العملاق الصيني بين مرّ الاقتصاد والحصرم الأميركي

جذب المستثمرين الأجانب والتدفقات الخارجية واستمرار الانكماش يؤرقان بكين

الرئيس الصيني شي جينبينغ يحيي الحاضرين قبل أن يتحدث خلال مأدبة عشاء مع قادة الأعمال خلال قمة «أبيك» (أ.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يحيي الحاضرين قبل أن يتحدث خلال مأدبة عشاء مع قادة الأعمال خلال قمة «أبيك» (أ.ب)
TT

العملاق الصيني بين مرّ الاقتصاد والحصرم الأميركي

الرئيس الصيني شي جينبينغ يحيي الحاضرين قبل أن يتحدث خلال مأدبة عشاء مع قادة الأعمال خلال قمة «أبيك» (أ.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يحيي الحاضرين قبل أن يتحدث خلال مأدبة عشاء مع قادة الأعمال خلال قمة «أبيك» (أ.ب)

أتى اللقاء بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في سان فرنسيسكو الأسبوع الماضي، في سياق دولي وإقليمي مضطرب وموسوم بالنزاعات والحروب. فالصراع في الشرق الأوسط يهدد بأن يصبح مسرحاً آخر لمنافسة القوى العظمى، حيث تدعم أميركا إسرائيل، في وقت تعمّق الصين روابطها مع إيران. وفي بحر الصين الجنوبي، ترصد الصين السفن الفلبينية وتحلق طائراتها بشكل خطير بالقرب من الطائرات الأميركية.

كما أن العام المقبل سيشكل اختباراً آخر للعلاقات الصينية - الأميركية، حيث تشهد تايوان انتخابات رئاسية قد تأتي برئيس لا تريده بكين فيما تدعمه واشنطن؛ كما ستكون الصين طبقاً مهماً في السباق إلى البيت الأبيض.

ورغم التوتر الكبير بين أكبر اقتصادين في العالم اللذين تأتي الأعمال التجارية والاقتصادية في قلب علاقاتهما منذ عقود، يبدو واضحاً أن بكين تحاول أن تخطب ود واشنطن من جديد، محاوِلة استعارة لغة أكثر ليونة معها.

وهو ما عبّر عنه الرئيس الصيني شي جينبينغ بوضوح حين التقى في سان فرنسيسكو مجموعة من المديرين التنفيذيين الأميركيين الذين يمثلون الشركات العملاقة في البلاد، مثل «أبل» و«بلاك روك» وغير ذلك كثر. فشي أبدى استعداد الصين لأن تكون شريكةً وصديقةً للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن حكومته ستتخذ مزيداً من الإجراءات «التي تدفئ القلب» لجذب الأجانب.

من الجلي أن شي يغازل الشركات الأميركية في إطار محاولاته طمأنة عالم الأعمال بأن بلاده لا تزال مفتوحةً أمام الاستثمارات. وهو أمر فائق الأهمية بالنسبة إلى بكين بعدما سجلت عجزاً ربع سنوي في الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 11.8 مليار دولار بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) هو الأول منذ أن بدأت هيئة تنظيم الصرف الأجنبي في البلاد في تجميع البيانات عام 1998.

أسباب هذا التراجع الكبير كثيرة، لكن يبقى أبرزها أن الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في الصين تعيد أرباحها إلى وطنها بسبب الفجوة الواسعة في أسعار الفائدة بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما يدفعها إلى البحث عن عوائد أعلى في أماكن أخرى. كما أن هذه الشركات تسعى لتقليل المخاطر من خلال العمل على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها.

وقد دفع تباطؤ الاقتصاد في الصين وانخفاض أسعار الفائدة والصراع الجيوسياسي مع الولايات المتحدة وعدم اليقين بشأن السياسات المحلية، الشركات نحو البحث عن أسواق بديلة.

وكانت الشركات أحجمت عن الاستثمار في الصين بعدما نفذت الأخيرة واحدة من أكثر عمليات الإغلاق الوبائي صرامة في العالم من خلال سياسة «صفر كوفيد»، التي تسببت في اضطرابات في سلاسل التوريد لكثير من الشركات، مثل شركة «أبل» العملاقة للتكنولوجيا، التي تصنع معظم أجهزة «آيفون» في الصين. فقامت «أبل» منذ ذلك الحين بتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها عن طريق نقل بعض الإنتاج إلى الهند.

ورغم أنه تم إلغاء هذه القيود، لكن الشركات لا تزال تواجه تحديات متعددة، حيث إن بكين تدقق في نشاطها بسبب مخاوف تربطها بالأمن القومي. فقد أسفرت حملة مكافحة التجسس التي نفذتها بكين هذا العام، عن مداهمة السلطات المحلية الكثير من مكاتب الشركات الأجنبية، وهو ما عُدّ مخالفاً لبيئة صحية للأعمال ومسبباً في فقدان الثقة باقتصاد البلاد.

وفقاً لوكالة أنباء «شينخوا» الرسمية، تشكل الشركات الأجنبية أقل من 3 في المائة من إجمالي عدد الشركات في الصين، لكنها تسهم في 40 في المائة من تجارتها، وأكثر من 16 في المائة من إيرادات الضرائب، وحوالي 10 في المائة من العمالة في المناطق الحضرية. كما أنها كانت أساسية للتطور التكنولوجي في الصين، مع نمو الاستثمار الأجنبي في صناعة التكنولوجيا الفائقة في البلاد بمعدلات من رقمين في المتوسط منذ عام 2012.

لا شك أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الخارج تضيف ضغوطاً على اليوان الذي وصل إلى أضعف مستوى منذ عام 2007 في وقت سابق من هذا العام.

كما أن ضعف الاستثمار من قبل الشركات العالمية في الصين سوف تكون له آثاره الكبيرة بعيدة المدى على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في وقت تحاول مواجهة القيود الأميركية على الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة.

في الأشهر الأخيرة، شرعت الحكومة الصينية في حملة كبيرة بهدف جذب الاستثمار الأجنبي، وتعهدت بتقديم معاملة ضريبية أفضل للشركات الأجنبية وتسهيل حصولها على تأشيرات، في إطار مساعيها الحثيثة لمواجهة التحديات الاقتصادية المتسارعة في ظل فقدان القطاعات الرئيسية زخم التعافي، وفي مقدمها القطاع العقاري، إضافة إلى قطاعات الصناعة والتجزئة، وبما ينعكس بشكل مباشر على صادرات البلاد.

لكن كثيراً من الشركات العالمية لا تثق كثيراً بوعود بكين وتعهداتها، ما يعني أنها لا تزال بحاجة إلى أن تبذل المزيد لإقناع المستثمرين بأنهم مرحب بهم فيها.

الانكماش

أظهرت الأرقام أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 4.9 في المائة في الربع الثالث، مقارنة بالعام السابق، وهو أسرع من المتوقع. لكنها في المقابل تعاني مشاكل في الاستقرار المالي تتجلى بأزمة العقارات، ومخاطر الديون المحلية. فالحفاظ على الاستقرار المالي ليس مثل إحياء النمو.

كما تشير البيانات الواردة في الربع الرابع حتى الآن إلى أن التعافي الحقيقي في الصين لا يزال بعيد المنال؛ إذ أظهرت بيانات الأسبوع الماضي أن أسعار المستهلكين في أكتوبر (تشرين الأول) انكمشت، حيث أشارت المؤشرات الرئيسية للطلب المحلي إلى ضعف لم يشهده منذ الجائحة، في حين تعمق انكماش بوابة المصنع، مما أثار الشكوك حول فرص حدوث انتعاش اقتصادي واسع النطاق.

تقول مجلة «ذي إيكونوميست» في تحليل لها عن وضع الصين راهناً، أنه ليس هناك ما هو أكثر إثارة للقلق من خطر الانكماش، وترى أنه «من الصعب أن نرى كيف يعزز الانكماش موقف الصين. فصندوق النقد الدولي يعتقد الآن أن أسعار الصين، كما تم قياسها من خلال معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي، ستنخفض هذا العام مقارنة بالعام الماضي. إلى جانب ضعف اليوان، يمكن أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي بالدولار. والواقع أن اقتصاد الصين لن يحقق مكاسب تذكر على اقتصاد أميركا في السنوات الخمس المقبلة، وفقا للصندوق».

وتضيف «التناقض مع توقعات صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) صارخ. في غضون ستة أشهر، قطع الصندوق أكثر من 15 تريليون دولار، بدولارات اليوم، من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي للصين للسنوات من 2023 إلى 2028. قليل من الاقتصادات يمكن أن يتطابق مع حجم الصين. وهذا يشمل حجم خيبات الأمل».


مقالات ذات صلة

«اللجين» السعودية تبيع 35 % من رأسمال شركة تابعة بـ500 مليون دولار

الاقتصاد أحد المصانع التابعة لـ«ناتبت» في ينبع غرب السعودية (الشركة)

«اللجين» السعودية تبيع 35 % من رأسمال شركة تابعة بـ500 مليون دولار

أعلنت شركة «اللجين» السعودية، إتمام بيع 35 في المائة من حصتها في شركة الوطنية للصناعات البيتروكيميائية «نابتت» لشركة «بازل العالمية»، مقابل 1.86 مليار ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد توقيع الاتفاقية بين وزيري المالية السعودي والقطري (واس)

السعودية وقطر توقّعان اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي

وقّع وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، مع نظيره القطري، علي الكواري، الخميس، اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي بالرياض (الشرق الأوسط)

البيئة السعودية الاستثمارية تجذب 127 مقراً إقليمياً جديداً

استطاعت البيئة السعودية الاستثمارية جذب 127 مقراً إقليمياً جديداً خلال الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 477 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وفق «بلومبرغ» تخطط «أرامكو» لإجراء عملية بناء سجل الأوامر لجمع اهتمام المستثمرين حتى يوم الخميس (رويترز)

«بلومبرغ»: السعودية تبدأ طرح حصة من أسهم «أرامكو» الأحد

ذكرت وكالة «بلومبرغ» أن السعودية تتأهب لإطلاق عملية طرح ثانوية لأسهم شركة «أرامكو» رسمياً بحلول يوم الأحد، ما قد يجمع أكثر من 10 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

«السيادي» السعودي أعلى علامة تجارية قيمة في العالم بـ1.1 مليار دولار

اكتسح صندوق الاستثمارات العامة السعودي صناديق الثروة العالمية ليحتل المرتبة الأولى في العلامة التجارية الأعلى قيمة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وزير التموين المصري: تعديل دعم رغيف الخبز ليس طلباً من صندوق النقد الدولي

أحد المخابز في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أحد المخابز في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

وزير التموين المصري: تعديل دعم رغيف الخبز ليس طلباً من صندوق النقد الدولي

أحد المخابز في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أحد المخابز في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

نفى وزير التموين المصري علي مصيلحي، اليوم السبت، أن يكون قرار تعديل دعم رغيف الخبز اتخذ استجابة لطلب من صندوق النقد الدولي.

وقال مصيلحي في مقابلة مع تلفزيون محلي إن بلاده ليس لديها نقص في السكر، وإن المخزون الاستراتيجي يكفي حتي فبراير (شباط) 2025.

وأضاف مصيلحي أنه طلب رفع سعر كيلو السكر بالتموين إلى 18 جنيهاً بدلا من 12.6.

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي، رفع سعر رغيف الخبز المدعم 300 في المائة، إلى 20 قرشاً، ابتداء من أول يونيو (حزيران).

وأضاف أن حكومته تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، لكنه أكد أن الدولة ستظل ملتزمة بالدعم، ولا سيما على السلع الأساسية، وأن ما يجري هو محاولة لترشيده فحسب.