أزمة «إيفرغراند» تختبر قدرة بكين على إدارة «مخاوف الدائنين»

في الوقت الذي كانت فيه مجموعة «تشاينا إيفرغراند» للتطوير العقاري تتنقل من أزمة إلى أخرى خلال العامين الماضيين، تجنّبت بكين التدخل المباشر لإنقاذ ما كان يعد منذ وقت ليس ببعيد «شركة أكبر من أن تفشل» في البلاد.

ومع وقوف المطور الأكثر مديونية في العالم الآن على حافة الهاوية، بعد أن أطلقت السلطات تحقيقاً جنائياً مع مؤسسها الملياردير، يراهن بعض الدائنين والمستثمرين والمحللين الآن على تدخل السلطات لإدارة التداعيات.

ومن الممكن أن يؤدي الانهيار الفوضوي لشركة العقارات العملاقة إلى تدمير الاقتصاد المتعثر بالفعل، مع وجود مئات الآلاف من المنازل غير المكتملة في جميع أنحاء البلاد والتزامات بقيمة 300 مليار دولار تقريباً في الصين وحدها.

وعلى الرغم من ازدياد عدد مطوري العقارات الصينيين الذين تخلفوا عن سداد التزامات الديون منذ أن ضربت أزمة السيولة القطاع في عام 2021، فإن بكين لم تتدخل بشكل مباشر لإنقاذ أي شركة حتى الآن.

ووسط عملية صعبة لشركة «إيفرغراند» من أجل تمرير خطة إعادة هيكلة ديونها الخارجية، التي تعد أساسية لبقائها، بالإضافة إلى أعمالها الشاملة، فقد خيم عليها التحقيق الجنائي مع المؤسس ورئيس مجلس الإدارة هوي جايان.

وقال شين سون، كبير المحاضرين في إدارة الأعمال الصينية وشرق آسيا في «كينجز كوليدج لندن»، إن التحقيق يشير إلى أن جهود إصلاح الديون التي قادها هوي قد رفضت من قبل الحكومة المركزية، التي ستتدخل الآن لتتولى السيطرة وصياغة خطط جديدة. وأضاف أن «التحقيق بشأن هوي يظهر بوضوح أن صناع السياسة الصينيين يعطون الأولوية للاعتبارات السياسية على الاعتبارات الاقتصادية في التعامل مع إيفرغراند»، بحسب «رويترز».

وبحسب شين، فإنه «من منظور سياسي، تحتاج الحكومة إلى التأكد من أن الشركة وأصحابها يدفعون ثمناً باهظاً للتسبب في أزمة العقارات في الصين ومواجهة العقوبة الواجبة. ولا يمكن أن تتم أي إعادة هيكلة إلا بعد تحمل هذه المسؤولية السياسية».

وتبلغ التزامات عقود «إيفرغراند» من المدفوعات المقدمة مقدماً من مشتري المنازل نحو 604 مليارات يوان (83 مليار دولار)، أي ما يعادل نحو 600 ألف وحدة سكنية، وفقاً لتقرير «جافيكال دراغونوميكس».

وجعلت بكين استكمال وتسليم المنازل أولوية قصوى بعد أن أثار انتشار الشقق غير المكتملة في جميع أنحاء البلاد غضباً جماعياً غير مسبوق في يونيو (حزيران) من العام الماضي.

وقال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في «جافيكال دراغونوميكس»، في إشارة إلى وضع «إيفرغراند»: «من الواضح أن أولوية الحكومة ستكون توفير المساكن غير المبيعة وغير المكتملة لمشتري المنازل». وتابع: «لا يحتاج الأمر إلى استحواذ حكومي رسمي، أو حتى مستثمر من الشركات المملوكة للدولة، لكي تبدأ الحكومة في ممارسة نفوذ هائل على قرارات الشركة، أو لكي تصبح الصناعة كلها مملوكة للدولة بشكل أكبر».

ولم تستجب «إيفرغراند» وهيئة الإسكان الصينية على الفور لطلبات التعليق خلال عطلة العيد الوطني التي تستمر أسبوعاً.

إعادة الهيكلة

وحتى قبل الإعلان عن التحقيق في قضية هوي، كانت خطة إعادة هيكلة ديون شركة «إيفرغراند» غامضة بعد الكشف عن عدم قدرتها على إصدار ديون جديدة بسبب التحقيق في وحدتها الرئيسية في الصين.

وفي أواخر الشهر الماضي، قالت أيضاً إنها ستضطر إلى إعادة تقييم شروط إعادة الهيكلة المقترحة لأن مبيعات المنازل لم تكن تلبي التوقعات.

وقالت ساندرا تشاو، الرئيسة المشاركة لأبحاث آسيا والمحيط الهادئ في جامعة هارفارد: «بالنسبة لجميع عمليات إعادة الهيكلة، فإن إصدار سندات جديدة للتمديد هو جزء أساسي، لذلك لا أعرف كيف يمكن إنجاز الأمر من دون ذلك».

وقالت جافيكال، في تقريرها، إنه على أقل تقدير، يبدو من الصعب بشكل متزايد تحقيق إعادة هيكلة منظمة لـ«إيفرغراند». ومن المقرر أن يتم الاستماع إلى التماس التصفية المقدم ضد «إيفرغراند» في محكمة هونغ كونغ في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وقال شخص مقرب من «إيفرغراند»، رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر، إن إعادة هيكلة الديون ستتأخر، ولكن لا يزال من الممكن المضي قدماً بتوجيهات من لجنة إدارة المخاطر المعينة من قبل الحكومة.

ومع تفاقم أزمة السيولة في «إيفرغراند» في عام 2021، تم إنشاء لجنة لإدارة المخاطر في الشركة في ديسمبر (كانون الأول) التي ضمت مسؤولين من الشركات الحكومية للمساعدة في إعادة هيكلة ديونها وأصولها.

ومع ذلك، قال أحد حاملي سندات «إيفرغراند»، الذي رفض أيضاً الكشف عن اسمه، إن جهود إعادة الهيكلة من المقرر أن تخرج عن مسارها بسبب تحقيق هوي، ويمكن تصفية المطور حتى بعد تدخل الحكومة... لكن ليس هناك وضوح بشأن الكيفية التي ستتم بها إحدى كبرى عمليات التصفية على مستوى العالم، وما الذي سيحدث للدائنين، خاصة في الخارج، وأيضاً الموردين ومشتري المنازل الذين ينتظرون تسليم الشقق.

ومن إجمالي التزاماتها البالغة 327 مليار دولار في نهاية يونيو، كانت «إيفرغراند» تسعى للحصول على موافقة الدائنين لإعادة هيكلة الديون الخارجية بقيمة 31.7 مليار دولار، التي تشمل السندات والضمانات والتزامات إعادة الشراء.

وبسبب كومة الديون الهائلة، وتدهور التدفق النقدي، وحجم المنازل غير المكتملة، يتساءل بعض المحللين عما إذا كانت «إيفرغراند» قد تحوّلت الآن من «شركة أكبر من أن تفشل» إلى «شركة معقدة للغاية بحيث لا يمكن استمرار وجودها».

وقال أنطونيو فاتاس، أستاذ الاقتصاد في كلية إنسياد، إن «إيفرغراند كبيرة بما يكفي لإدارة انهيارها. ويرجع ذلك جزئياً إلى الحجم، وجزئياً بسبب إدارة التوقعات»... وفي الصين، «بسبب النظام السياسي والاقتصادي وبسبب التدخل الكبير من جانب الحكومة والشركات المملوكة للدولة... سيكون هناك دائماً سؤال سياسي حول كيفية تقاسم الخسائر المرتبطة بوقائع مثل هذا الحدث».