محللون: مغالطات وافتراءات في تقرير وكالة الطاقة الدولية حول الحياد الصفري

مؤسسة بحوث مختصة فنّدت «خطأ» افتراضات المنظمة الاستشارية

الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية غير جوهرية وقابلة للتغيُّر (الصورة لـ«رويترز»)
الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية غير جوهرية وقابلة للتغيُّر (الصورة لـ«رويترز»)
TT

محللون: مغالطات وافتراءات في تقرير وكالة الطاقة الدولية حول الحياد الصفري

الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية غير جوهرية وقابلة للتغيُّر (الصورة لـ«رويترز»)
الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية غير جوهرية وقابلة للتغيُّر (الصورة لـ«رويترز»)

ترتفع الانتقادات التي يوجهها أهالي الاختصاص لتقرير وكالة الطاقة الدولية الذي تناول «الحياد الصفري بحلول عام 2050: خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي»، في وقت كشف تحليل مفصّل لمؤسسة بحوث سياسات الطاقة خطأ افتراضات الوكالة وبيّن التبعات والتكاليف البيئية والاقتصادية والسياسية والتنموية التي ستترتب على التحول المُتعجِّل وغير المدروس الذي دعت إليه الوكالة في تقريرها.

وتؤكد التجارب التي مرّ بها العالم مؤخراً، أن الوصول إلى الحياد الصفري في منظومة الطاقة، بحلول عام 2050، إذا كان ممكناً، لا بد أن يتم مع ضمان إمدادات طاقة مستقرة وموثوقٍ بها، وبأسعار معقولة، مع تمكين كل المجتمعات من الوصول إلى الطاقة التي تحتاجها.

وهو الأمر الذي تركز عليه السعودية التي تضع قضايا خفض الانبعاثات الضارة، وحماية البيئة، والاستدامة، ومواجهة آثار التغيُّر المناخي، في مقدمة أهدافها المتعلقة بالطاقة.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود أكد أكثر من مرة على ثلاثة ثوابت لسياسات المملكة في مجال الطاقة، وهي: ضمان أمن الطاقة، والاستمرار في تطوير الاقتصاد، ومواجهة التغير المناخي. وشدد، مراراً، على ضرورة أن تكون بيانات الوكالة الدولية للطاقة، أو غيرها من الجهات ذات العلاقة، في هذا الخصوص، مبنية على أسس علمية محايدة، تحقق مصالح الإنسانية في كل مكان، ويمكن تطبيقها مع الأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية لكل دولة من المنتجين والمستهلكين.

مؤسسة بحوث سياسات الطاقة

في تحليل له حول «خارطة الطريق إلى الحياد الصفري» لوكالة الطاقة الدولية، يقول تيلاك دوشي، وهو محلل اقتصادات الطاقة والسياسة العامة ذات الصلة، إن تقرير مؤسسة بحوث سياسات الطاقة، وغيره من البحوث العلمية الرصينة وغير المُسيسة، يؤكد أن الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية، غير جوهرية، وقابلة للتغيُّر أو حتى عدم الحدوث، في بناء توقعها لسرعة التحول في مجال الطاقة.

كما يؤكّد أن من شأن الظروف التي بنت الوكالة عليها توقعاتها، غير المنطقية وغير العملية، أن تُبدد موارد الدول، وتُقلص الاستثمارات في مجال الطاقة، بل ربما قضت عليها، وتُحدِث تأثيرات بيئية مدمرة، بسبب التنقيب والإنتاج المتسارعين للمعادن النادرة، وبسبب زيادة الاعتماد على إمدادات الطاقة الرخيصة، كالفحم، لإنتاج ألواح شمسية، وتوربينات رياحٍ، وبطارياتٍ، ستكون، في نهاية المطاف، عاجزة عن توفير بدائل للطاقة يمكن الاعتماد عليها.

وبحسب دوشي، يؤكّد تحليل مؤسسة بحوث سياسات الطاقة لتقرير الوكالة الدولية للطاقة أن التقرير يتناقض مع بعض القواعد الاقتصادية الراسخة، كما يُشير إلى أن من أخطر ما فيه أنه يعتمد، لبناء توقعاته، على افتراضاتٍ تعتمد هي بدورها على افتراضاتٍ أخرى، ومن ذلك القول في التقرير إن الوصول إلى الحياد الصفري يعتمد على افتراض تزايد انتشار استخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا الافتراض مبني على افتراض أن تكلفة هذه الطاقة سائرة إلى انخفاض، وإذا عرفنا أن الافتراض الثاني تعرض لهزات كبرى في ألمانيا وفي غيرها من دول أوروبا، أدركنا هشاشة الافتراضات كلها، والتوقعات المبنية عليها.

ويُشير تحليل المؤسسة لتقرير الوكالة بأن التقرير «فشل» في أخذ العديد من العوامل الفنية الجوهرية في الاعتبار عند بناء افتراضاته وتوقعاته التي وصفها بأنها «وهمية»؛ ومن ذلك ضرورة وجود خطوط نقل إضافية، عالية الجهد، لربط مولدات الطاقة المتجددة بمراكز الطلب البعيدة، والتكاليف الباهظة لبطاريات التخزين، التي لا تزال تعاني من عدم كفاية سعة التخزين، والتي يجب أن تتوفر على مدى اتساع الشبكات، والطبيعة المتقطعة لإمدادات الطاقة المتجددة بسبب أحوال الطقس، والحاجة الماسة إلى الموازنة المستمرة بين تقطع إمدادات هذه الطاقة وتوفير الطاقة القابلة للتوزيع من مولدات تعتمد على الفحم والغاز الطبيعي.

ويبيّن تحليل المؤسسة أن من مثالب تصورات الوكالة أنه أغفل حاجة العالم إلى استخراج كميات هائلة من المعادن المهمة التي تُستخدم في صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات وشبكات الكهرباء. إذ ترى الدراسة أن حاجة العالم إلى هذه المعادن، وخاصة الليثيوم والغرافيت والكوبالت والنيكل، سوف تصل إلى 1800 في المائة على الأقل بحلول عام 2040، مع ما يتبع هذا التزايد في استخراج وإنتاج هذه المعادن من آثار بيئية واحتياج لمصادر للطاقة للقيام به.

ومن المؤكّد، بحسب تحليل دوشي، أنه سيكون للتوقعات غير المدروسة، أو المبنية على افتراضاتٍ غير دقيقة أو مبتسرة، في مجال تحولات الطاقة، مثلما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة، الذي فندته مؤسسة بحوث سياسات الطاقة في تحليلها، نتائج عكسية سلبية تهز الثقة بمبادئ الاستدامة عالمياً، وقد ظهر هذا بوضوح، مؤخراً، في ارتفاع أسعار الكهرباء للمنازل في 28 دولة أوروبية، وفي قرار حكومات أوروبية، مثل السويد، الشروع في بناء محطات نووية جديدة، وفقدان 88 في المائة من سكان ألمانيا ثقتهم بإمكان تحقيق ما يُسمى «الطاقة الخضراء».

ومن أهم النتائج السلبية للافتراضات والتوقعات التي تتبناها الوكالة في تقريرها، جعل مجال الطاقة طارداً للاستثمارات في أنشطته الحيوية. ومن المعروف أن هذه الاستثمارات تمثل عنصراً جوهرياً في فاعلية واستدامة وموثوقية إمدادات الطاقة للعالم ككل، وللدول الأكثر احتياجاً على وجه الخصوص.

يذكر في هذا الإطار أن السعودية سبق وأن حذرت، مراراً من أي توجهاتٍ قد تؤدي إلى الحد من الاستثمارات في قطاعات الطاقة المختلفة، وقد أثبتت التجارب السابقة التي شهدها العالم قبل فتراتٍ غير بعيدة، الآثار السلبية الجسيمة لعدم توافر الاستثمارات اللازمة في مجال الطاقة، عند الحاجة إليها، وصعوبة استعادة الأوضاع الطبيعية بعد انهيارها.

ويخلص تحليل المؤسسة إلى أن الضرر، للعالم كله، ولاقتصاده، ولجهود مواجهة التغيُّر المناخي وحماية البيئة التي يسعى إليها، يكمن في البناء على افتراضات يمكن ألّا تحدث، وقد تخدم دولاً ومجتمعات معينة ولا تخدم، بل قد تضر، مجتمعاتٍ أخرى، كما قد تترتب عليها نتائج قصيرة المدى تبدو إيجابية، فيما هي تخفي كمّاً هائلاً من السلبية فيها على المدى المتوسط والطويل، كتلك التي تتبناها الوكالة في تقريرها.

لا استغناء عن النفط والغاز

يرى وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، أن هناك تغيرات هيكلية في مزيج الطاقة على مستوى العالم، نتيجة التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم بعد أزمة جائحة كورونا والمواجهة الروسية - الأوكرانية، بحيث «غيرت معظم دول أوروبا خططها نحو التحول إلى الطاقة الخضراء - فور وقف إمدادات الغاز الروسي - لتعود محطات الكهرباء العاملة بالفحم والطاقة النووية للعمل فوراً وتؤجل خطط التحول الأخضر إلى ما بعد 2040 - 2050».

وقال كمال لـ«الشرق الأوسط» إن «سلة الطاقة المستقبلية يجب أن تضم كل أنواع الوقود: النفط، والغاز، والفحم، والطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والوقود الحيوي، والحرارة الجوفية... كل ما يمكن استخدامه كوقود يجب أن يستخدم».

وأضاف أن ما يقال عن استبعاد الوقود الأحفوري من مزيج الطاقة العالمي والاستغناء عن النفط والغاز «لا مجال له من الصحة، حيث يتم توجيه العنصرين للصناعات التحويلية (البتروكيميائيات) لسد حاجة العالم المتزايدة من العناصر البديلة للمعادن في صناعة الملابس والسجاد والملابس والعبوات ومواد البناء والتغليف وصناعة السيارات واللنشات وحفاظات الأطفال وخلافه».

وأشار هنا إلى «التطور السريع في التكنولوجيا (المستخدمة في الطاقة النظيفة)، الذي قد يؤدي إلى عدم لحاق بعض الدول بها إذا أمضت وقتاً أطول في تقييم التكنولوجيا، وأيضاً تخزين الكهرباء في البطاريات، قد يكون من السلبيات البيئية حال التخلص منها بعد خمس أو عشر سنوات».

من جهته، قال ياسين عبد الغفار رئيس شركة «سولاريز إيجيبت» للطاقة المتجددة، إن قطاع الطاقة العالمي في وضع صعب الآن، نتيجة تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، التي ألقت بظلالها على إمدادات النفط والغاز في السوق العالمية، مما انعكس على العرض والطلب، في ظل إعادة هيكلة مزيج الطاقة العالمي، والتوجه نحو الطاقة المتجددة.

وأوضح عبد الغفار لـ«الشرق الأوسط» أن العالم يتحرك الآن في اتجاهين، لضمان تأمين استدامة إمدادات الطاقة، الأول: التوجه نحو الطاقة المتجددة، والثاني: الاستمرار في استهلاك النفط والغاز حتى يصل الإنتاج من مزيج الطاقة المتجددة لنفس مستوى الوقود الأحفوري، ووقتها يمكن الإحلال من دون تعرض أمن الطاقة العالمي لمخاطر كبيرة.أما الخبير النفطي من العراق ضرغام محمد علي، فيرى من جهته أن دعوات وكالة الطاقة الدولية ليست وليدة اليوم وإنما منذ عقود مضت، «ودخلت طاقات جديدة في مزيج الطاقة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية، لكنها جميعاً تعد طاقات مكلفة وضعيفة الأداء باستثناء الطاقة النووية، التي لها استخدامات محدودة ومرتفعة التكاليف والمخاطر».

أضاف علي لـ«الشرق الأوسط»: «لذلك تعد الطاقة الأحفورية، وبخاصة النفط والغاز، هي الطاقة الحقيقية التي تعمل بكفاءة وتدير أكثر من 90 في المائة من السوق العالمية للطاقة».

وعن الدعوات لتقليل الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري، أشار علي إلى أن «أوروبا الرائدة في البحث عن مصادر نظيفة للطاقة، دفعت فاتورة كبيرة بسبب العقوبات على روسيا ومساعيها تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسي، وواجهت شتاء بارداً... واضطرت للبحث عن مصادر بديلة للطاقة، فيما استفادت الأسواق الآسيوية كالصين والهند من شراء النفط الروسي المطروح بسعر أقل... وهو ما يوضح أنه رغم الحديث عن الانبعاثات والتلوث، فإن الطلب على الطاقة الأحفورية في تزايد».

وعن مخاطر التحول السريع نحو الطاقة المتجددة بعيداً عن النفط والغاز، أوضح أن «محطات الطاقة التي تكلف تريليونات الدولارات حول العالم، ومحركات السيارات والطائرات والسفن، التي تعمل بالوقود الأحفوري، لا يمكن تحويلها بين ليلة وضحاها لتستخدم وقوداً بديلاً».

وخلص الخبير العراقي إلى القول «إن الطلب على الطاقة يتركز على الوقود الأحفوري من اليوم وحتى السنوات الأربعين أو الخمسين المقبلة بلا منافس قوي يهدد منتجي النفط والغاز حول العالم».


مقالات ذات صلة

توترات الشرق الأوسط تشعل أسواق النفط

الاقتصاد شعلة في أحد الحقول النفطية الإيرانية على شاطئ الخليج العربي (رويترز)

توترات الشرق الأوسط تشعل أسواق النفط

واصلت أسعار النفط الارتفاع، الجمعة، وكانت تمضي نحو تسجيل مكاسب أسبوعية قوية بنحو 10 في المائة

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر البيت الأبيض (إ.ب.أ)

تصريحات بايدن حول ضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران تدفع أسعار النفط إلى الارتفاع

ارتفعت أسعار النفط، الخميس، بعد تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين بأنه لا يتوقع حصول ضربة إسرائيلية ضد إيران.

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد شعلة غاز على منصة لإنتاج النفط بجوار العلم الإيراني (رويترز)

التصعيد الإيراني – الإسرائيلي يثير المخاوف في أسواق النفط العالمية

أثار التصعيدُ في الشرق الأوسط ارتفاعات بأسواق النفط، إثر شن طهران ضربة على إسرائيل، يوم الثلاثاء، أعقبها تهديد من تل أبيب باستهداف منشآت نفطية إيرانية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في فيينا (رويترز)

نوفاك: «أوبك بلس» ستواصل دورها الرئيسي في استقرار سوق النفط

أكد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن مجموعة «أوبك بلس» من كبار منتجي النفط ستواصل لعب دور حاسم في استقرار سوق النفط العالمية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شمال افريقيا إنتاج النفط بلغ قبل تعطيله 1.273 مليون برميل يومياً حسب بيانات المؤسسة الوطنية للنفط (رويترز)

سلطات شرق ليبيا تُعلن إعادة ضخ النفط

أعلن رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، أسامة حمّاد، استئناف إنتاج النفط وتصديره بشكل طبيعي من جميع الحقول والموانئ بعد 9 أيام من تعطيله.

جمال جوهر (القاهرة)

نمو الوظائف الأميركية يتسارع... والبطالة تنخفض إلى 4.1 %

امرأة تدخل متجراً بجوار لافتة تعلن عن وظائف شاغرة في تايمز سكوير (رويترز)
امرأة تدخل متجراً بجوار لافتة تعلن عن وظائف شاغرة في تايمز سكوير (رويترز)
TT

نمو الوظائف الأميركية يتسارع... والبطالة تنخفض إلى 4.1 %

امرأة تدخل متجراً بجوار لافتة تعلن عن وظائف شاغرة في تايمز سكوير (رويترز)
امرأة تدخل متجراً بجوار لافتة تعلن عن وظائف شاغرة في تايمز سكوير (رويترز)

تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة خلال سبتمبر (أيلول)؛ إذ انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة، مما يقلّص الحاجة لدى «مجلس الاحتياطي» للحفاظ على تخفيضات كبيرة لأسعار الفائدة في اجتماعاته المتبقية هذا العام.

ووفقاً للتقرير الذي أصدره مكتب إحصاءات العمل، التابع لوزارة العمل يوم الجمعة، زادت الوظائف غير الزراعية بمقدار 254 ألف وظيفة الشهر الماضي، بعد ارتفاعها بمقدار 159 ألف وظيفة في أغسطس (آب).

وكان خبراء اقتصاديون، استطلعت «رويترز» آراءهم، قد توقعوا زيادة بمقدار 140 ألف وظيفة، بعد ارتفاعها بمقدار 142 ألف وظيفة في أغسطس، وهو ما تم الإبلاغ عنه في تقرير سابق. وكان عدد الوظائف الأولية لشهر أغسطس عادة ما يجري تعديله إلى أعلى على مدى العقد الماضي. وتراوحت تقديرات مكاسب الوظائف في سبتمبر بين 70 ألفاً و220 ألفاً.

ويعود تباطؤ سوق العمل إلى ضعف التوظيف الذي يرجع في الغالب إلى العرض الزائد من العمالة بسبب ارتفاع معدلات الهجرة. ومع ذلك، ظلّت عمليات تسريح العمال منخفضة، مما دعّم الاقتصاد من خلال الإنفاق الاستهلاكي المستقر.

وارتفع متوسط الأجر بالساعة بنسبة 0.4 في المائة، بعد زيادة بنسبة 0.5 في المائة خلال أغسطس، وزادت الأجور بنسبة 4 في المائة على أساس سنوي، بعد ارتفاعها بنسبة 3.9 في المائة خلال الشهر السابق. كما انخفض معدل البطالة من 4.2 في المائة في أغسطس، بعدما قفز من 3.4 في المائة في أبريل (نيسان) 2023، ويرجع ذلك جزئياً إلى الفئة العمرية 16 - 24، وارتفاع عمليات التسريح المؤقتة خلال إغلاق مصانع السيارات السنوية في يوليو (تموز).

وبدأت لجنة وضع السياسات التابعة للمصرف المركزي الأميركي دورة تخفيف السياسة من خلال خفض غير عادي لسعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية الشهر الماضي؛ إذ أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى المخاوف المتزايدة بشأن صحة سوق العمل.

وفي الوقت الذي تراجعت فيه سوق العمل، أظهرت المراجعات المعيارية السنوية لبيانات الحسابات القومية خلال الأسبوع الماضي أن الاقتصاد في حالة أفضل بكثير مما كان متوقعاً سابقاً، مع ترقيات في النمو والدخل والادخار وأرباح الشركات. وقد اعترف باول بهذه الخلفية الاقتصادية المحسّنة هذا الأسبوع عندما رفض توقعات المستثمرين بشأن خفض آخر لسعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في نوفمبر (تشرين الثاني)، قائلاً: «هذه ليست لجنة تشعر أنها في عجلة من أمرها لخفض الأسعار بسرعة».

ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس في عامي 2022 و2023، ونفّذ أول خفض لسعر الفائدة منذ عام 2020 خلال الشهر الماضي. ويبلغ سعر الفائدة الرئيسي حالياً 4.7 - 5 في المائة.

وأظهرت أداة «فيدووتش»، في وقت مبكر من يوم الجمعة، أن الأسواق المالية تتوقع احتمالاً بنحو 71.5 في المائة لخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة في نوفمبر، في حين كانت احتمالات خفض 50 نقطة أساس نحو 28.5 في المائة.

ومع ذلك، من المرجح أن تشهد سوق العمل بعض الاضطرابات القصيرة الأجل، بعد أن دمّر إعصار «هيلين» مساحات شاسعة من جنوب شرقي الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي. كما شهد عشرات الآلاف من عمال الماكينات في شركة «بوينغ» إضراباً في سبتمبر؛ مما قد يؤثر سلباً على موردي الشركة.

وانتهى توقف العمل لنحو 45 ألف عامل في الموانئ على الساحل الشرقي وساحل الخليج يوم الخميس، بعد أن توصلت نقابتهم ومشغلو الموانئ إلى اتفاق مبدئي. وإذا استمر إضراب «بوينغ» بعد الأسبوع المقبل، فقد يؤثر سلباً على بيانات الرواتب غير الزراعية لشهر أكتوبر (تشرين الأول) التي سيجري إصدارها قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر.

وبعد هذه البيانات، قفز الدولار إلى أعلى مستوى له في سبعة أسابيع؛ مما دفع المتداولين إلى تقليص الرهانات على أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيخفّض أسعار الفائدة مرة أخرى بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه في نوفمبر.

ووصل مؤشر الدولار إلى 102.54، وهو أعلى مستوى منذ 16 أغسطس، في حين انخفض اليورو إلى 1.0965 دولار، وهو أدنى مستوى منذ 15 أغسطس.

كما ارتفع الدولار إلى 148.495 ين، وهو أعلى مستوى له منذ 16 أغسطس.

وواصلت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية مكاسبها يوم الجمعة، مدفوعة بزيادة أكبر من المتوقع في الوظائف وانخفاض أقل من المتوقع في معدل البطالة، وهو ما ساعد في تخفيف المخاوف بشأن تباطؤ سريع في سوق العمل.

وشهدت مؤشرات «داو جونز» الصناعية زيادة قدرها 102 نقطة، أو 0.24 في المائة، في حين ارتفعت مؤشرات «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 24.5 نقطة، أو 0.43 في المائة. كما زادت مؤشرات «ناسداك 100» بمقدار 107 نقاط، أو 0.54 في المائة.