فائدة تاريخية في أوروبا... واقتصاد على شفا الركود

توقعات «المركزي» للنمو تستمر في التدهور

رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي في مدينة فرانكفورت الألمانية مساء الخميس للإعلان عن رؤية البنك (د.ب.أ)
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي في مدينة فرانكفورت الألمانية مساء الخميس للإعلان عن رؤية البنك (د.ب.أ)
TT

فائدة تاريخية في أوروبا... واقتصاد على شفا الركود

رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي في مدينة فرانكفورت الألمانية مساء الخميس للإعلان عن رؤية البنك (د.ب.أ)
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي في مدينة فرانكفورت الألمانية مساء الخميس للإعلان عن رؤية البنك (د.ب.أ)

واصل البنك المركزي الأوروبي زيادة أسعار الفائدة للمرة العاشرة على التوالي، يوم الخميس، ليواصل المضيّ قدماً في معركته ضد التضخم العنيد حتى مع ازدياد المخاوف من أن ارتفاع تكاليف الاقتراض يمكن أن يساعد على دفع الاقتصاد إلى الركود.

وفي كلمتها خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد: «يستمر التضخم في الانخفاض، ولكن من المتوقع أن يظل مرتفعاً لفترة طويلة جداً. ونحن مصممون على ضمان عودة التضخم إلى هدفنا البالغ 2 في المائة على المدى المتوسط في الوقت المناسب».

وتأتي زيادة الفائدة الجديدة بمقدار ربع نقطة مئوية إضافية في الوقت الذي تحاول فيه البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الحكم على مقدار الإجراءات العنيفة المضادة للتضخم، وما النقطة الصحيحة لوقف سلسلة التشديد النقدي السريعة قبل اللحظة التي يتجه فيها الاقتصاد إلى الركود ويفقد الناس وظائفهم.

ورفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة القياسي على الودائع إلى 4 في المائة، وهو ارتفاع كبير من سالب 0.5 في المائة قبل ما يزيد قليلاً على عام، وهو الأعلى منذ تأسيس منطقة اليورو في عام 1999.

وتعمل أسعار الفائدة على مكافحة التضخم من خلال رفع تكلفة الائتمان مقابل الاستهلاك الشخصي، وبخاصة المنازل، وكذلك الاستثمار التجاري في المباني والمعدات، مما يؤدي إلى تقليص الطلب على السلع ويخفف الضغط التصاعدي على الأسعار.

ولكن في الجانب الآخر، فإن رفع أسعار الفائدة يمكن أن يضر بالنمو الاقتصادي إذا تمت المبالغة فيه، حيث يقلص قدرات المؤسسات والشركات على الاقتراض الضروري للتوسع والاستثمار.

وأوضحت لاغارد أن البنك المركزي الأوروبي يتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 5.6 في المائة في عام 2023، و3.2 و2.1 في المائة في عامي 2024 و2025 على التوالي، فيما يمثل تعديلاً صعودياً لتوقعات 2023 و2024 يعكس بشكل أساسي مسار أعلى لأسعار الطاقة، ومراجعة تنازلية لعام 2025.

وتابعت: «ومع التأثير المتزايد لتشديدنا على الطلب المحلي وضعف بيئة التجارة الدولية، فقد خفض البنك المركزي الأوروبي توقعاته للنمو الاقتصادي بشكل كبير. ويتوقع الآن أن يتوسع اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.7 في المائة في عام 2023، و1.0 في المائة في عام 2024، و1.5 في المائة في عام 2025».

وفي الوقت نفسه، استمرت توقعات النمو في التدهور، ويتوقع البنك المركزي الأوروبي الآن توسعاً بنسبة 0.7 في المائة فقط في عام 2023، بعد توقعه نمواً بنسبة 0.9 في المائة قبل ثلاثة أشهر.

وقالت لاغارد: «من المرجح أن يظل الاقتصاد ضعيفاً في الأشهر المقبلة، وقد ظل راكداً على نطاق واسع خلال النصف الأول من العام، وتشير المؤشرات الأخيرة إلى أنه كان ضعيفاً أيضاً في الربع الثالث. ويؤدي انخفاض الطلب على صادرات منطقة اليورو وتأثير ظروف التمويل المتشددة إلى تثبيط النمو، بما في ذلك من خلال انخفاض الاستثمار السكني والتجاري. كما أن قطاع الخدمات، الذي كان يتمتع بالمرونة حتى الآن، أصبح الآن يضعف أيضاً. وبمرور الوقت، من المتوقع أن ينتعش الزخم الاقتصادي، حيث من المتوقع أن يرتفع الدخل الحقيقي، بدعم من انخفاض التضخم، وارتفاع الأجور، وسوق العمل القوية... وهذا من شأنه أن يدعم الإنفاق الاستهلاكي».

وكان الاقتصاد في الدول العشرين التي تستخدم عملة اليورو يتأرجح على حافة الركود منذ العام الماضي، حيث سجل نمواً بنسبة 0.1 في المائة فقط في كل من الربعين الأولين من هذا العام... ولا يزال التضخم السنوي البالغ 5.3 في المائة في منطقة اليورو أعلى بكثير من هدف البنك البالغ 2 في المائة، مما يحرم المستهلكين من القوة الشرائية، ويسهم في الركود الاقتصادي الذي أبقى النمو أعلى بقليل من الصفر هذا العام؛ وهي أمور تدعم الحجج المؤيدة لزيادة سعر الفائدة.

وقد ضربت أسعار الفائدة المرتفعة سوق العقارات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري ووضع حداً لارتفاع أسعار المنازل الذي دام سنوات.

كما شهدت الاقتصادات الأوروبية الكبرى –ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا– تقلص النشاط في أغسطس (آب) الماضي في قطاع الخدمات الحيوي، حتى في نهاية صيف سياحي قوي في إسبانيا وإيطاليا، وفقاً لاستطلاعات «ستاندرد آند بورز غلوبال» لمديري المشتريات بقطاع الخدمات. ويأتي ذلك على رأس التباطؤ في التصنيع العالمي، الذي يضرب بشكل خاص ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.

ومع ذلك، فإن الصورة الاقتصادية لا تشبه الركود النموذجي، لأن البطالة بلغت مستوى قياسياً منخفضاً بلغ 6.4 في المائة. وقد أدى نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور، وهو أحد العوامل التي أدت إلى تعقيد معركة البنك المركزي الأوروبي ضد التضخم.

ومما يثقل كاهل التوقعات أيضاً ضعف اليورو مقابل الدولار القوي، حيث يرى المستثمرون أن الضعف الاقتصادي سيضرب أوروبا والصين. وهم يراهنون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يتمكن من إدارة «الهبوط الناعم» من خلال إنهاء رفع أسعار الفائدة دون دفع الاقتصاد إلى الانكماش.

وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة سعر الفائدة للمرة الحادية عشرة في يوليو (تموز)، ليصل سعر الفائدة الرئيسي إلى أعلى مستوى منذ 22 عاماً بعد تثبيته مؤقتاً في يونيو (حزيران). ويتوقع الاقتصاديون والمستثمرون بشكل عام أن يتخطى بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل، لكنه قد يزيدها مرة أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني). علماً بأن التضخم في الولايات المتحدة (3.7 في المائة) أقل من نظيره في أوروبا، على الرغم من الارتفاع التصاعدي لأسعار البنزين في أغسطس في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

سريلانكا تصادق على اتفاق إعادة هيكلة ديونها

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات للسفر خارج البلاد التي كانت تعاني من إفلاس في فبراير 2023 (إ.ب.أ)

سريلانكا تصادق على اتفاق إعادة هيكلة ديونها

أعلنت حكومة سريلانكا الجديدة أنها صادقت على اتفاق وقَّعه الرئيس السابق مع الجهات الخاصة الدائنة، لإعادة هيكلة ديون بقيمة 12.5 مليار دولار من السندات السيادية.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

رغم تباطئه في سبتمبر (أيلول)، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد منظر عام لبنك إنجلترا في لندن (رويترز)

كبير اقتصاديي بنك إنجلترا يدعو إلى الحذر عند خفض الفائدة

أكد كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، ضرورة أن يتخذ المصرف المركزي البريطاني خطوات تدريجية عند خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)

التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

قد يكون التذبذب السريع في معدلات التضخم دون تأثيرات مماثلة على الناتج الاقتصادي سمة بارزة لعالم ما بعد جائحة كوفيد-19.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

ارتفاع عائدات السندات الأوروبية من أدنى مستوياتها في عدة أشهر

ارتفعت عائدات السندات الحكومية في منطقة اليورو قليلاً عن أدنى مستوياتها في عدة أشهر يوم الخميس، مع تقييم الأسواق لتوقعات تخفيض أسعار الفائدة من المصرف المركزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

وزير الطاقة السعودي: أهمية التوازن بين النمو وأمن الطاقة

وزير الطاقة السعودي مشاركاً في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (حساب وزارة الطاقة على «إكس»)
وزير الطاقة السعودي مشاركاً في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (حساب وزارة الطاقة على «إكس»)
TT

وزير الطاقة السعودي: أهمية التوازن بين النمو وأمن الطاقة

وزير الطاقة السعودي مشاركاً في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (حساب وزارة الطاقة على «إكس»)
وزير الطاقة السعودي مشاركاً في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (حساب وزارة الطاقة على «إكس»)

شدد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على أهمية التوازن بين النمو الاقتصادي، وأمن الطاقة، وجهود مواجهة التغير المناخي، مؤكّداً طموح المملكة إلى أن تكون قدوة في استخدام تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون، ورائدة، عالمياً، في إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة.

كلام عبد العزيز بن سلمان جاء خلال مشاركته في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين»، والاجتماع الوزاري الخامس عشر للطاقة النظيفة، والاجتماع الوزاري التاسع لمبادرة «مهمة الابتكار»، التي انعقدت في مدينة فوز دو إيغواسو، في البرازيل، يومي الثالث والرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

وتضمنت الاجتماعات مناقشة سياسات التحول إلى طاقة مستدامة، والانتقال العادل في مجال الطاقة، وذلك في إطار جهود «مجموعة العشرين» الرامية إلى تعزيز التعاون الدولي، بهدف تحقيق الاستدامة البيئية، ودعم الابتكارات في مجالات الطاقة النظيفة. وخلال الاجتماعات، أكد وزير الطاقة أهمية التوازن بين النمو الاقتصادي، وأمن الطاقة، وجهود مواجهة التغير المناخي. كما أشار إلى ريادة المملكة في تقنيات الكربون، مؤكّداً طموح المملكة إلى أن تكون قدوة في استخدام تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون، ورائدة، عالمياً، في إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة.

وأوضح أن المملكة تدعم مبادرة «غيغا طن بحلول 2030» لتحقيق الحياد الصفري، كنموذج للتعاون الدولي في مجال الطاقة النظيفة.

وزير الطاقة السعودي مشاركاً في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (حساب وزارة الطاقة على «إكس»)

واستعرض الأمير عبد العزيز جهود المملكة في زيادة قدرتها على إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة لتصل إلى نحو 44 غيغاواط بحلول نهاية عام 2024.

وزير الطاقة يلقي كلمته في جلسة وزارية على هامش الاجتماع الوزاري الخامس عشر للطاقة النظيفة (إكس)

وتحدّث عن إنشاء مركز لإنتاج الهيدروجين في مدينة رأس الخير الصناعية، بالإضافة إلى إنشاء مشروع ضخم لالتقاط وتخزين الكربون ستبلغ طاقته الاستيعابية 9 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2027.​

وقال عبد العزيز بن سلمان إن المملكة تدرك أهمية الاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة ومبادرة «مهمة الابتكار» في تطوير سياسات وتقنيات الطاقة النظيفة لتحقيق الطموحات المناخية المشتركة.

صورة جامعة للمشاركين في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة ضمن «مجموعة العشرين» (إكس)

وأشار إلى أن المملكة ساهمت مع مجموعة من الدول في إطلاق جائزة طالبية لدعم الأبحاث في تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون، وذلك ضمن نشاطها في مبادرة «مهمة الابتكار».

وأعلن أن المملكة تطلق تحدياً عالمياً لاحتجاز الكربون بالتعاون مع «المنتدى الاقتصادي العالمي»، وبجوائز تصل إلى 300 ألف فرنك سويسري (نحو 350 ألف دولار).