تراجع دولار السوق السوداء في مصر، بشكل حاد من أكثر من 70 جنيهاً، يوم الأربعاء الماضي، إلى نحو 55 جنيهاً، حتى ظُهر الاثنين، وفق غروبات للعملة الأميركية، تبعه هبوط حاد للذهب في البلاد بأكثر من 5 آلاف جنيه لـ«الجنيه الذهب»، وسط حالة ترقب وحذر من الجميع.
ومع استمرار ضبابية الوضع الاقتصادي في مصر، ظهرت بعض الملامح التي قد يُبْنَى عليها خلال الفترة المقبلة، وربما تكون السبب وراء تراجع السوق السوداء للدولار، والتي توسعت لتطول سلعاً وأجهزة كهربائية بعينها، وسط ازدياد المخاوف من بعض الخبراء والمواطنين من تعميقها في السوق المصرية، ووقتها «ستكون جزءاً من النظام المالي النقدي... يصعب التغلب عليه»، وفق المهندس الزراعي جرجس صفوت.
وتعد تصريحات صندوق النقد الدولي حول تقدم المفاوضات «بشكل ممتاز» مع مصر، وسبل زيادة قيمة القرض من 3 مليارات دولار إلى نحو 10 - 12 مليار دولار، أبرز الملامح التي هزت المتعاملين في السوق السوداء، مع ضخ استثمارات إماراتية تزيد على 40 مليار دولار بالتعاون مع مستثمرين مصريين في القطاع السياحي، رغم أن الحكومة المصرية لم تؤكد هذه الأنباء حتى الآن. وبالإضافة إلى دعم أوروبي غير محدد القيمة، وتحصل البنك المركزي المصري، يوم الاثنين، على مليار دولار من عطاء لبيع أذون خزانة دولارية، وذلك بعد أن رفع سعر الفائدة الرئيسية 2 في المائة، يوم الخميس الماضي.
ووافق مجلس الوزراء المصري، الأسبوع الماضي، على مشروع قرار بشأن ترشيد الإنفاق الاستثماري بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار بإلغاء الإعفاءات من الضرائب والرسوم المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.
تحركات وإن هبطت بالسوق السوداء بالفعل، إلا أنها مجرد «رد فعل»، وفق ما أكد صفوت لـ«الشرق الأوسط»، والذي يعاني في مجال عمله من عدم توافر العملة الأميركية، وقال: «نريد أن تكون الحكومة فعلاً وليست رد فعل للسوق... وقتها ستتحرك السوق وفق رؤية الدولة وليس العكس...».
ودعم هذا التفاؤل نصائح من مصرفي «غولدمان ساكس» و«بيكتيت أسيت مانجمنت»، بشراء السندات الدولارية المصرية، وحثا المستثمرين على الاستثمار في السندات الدولارية التي طرحتها مصر مؤخراً، متوقعين أن تتجنب البلاد التخلف عن السداد، وأن تحقق أداءً جيداً للمستثمرين.
يغلف كل هذا التوقع المرتقب لخفض الفائدة على الدولار من قبل مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي خلال العام الحالي، وسط توقعات ببدء الخفض مارس (آذار) المقبل، ما قد يزيد الإقبال على شراء ديون الدول ذات التصنيف المنخفض والفائدة المرتفعة مثل مصر.
3 أنواع من دولار السوق السوداء
رغم ثبات سعر العملة الأميركية في البنوك الرسمية عند 30.90 جنيه منذ مارس الماضي، ونتيجة عدم توافرها لدى البنوك، اخترع كل قطاع دولاراً خاصاً به حتى يكون دليلاً يسترشد به في التسعير، فمن دولار السوق السوداء الذي أصبح يتداول على نطاق واسع بين المستوردين والتجار والمنتجين، ودولار الصاغة الذي يستخدمه تجار الذهب والمجوهرات في تسعير الذهب، ودولار البنك التجاري الدولي الذي يستخدمه المستثمرون في البورصة، والذي يقوم من خلاله المستثمر بشراء السهم في بورصة مصر وبيعه في بورصة لندن (أربيتراج) للاستفادة من فرق السعر بالدولار. وتمثل أسهم البنك التجاري الدولي الوزن النسبي الأكبر في بورصة مصر.
النائب أحمد سمير، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ المصري، يرى أن ما حدث لدولار السوق السوداء أثبت أن «سعره كان مبالغاً فيه بشدة» وأن السبب الوحيد لذلك «عدم توافره فقط... وليس ضعفاً في الاقتصاد المصري...»، وعدّه «طمأنة للمصريين».
وعن السعر العادل الذي يرى أن الحكومة المصرية قد تلجأ إليه عند بدء التخفيض المتوقع، قال سمير لـ«الشرق الأوسط»: «نحو 36 إلى 38 جنيهاً للدولار، وهو السعر الذي تتوقعه كثير من المؤسسات الدولية...».
وحصر سمير، مشكلات اقتصاد مصر الحالية في «عدم توافر الدولار»، وقال: «إذ حلت مصر مشكلة الدولار فستنهي كل مشكلاتها الحالية... لتبدأ العمل فيما بعد على خفض التضخم حتى يشعر المواطن بأهمية هذه الخطوات...».
حُسن الضيافة
بعد مباحثات استمرت نحو أسبوعين، بين مصر وصندوق النقد الدولي، قالت البعثة إنها «تود أن تشكر السلطات على حسن ضيافتها وحوارها البناء»، وذلك دون الإعلان عن أي نتائج.
فسر البعض هذا الأمر على أن الصندوق اشترط تقدم مصر في بعض البنود للإعلان عن نجاح المراجعتين الأولى والثانية المتأخرتين، فضلاً عن الدعم الإضافي المتوقع أن يذهب بقيمة القرض من 3 مليارات دولار إلى نحو 10 - 12 مليار دولار.
وقال مصدر مطلع على المباحثات لـ«الشرق الأوسط»، رفض الإفصاح عن هويته، إن حجم الدعم الإضافي من صندوق النقد الدولي سيتوقف على قبول مصر كل شروط الصندوق أو جزءاً منها، «بمعنى أنه إذا نفذت مصر كل شروط الصندوق، فستحصل على أعلى قيمة جرى التفاوض عليها، وهي 12 مليار دولار، وإذا نفذت جزءاً ورفضت الباقي فستقل هذه القيمة، إلى ما بين 8 إلى 10 مليارات دولار».
ويتوقع البنك الأميركي (غولدمان ساكس)، في هذا الإطار، أن تحصل مصر على 12 مليار دولار منها 7 ملايين دولار من صندوق النقد الدولي، و5 مليارات دولار من الشركاء.
في الوقت الذي ستواصل فيه «البعثة والسلطات (المصرية) المناقشات عبر الإنترنت خلال الأيام المقبلة لوضع اللمسات الأخيرة على مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية (MEFP)، وتحديد حجم الدعم الإضافي من صندوق النقد الدولي وغيره من شركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف اللازم للمساعدة في سد العجز المتزايد في مصر»، وفق بيان الصندوق، صارت المدة المحددة لاستمرار الأزمة هنا «بيد الحكومة المصرية»، وفق المصدر.
وأعلن البنك المركزي المصري، يوم الاثنين، بيع أذون خزانة دولارية لأجل عام بقيمة 1.061 مليار دولار في عطاء بمتوسط عائد 5.149 في المائة.
ورفع المركزي أسعار الفائدة 200 نقطة أساس خلال اجتماعه، مساء الخميس، على الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 21.25 بالمائة و22.25 بالمائة على الترتيب، في خطوة استباقية لمواجهة ضغوط تضخمية متوقعة، وفق ما جاء في البيان الصادر عقب اجتماع لجنة السياسة النقدية.
ويأتي الرفع الأول للفائدة منذ أغسطس (آب) الماضي وسط توقعات البنك بأن تستمر «الضغوط التضخمية واسعة النطاق في التأثير على أنماط الاستهلاك والتسعير. بالإضافة إلى ذلك، قد ينتج عن التوترات الجيوسياسية، واضطراب الملاحة البحرية ارتفاع حالة عدم اليقين حول معدلات التضخم العالمية والمحلية»، وفق البيان.
وارتفع صافي الاحتياطات الأجنبية في البلاد من 35.22 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) إلى 35.25 مليار دولار في يناير (كانون الثاني)، وفق بيان من البنك المركزي المصري، الاثنين.