الصين تحاول ضبط وضعها الاقتصادي قبل الخروج عن السيطرة

تدخلت بقوة لدعم اليوان

عاملان يرفعان علم الصين أمام شاشات تعرض أسعار الأسهم في هونغ كونغ (رويترز)
عاملان يرفعان علم الصين أمام شاشات تعرض أسعار الأسهم في هونغ كونغ (رويترز)
TT

الصين تحاول ضبط وضعها الاقتصادي قبل الخروج عن السيطرة

عاملان يرفعان علم الصين أمام شاشات تعرض أسعار الأسهم في هونغ كونغ (رويترز)
عاملان يرفعان علم الصين أمام شاشات تعرض أسعار الأسهم في هونغ كونغ (رويترز)

تعطي الصين إشارات متباينة للاقتصاد العالمي، لكن أغلبها يرمي للتباطؤ الذي لا يريده مجتمع الأعمال، الذي يعاني من تضخم في الأسعار وتراجع في الإنتاج وشح سيولة في الأسواق الدولية، وتحاول بكين ضبط وضعها الاقتصادي قبل الخروج عن السيطرة المالية.

ظهر هذا جلياً في تدخل الصين بقوة لدعم عملتها، من خلال نظام السعر الاسترشادي اليومي. وحدد بنك الشعب (المركزي) الصيني سعر اليوان عند 7.2006 مقابل الدولار مقارنة بمتوسط ​​تقديرات عند 7.3047 في استطلاع أجرته «بلومبرغ» للمتداولين والمحللين. وتُعد هذه أكبر فجوة مع التقديرات منذ بدء الاستطلاع في عام 2018.

تراجع اليوان نتيجة بيانات اقتصادية ضعيفة، كان آخرها تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين بنسبة 4 في المائة على أساس سنوي خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو (تموز)، ليصل إلى 766.71 مليار يوان (نحو 106 مليارات دولار)، وهو ما يعد مؤشراً جديداً على تعثر ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

عزّزت الحكومة الصينية، دعمها لليوان، وطلبت من البنوك المملوكة للدولة، خلال الأسبوع الماضي، تكثيف تدخلها في السوق، بينما قال البنك المركزي الخميس إنه سيمنع بحزم التحركات المفرطة للعملة.

كان مجلس الدولة الصيني، قد أصدر مؤخراً خطة لزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة الأعمال، حيث تتضمن إجراءات ضريبية وتأشيرات، بهدف جذب المزيد من الاستثمار في الصناعات الرئيسية وتشجيع الشركات الأجنبية على إنشاء مراكز أبحاث وتطوير في البلاد.

وتسعى الصين من خلال خطة التحفيز لجعل طلبات الحصول على التأشيرات وتصاريح الإقامة أكثر ملاءمة لموظفي الشركات الأجنبية، مع زيادة الدعم المالي والضريبي للشركات.

وعن تراجع اليوان، قال كين تشيونغ، كبير محللي العملات الآسيوية في بنك «ميزوهو» في هونغ كونغ: «المزيد من الإجراءات مثل التخفيض المحتمل لنسبة متطلبات احتياطي النقد الأجنبي عقب تعهد بنك الشعب الصيني بمنع الإفراط في المضاربات، قد يدفع المراهنين على تراجع اليوان إلى تقليص مراكزهم المكشوفة في الفترة المقبلة».

وبينما ارتفع اليوان عن أدنى مستوياته، الجمعة آخر تداولات الأسبوع، يقول المحللون إنه سيظل يواجه ضغوطاً على المدى الطويل مع تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد واختلاف السياسة النقدية عن الولايات المتحدة. ظلت الفجوة بين العائد على سندات الصين لأجل 10 سنوات ونظيراتها الأميركية عند أعلى مستوى منذ عام 2007، مع تفضيل المستثمرين للأصول الأميركية.

ومن شأن البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال لمبيعات التجزئة وأسعار المساكن، بالإضافة إلى الأزمة المتسعة في قطاع العقارات، أن تبعد المستثمرين عن اليوان، حيث أضاف تخفيض بنك الشعب الصيني لمعدل الفائدة وإجراءات التحفيز، المزيد من التوتر. وقال بنك الشعب الصيني في أحدث تقرير له بشأن السياسة النقدية، إن سوق الصرف الأجنبي تتماشى حالياً مع الأساسيات.


مقالات ذات صلة

وزير المالية الباكستاني في بكين سعياً لتخفيف عبء الديون

الاقتصاد وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب (أ.ف.ب)

وزير المالية الباكستاني في بكين سعياً لتخفيف عبء الديون

قال مصدران حكوميان إن وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب، وصل الخميس إلى بكين لبدء محادثات بشأن الإصلاحات الهيكلية لقطاع الكهرباء التي اقترحها صندوق النقد.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد صينيون يحتمون بمظلات وسط أمطار غزيرة في العاصمة بكين (أ.ب)

«المركزي الصيني» يفاجئ الجميع بمزيد من الإقراض المخفض

فاجأ البنك المركزي الصيني الأسواق للمرة الثانية هذا الأسبوع بإجراء عملية إقراض غير مجدولة يوم الخميس بأسعار فائدة منخفضة بشكل حاد.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونائب رئيس «فتح» محمود العالول وقيادي «حماس» موسى أبو مرزوق خلال توقيع الاتفاق في بكين أمس (أ.ب)

«اتفاق بكين»: تأكيد شرعية لعباس... و«مظلة لحماس»

قدّرت مصادر فلسطينية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أن إعلان حركتي «فتح» و«حماس» و12 فصيلاً آخر، اتفاقاً في بكين على إنهاء الانقسام يمثل فرصة للسلطة الوطنية لدعم شرعيتها.

«الشرق الأوسط» (جدة) رنا أبتر (واشنطن) كفاح زبون (رام الله)
آسيا تنامي نفوذ الصين وقدراتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال السنوات الماضية (أرشيفية - رويترز)

اليابان وجزر المحيط الهادئ تعارض «تغيير الوضع القائم بالقوة»

أعربت اليابان وجزر المحيط الهادئ عن «معارضتها الشديدة أي محاولة أحادية الجانب لتعديل الوضع القائم بالتهديد أو باستخدام القوة أو بالإكراه».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد تجمِّع الأذرع الآلية السيارات على خط إنتاج السيارات الكهربائية «ليب موتور» بمصنع في جينهوا (رويترز)

التوسع الصناعي السريع في الصين... هل هو ميزة نسبية أم سياسات مشوهة؟

ظهرت روايتان متضاربتان حول التوسع الصناعي السريع في الصين بقيادة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والسلع التكنولوجية العالية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل تنجح خطة ترمب لخفض قيمة الدولار؟

ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
TT

هل تنجح خطة ترمب لخفض قيمة الدولار؟

ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)
ترمب يُلوِّح بيده بعد أن تحدث خلال تجمع انتخابي في مركز «هيرب بروكس» الوطني للهوكي في سانت كلاود بولاية مينيسوتا (أ.ف.ب)

يرى المستثمرون أن خطة دونالد ترمب لخفض قيمة الدولار إذا فاز في الانتخابات الأميركية «من غير المرجح للغاية» أن تنجح حيث سيجري تقويضها من خلال سياسات مثل التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب.

في الأسابيع الأخيرة، تحدث الرئيس السابق وزميله في الترشح، جيه دي فانس، عن فوائد إضعاف العملة لتعزيز التصنيع في البلاد وخفض العجز التجاري.

لكنَّ الاستراتيجيين يُحذرون من أن خطط خفض قيمة الدولار ستكون مكلِّفة وقصيرة الأجل، في حين أن السياسات الشعبوية مثل الرسوم الجمركية على السلع الخارجية من شأنها أن تعاكس تأثيرها، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

أوراق نقدية بالدولار الأميركي (د.ب.أ)

وقال مدير صندوق في «إدموند دي روتشيلد» مايكل نيزارد: «هناك تناقض كبير في السوق اليوم - كان ترمب صريحاً بشأن خفض قيمة الدولار ولكن سياساته يجب أن تدعم العملة، على الأقل في الأمد القريب».

كان ترمب قد قال في مقابلة مع «بلومبرغ» الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة لديها «مشكلة عملة كبيرة» فرضت «عبئاً هائلاً» على الشركات المصنعة التي تبيع السلع في الخارج.

وتتركز رؤية فانس لأميركا، التي وضعها في خطابه في المؤتمر الوطني الجمهوري الأسبوع الماضي، أيضاً على ضعف الدولار -إعادة بناء التصنيع الأميركي على البر والتراجع عن بعض العولمة في العقود الماضية.

وتأتي دعوات ترمب لإضعاف العملة في الوقت الذي ارتفع فيه الدولار، على الرغم من الانخفاض الأخير، بنسبة 15 في المائة مقابل سلة من العملات منذ تولى الرئيس جو بايدن، منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021، والعجز التجاري الأميركي أكبر بمقدار الثلث مقارنةً بعام 2019 وبلغ 773 مليار دولار العام الماضي. ويرجع ذلك أيضاً إلى قوة الاقتصاد الأميركي ووصول أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها في 23 عاماً.

وقال رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في «يو بي إس» شهاب غالينوس، إنه لا توجد طريق واضحة للرئيس لاتخاذها لخفض قيمة العملة. وقال: «المشكلة الأساسية هي أنه لا يوجد شعور بأن الدولار الأميركي مُبالَغ في قيمته».

إن العقبة الكبيرة التي يواجهها ترمب وفانس في محاولتهما لإضعاف العملة هي أن سياساتهما الأخرى قد تدعم الدولار، وفق «فاينانشيال تايمز». وقال ترمب إنه يريد فرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية ورسوم بنسبة 10 في المائة على الواردات من بقية العالم إذا عاد إلى البيت الأبيض.

مبنى بورصة نيويورك (أ.ب)

ويقول الاستراتيجيون إن هذا يفرض عبئاً أكبر على العملات خارج الولايات المتحدة، حيث التجارة عبر الحدود أكبر نسبياً لحجم الاقتصاد.

وهذا يشير إلى أن التعريفات الجمركية المرتفعة من شأنها أن تُلحق مزيداً من الضرر بالاقتصادات غير الأميركية، وتحدّ من نموها وتُضعف عملاتها. في الأسبوع الماضي، أوضحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، أن التعريفات الجمركية من المرجح أن تدفع البنك المركزي الأوروبي نحو خفض أسعار الفائدة وإضعاف اليورو.

وقد تؤدي التعريفات الجمركية أيضاً إلى زيادة التكاليف المحلية، مما يدفع التضخم إلى الارتفاع ويُبقي أسعار الفائدة مرتفعة. وفي حين يصعب التنبؤ بالتأثير، قدّر رئيس أبحاث العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في «ستاندرد تشارترد» ستيف إنغلاندر، أن اقتراح ترمب للتعريفات الجمركية قد يرفع الأسعار بنسبة 1.8 في المائة على مدى عامين، في غياب تأثيرات الجولة الثانية.

وقال رئيس النقد الأجنبي العالمي في «مورغان ستانلي» جيمس لورد: «ستؤدي التعريفات الجمركية، إذا كان كل شيء آخر متساوياً، إلى زيادة قوة الدولار، خصوصاً إذا أدى الانتقام من الشركاء التجاريين في شكل تعريفات جمركية إلى زيادة مخاطر النمو الإضافية للاقتصاد العالمي».

كما قال ترمب إنه سيمدد التخفيضات الضريبية التي من المقرر أن تنتهي العام المقبل، ولمّح إلى مزيد من التخفيضات الضريبية التي قد تضيف ضغوطاً إلى العجز المالي الهائل في الولايات المتحدة وتبطئ وتيرة دورة خفض أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي.

لكنَّ الاستراتيجيين يُحذّرون أيضاً من أن خيارات ترمب الأخرى لخفض قيمة الدولار محدودة بسبب الاضطرابات التي قد تشعر بها الأسواق العالمية.

لم تتم محاولة خفض قيمة الدولار منذ اتفاق بلازا في عام 1985، الذي حقق بعض النجاح ولكنه كان مدعوماً بانخفاض أسعار الفائدة الأميركية.

يمكن لترمب أن يضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، حتى لو لم يكن تآكل استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسةً رسميةً لحملته... ومع ذلك، من المرجح أن يثير هذا قلق الأسواق.

وحسب رئيس أبحاث النقد الأجنبي في «دويتشه بنك» جورج سارافيلوس، فإن الدولار يجب أن ينخفض ​​بنسبة تصل إلى 40 في المائة لإغلاق العجز التجاري الأميركي.

وقال استراتيجي أسعار الفائدة العالمية في «كولومبيا ثريدنيدل» إدوارد الحسيني: «إن تكلفة الاضطراب هائلة للغاية... السوق هنا ستكون قوة موازنة قوية»، مضيفاً أن أي تدخل لإضعاف الدولار «غير مرجح للغاية».

كان أحد المقترحات لإضعاف العملة هو أن تستخدم الولايات المتحدة صندوق تثبيت سعر الصرف التابع لوزارة الخزانة. ومع ذلك، فإن الصندوق لديه نحو 200 مليار دولار من الأصول لشراء العملات الأجنبية، التي يخشى المحللون أن تنفد قريباً.

وقد يواجه ترمب وفانس مشكلات مع ناخبيهما. وقال غالينوس: «الطريقة الأكثر وضوحاً لحدوث هذا التخفيض في القيمة هي أن تفقد الولايات المتحدة استثنائيتها الاقتصادية. لكنَّ الدولار يظل عملة الاحتياطي العالمي وملاذاً في أوقات الاضطرابات الاقتصادية. ومن بين تعهدات الحزب الجمهوري لعام 2024 الحفاظ على الدولار الأميركي عملةً احتياطية عالمية».