الفيدرالي يصدم الجميع: طريق التضخم لا تزال طويلة

الشكوك تسبب نزفاً بصناديق الأسهم والسندات العالمية

أحد المتداولين في وول ستريت يتابع مؤشرات الأسهم بينما يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في بث مباشر من منتدى جاكسون هول (أ.ف.ب)
أحد المتداولين في وول ستريت يتابع مؤشرات الأسهم بينما يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في بث مباشر من منتدى جاكسون هول (أ.ف.ب)
TT

الفيدرالي يصدم الجميع: طريق التضخم لا تزال طويلة

أحد المتداولين في وول ستريت يتابع مؤشرات الأسهم بينما يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في بث مباشر من منتدى جاكسون هول (أ.ف.ب)
أحد المتداولين في وول ستريت يتابع مؤشرات الأسهم بينما يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في بث مباشر من منتدى جاكسون هول (أ.ف.ب)

ما إن بدأ رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) كلمته في منتدى البنوك المركزية المنعقد في بلدة جاكسون هول بولاية وايومنغ الأميركية، حتى بدأ تراجع كبير لكل من الدولار وعوائد السندات في الأسواق العالمية، فبدلا من أن يفتح بابا أمام احتمال التوقف عن التشديد النقدي، أكد أن الطريق لا يزال طويلا... ومع استمرار حديثه عن عدم اليقين، عادت الدولار والسندات إلى القفز عاليا، مع اتجاه المستثمرين لمزيد من التحوط.

وأكد باول في الخطاب الذي تمت مراقبته من كثب أن استمرار مرونة الاقتصاد الأميركي قد يتطلب مزيدا من الزيادات في أسعار الفائدة... مشيرا إلى أن الاقتصاد ينمو بشكل أسرع من المتوقع، وأن المستهلكين استمروا في الإنفاق بسرعة، وهي اتجاهات يمكن أن تبقي ضغوط التضخم مرتفعة. كما كرر تصميم بنك الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء سعر الفائدة الرئيسي مرتفعاً حتى يتم تخفيض زيادات الأسعار إلى هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة.

وقال باول: «نحن على استعداد لرفع أسعار الفائدة أكثر إذا كان ذلك مناسباً، ونعتزم الإبقاء على السياسة عند مستوى مقيد حتى نكون واثقين من أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدفنا».

وقد سلط خطابه الضوء على الشكوك المحيطة بالاقتصاد، ومدى تعقيد استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي لها... وكان ذلك بمثابة تناقض حاد مع تصريحات جاكسون هول قبل عام، عندما حذر بصراحة وول ستريت من أن البنك المركزي سيواصل حملته المتشددة في رفع الفائدة لكبح جماح الأسعار المرتفعة، بحسب «أسوشييتد برس».

وقال باول أيضاً إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يعتقد أن سعر الفائدة الرئيسي مرتفع بما يكفي لتقييد الاقتصاد وتهدئة النمو والتوظيف والتضخم؛ لكنه قال إنه من الصعب معرفة مدى ارتفاع تكاليف الاقتراض لتقييد الاقتصاد: «وبالتالي هناك دائما عدم يقين» حول مدى فاعلية سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض التضخم.

وقال باول إنه نتيجة لذلك، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي «سيتحرك بحذر عندما نقرر ما إذا كنا سنزيد من تشديد السياسة النقدية أو - بدلاً من ذلك - نبقي سعر الفائدة ثابتاً وننتظر المزيد من البيانات».

أوضاع مربكة

ومنذ تحدث باول في مؤتمر جاكسون هول العام الماضي، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي إلى أعلى مستوى له منذ 22 عاما عند 5.4 في المائة. ومن ذروة بلغت 9.1 في المائة في يونيو (حزيران) 2022، تباطأ التضخم إلى 3.2 في المائة الشهر الماضي، وإن كان لا يزال أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة.

لكن معدلات القروض المرتفعة بشكل كبير جعلت من الصعب على الأميركيين شراء منزل أو سيارة أو تمويل الشركات للتوسعات. ولا تزال عناصر مثل الإيجار ووجبات المطاعم والخدمات الأخرى أكثر تكلفة. وظل التضخم «الأساسي»، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، مرتفعا على الرغم من قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة 11 مرة ابتداء من مارس (آذار) 2022،

ومع ذلك، فقد تحرك الاقتصاد الشامل للأمام. وظل سوق التوظيف سليما، الأمر الذي أربك الاقتصاديين الذين توقعوا أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تسريح العمال على نطاق واسع والركود. ويستمر الإنفاق الاستهلاكي في النمو بمعدل صحي. ويقف معدل البطالة في الولايات المتحدة عند المستوى الذي كان عليه بالضبط عندما تحدث باول في العام الماضي، 3.5 في المائة، وهو أعلى بالكاد من أدنى مستوى له منذ نصف قرن.

في يونيو الماضي، عندما أصدر صناع السياسات الثمانية عشر في بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعاتهم ربع السنوية آخر مرة، توقعوا أنهم سيرفعون أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام. لكن ربما تغير هذا التوقع في ضوء قراءات التضخم المعتدلة التي أصدرتها الحكومة في الأسابيع الأخيرة. وسيقوم المسؤولون بتحديث توقعاتهم لأسعار الفائدة عندما يجتمعون في الفترة من 19 إلى 20 سبتمبر (أيلول) المقبل.

انقلاب التوقعات

وقام العديد من الاقتصاديين بتأجيل أو عكس توقعاتهم السابقة للركود في الولايات المتحدة. وازداد التفاؤل بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف ينفذ «هبوطاً ناعماً» صعباً، حيث يتمكن من خفض التضخم إلى المستوى المستهدف من دون التسبب في ركود حاد.

ولا يتصور العديد من المتداولين في الأسواق المالية هبوطاً سلساً فحسب، بل يتصورون تسارعاً في النمو. وقد ساعدت هذه التوقعات في زيادة عائدات السندات، لا سيما سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، التي تؤثر بشكل كبير على أسعار الرهن العقاري طويل الأجل. وبناء على ذلك، بلغ متوسط سعر الفائدة الثابت على الرهن العقاري لمدة 30 عاما 7.23 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ 22 عاما. كما ارتفعت أسعار قروض السيارات وبطاقات الائتمان، وقد تؤدي إلى إضعاف الاقتراض والإنفاق الاستهلاكي، شريان الحياة للاقتصاد.

تخارجات قياسية من الأسهم والسندات

ووسط هذا المشهد المربك، شهدت صناديق الأسهم والسندات العالمية انسحابات كبيرة في الأسبوع الأخير، وسط مخاوف من أن البيانات الاقتصادية الأميركية القوية قد تبقي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة.

وتجنب المستثمرون أيضاً وضع الأموال في الأصول ذات المخاطر العالية قبل خطاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مؤتمر جاكسون هول؛ حيث كان يسود التوقع بمزيد من التلميحات حول توقعات أسعار الفائدة من صناع السياسات.

وفقاً لبيانات «ريفنتيف»، باع المستثمرون ما قيمته 11.1 مليار دولار صافية من صناديق الأسهم العالمية، وهو أكبر حجم في أسبوع منذ أكثر من شهرين. كما سحبوا صافي 3.1 مليار دولار من صناديق السندات العالمية، وهو أكبر صافي بيع أسبوعي في نحو ثمانية أشهر.

وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عاماً خلال الأسبوع؛ حيث أشارت القراءات الاقتصادية من الولايات المتحدة، مثل الوظائف والاستهلاك، إلى نمو أقوى، ما دفع المستثمرين إلى تقليص توقعاتهم لتخفيف السياسة العام المقبل.

وشهدت صناديق الأسهم الأميركية والأوروبية تدفقات خارجة بنحو 11.07 و1.52 مليار دولار على التوالي، لكن الصناديق الآسيوية شهدت صافي مشتريات بقيمة 1.14 مليار دولار.

وحسب القطاع، شهدت الصناديق المالية والتكنولوجيا والصناديق الاستهلاكية الأساسية صافي مبيعات يقدر بنحو 734 و702 و357 مليون دولار على التوالي.

ومن بين صناديق السندات، شهدت الصناديق العالمية ذات العائد المرتفع تدفقات خارجية أسبوعية بقيمة نحو 1.96 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، اجتذبت صناديق السندات الحكومية وسندات الشركات 2.03 مليار دولار و209 ملايين دولار من التدفقات الداخلة على التوالي.

وفي السلع، قلص المستثمرون مراكزهم في صناديق المعادن الثمينة للأسبوع الثالث عشر على التوالي، مع صافي مبيعات بقيمة 675 مليون دولار. كما خسرت صناديق الطاقة 164 مليون دولار من التدفقات الخارجة.

وأظهرت بيانات صناديق الأسواق الناشئة أن صناديق الأسهم واجهت صافي بيع بقيمة 2.02 مليار دولار، وهو الأكبر في أحد عشر أسبوعا، في حين سجلت صناديق السندات 658 مليون دولار من صافي المبيعات.

حذر واسع النطاق

وقبيل انطلاق أعمال اجتماع جاكسون هول، توخى المستثمرون الحذر في الأسواق، فيما واصل ارتفاع عائدات السندات الضغط على الأسهم، مدفوعة على وجه الخصوص بمكاسب قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وفتحت الأسهم الأميركية على ارتفاع يوم الجمعة، وزاد المؤشر داو جونز الصناعي 117.64 نقطة أي 0.34 في المائة عند الفتح إلى 34217.06 نقطة. وارتفع المؤشر ستاندرد أند بورز 500 عند الفتح 13.07 نقطة أي 0.30 في المائة إلى 4389.38 نقطة، وارتفع المؤشر ناسداك المجمع 50.40 نقطة أي 0.37 في المائة إلى 13514.37 عند الفتح.

ولكن على الجانب الآخر ارتفعت عائدات السندات صباح الجمعة على مستوى أوروبا، إذ زادت عائدات السندات الألمانية القياسية في القارة إلى 2.54 في المائة، وتراجعت أسهم الشركات العقارية شديدة التأثر بأسعار الفائدة 0.1 في المائة.

وتراجع اليورو إلى أدنى مستوى منذ منتصف يونيو (حزيران) يوم الجمعة متأثرا بازدياد التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يوقف قريبا رفع أسعار الفائدة، بينما ارتفع الدولار.

ونقلت «رويترز» عن ثمانية مصادر مطلعة أن واضعي السياسات في البنك المركزي الأوروبي يشعرون بقلق متزايد من ضعف آفاق النمو، وأن النقاش لا يزال مفتوحا؛ إلا أن الزخم للتوقف مؤقتا عن رفع أسعار الفائدة يزداد.

وتراجع اليورو إلى مستوى منخفض جديد بعد هذا التقرير، ليسجل أدنى مستوى منذ منتصف يونيو عند 1.0766 دولار تقريبا، وانخفض اليورو 0.3 في المائة في أحدث تعاملات الجمعة.

وصعد مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل ست عملات رئيسية أخرى، إلى أعلى مستوى منذ السابع من يونيو عند 104.25 نقطة. وارتفع المؤشر بأكثر من اثنين في المائة في أغسطس (آب) الحالي متجها إلى إنهاء سلسلة خسائر استمرت شهرين.

وتأثر اليورو والجنيه الإسترليني بشكل سلبي هذا الأسبوع بسبب بيانات النشاط التجاري الضعيفة التي دفعت المستثمرين إلى خفض توقعاتهم لمزيد من رفع أسعار الفائدة في منطقة اليورو وبريطانيا.

ولامس الإسترليني أدنى مستوى منذ يونيو عند نحو 1.2560 دولار، قبل أن يقلص خسائره إلى نحو 1.2591 دولار. وتراجع الإسترليني واحدا في المائة تقريبا هذا الأسبوع ويقترب من تسجيل أكبر انخفاض أسبوعي في خمسة أسابيع.

وتراجعت أسعار الذهب الجمعة مع ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى في عشرة أسابيع، لكن المعدن النفيس كان يتجه إلى تسجيل أفضل أداء في ستة أسابيع. وانخفض الذهب 0.2 في المائة إلى 1913.10 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0527 بتوقيت غرينتش. كما انخفضت العقود الآجلة الأميركية للذهب 0.3 في المائة إلى 1941.30 دولار.

وارتفع الذهب نحو 1.3 في المائة منذ بداية الأسبوع، الذي يمكن أن يكون أول أسبوع من المكاسب هذا الشهر، مع صعود الأسعار إلى أعلى مستوى منذ العاشر من أغسطس يوم الخميس.

وقال مات سيمبسون، كبير المحللين في سيتي إندكس «من الممكن أن يعيد باول الذهب إلى 1900 دولار، ويمكن أن يرفعه إلى 1940 دولارا». وأضاف: «من الواضح أن قوة الدولار بمثابة رياح معاكسة للذهب».


مقالات ذات صلة

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

المشرق العربي صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

عزّزت ظاهرة حجب البيانات المالية الخاصة بلبنان من قبل المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني الدولية منسوب الريبة من سياسة عدم الاكتراث الحكومية.

علي زين الدين (بيروت)
شمال افريقيا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية (الشرق الأوسط)

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

قال البنك الأفريقي للتنمية، الجمعة، إنه قدّم للمغرب قرضين بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) لكل منهما؛ بهدف تمويل منطقة صناعية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الاقتصاد جانب من اجتماع وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار مع رئيس شركة «روساتوم» الروسية المنفذة لمشروع محطة الطاقة النووية «أككويوو» في جنوب تركيا بإسطنبول الأسبوع الماضي (من حساب الوزير التركي على «إكس»)

«المركزي» التركي: لا خفض للفائدة قبل تراجع الاتجاه الأساسي للتضخم

استبعد مصرف تركيا المركزي البدء في دورة لخفض سعر الفائدة البالغ حالياً 50 في المائة قبل حدوث انخفاض كبير ودائم في الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد صيدلية في أحد شوارع منطقة مانهاتن بولاية نيويورك الأميركية (أ.ف.ب)

ارتفاع معتدل لأسعار السلع الأميركية في يونيو

ارتفعت أسعار السلع في الولايات المتحدة بشكل معتدل في يونيو الماضي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد بريطانيون يحتسون القهوة على ضفة نهر التيمز بالعاصمة لندن (رويترز)

بريطانيا تتأهب للكشف عن «فجوة هائلة» في المالية العامة

تستعد وزيرة المال البريطانية الجديدة رايتشل ريفز للكشف عن فجوة هائلة في المالية العامة تبلغ 20 مليار جنيه إسترليني خلال كلمة أمام البرلمان يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)

 

 

شدّد ماريس سانجيامبونسا، وزير الخارجية التايلاندي، على أن العلاقات بين الرياض وبانكوك تتجاوز التعاون الثنائي إلى التعاون الإقليمي والدولي، مركّزاً على 3 مجالات للتعاون مع السعودية، تشمل: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري، لتوظيف الخبرات وتعزيز التكامل الاقتصادي، مع العمل على توأمة «رؤية المملكة 2030»، ومبادرة «أشعل تايلاند».

وأكّد سانجيامبونسا لـ«الشرق الأوسط»، أن الطاقة المتجدّدة والهيدروجين الأخضر، والمفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، فضلاً عن التعاون في صناعة السيارات، وخصوصاً الكهربائية (EV)، مجالاتُ تعاون محتملة «ينبغي لنا استكشافها بشكل أكبر».

وكشف عن اعتزام بلاده إقامة المعرض التايلاندي الدولي (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لعرض فرص كبيرة حول الصناعات المبتكَرة، ومواد البناء، والضيافة، وتكنولوجيا الدفاع.

وقال سانجيامبونسا: «في مجال الأمن البشري يمكننا تعزيز التواصل، من خلال التعاون في مجالات الطب والتكنولوجيا الحيوية والصحة، فضلاً عن السياحة والسفر؛ لتعزيز مفهوم القوة الناعمة».

وعدّ سانجيامبونسا السياحة الطبية مجالاً رئيسياً للتعاون الثنائي الوثيق، في ظل ترحيب المستشفيات الخاصة في تايلاند بأعداد كبيرة من السياح الطبيين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك السعودية ودول الشرق الأوسط، مبيناً أن السعودية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في الترويج لصناعة الصحة في المملكة، بالاستفادة من الخبرات التايلاندية القوية بالقطاع.

مباحثات ومبادرات

وقال سانجيامبونسا: «علاقاتنا تتجاوز التعاون الثنائي، يمكن للمملكة الاستفادة من وضع تايلاند بوصفها منشئ الجسور على الساحة العالمية. ومع تولّي تايلاند رئاسة حوار التعاون الآسيوي (ACD) عام 2025، فإننا على استعداد لربط حوار التعاون الآسيوي مع التجمعات الإقليمية الأخرى، مثل مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات (BIMSTEC)، التي من شأنها أن تغطي 4 مليارات شخص، وهو ما يمكن أن يشكّل تعاوناً مهماً يعود بالنفع على الجميع».

وشدّد على أن بلاده والمملكة تتمتعان بمؤهلات للعمل معاً، حيث يمكن للشركات التايلاندية الاستفادة من التعاون مع السعودية؛ المركز الاقتصادي في الشرق الأوسط، لتوسيع أسواقها إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ووفق سانجيامبونسا، فإن المملكة تفكّر في استخدام تايلاند قاعدةً استثمارية لتوسيع أعمالها في منطقة آسيان، أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، والاستفادة من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. مشيراً إلى أهمية تشجيع مشاركة القطاع الخاص في هذا الصدد.

مستقبل التعاون الثنائي

أوضح سانجيامبونسا أن «سريثا تافيسين رئيس وزراء تايلاند، الذي قام بزيارة رسمية إلى السعودية مؤخراً، وجّه مجلس الاستثمار بفتح مكتب بالرياض في أقرب وقت ممكن، وهذا يعكس الأهمية التي تُولِيها الحكومة التايلاندية لتعزيز التعاون مع المملكة في المجالات كافة، وخصوصاً التجارة والاستثمار».

وأضاف: «أتطلّع إلى المشاركة في رئاسة الاجتماع الأول للجنة الفنية المتخصصة للاتصالات السلكية واللاسلكية في وقت لاحق من هذا العام، في بانكوك، مع الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي».

واللجنة الفنية تُوكَل إليها مهمة تشمل 5 ركائز للتعاون، تغطي جميع جوانب العلاقات الثنائية، وتركز في جانبها الاقتصادي على: السياحة والتجارة والاقتصاد والاستثمار.

فرص تجارية واستثمارية

ولفت الوزير التايلاندي إلى أنه زار مؤخراً السعودية، بدعوة من الأمين العام لمجلس الاستثمار التايلاندي بتايلاند (BOI)، ليترأس حفل افتتاح مكتب مجلس الاستثمار التايلاندي في الرياض، وهو المكتب الخارجي الـ17 لمجلس الاستثمار، الذي يُعدّ أول مكتب لاقتصاديات الاستثمار الخارجي في الشرق الأوسط، وسيغطي 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط.

وتابع سانجيامبونسا: «ترأّست حفل افتتاح (منتدى الاستثمار التايلاندي السعودي) الثاني، مع المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي، وشهد المنتدى توقيع 11 مذكرة تفاهم بين الشركات التايلاندية والسعودية، وحضره مسؤولون تنفيذيون وممثّلون رفيعو المستوى من الوكالات الحكومية والمؤسسات المالية، والغرفة التجارية التايلاندية، واتحاد الصناعات التايلاندية، والشركات التايلاندية الخاصة، للحصول على توافقات تجارية مثمرة مع نظرائهم السعوديين».

وحول أهمية منتدى الاستثمار السعودي التايلاندي في نسخته الثانية، قال سانجيامبونسا: «المنتدى يُظهر الإرادة القوية لدى الجانبين لتعميق التعاون، خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار؛ إذ إن عدد ومستوى المشاركين الذين يمثّلون قطاعات الأعمال في البلدين منحَنا الثقة في جنْي نتائج مثمرة، وستظل في الأذهان، بوصفها خطوةً مهمة في تطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين».

وبنى سانجيامبونسا نجاح المنتدى على النجاح الذي حقّقه معرض تايلاند الدولي الضخم العام الماضي، بقيادة غرفة التجارة التايلاندية، والذي شهد عرض أكثر من 30 قطاع أعمال تايلاندي، وأكثر من 1000 منتَج من 200 علامة تجارية، ما يمثّل إنجازاً كبيراً في الترويج لتايلاند بالسعودية.

وتابع: «تُظهر هذه الأحداث والمبادرات توفُّر فرص وإمكانات غير مستغَلة لبلدَينا، ويحتاج الجانبان إلى العمل معاً بشكل أكثر جدّية لتحقيق هذه الإمكانات، وضمان نتائج ملموسة، لذلك يُسعدنا أن نعلن عن اعتزامنا إقامة المعرض الدولي الضخم (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض، في نوفمبر (تشرين الثاني)».

ووفق سانجيامبونسا، سيركّز المعرض على تعزيز التجارة في مجموعة من القطاعات ذات الإمكانات العالية، وسيعرض الصناعات المتنوعة والمبتكَرة في تايلاند، بدءاً من مواد البناء، والضيافة، إلى تكنولوجيا الدفاع.

آفاق أرحب

ووفق سانجيامبونسا، سيكون مجلس التنسيق السعودي التايلاندي، «قوة دافعة مهمة في دفع علاقاتنا إلى الأمام، عبر 5 ركائز، تشمل التعاون؛ من التجارة والاستثمار إلى التعاون السياسي والقنصلي، إلى التعاون الاجتماعي والثقافي والعسكري والأمني».

وعلى الصعيد الاقتصادي قال سانجيامبونسا: «في العام الماضي وحده بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 8.8 مليار دولار، ما يمثّل حوالي 22 في المائة من إجمالي تجارة تايلاند مع منطقة الشرق الأوسط».

وشدّد على أن هذه الأرقام المثيرة للإعجاب سيتم تعزيزها بشكل أكبر، من خلال مذكرة التفاهم الثنائية الأخيرة بين وزارة التجارة التايلاندية والهيئة العامة للتجارة الخارجية في المملكة، بالإضافة إلى «التزامنا تجاه استكشاف إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة إقليمية، واتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي».

وتابع سانجيامبونسا: «في زيارتي الأخيرة للرياض اقترحت تعزيز تعاون البلدين، من خلال التركيز على 3 مجالات رئيسية، والتكامل بين اقتصادَينا، وأوجه التوافق مع الرؤية السعودية 2030، وسياسات مبادرة (أشعل تايلاند)، وهي: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري».

وبالنسبة للأمن الغذائي قال سانجيامبونسا: «قمنا بالفعل بتحديد كثير من المبادرات الاستثمارية في مجال إنتاج وتصنيع الأغذية، بين الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني (سالك)، وعديد من الشركات التايلاندية ذات الصلة». وأضاف: «نستهدف البدء في تصدير الماشية الحية حيث تم منح الضوء الأخضر أخيراً من قِبل السلطات السعودية، ونعتقد أن هناك إمكانات قوية في مجال الزراعة والأغذية المصنّعة، خصوصاً عندما نأخذ في الاعتبار أن تايلاند تُعدّ بالفعل منتِجاً ومُصدّراً رئيسياً للأغذية الحلال».

استراتيجية تحفيز الاقتصاد التايلاندي

وعن حجم الاقتصاد التايلاندي، ومعدّل نموه المتوقّع خلال عام 2024، قال سانجيامبونسا: «تقع تايلاند في قلب رابطة دول جنوب شرقي آسيا (ASEAN)، حيث تأتي تايلاند ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا... وتمثّل بوابةً للاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند».

وأضاف: «تعمل تايلاند بنشاط لتوسيع علاقاتها التجارية، من خلال 15 اتفاقية تجارة حرة مع 19 دولة، والعديد منها قيد التنفيذ... وبفضل موقعها الاستراتيجي تُعدّ تايلاند بمثابة مركز للشركات متعدّدة الجنسيات، التي تسعى إلى إنشاء مقر إقليمي في منطقة آسيا».

وقال سانجيامبونسا: «وفقاً لرؤية (أشعل تايلاند)، يُولِي رئيس وزراء تايلاند الأولوية لجعل البلاد مركزاً لـ8 صناعات رئيسية، تشمل: الزراعة، والغذاء، والطب، والسياحة، والنقل المستقبلي، والاستثمار المالي، والاقتصاد الرقمي، والخدمات اللوجستية، والطيران. مشيراً إلى أن السياحة كانت، ولا تزال، المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في تايلاند.

وزاد: «في الآونة الأخيرة، ومن أجل تعزيز قطاع السياحة في البلاد، وافقت تايلاند على نظام الإعفاء من التأشيرة لمدة 60 يوماً، ما يسمح للمسافرين من 93 دولة، بما في ذلك السعودية، بزيارة تايلاند؛ للقيام بمهام عمل قصيرة الأجل، بالإضافة إلى السفر الترفيهي».