على خطى سنغافورة وكوريا الجنوبية… السعودية تقود تحولاً وطنياً طموحاً

محللون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» تشابهاً بين تجارب الدول الـ 3

ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الكوري الجنوبي خلال مبادرة مستقبل الاستثمار (واس)
ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الكوري الجنوبي خلال مبادرة مستقبل الاستثمار (واس)
TT

على خطى سنغافورة وكوريا الجنوبية… السعودية تقود تحولاً وطنياً طموحاً

ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الكوري الجنوبي خلال مبادرة مستقبل الاستثمار (واس)
ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الكوري الجنوبي خلال مبادرة مستقبل الاستثمار (واس)

لم يكن من باب المصادفة تواجد الابن الأكبر لمؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو، رئيس الوزراء الحالي لي هسين لونغ، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، في العاصمة السعودية الرياض خلال أسبوع واحد ولقائهما الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

السعودية التي تقود تحولاً وطنياً لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، وتحديث البلاد عبر رؤية ولي العهد الطموحة 2030، تحاول استلهام نقاط القوة في تجربتي سنغافورة، وكوريا الجنوبية اللتين تمثلان علامات فارقة في تحول البلدين إلى مصاف الدول المتقدمة خلال عقود قليلة.

لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في الرياض (واس)

تقول هزار كركلا مستشارة الاقتصاد والسياسات العامة في مركز «Think» للبحوث والدراسات، إن هنالك «الكثير من أوجه التشابه بين تجارب الدول الثلاث، أولها، القيادة العملية التي تدرك الحاجة إلى تغيير وتحويل نموذج النمو في البلاد مع تغير العالم».

وجه الشبه الثاني كما تضيف كركلا في حديثها لـ«الشرق الأوسط» هو وجود «أهداف محددة جيداً ترتكز على رؤية شاملة لتحديث وإصلاح الاقتصاد المحلي، بما في ذلك بناء قاعدة صناعية كبيرة».

وتابعت بقولها «الهدف الثالث يتمثل في تطبيق التدابير والتشريعات الأساسية لإصلاح بيئة الأعمال فضلاً عن الاستثمارات في البنية التحتية الحديثة لتوسيع دور القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعتمد على المعرفة المكثفة والموجه نحو التصدير».

وتشير مستشارة الاقتصاد والسياسات العامة بمركز «Think» للدراسات والبحوث ومقره الرياض، إلى أن وجه التشابه الرابع يتمثل في «الاستخدام الفعال للمساعدات في السنوات الأولى من التحول في حالة سنغافورة وكوريا الجنوبية، والاستخدام الفعال للموارد النفطية في حالة المملكة العربية السعودية».

ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء خلال استقباله رئيس وزراء سنغافورة قبل أيام في الرياض (واس)

وكان رئيس كوريا الجنوبية قد اختار الاستعانة بمثل عربي يقول «اختر الصديق قبل الطريق»، للحديث عن متانة وقوة علاقات بلاده مع السعودية التي قال إنها استطاعت أن تحول نفسها لتكون مركزاً للصناعات المتقدمة.

وأكد يون سوك يول في كلمة أمام مبادرة مستقبل الاستثمار (دافوس الصحراء) في الرياض بحضور ولي العهد السعودي، أن كوريا الجنوبية مستعدة إلى أن تشارك الخبرة مع الرياض لتحقيق التجربة في وقت أقصر ضمن مساعي تحقيق هذا التعاون المتين.

يون سوك يول رئيس كوريا الجنوبية خلال حديثه أمام مبادرة مستقبل الاستثمار (واس)

قبلها بأيام، كان الأمير محمد بن سلمان يناقش مع الابن الأكبر لمؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو، رئيس الوزراء الحالي لي هسين لونغ، التعاون المشترك وفرص تطويره في مختلف المجالات.

ووقعت السعودية وكوريا الجنوبية قبل يومين مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية، ومبادرة واحة الهيدروجين للتعاون في مجال الهيدروجين الأخضر والنظيف.

الرئيس الكوري الجنوبي قال إن زيارته للسعودية أتاحت له الفرصة لتعميق فهمه عن مشاريع الدولة، وأن لديه شعوراً بالشغف لمشروع «نيوم»، بعد مشاهدته نموذجاً لمشروع «ذا لاين» الفريد من نوعه.

ووصف الرئيس الكوري الجنوبي رؤية السعودية 2030 بأنها تحول وطني وأن بلاده تعتبر أهم شريك لإنجاح تطلعات الرياض في عدة جوانب منها الاقتصادية والثقافية وتقنية المعلومات، بالإضافة إلى طموح المملكة في الوصول إلى الحياد الكربوني والحراك المتعلق بالتغير المناخي.

ولي العهد أثناء استقبال رئيس وزراء سنغافورة (واس)

من جهته، يؤكد الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث أن من أهم عوامل نجاح كوريا الجنوبية هو فتح البلاد أمام الأسواق الخارجية والسياسات التي تنتهجها نحو التصدير، إلى جانب تحسين بيئة الأعمال، وسياسات تحفيز الاستثمار في الابتكار.

وبيّن بن صقر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن التجربة السنغافورية هي الأخرى استفادت من الموقع الاستراتيجي للجزيرة في مضيق ملقا الذي يضمن السيطرة على 40 في المائة من الممرات التجارية، بالإضافة إلى السياسات الودية التي تنتهجها الحكومة تجاه الاستثمارات الأجنبية، ووجود حكومة فعالة.

الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث (الشرق الأوسط)

وأضاف الدكتور بن صقر بقوله «تتبنى السعودية سياسات جذابة للمستثمرين الأجانب، وتحاول استخدام موقعها الاستراتيجي كمركز لوجيستي والاستثمار في التعليم واقتصادها المحلي (...) قامت بإصلاح الطريقة التي تدير بها الهيئات الحكومية وأولت الكثير من الاهتمام بشبابها والابتكار ورأس المال الاستثماري والشركات الجديدة والشركات الصغيرة والمتوسطة».

قاعدة صناعية صلبة

بناء قاعدة صناعية صلبة موجهة نحو التصدير يشكل جوهر قصص النجاح في سنغافورة وكوريا الجنوبية، وفقاً لهزار كركلا مستشارة الاقتصاد والسياسات العامة بمركز «Think» للدراسات والبحوث. تضيف بقولها «وهو أيضاً أحد برامج تحقيق الرؤية الرئيسية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، ويمكن للمملكة الاستفادة من تجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية في تطوير القدرة التنافسية للصناعات الرئيسية وتطوير القوى العاملة السعودية الماهرة ورعاية القدرات والمواهب السعودية لتلبية احتياجات الصناعات الجديدة».

كما تعد المشاريع المشتركة بين القطاع الخاص السعودي ونظيره في سنغافورة وكوريا الجنوبية إحدى الطرق لتحقيق ذلك، واستفاد النجاح في سنغافورة وكوريا الجنوبية – بحسب كركلا - من النظام التعليمي القوي الذي يصنف من بين أعلى المعدلات في العالم، ويمكن للمملكة الاستفادة من تجربة البلدين في هذا الصدد لتحقيق أهدافها في مجال التعليم وتنمية المهارات، على حد تعبيرها.

رحلة طموحة للتحديث

الرحلة السعودية الطموحة نحو التحديث والإصلاح وتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط التي انطلقت في 2016 بدأت تؤتي ثمارها كما تقول هزار كركلا، تفصل ذلك بقولها «يتجلى ذلك في الأداء الاستثنائي للاقتصاد خلال عام 2022، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بما يقارب 5 في المائة، وعلى وجه الخصوص، يشير التقدم الملحوظ في التنويع على جبهات الإنتاج والإيرادات والصادرات إلى بداية الانفصال عن النفط».

هزار كركلا مستشارة في الاقتصاد والسياسات العامة في مركز Think للبحوث والدراسات

وتفيد كركلا بأن من «شأن الحفاظ على زخم قوي للإصلاح وتوجيه الاستثمارات نحو أهداف الرؤية أن يؤدي إلى تعميق التحول وإلى نمو أعلى في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي قد يصل في المتوسط ​​من 7 - 8 في المائة في السنوات الخمس المقبلة، ومن الممكن أن تتطور المملكة إلى مركز استثماري مع دور أكبر للقطاع الخاص وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر».

من جانبه، يرى الدكتور بن صقر أن السعودية خلال السنوات الخمس المقبلة يمكن أن تصبح «مركزاً للتكنولوجيا والابتكار، وتطور قطاعها الصناعي تماماً كما فعلت كوريا وسنغافورة منذ الستينات والسبعينات فصاعداً».

وتابع «بنفس القدر من الأهمية، اتخذت المملكة العربية السعودية الخطوات الصحيحة لتعزيز نتائج التعليم في مرحلتي التعليم العالي والثانوي، هناك طبقة شابة متعلمة يتم تمكينها والانضمام إلى القوى العاملة وستكون قادرة على مدى السنوات الخمس المقبلة على المساهمة بشكل كبير في المستقبل الاقتصادي للمملكة».


مقالات ذات صلة

السعودية تُجري 800 إصلاح لتعزيز البيئة الاستثمارية

الاقتصاد مساعد وزير الاستثمار يتحدث إلى الحضور (الشرق الأوسط)

السعودية تُجري 800 إصلاح لتعزيز البيئة الاستثمارية

أكد مساعد وزير الاستثمار، الرئيس التنفيذي لهيئة تسويق الاستثمار، المهندس إبراهيم المبارك، أن السعودية تشهد تحولًا سريعاً لم تشهده أي دولة في العالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور المشيطي يتحدث إلى الحضور في ملتقى «ميزانية 2025» (الشرق الأوسط)

انخفاض تكلفة إنتاج المياه بالسعودية 50 % وخطط لمشاريع بـ15.4 مليار دولار

أكد نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور المشيطي أن ما حققته المملكة بمحطات إنتاج المياه المحلاة خلال 8 أعوام يعادل ما تم تحقيقه في 4 عقود ماضية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من الجلسة الحوارية في «ملتقى ميزانية 2025» بالرياض (الشرق الأوسط)

الخطيب: 5 % نسبة مساهمة السياحة في الاقتصاد السعودي

قال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب إن القطاع السياحي حقق تقدماً كبيراً حيث ارتفعت مساهمته في الاقتصاد إلى 5 % بنهاية العام الماضي

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي صالح الجاسر خلال «ملتقى الميزانية 2025»

الجاسر: 122 ألف وظيفة وفَّرها قطاع النقل في السعودية خلال عام

قال وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي صالح الجاسر خلال «ملتقى الميزانية 2025» إن قطاع النقل ساهم بتوفير 122 ألف وظيفة خلال عام بنسبة مشاركة للمرأة بلغت 29

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جلسة «الميزانية في دعم الخدمات الأساسية» من ضمن ملتقى الميزانية السعودية 2025 (الشرق الأوسط)

ملتقى الميزانية 2025: البطالة بالسعودية تراجعت بشكل كبير في السنوات الماضية

قال وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي أحمد الراجحي، في ملتقى الميزانية السعودية 2025، إن نسب البطالة تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية


الإمارات تطلق شركة «إكس آر جي» للاستثمار في الطاقة

صورة جوية لإمارة دبي (رويترز)
صورة جوية لإمارة دبي (رويترز)
TT

الإمارات تطلق شركة «إكس آر جي» للاستثمار في الطاقة

صورة جوية لإمارة دبي (رويترز)
صورة جوية لإمارة دبي (رويترز)

أطلق رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأربعاء، شركة «إكس آر جي»، وهي شركة استثمارية في الطاقة والمواد الكيماوية منخفضة الكربون.

وقالت «وكالة الأنباء الإماراتية»، إن شركة «بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)» وافقت على إعادة توجيه 200 مليار درهم (54.45 مليار دولار) إلى الاقتصاد المحلي على مدى السنوات الخمس المقبلة.

والشركة تابعة لـ«أدنوك» التي أعلنت أن الشركة الجديدة تبلغ قيمتها المؤسسية أكثر من 290 مليار درهم (80 مليار دولار)، وذلك بعد اعتمادها من قِبَل مجلس إدارة «أدنوك».

وتهدف الشركة الجديدة، وفق بيان صحافي من «أدنوك»، إلى زيادة قيمة أصولها بأكثر من الضعف خلال العقد المقبل، عبر الاستفادة من النمو في الطلب على الطاقة منخفضة الكربون والكيماويات مدفوعاً بالتوجهات العالمية الرئيسة الثلاثة المتمثلة في: النقلة النوعية في منظومة الطاقة، والنمو السريع للذكاء الاصطناعي، ونهوض الاقتصادات الناشئة.

وأوضح البيان، أنه استناداً إلى خبرات «أدنوك»، وصفقات الاستحواذ الدولية النوعية التي نفذتها مؤخراً، ستُركز الشركة الاستثمارية التي ستزاول أعمالها بشكل مستقل مبدئياً على تطوير 3 منصات استراتيجية رئيسة لتحقيق القيمة، هي: «منصة XRG العالمية للمواد الكيماوية»، التي تهدف لأن تكون ضمن أكبر 5 شركات عالمية للكيماويات، وستُركز على إنتاج وتوفير المنتجات الكيماوية والمتخصصة الضرورية للحياة المعاصرة لتلبية الزيادة المتوقعة بنسبة 70 في المائة في الطلب العالمي على الكيماويات بحلول عام 2050.

و«منصة XRG العالمية للغاز» التي ستُركز على بناء محفظة أعمال عالمية متكاملة في مجال الغاز، للمساهمة في تلبية الزيادة المتوقعة بنسبة 15 في المائة في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي على مدى العقد المقبل، بصفته وقوداً انتقالياً مهماً، إضافة إلى الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 65 في المائة بحلول عام 2050.

و«منصة XRG للطاقات منخفضة الكربون» التي ستُركز على الاستثمار في الحلول الضرورية، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقات منخفضة الكربون، وتقنيات خفض الانبعاثات لدفع النمو الاقتصادي خلال مرحلة الانتقال في قطاع الطاقة.

ومن المتوقع أن تنمو سوق الأمونيا منخفضة الكربون وحدها بما يتراوح بين 70-90 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، مقارنة بالطلب الحالي الذي يقارب الصفر.

وأفاد البيان، بأنه من المُخطط أن تبدأ الشركة الجديدة مزاولة أعمالها رسمياً خلال الربع الأول من عام 2025.