الثروة العالمية تنخفض للمرة الأولى منذ أزمة 2008 المالية

روسيا واحدة من أكبر الزيادات في العالم رغم العقوبات عليها وبمقدار 600 مليار دولار في 2022

ارتفاع الفائدة والتضخم سببان في تراجع الثروة العالمية (أ.ف.ب)
ارتفاع الفائدة والتضخم سببان في تراجع الثروة العالمية (أ.ف.ب)
TT

الثروة العالمية تنخفض للمرة الأولى منذ أزمة 2008 المالية

ارتفاع الفائدة والتضخم سببان في تراجع الثروة العالمية (أ.ف.ب)
ارتفاع الفائدة والتضخم سببان في تراجع الثروة العالمية (أ.ف.ب)

تراجعت الثروة العالمية، العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الفائدة وانتشار التضخم، وذلك للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. إذ انخفض المجموع الكلي لجميع الثروات الخاصة في العالم بنسبة 2.4 في المائة إلى 454.4 تريليون دولار العام الماضي. لكن، وفي وقت كانت الولايات المتحدة تعاني فيه من أعلى خسارة إجمالية للثروة في 2022، كانت روسيا مثلاً تشكّل «استثناء»، حيث ارتفعت الثروة الروسية بمقدار 600 مليار دولار في عام 2022، وذلك على الرغم من العقوبات المفروضة على روسيا، التي قال رئيسها فلاديمير بوتين إنها قد تضر باقتصاد بلاده.

في تقرير الثروة العالمية السنوي الـ14، قال عملاقا المصارف السويسرية «يو بي إس» و«كريدي سويس»، وهما الآن مصرف واحد تابع للأول بعدما استحوذ عليه هذا العام، إن 11.3 تريليون دولار من الثروة الخاصة فُقدت في عام 2022، مما أدى إلى انخفاض إجمالي الثروة في جميع أنحاء العالم إلى 454.4 تريليون دولار. وكان السبب الأبرز في ذلك الخسائر في أسواق الأسهم والسندات، التي تؤثر بشكل غير متناسب على الأثرياء.

في البداية، يعرّف التقرير صافي الثروة أو «الثروة» على أنها قيمة الأصول المالية للأسرة والأصول العقارية، مثل الممتلكات، مطروحاً منها ديونها.

وقام مؤلفو التقرير بتحليل التغيرات المقدّرة في الثروة لـ5.4 مليار بالغ على مستوى العالم في عام 2022، مع تفصيل التقلبات عبر مستويات الثروة المختلفة.

وفقاً للتقرير، انخفضت الثروة العالمية لكل شخص بالغ بنسبة 3.6 في المائة، أو 3198 دولاراً، لتصل إلى 84718 دولاراً بحلول نهاية العام.

وجاء جزء كبير من الانخفاض من ارتفاع الدولار إلى جانب الأسواق المالية المضطربة، حيث تعرضت الأسهم لأسوأ ضربة لها العام الماضي منذ الأزمة المالية عام 2008.

ونتيجة لذلك، فقد 3.5 مليون شخص حول العالم مكانتهم بوصفهم «مليونيرات» العام الماضي بعدما انخفض عدد البالغين الذين تزيد أصولهم على مليون دولار من 62.9 مليون في نهاية عام 2021 إلى 59.4 مليون في نهاية عام 2022، كما وجد التقرير. وانخفض عدد أصحاب الملايين في الولايات المتحدة بمقدار 1.8 مليون ليصل إلى 22.7 مليون، حيث تخلت البلاد عن أكبر عدد (17260) من الأشخاص الذين يعدّون من «أصحاب الثروات الفائقة» بثروة تزيد على 50 مليون دولار، وهو ما كان أكثر من أي دولة أخرى. ولكن لا يزال عددهم أكبر بكثير من أي بلد آخر. وجاءت الصين في المرتبة الثانية من حيث العدد، حيث بلغ عددهم 6.2 مليون.

ومع ذلك، لم تكن أخباراً سيئة في كل مكان، فعلى الرغم من التراجع، وجد التقرير أن عدد أصحاب الملايين من الدولارات كان 4 أضعاف عددهم في مطلع القرن.

إذ قفز متوسط الثروة العالمية، الذي وُصف بأنه «مؤشر أكثر وضوحاً لكيفية أداء الشخص العادي»، بنسبة 3 في المائة في عام 2022. هذا يعني أنه بينما تراجعت الثروة الإجمالية، كان الشخص العادي أفضل حالاً بحلول نهاية العام.

الولايات المتحدة تعاني من أعلى خسارة

عندما يتعلق الأمر بالدول، عانت الولايات المتحدة من أعلى خسارة إجمالية للثروة في عام 2022، وفقاً للتقرير. وتخلت عن 5.9 تريليون دولار من ثروتها الخاصة العام الماضي، مقارنة بمكاسب بلغت 19.5 تريليون دولار في العام السابق.

ووصف مؤلفو التقرير خسارة الثروة الأميركية بأنها «أول تراجع في سلسلة ملحوظة من المكاسب المحققة منذ الأزمة المالية العالمية».

ومع ذلك، أشارت نتائج التقرير إلى أن الخسائر كانت ملحوظة بشكل كبير في الطرف العلوي من مقياس الثروة الأميركي.

ففي حين ظل الاقتصاد الأميركي مرناً العام الماضي بفضل الإنفاق الاستهلاكي القوي وسوق العمل القوية، تضرر المستثمرون الأثرياء من عمليات بيع كبيرة في سوق الأسهم، حيث تضرر العمال بسبب التسريح الجماعي للعمال.

ولكن على الرغم من أن ما يقرب من 1.8 مليون أميركي فقدوا وضعهم بوصفهم «مليونيرات» في عام 2022، وجد التقرير أن متوسط الثروة لكل شخص بالغ ارتفع بمقدار 14460 دولاراً إلى 107740 دولاراً، مما يشير إلى تحسّن الظروف المالية للأميركي.

وفي تحليل لـ20 دولة غنية مدرجة في التقرير، كانت الولايات المتحدة واحدة من 5 دول فقط شهدت زيادة في متوسط الثروة لكل شخص بالغ العام الماضي.

كما شعر الأثرياء في البلاد بألم أكبر من خسائر الثروة الخاصة الأميركية في العام الماضي أكثر من أولئك الذين لديهم صافي ثروة أقل.

الروس يزدادون ثراءً

وتركزت خسارة الثروة العالمية بشكل كبير في المناطق الأكثر ثراءً، بحسب تقرير «يو بي إس» و«كريدي سويس»، حيث تخلت أميركا الشمالية وأوروبا عن 10.9 تريليون دولار.

وبالمقارنة، سجلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ خسائر بلغت 2.1 تريليون دولار، في حين تمتعت أميركا اللاتينية، بدعم من ارتفاع متوسط للعملة بنسبة 6 في المائة مقابل الدولار، بزيادة في الثروة الخاصة قدرها 2.4 تريليون دولار.

في الطرف الآخر من المقياس، شهدت روسيا واحدة من أكبر الزيادات في الثروة في العالم، على الرغم من تعرضها لموجة من العقوبات التجارية الدولية نتيجة لحربها على أوكرانيا.

ففي العام الماضي، أشارت البيانات إلى أن أغنى «الأوليغارشية» في روسيا خسروا بشكل جماعي عشرات الملايين من الدولارات نتيجة مباشرة للعقوبات، بينما اعترف الرئيس فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا العام بأن العقوبات قد تضر باقتصاد بلاده.

ومع ذلك، فإن أرقام تقرير الثروة العالمية تروي قصة أخرى: ارتفعت الثروة الروسية بمقدار 600 مليار دولار في عام 2022، مع اكتساب البلاد 56 ألف مليونيراً العام الماضي، وشهدت زيادة عدد الأفراد ذوي الثروات العالية.

وقال التقرير إنه إضافة إلى روسيا، كانت المكسيك (بزيادة 655 مليار دولار)، والهند (بزيادة 675 مليار دولار) والبرازيل (بزيادة 1.1 تريليون دولار) هي الدول التي شهدت أكبر زيادة في الثروة العام الماضي.

مستقبل الثروة

في حين أن تأثير التقلبات المالية في العام الماضي أثر على بعض التركيبة السكانية أكثر من غيرها، كان الاستراتيجيون في «كريدي سويس» متفائلين بشأن مستقبل الثروة.

وقالت نانيت هيشلر-فايد هيربي كبيرة مسؤولي الاستثمار في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والرئيسة العالمية للاقتصاد والبحوث، وريتشارد كيرسلي العضو المنتدب لأبحاث أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا للأوراق المالية، في التقرير، إن توقعات «كريدي سويس» أظهرت أن الثروة العالمية ستزيد بنسبة 38 في المائة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وقالا إن «نمو البلدان المتوسطة الدخل سيكون المحرك الرئيسي للاتجاهات العالمية... نقدر أن تصل الثروة لكل شخص بالغ إلى 110270 دولاراً في عام 2027، وأن يصل عدد أصحاب الملايين إلى 86 مليوناً، بينما من المرجح أن يرتفع عدد الأفراد أصحاب الثروات الفائقة إلى 372 ألف فرد».


مقالات ذات صلة

قطاع الخدمات الروسي يحقق أسرع نمو منذ يناير

الاقتصاد منظر عام يُظهر سوقاً للمواد الغذائية في سانت بطرسبرغ (رويترز)

قطاع الخدمات الروسي يحقق أسرع نمو منذ يناير

شهد قطاع الخدمات الروسي توسعاً، للشهر الخامس على التوالي، في نوفمبر (تشرين الثاني)، محققاً أسرع وتيرة نمو منذ يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان (الشرق الأوسط)

الجدعان: مؤتمر الزكاة والضريبة والجمارك يعزز التعاون الدولي لمستقبل اقتصادي مستدام

أكد وزير المالية السعودي أن المملكة قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030»؛ مشيراً إلى دور هيئة الزكاة والضريبة والجمارك الفاعل في هذه الإنجازات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي (واس)

وزراء سعوديون: المملكة تواصل دفع الجهود نحو استدامة البيئة والاقتصاد

أكد وزراء سعوديون أن المملكة تحقق تقدماً ملحوظاً في مجالات التحول نحو الطاقة المتجددة، في وقت يواجه فيه العالم تحديات بيئية كبيرة، مثل التصحر وتدهور الأراضي.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد أشخاص يجلسون في مقهى بسيدي بو سعيد وهي مقصد سياحي شهير بالقرب من تونس العاصمة (رويترز)

عائدات السياحة التونسية تتجاوز 2.2 مليار دولار وسط توقعات قياسية

تجاوزت عائدات السياحة التونسية حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 2.2 مليار دولار، وسط توقعات بتسجيل أرقام قياسية في عدد السياح الوافدين إلى البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
متسوق يطالع الأسعار على الأرفف بأحد محال السوبر ماركت في إسطنبول (إعلام تركي)

​تضخم تركيا يبدد التوقعات بتخفيف السياسة النقدية المتشددة

تراجع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في تركيا إلى 47.1 % بأقل من المتوقع فيما جاء التضخم الشهري أعلى من المتوقع مسجلاً 2.24 %

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«أرامكو» توقع اتفاقية لبناء أحد أكبر مراكز استخلاص الكربون وتخزينه على مستوى العالم

شعار «أرامكو» في معرض بباريس (رويترز)
شعار «أرامكو» في معرض بباريس (رويترز)
TT

«أرامكو» توقع اتفاقية لبناء أحد أكبر مراكز استخلاص الكربون وتخزينه على مستوى العالم

شعار «أرامكو» في معرض بباريس (رويترز)
شعار «أرامكو» في معرض بباريس (رويترز)

وقّعت «أرامكو السعودية» اتفاقية مساهمين مع شركتي «لينداي» و«إس إل بي»، تمهّد الطريق لتطوير مركز استخلاص الكربون وتخزينه في مدينة الجبيل، والذي يتوقع أن يصبح أحد أكبر مراكز استخلاص الكربون وتخزينه على مستوى العالم.

وبموجب شروط اتفاقية المساهمين، ستحصل «أرامكو السعودية» على حصة 60 في المائة من أسهم مركز احتجاز الكربون وتخزينه، بينما تمتلك شركتا «لينداي» و«إس إل بي» حصة 20 في المائة من الأسهم لكل منهما.

وفق بيان مشترك، يمثل الاتفاق إنجازاً مهماً للمشروع، ويشكّل عنصراً أساسياً في إستراتيجية «أرامكو» لخفض الانبعاثات.

وذكر البيان أنه بدعم من وزارة الطاقة، من المتوقع أن تعمل المرحلة الأولى من مركز استخلاص الكربون وتخزينه الجديد، على استخلاص وتخزين ما يصل إلى 9 ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومن المقرر إكمال الأعمال الإنشائية بحلول نهاية عام 2027، في حين يُتوقع أن تعمل المراحل اللاحقة على توسيع قدرته بشكل أكبر.

ويدعم المشروع طموح «أرامكو» لتحقيق الحياد الصفري لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاق 1 والنطاق 2 بمرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول عام 2050.

وقال النائب التنفيذي للرئيس للاستراتيجية والتطوير المؤسسي في «أرامكو السعودية»، أشرف الغزاوي: «إن تقنية استخلاص الكربون وتخزينه تلعب دوراً مهماً في تعزيز طموحاتنا بمجال الاستدامة وأعمالنا في مصادر الطاقة الجديدة». وأوضح أن هذا الإعلان يمثل خطوة متقدمة ضمن تحقيق استراتيجية الشركة للإسهام في حلول إدارة الكربون على الصعيد العالمي، وتحقيق أهدافها في تقليل الانبعاثات.

أضاف: «يؤكد تعاون (أرامكو السعودية) مع (إس إل بي) و(لينداي) أهمية الشراكات العالمية في دفع عجلة الابتكار التقني، وخفض الانبعاثات من مصادر الطاقة التقليدية، وتمكين حلول الطاقة الجديدة منخفضة الكربون. ويُعدّ مركز استخلاص الكربون وتخزينه الجديد واحداً من عدد من البرامج التي ستُمكّننا من تلبية الطلب المتزايد على الطاقة بموثوقية عالية وبشكل مستدام وبأسعار في متناول الجميع».

من جهته، قال النائب التنفيذي للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا بشركة «لينداي»، أوليفر فان، إن استخلاص الكربون وتخزينه يُعد أمراً ضرورياً لتحقيق أهداف المملكة في خفض الانبعاثات، معرباً عن تطلعه لإنجاز هذا المشروع الرائد بشكل مشترك، والذي يدعم تطوير اقتصاد منخفض الكربون.

وقال رئيس شؤون أعمال الطاقة الجديدة بشركة «إس إل بي»، جافين رينيك: «نحن سعداء بأن تكون شركتنا جزءاً من هذه الجهود الرائدة لتمكين الحد من انبعاثات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً من خلال مركز استخلاص الكربون وتخزينه في الجبيل. وبفضل محفظة أعمالنا المتميزة في تقنيات استخلاص الكربون وتخزينه، وخبرتنا الواسعة في مشاريع معقدة لاستخلاص الكربون وتخزينه في جميع أنحاء العالم، فنحن على ثقة من أن الشركة ستلعب دوراً حاسماً في تعزيز هذه المبادرة المهمة».

ويعكس الإعلان، الذي صدر خلال أعمال منتدى «مبادرة السعودية الخضراء» في الرياض، نهج الاقتصاد الدائري للكربون لتقليل الانبعاثات، مما سيسهم في تحقيق هدف المملكة المتمثل في الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات بحلول عام 2060، وستكون للمرحلة الأولى من مركز استخلاص الكربون وتخزينه قدرة على استخلاص تسعة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون من ثلاثة معامل غاز تابعة لـ«أرامكو السعودية» ومصادر صناعية أخرى. وسيجري نقل ثاني أكسيد الكربون المستخلَص عبر شبكة خطوط الأنابيب وتخزينه تحت الأرض في حوض طبقة مياه جوفية مالحة، مما يتيح الاستفادة من الإمكانات الجيولوجية الكبيرة للمملكة لتخزين ثاني أكسيد الكربون.