القمح يشتعل بنيران القرم

العالم يبحث عن بدائل... والآمال في حل عقدة «اتفاق الحبوب»

مزارع أوكراني يقوم بحصاد أحد حقول القمح باستخدام سيارة آلية متعددة المهام (أ.ف.ب)
مزارع أوكراني يقوم بحصاد أحد حقول القمح باستخدام سيارة آلية متعددة المهام (أ.ف.ب)
TT

القمح يشتعل بنيران القرم

مزارع أوكراني يقوم بحصاد أحد حقول القمح باستخدام سيارة آلية متعددة المهام (أ.ف.ب)
مزارع أوكراني يقوم بحصاد أحد حقول القمح باستخدام سيارة آلية متعددة المهام (أ.ف.ب)

أشعلت هجمات وقعت على موانئ أوكرانية أسواق القمح، خاصة أنها جاءت عقب انهيار اتفاق كان يسمح بالنقل الآمن لصادرات الحبوب عبر البحر الأسود من الموانئ الأوكرانية، مما أثار مخاوف بشأن الإمدادات على المدى الأبعد.

وأضافت قيود الإمدادات من منطقة البحر الأسود المهمة في هذا المجال المزيد من الضبابية وسط توقعات بأن تهدد ظاهرة النينو المناخية المحاصيل في أنحاء آسيا، الأمر الذي يفاقم المخاوف من تضخم أسعار الغذاء.

وقفزت العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو بأكثر من اثنين في المائة، لتبلغ أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع يوم الخميس، إذ تلقت الأسعار دعما في أعقاب هجمات روسية على موانئ أوكرانية تسببت في أضرار للبنية التحتية. وفي الساعة 10:09 بتوقيت غرينيتش، كان السعر عند 737.75 دولار للبوشل، ليبلغ الارتفاع 15.3 في المائة خلال أيام التداول الخمسة الأخيرة منذ بداية الأسبوع الحالي.

وقالت سلطات محلية أوكرانية إن الضربات الروسية استمرت لمناطق الموانئ الأوكرانية يوم الخميس بعد أن أصدرت موسكو تحذيراً مفاده أن السفن المتجهة إلى موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود قد تعد أهدافا عسكرية.

وتصاعدت الأحداث سريعا عقب تعرض جسر القرم لهجوم مطلع الأسبوع، إذ هاجمت روسيا منطقة أوديسا مساء الاثنين والثلاثاء. وتسبب الهجوم على ميناء تشورنومورسك في جنوب أوكرانيا في تضرر البنية التحتية لتصدير الحبوب، فضلاً عن تدمير آلاف الأطنان من الحبوب المخزنة.

وقال دنيس فوزنيسينسكي كبير محللي الحبوب في شركة «رابوبنك»: «كانت السوق تأمل في أن القوات البحرية لدول أخرى قد ترافق شحنات السلع من وإلى أوكرانيا، بغض النظر عن عدم تجديد روسيا لاتفاق تصدير الحبوب». وأضاف «لكن ذلك بات مستبعداً تماماً بعد الهجوم على ميناء أوديسا والبيان اللاحق من روسيا بخصوص اعتبار أي سفينة تبحر إلى موانئ أوكرانيا على البحر الأسود تحمل شحنات عسكرية».

وحدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، شروطاً لعودة بلاده إلى صفقة الحبوب، من بينها إزالة العقبات أمام البنوك الروسية، بما في ذلك ارتباطها بنظام سويفت. وقال: «لقد أظهرنا مراراً وتكراراً معجزات الصبر والحلم... الدول الغربية لم تفِ بأي التزامات بموجب المبادرة (صفقة الحبوب)، لكنها اكتفت بإغراق روسيا بالمطالب»، وفقا لوكالة «سبوتنيك» للأنباء.

وحدّد بوتين شروط عودة روسيا إلى صفقة الحبوب باستعادة الجوهر الأصلي للمبادرة. ومن بين الشروط الأخرى، حدد بوتين أيضا سحب الحبوب والأسمدة الروسية من العقوبات. وتابع بوتين: «لن تعود روسيا إلى صفقة الحبوب إلا إذا تم الوفاء بجميع المبادئ المتفق عليها مسبقاً بشأن مشاركة روسيا فيها، دون استثناء».

وقال تجار ومحللون إن المطاحن الآسيوية التي اشترت أكثر من مليون طن متري من القمح من منطقة البحر الأسود للشحن خلال الشهور المقبلة ستبحث عن بدائل للإمدادات. وأوضح تاجر في شركة دولية للتجارة مقره سنغافورة: «من المحتمل أن يبحثوا عن ذلك في أوروبا وشحنات من مصدرين آخرين في منطقة البحر الأسود مثل رومانيا وبلغاريا. ولا تزال أستراليا تملك قمحا للبيع من محصولها للعام الماضي».

مصر

وفي غضون ذلك، قال وزير التموين المصري علي المصيلحي إن احتياطيات مصر الاستراتيجية من القمح تكفي خمسة أشهر. وأضاف أنه تم توريد 3.8 مليون طن من القمح المحلي منذ بدء موسم الحصاد.

وتعد مصر أكبر مستورد في العالم للقمح، وتعتمد بشكل كبير على الواردات من كل من روسيا وأوكرانيا.

واشترت مطاحن في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، التي تعتمد بشدة على الإمدادات من البحر الأسود، ملايين الأطنان من القمح والذرة من المنطقة التي تدخل ذروة موسم التصدير مع وصول محاصيل تم حصادها مؤخرا إلى السوق. وقال تجار إن من المتوقع ارتفاع أسعار قمح البحر الأسود المعروض في آسيا مع تقلص الإمدادات.

ويبدو أن اتفاق الحبوب سيظل معلقاً خلال الأسبوعين المقبلين، على الأقل حتى تنتهي القمة الروسية - الأفريقية المقرر عقدها في مدينة سان بطرسبورغ الروسية يومي 27 و28 يوليو (تموز) الحالي، وربما يستمر تعليق الاتفاق حتى يلتقي الرئيسان التركي والروسي في أغسطس (آب) المقبل.

وتقول ألكسندرا بروكوبينكو الباحثة غير المقيمة في مركز كارنيغي روسيا - أوراسيا لأبحاث السلام، إن «الأسواق لا تبدو مقتنعة بأن فترة تعليق الاتفاق ستكون طويلة. فموسكو هدّدت بالانسحاب من الاتفاق مرات عديدة، لكن لم يتم التعامل مع أي منها بجدية... وفي كل الأحوال، فإن الكرملين يعتمد على شركائه بدرجة لا تجعل الانسحاب من الاتفاق بسيطاً بالنسبة له».

يُذكر أنه تم التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة الأمم المتحدة وتركيا منذ عام، بهدف السماح بتصدير كميات الحبوب الأوكرانية التي تحتاجها أسواق العالم بشدة لوقف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية. ووفقاً للجزء الأول من الاتفاق، تعهدت روسيا بعدم مهاجمة سفن الشحن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، في حين تتولى تركيا والأمم المتحدة تفتيش حمولة السفن. في المقابل، يقضي الجزء الثاني من الاتفاق بإعفاء صادرات روسيا من المنتجات الزراعية والأسمدة من العقوبات الأميركية والأوروبية.

ومنذ توقيع الاتفاق قبل عام، تم تصدير حوالي 32 مليون طن من الحبوب الأوكرانية تتراوح قيمتها بين 8 و9 مليارات دولار إلى دول عديدة منها الصين وإسبانيا وتركيا. وأسهم الاتفاق في خفض أسعار الغذاء العالمية بنسبة 11.6 في المائة وفق مؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء. ويُعد الاتفاق بالنسبة لأوكرانيا مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة، كما أنه أفرغ مخازن الحبوب الأوكرانية حتى تستوعب المحصول الجديد، ومنع الأسعار المحلية من التراجع.

وعلى الرغم من القيود الغربية، نجحت روسيا في تصدير 60 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق الخارجية خلال السنة الزراعية الماضية، وجنت أكثر من 41 مليار دولار من هذه الصادرات.

ولا تبدو التوقعات بشأن عائدات الصادرات والمحصول الجديد أقل تفاؤلاً من العام الماضي. فالمستودعات ما زالت مليئة بكميات قياسية من الحبوب، والمصدرون الروس تكيفوا مع العقوبات.

وتقول بروكوبينكو إن روسيا عندما وافقت على اتفاق تصدير الحبوب لم تكن تدرك مدى تزايد اعتمادها على الصين وتركيا. بل إن الصين وكأحد المستوردين الرئيسيين للحبوب الأوكرانية التي تم تصديرها وفقا للاتفاق، أدرجت موضوع الاتفاق ليكون بندا منفصلا في خطتها للسلام في أوكرانيا. ولا تريد موسكو إفساد علاقتها مع بكين التي أصبحت أكبر مستورد لمواد الطاقة الروسية، وأكبر بائع للسلع الخاضعة للعقوبات الغربية في السوق الروسية.


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أفريقيا أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أفاد تقرير بأن أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل، وهو رقم يزداد مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم آثار الحرب والتغير المناخي.

«الشرق الأوسط» (أبوجا )

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

قال رئيس البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالهاو يوم الجمعة، إن «المركزي الأوروبي» لم يتأخر في خفض أسعار الفائدة، لكنه يحتاج إلى مراقبة خطر عدم تحقيق هدفه للتضخم من كثب، وهو ما قد يؤدي إلى تثبيط النمو بشكل غير ضروري.

وخفّض البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة ثلاث مرات هذا العام بالفعل، ويتوقع المستثمرون مزيداً من التيسير النقدي في كل اجتماع حتى يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما قد يؤدي إلى خفض سعر الفائدة على الودائع، الذي يبلغ حالياً 3.25 في المائة، إلى 2 في المائة على الأقل وربما أقل، وفق «رويترز».

ومع ذلك، تدعم البيانات الاقتصادية الضعيفة، كما يتضح من تقرير مسح الأعمال المخيّب للآمال الذي نُشر يوم الجمعة، الرأي القائل إن البنك المركزي الأوروبي قد يحتاج إلى تسريع إجراءات التيسير النقدي، وقد يضطر إلى اتخاذ تدابير إضافية لدعم الاقتصاد.

وقال دي غالهاو في فرنكفورت: «نحن لسنا متأخرين في المسار اليوم. الاقتصاد الأوروبي يسير نحو هبوط ناعم».

واعترف بوجود مخاطر على التوقعات المستقبلية، مشيراً إلى أنه يجب على صانعي السياسات التأكد من أن أسعار الفائدة لا تبقى مرتفعة لمدة طويلة، مما قد يضرّ بالنمو الاقتصادي.

وأضاف قائلاً: «سوف نراقب بعناية توازن المخاطر، بما في ذلك احتمال عدم بلوغ هدف التضخم لدينا، وكذلك تأثير ذلك في الحفاظ على النشاط الاقتصادي بمستويات منخفضة بشكل غير ضروري».

وكانت التوقعات تشير إلى خفض للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 12 ديسمبر (كانون الأول) بوصفه أمراً شبه مؤكد، لكن بعد نشر أرقام مؤشر مديري المشتريات الجديدة يوم الجمعة، أصبح هناك احتمال بنسبة 50 في المائة لخيار خفض أكبر يبلغ 50 نقطة أساس، نتيجة لتزايد المخاوف من ركود اقتصادي.

ومع ذلك، يشير صانعو السياسات إلى أن المسوحات الاقتصادية قد تكون قد قدّمت صورة أكثر تشاؤماً عن وضع الاقتصاد مقارنة بالبيانات الفعلية التي كانت أكثر تفاؤلاً.

ورغم التباطؤ في التضخم الذي وصل إلى أدنى مستوى له بنسبة 1.7 في المائة هذا الخريف، فإنه يُتوقع أن يتجاوز 2 في المائة هذا الشهر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار بخفض أكبر في الفائدة.

ومع ذلك، شدّد دي غالهاو على أن التضخم في طريقه للعودة إلى الهدف المتمثل في 2 في المائة، وأنه من المتوقع أن يتحقّق بشكل مستدام قبل الموعد الذي حدّده البنك المركزي الأوروبي في نهاية 2025.

وقال: «نحن واثقون للغاية بأننا سنصل إلى هدفنا البالغ 2 في المائة بشكل مستدام». وأضاف: «من المرجح أن نحقّق هذا الهدف في وقت أقرب من المتوقع في 2025، مقارنة بتوقعاتنا في سبتمبر (أيلول) الماضي».