أوروبا تتجه إلى أميركا اللاتينية لتوسيع شراكاتها التجارية

الموقف من روسيا يباعد بين الطرفين

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في بروكسل الاثنين (أ.ف.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في بروكسل الاثنين (أ.ف.ب)
TT

أوروبا تتجه إلى أميركا اللاتينية لتوسيع شراكاتها التجارية

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في بروكسل الاثنين (أ.ف.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في بروكسل الاثنين (أ.ف.ب)

بعد انقطاع ثماني سنوات، عادت القمة التي تجمع بلدان الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي لتنطلق في العاصمة البلجيكية، بروكسل، مع تجدد اهتمام الدول الأوروبية بتوسيع دائرة شراكاتها التجارية لمواجهة التغلغل الصيني في تلك المنطقة، وبعد الدروس التي استخلصتها من اعتمادها المفرط على روسيا في مجال الطاقة.

وفي تحضيراتها للقمة، حددت بروكسل عشرات المشروعات الاستثمارية، من شبكة لمترو الاتفاق في بوغوتا إلى حافلات كهربائية في كوستاريكا واستخراج المعادن في تشيلي وبوليفيا، التي يمكن أن تشكّل رأس حربة تعزيز الحضور الأوروبي في إحدى أهم المناطق العالمية المصدّرة للمواد الأولية، كما يستفاد من خريطة الطرق التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط». لكن، على الرغم من ذلك، لا تزال المواقف متباينة بين المجموعتين بشأن الإشارة إلى إدانة روسيا لحربها في أوكرانيا، والتي تعترض عليها مجموعة من الدول الأميركية اللاتينية مثل كوبا، وفنزويلا، والمكسيك والبرازيل.

ومن المنتظر أن تعلن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خلال هذه القمة التي تشكّل انطلاق رئاسة إسبانيا الدورية للاتحاد، عن حزمة من المشروعات الاستثمارية الكبرى في المنطقة بتمويل من المفوضية يصل إلى 10 مليارات يورو ومن إسبانيا بمبلغ مماثل، إضافة إلى مساهمات أخرى سخية من السويد وهولندا وفنلندا وآيرلندا.

ويشارك في هذه القمة معظم قادة بلدان أميركا اللاتينية باستثناء عدد ضئيل منهم، بينهم الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز اوبرادور الذي تمثله وزيرة الخارجية، وهي من المرشحين الأوفر حظوظاً لخلافته في الرئاسة.

وتقول مصادر دبلوماسية: إن هذه القمة لن تكون منبراً لإطلاق عناوين اقتصادية كبرى على غرار القمة الأوروبية - الأفريقية التي أعلنت عن حزمة من المشروعات الاستثمارية بقيمة 150 مليار يورو بقي معظمها حبراً على ورق، بل ستركز على توقيع اتفاقات في مجالات محددة مثل الطاقة والبنى التحتية والرقمنة والبيئة. وتندرج هذه المشروعات التي ستموّل عبر قروض ميسّرة أو بدعم مباشر ضمن البرنامج الأوروبي «البوابة العالمية» المخصص لتحشيد موارد تمويل المشروعات الإنمائية في البلدان النامية، والذي يلجأ إليه الاتحاد الأوروبي من أجل احتواء تمدد نفوذ الصين وعلاقاتها التجارية عبر طريق الحرير الجديدة.

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يلقي كلمة خلال طاولة مستديرة عن الأعمال على هامش القمة الأوروبية - الأميركية اللاتينية في بروكسل الاثنين (رويترز)

ويدرك الاتحاد الأوروبي أن نفوذه الاقتصادي يتراجع باطراد منذ سنوات في أميركا اللاتينية لحساب الصين والولايات المتحدة، على الرغم من أنه ما زال المستثمر الأول في تلك المنطقة التي له فيها واحدة من أكثف شبكات الاتفاقات في العالم. وقد أعدت المفوضية الأوروبية تقريراً يتضمن أكثر من مائة مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص لتمويل استثمارات في قطاعات تكنولوجية وبيئية متطورة لتنفيذها في 21 بلداً من أميركا اللاتينية.

وتعترف الرئاسة الدورية الإسبانية للاتحاد بأن الإعداد لهذه القمة لم يكن سهلاً، خصوصاً من حيث التوازن الصعب بين شقّيها السياسي والاقتصادي. إذ إن عدداً من البلدان الوازنة في أميركا اللاتينية، مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك، قد حذّر من التوجه الأوروبي لاستغلال المواد الخام الاستراتيجية في المنطقة؛ الأمر الذي نبّهت إليه أيضاً بعض المنظمات غير الحكومية الكبرى التي حذرت من عواقب تبدية الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع.

الملفات الأخرى الحساسة المطروحة على مائدة القمة الاتفاقية الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة «مركوسور» التي تشكّل خامس منطقة اقتصادية في العالم وتضمّ البرازيل والأرجنتين، والباراغواي وأوروغواي، والتي ما زالت تراوح مكانها منذ سنوات، فضلاً عن اتفاقات أخرى مجمدة مع كولومبيا وتشيلي والمكسيك. ومن المنتظر أن يوقّع المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل مذكرات تفاهم مع الإكوادور وهندوراس والسلفادور في مجالات البيئة والتربية والهجرة وتشجيع الاستثمارات البيئية . كما أنه من المقرر ايضاً أن توافق القمة على اقتراح لتشكيل جهاز دبلوماسي مشترك يتولّى التحضير للقمم المقبلة، على أن تكون التالية في كولومبيا بعد عامين.

مستشار النمسا كارل نيهامر لدى وصوله لحضور القمة الأوروبية - الأميركية اللاتينية في بروكسل الاثنين (أ.ب)

لكن ثمة مخاوف من عدم التوصل إلى اتفاق حول إدانة روسيا في البيان الختامي للقمة، والتي تصرّ عليها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مقابل تمنّع بعض الدول الأميركية اللاتينية التي تقيم علاقات وطيدة مع موسكو مثل كوبا وفنزويلا، أو التي ترفض الحرب لكنها تعارض إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا مثل المكسيك والبرازيل التي تجهد منذ فترة لدور وساطة بين طرفي النزاع.

وأمام هذا التباين في المواقف بين الطرفين، والذي لم يتبدّل حتى مساء الأحد الفائت، بدأت تتحدث بعض الأوساط عن إنهاء القمة من غير بيان ختامي لا تداعيات له على الصعيد العملي، لكنه ينطوي على بعد رمزي يكشف عن تباعد كبير بين الطرفين حول الموضوع الرئيسي الذي يستأثر باهتمام الأسرة الدولية حالياً.


مقالات ذات صلة

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

أفادت السلطات الأوكرانية بأن القوات الروسية شنت ليل الاثنين - الثلاثاء هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيّرة على مدن أوكرانية، مما تسبب في انقطاع التيار.

أوروبا المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

قال ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن روسيا تقوم ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وذلك خلال قمة دولية في كمبوديا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )

انخفاض أسعار الذهب يعزز الطلب الفعلي ويعيد تشكيل السوق

سبائك ذهبية في مصنع «كراستسفيتمت» في مدينة كراسنويارسك السيبيرية (رويترز)
سبائك ذهبية في مصنع «كراستسفيتمت» في مدينة كراسنويارسك السيبيرية (رويترز)
TT

انخفاض أسعار الذهب يعزز الطلب الفعلي ويعيد تشكيل السوق

سبائك ذهبية في مصنع «كراستسفيتمت» في مدينة كراسنويارسك السيبيرية (رويترز)
سبائك ذهبية في مصنع «كراستسفيتمت» في مدينة كراسنويارسك السيبيرية (رويترز)

أسهم انخفاض أسعار الذهب هذا الشهر في جذب المشترين الذين كانوا ينتظرون تراجع الارتفاع الكبير الذي شهدته السوق هذا العام، وفقاً لما أفاد به مختصون في الصناعة ومحللون.

ووصلت أسعار الذهب الفورية إلى مستوى قياسي، بلغ 2790.15 دولار للأونصة في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، لكنها تراجعت بنحو 4 في المائة حتى الآن في نوفمبر (تشرين الثاني)، متأثرة بفوز الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية.

وقال الرئيس التنفيذي المشارك لمصفاة «أرغور-هيريوس» السويسرية، روبن كولفينباخ، في تصريح لـ«رويترز»: «لقد شهدنا زيادة ملحوظة في الطلب الفعلي منذ أكتوبر، خصوصاً بعد الانخفاض الحاد في الأسعار في نوفمبر، ما أدى إلى تغيير في معنويات السوق».

وقد عزّزت التوقعات التي قدّمها بعض المحللين بأن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار، ما جعل بعض أجزاء السوق يشير إلى أن الأسعار، حتى إذا تجاوزت 2700 دولار، لم تعد مرتفعة بشكل مفرط.

وأضاف كولفينباخ: «لقد ارتفع الطلب بشكل كبير على المنتجات المسكوكة، التي يستهلكها المستثمرون الأفراد بشكل رئيس، لكننا لاحظنا أيضاً زيادة في طلبات الإنتاج للذهب الفعلي من المستثمرين المؤسساتيين».

وفي الأسواق الحسّاسة للأسعار مثل الهند، كان المستهلكون يواجهون صعوبة في التكيّف مع ارتفاع أسعار الذهب في الأشهر الأخيرة حتى بدأ السعر يتراجع.

ومن المرجح أن يستمر هذا الارتفاع في الطلب في الهند -ثاني أكبر مستهلك للذهب بعد الصين، ومن أكبر مستورديه- في ديسمبر (كانون الأول) إذا استقرت الأسعار حول مستوى 2620 دولاراً، وفق ما أفاد رئيس قسم السبائك في بنك خاص لاستيراد الذهب في مومباي.

وقال: «لقد شهد المستهلكون ارتفاع الذهب إلى نحو 2790 دولاراً؛ لذا فهم مرتاحون نفسياً مع السعر الحالي». وأضاف: «المطلب الوحيد أن تظل الأسعار مستقرة. التقلبات السعرية تزعج المشترين، وتجعلهم ينتظرون اتجاهاً واضحاً».

ورغم أن الطلب في الصين أقل حيوية وأكثر تنوعاً في جنوب شرقي آسيا، قالت المحللة في «ستون إكس»، رونيا أوكونيل، إن هناك عدداً من المستثمرين الاستراتيجيين الذين كانوا ينتظرون تصحيحاً مناسباً.

وأوضحت: «انخفضت الأسعار بعد الانتخابات، ما فتح المجال لبعض المستثمرين للاستفادة من الفرصة».