مضيق هرمز... احتمالات الحسابات الخاطئة

التعزيزات الأميركية ضد إيران تسخّن أهم ممر نفطي للعالم

هجوم من البحرية الإيرانية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني على ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما أثناء عبورها مضيق هرمز في مايو 2023 (رويترز)
هجوم من البحرية الإيرانية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني على ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما أثناء عبورها مضيق هرمز في مايو 2023 (رويترز)
TT

مضيق هرمز... احتمالات الحسابات الخاطئة

هجوم من البحرية الإيرانية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني على ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما أثناء عبورها مضيق هرمز في مايو 2023 (رويترز)
هجوم من البحرية الإيرانية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني على ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما أثناء عبورها مضيق هرمز في مايو 2023 (رويترز)

تتصاعد التوترات البحرية مجدداً بين الولايات المتحدة على خلفية عرض واشنطن وضع حراس على سفن تجارية تمر عبر مضيق هرمز في الخليج وإرسالها أكثر من 3 آلاف بحار أميركي إلى الشرق الأوسط في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة.

وتعدّ إيران أن مضيق هرمز استراتيجي بالنسبة إليها ولطالما استخدمته ورقة ضغط على الغرب في إطار مطالبها لرفع العقوبات عنها.

واشنطن من جهتها تبرر خطوتها بأنّ إيران احتجزت أو حاولت السيطرة على زهاء 20 سفينة في المنطقة خلال العامين الماضيين. وتقول إن قواتها منعت محاولتين إيرانيتين لاحتجاز ناقلتي نفط في المياه الدولية قبالة عُمان في الخامس من يوليو (تموز)، بينما صادرت طهران سفينة تجارية في اليوم التالي. وفي أبريل (نيسان) وأوائل مايو (أيار)، صادرت إيران ناقلتين في أسبوع في المياه الإقليمية، كما اتُهمت بشن هجوم بطائرة مسيّرة على ناقلة مملوكة لشركة إسرائيلية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

وكان مسؤول أميركي أفاد وكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي عن خطط لنشر «حراسة أمنية» مكونة من عناصر من البحرية على متن ناقلات تجارية تمر من مضيق هرمز وبالقرب منه «لتشكل طبقة دفاعية إضافية لهذه السفن المعرّضة للخطر».

ممر استراتيجي

ويبرز تصاعد التوتر والمتجدد منذ سنوات، الأهمية الحقيقية لمضيق هرمز الواقع بين إيران وسلطنة عُمان والذي يربط الخليج بخليج عُمان وبحر العرب.

لقد أكسبه موقعه هذا ضمن أكبر منطقة منتجة للنفط في العالم، أهمية اقتصادية وسياسية على حد سواء؛ كونه يشكّل أهم ممر مائي من الناحية الاستراتيجية، بالنسبة إلى تجارة النفط العالمية.

يذكر موقع وزارة الإعلام العمانية، أن مضيق هرمز هو مضيق مائي دولي يقع بين شبه جزيرة مسندم العُمانية جنوباً والأراضي الإيرانية شمالاً، ويبلغ طوله 280 كيلومتراً، أما عرضه فيصل إلى 56 كيلومتراً.

يُعرّف مضيق هرمز باسم «فك الأسد»، وفقاً لوزارة الإعلام؛ لأهميته في رسم شبكة الطرق في القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري). هو منفذ الخليج العربي إلى العالم الخارجي، ويتحكم في المدخلات والمخرجات بالمحيط الهندي وغرب آسيا ومنطقة الشرق الأدنى القديم.

ويعتمد جانب كبير من تجارة الدول الواقعة على طول سواحل الخليج العربي على مضيق هرمز. فعبره، تُنقل خمس السوائل النفطية في العالم وربع الغاز الطبيعي المسال في العالم.

كما تمر عبره 10 في المائة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط شهرياً.

وهذا يجعل مضيق هرمز، ليس فقط أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، ولكن أيضاً نقطة الاختناق الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لإمدادات النفط في العالم؛ لأن هناك بدائل محدودة لتجاوزه.

ونقاط الاختناق هي قنوات ضيقة على طول الطرق البحرية العالمية المستخدمة على نطاق واسع والتي تعدّ حاسمة لأمن الطاقة العالمي. ويمكن أن يؤدي عدم قدرة النفط على عبور نقطة اختناق رئيسية، ولو مؤقتاً، إلى تأخيرات كبيرة في الإمدادات وارتفاع تكاليف الشحن؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.

تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية على موقعها الرسمي: إن مضيق هرمز هو أهم نقطة اختناق نفطية في العالم بسبب الكميات الكبيرة من النفط التي تتدفق عبره. وتشرح، أنه في عام 2018 (آخر الأرقام المتوافرة على موقع الإدارة)، بلغ متوسط تدفق النفط اليومي 21 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل نحو 21 في المائة من استهلاك السوائل النفطية العالمية.

«لقد شكلت التدفقات عبر مضيق هرمز في عام 2018 نحو ثلث إجمالي النفط العالمي المنقول بحراً. كما عبر أكثر من ربع تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية مضيق هرمز في عام 2018»، كما ذكرت.

ووفقاً لتقديراتها، فإن 76 في المائة من النفط الخام والمكثّفات التي مرّت عبر المضيق في عام 2018 كانت وجهتها الأسواق الآسيوية، وبصورة خاصّة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة. إذ استحوذت هذه البلدان على 65 في المائة من مجموع كميات النفط التي شُحِنت عبر المضيق في ذلك العام. في المقابل، استوردت الولايات المتحدة نحو 1.4 مليون برميل نفط في اليوم عبر مضيق هرمز في العام نفسه؛ ما شكّل نحو 18 في المائة من مجموع واردات النفط الخام الأميركية في ذلك التاريخ.

وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركي، فإنه على الرغم من أنه يمكن التحايل على معظم نقاط الاختناق باستخدام طرق أخرى تضيف بشكل كبير إلى وقت العبور، إلا أن بعض نقاط الاختناق ليس لها بدائل عملية.

المضيق والصين

وللصين أيضاً مصالح كبرى في مضيق هرمز، وهي التي تعدّ أكبر مستورد في العالم لمادة النفط.

وتشير شركة «درياد غلوبال» لاستشارات الأمن البحري إلى أن نحو 25 في المائة من النفط الذي يتم تصديره يومياً عبر المضيق، يذهب إلى الصين؛ مما يجعله منطقة جغرافية مهمة للغاية بالنسبة إليها.

من هنا، يمكن فهم أبعاد برنامج التعاون الإيراني - الصيني الذي تم توقيعه في مارس (آذار) من عام 2021، والذي هو عبارة عن اتفاق تعاون تجاري واستراتيجي لمدة 25 عاماً بين البلدين والذي لا توجد الكثير من التفاصيل حوله سوى ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في حينه، أن الصين تستثمر الصين 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الزمنية للاتفاق مقابل أن تمدها إيران بإمدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للغاية من النفط.

المضائق وأهميتها

يعد مضيق هرمز من أهم 10مضائق وأكثرها اهتماماً من دول العالم التي تحتوي على نحو 120 مضيقاً.

وتنبع الأهمية الاقتصادية للمضائق عادة من أنّها تختصر مسافات بين دول عدة؛ مما يسمح لها بعمل المزيد من الحركات التجارية في ما بينها. وتعد الكثير من مضائق العالم ممرات عالمية مهمة تمر من خلالها السفن والناقلات التجارية، ولا سيّما إن كانت المضائق تقع بالقرب من مناطق الثروات الطبيعية، كما هو الحال مع مضيق هرمز أو مضيق جبل طارق الذي يعدّ البوابة الأساسية لنقل البضائع من آسيا وجنوب أوروبا إلى قارتي أميركا الشمالية والجنوبية.

تشهد هذه المضائق حركة مستمرة ومزدهرة ساهمت في إنشاء مدن صناعية وتجارية كبرى عليها.

من بين أشهر المضائق في العالم، مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، وهو يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا. أما مضيق جبل طارق، فيصل بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ويفصل بين أوروبا وأفريقيا.

كما يعدّ مضيق ملقا من بين أهم المضائق في العالم؛ إذ تمر منه تجارة أوروبا إلى شرق آسيا والعكس، والنفط إلى اليابان وأستراليا والصين وكوريا.

أما قناة السويس، التي تربط بين البحر الأحمر جنوباً والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، وتمر عبر الأراضي المصرية، فتكمن أهميتها في أنها ربطت بين قارتي آسيا وأفريقيا، واختصرت آلاف الأميال في الملاحة، وألغت الاضطرار إلى الدوران في طريق رأس الرجاء الصالح حول قارة أفريقيا.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

الاقتصاد سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

أعرب وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، عن اعتقاده بأن ألمانيا على استعداد جيد للتعامل مع رئاسة دونالد ترمب، لكنه حذر من أن الرسوم الجمركية سلاح ذو حدين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

وسّعت أميركا مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أبراج إدارية وخدمية في الضاحية المالية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

حاكم تكساس يأمر الوكالات المحلية ببيع أصولها في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية وكالات الولاية بالتوقف عن الاستثمار في الصين، وبيع أصول هناك في أقرب وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بكين)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في مناسبة سابقة بين أنصاره (أ.ف.ب)

خبراء يرجحون فرض ترمب تعريفات بنسبة 40 % على الصين مع بداية 2025

أظهر استطلاع رأي أجرته «رويترز» لآراء خبراء اقتصاديين أن الولايات المتحدة قد تفرض رسوماً جمركية بنحو 40 % على الواردات من الصين في أوائل العام المقبل

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ هوارد لوتنيك رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة كانتور فيتزجيرالد في تجمع جماهيري للمرشح الرئاسي الجمهوري حينها دونالد ترمب في ماديسون سكوير غاردن في نيويورك 27 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ترمب يختار هوارد لوتنيك الرئيس التنفيذي لشركة خدمات مالية وزيراً للتجارة

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الثلاثاء)، أنه اختار هوارد لوتنيك الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت وزيراً للتجارة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«كوب 29»: اتفاق على تمويل سنوي قدره 300 مليار دولار

شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
TT

«كوب 29»: اتفاق على تمويل سنوي قدره 300 مليار دولار

شعار قمة «كوب 29» (رويترز)
شعار قمة «كوب 29» (رويترز)

تعهّدت الدول المُتقدّمة، يوم الأحد، في باكو، تقديم مزيد من التمويل للدول الفقيرة المهددة بتغير المناخ.

وبعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، وافقت دول العالم المجتمعة في باكو، الأحد، على اتفاق يوفر تمويلاً سنوياً لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية التي كانت تطالب بأكثر من ذلك بكثير لمكافحة التغير المناخي.

ويتمثل هذا الالتزام المالي من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا، تحت رعاية الأمم المتحدة، في زيادة القروض والمنح للدول النامية من 100 مليار إلى «300 مليار دولار على الأقل» سنوياً حتى عام 2035.

والأموال مخصصة لمساعدة هذه الدول على التكيف مع الفيضانات وموجات الحر والجفاف، وأيضاً للاستثمار في الطاقات منخفضة الكربون.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن مشاعر متباينة حيال الاتفاق بشأن تمويل المناخ الذي تم التوصل إليه في أذربيجان، فجر الأحد، حاضاً الدول على اعتباره «أساساً» يمكن البناء عليه.

وقال غوتيريش: «كنت آمل في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحاً... من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه»، داعياً «الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق أساساً لمواصلة البناء» عليه.

وأعربت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أنياس بانييه - روناشيه عن أسفها، لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الأحد، في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان «مخيب للآمال»، و«ليس على مستوى التحديات».

وقالت الوزيرة في بيان، إنه على الرغم من حصول «كثير من التقدّم»، بما في ذلك زيادة التمويل للبلدان الفقيرة المهددة بتغيّر المناخ إلى 3 أضعاف، فإنّ «النص المتعلّق بالتمويل قد اعتُمِد في جوّ من الارتباك واعترض عليه عدد من الدول».

اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة

في المقابل، أشاد المفوض الأوروبي فوبكه هوكسترا، الأحد، بـ«بداية حقبة جديدة» للتمويل المناخي. وقال المفوض المسؤول عن مفاوضات المناخ: «عملنا بجدّ معكم جميعاً لضمان توفير مزيد من الأموال على الطاولة. نحن نضاعف هدف الـ100 مليار دولار 3 مرات، ونعتقد أن هذا الهدف طموح. إنه ضروري وواقعي وقابل للتحقيق».

من جهته، رحب وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، واصفاً إياه بأنه «اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة من أجل المناخ». وقال ميليباند: «هذا ليس كل ما أردناه نحن أو الآخرون، لكنها خطوة إلى الأمام لنا جميعاً».

كما أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، باتفاق «كوب 29» بوصفه «خطوة مهمة» في مكافحة الاحترار المناخي، متعهداً بأن تواصل بلاده عملها رغم موقف خلفه دونالد ترمب المشكك بتغيّر المناخ.

وقال بايدن: «قد يسعى البعض إلى إنكار ثورة الطاقة النظيفة الجارية في أميركا وحول العالم أو إلى تأخيرها»، لكن «لا أحد يستطيع أن يعكس» هذا المسار.