من خلال آلية ضمان الاستثمار التي يجري تنفيذها، وكذلك تعزيز جهود الإصلاحات الهيكلية.