بينما تزداد الأوضاع الاقتصادية تعقيداً في مصر، وفي ظل استمرار شح الاحتياطيات بالعملات الأجنبية واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، تسعى الحكومة المصرية إلى الحصول على دعم مالي جديد للمحافظة على مظلة الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة خصوصاً لأكثر الفئات احتياجاً.
وتساهم الحكومة في مصر بجزء من الأعباء المالية في محاولة منها للتخفيف عن كاهل المواطنين الذين يعانون كثيراً جراء الارتفاع المستمر في التضخم. وقد بلغت معدلات التضخم السنوي ما نسبته 38 في المائة في أغسطس (آب) الماضي.
توقع صندوق النقد الدولي، في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، الذي أطلقه الثلاثاء الماضي، أن يسجل متوسط معدل التضخم السنوي في مصر 23.5 في المائة في 2023، وأن يقفز إلى 32.2 في المائة في 2024.
يقول وزير المالية المصري محمد معيط في إحدى الجلسات المغلقة التي نظمها البنك الدولي خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة في مراكش، إن مصر بحاجة إلى المزيد من الدعم لتوفير الحماية الاجتماعية لمواطنيها.
أشار الوزير إلى أن تكلفة التمويل بالأسواق الدولية تزايدت بشدة، وينبغي على مؤسسات التمويل الدولية سرعة التحرك لضخ حزم تمويلية كافية بالأسواق الناشئة، للحد من حالة عدم التيقن، واستعادة ثقة المستثمرين، من خلال العمل على تبني عدد من الأدوات المالية البديلة التي هي أكثر ملاءمة وقدرة على التكيف مع الأوضاع الراهنة والاستجابة للصدمات الداخلية والخارجية في الاقتصادات النامية.
وأكد معيط تطلع بلاده «إلى رؤية واقعية وتحليلية من جانب المؤسسات المالية الدولية والبنوك متعددة الأطراف، للاقتصادات الناشئة، ومؤشرات الأداء المالي والاقتصادي، على نحو يكون أكثر وعياً وتفهماً بالمتغيرات الاقتصادية العالمية الاستثنائية، وتفهماً للاحتياجات التنموية بالبلدان النامية».
كانت مصر قد حصلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من البنك الدولي على تمويل جديد بقيمة 500 مليون دولار لتوسيع قاعدة المستفيدين من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي المعروفة باسم «تكافل وكرامة»، في إطار مرحلة ثالثة من التعاون بين البنك والحكومة المصرية لدعم إنشاء برنامج للتحويلات النقدية، ومساعدة المصريين المستهدفين على الخروج من دائرة الفقر.
وحتى يونيو (حزيران) 2022، استفاد من برنامج «تكافل وكرامة» نحو 3.69 مليون أسرة (نحو 12.84 مليون مواطن)، وتمثل النساء 74 في المائة من حملة البطاقات؛ أي المستفيدين المباشرين، كما أن 67 في المائة من المبالغ النقدية يتم توجيهها للمستفيدين في صعيد مصر.
يقول معيط في الجلسة التي شاركت فيها «الشرق الأوسط»، إن عدد المصريين يبلغ اليوم 106 ملايين نسمة، وإن قرابة 36 مليوناً يحتاجون إلى التغطية الصحية الشاملة، ويصعب على الحكومة أن تؤمن التمويل اللازم لهذا الدعم.
وقد خسرت مصر جزءاً كبيراً من عملاتها الأجنبية بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية؛ إذ خرجت من سوقها المالية أموال ساخنة قُدرت بـ23 مليار دولار في نحو أسبوع واحد، كما فقدت 40 في المائة من سيّاحها الذين كانوا يأتون من روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي تستورد فيه النسبة الكبرى من حاجتها من القمح من هذين البلدين.
كانت مصر قد اتفقت على الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 46 شهراً، نتيجة تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية على اقتصادها، إلا أن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح تأخرت بفعل استمرار عدم اكتمال لائحة الإصلاحات المطلوبة من مصر للحصول على دفعة جديدة. وبحسب الاجتماعات التي حصلت في مراكش، من المتوقع أن يتم الاتفاق على موعد قريب لإجراء المراجعة.
«لقد دفعنا نحن المصريين، كشعوب أخرى، ثمن هذه الصدمات. وعلى المؤسسات المالية أن تساعدنا. نحن هنا نتحدث عن حاجتنا إلى المزيد من الدعم»، قال معيط.
وأضاف وزير المالية المصري أن «الحكومة تدعم رغيف الخبز الذي يكلفها نحو 100 مليار جنيه (نحو 3.2 مليار دولار)... قدرتنا على الاستمرار في هذا الدعم يجب أن تستمر؛ لذا علينا تأمين استدامة برامجنا للحماية الاجتماعية. من هنا نحتاج إلى البرامج التي قد تساعدنا في قطاعات مهمة كالتعليم والخدمات الصحية».
وكان معيط وقّع (الجمعة) مذكرة تفاهم مع وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، الأمينة التنفيذية لمنظمة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، الدكتورة رولا دشتي، لتعزيز كفاءة الإنفاق الاجتماعي.
ومن شأن مذكرة التفاهم هذه أن توفر قاعدة بيانات لإجراء الدراسات الاكتوارية التي تسهم في استدامة الملاءة المالية للإنفاق على تطوير القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والتغذية والإسكان، على نحو يساعد صنَّاع القرار على المراقبة، والتحليل والتقييم لبرامج الإنفاق.