الدولار يطفو على السطح من جديد بدعوة أممية لتعديل «برايتون وودز»

يسيطر على التعاملات الدولية رغم اختلاف حجم القوة الاقتصادية

شخص يسحب دولاراً من ماكينة الكاشير في أحد المحال الأميركية (غيتي)
شخص يسحب دولاراً من ماكينة الكاشير في أحد المحال الأميركية (غيتي)
TT
20

الدولار يطفو على السطح من جديد بدعوة أممية لتعديل «برايتون وودز»

شخص يسحب دولاراً من ماكينة الكاشير في أحد المحال الأميركية (غيتي)
شخص يسحب دولاراً من ماكينة الكاشير في أحد المحال الأميركية (غيتي)

زادت الدعوات الدولية لتقليل الاعتماد على الدولار في التبادل التجاري بين الدول، في أعقاب اضطرابات عالمية (أبرزها: كوفيد - 19 والحرب الروسية)، رفعت سعر العملة الأميركية لمستويات قياسية، مما ساهم في شح تواجدها في الأسواق الناشئة، وأوجد الحاجة إلى بديل بدأت بعض الدول في بلورة فكرته.

غير أن تقليل الاعتماد على العملة الأميركية التي ظلت مهيمنة على النسبة الكبرى من الاقتصاد العالمي لفترة تزيد على 75 عاماً، قد يتطلب العودة لنظام ما قبل الاعتماد على الدولار.

تبرز هنا اتفاقية برايتون وودز، التي انعقدت في يوليو من عام 1944 في مدينة برايتون وودز في نيوهامبشر الأميركية، بحضور ممثلين لأربع وأربعين دولة، لوضع خطط استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع التجارة بعد الحرب العالمية الثانية.

تم الاتفاق في المؤتمر على تثبيت عملات أجنبية مقابل الدولار، حيث تم تحديد الدولار بسعر 35 دولاراً مقابل أونصة الذهب، بهدف تأسيس استقرار مالي دولي يمنع تبادل العملات بين الدول، والحد من المضاربة في العملات الدولية. ووافقت الدول المشاركة بالفعل على المحافظة على قيمة عملتها في نطاق هامش ضيق مقابل الدولار، وسعر مماثل من الذهب؛ لتصير العملة الأميركية عملة مرجعية رئيسية لدى دول العالم. ورفع المؤتمر خططه إلى منظمتين دوليتين: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وقد تم تعديل قيمة الدولار بالذهب أكثر من مرة بموجب اتفاقية برايتون وودز. وهناك دول عديدة أطلقت على عملتها اسم دولار مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا.

يستحوذ الدولار حالياً على النسبة الكبرى بين عملات احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية حول العالم، بنسبة 59.80 في المائة، يليه اليورو بحصة 19.70 في المائة، ثم الين الياباني بـ5.30 في المائة يليه الجنيه الإسترليني بـ4.60 في المائة، ويأتي اليوان الصيني بنسبة 2.80 في المائة، فضلاً عن أن ما يقرب من نصف القروض الدولية مقومة بالدولار.

وبالنظر إلى نسب مساهمة القوة الاقتصادية الحالية حول العالم، يتضح أن الدول الصناعية الكبرى السبع: الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان، تقلصت نسبتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2023 إلى نحو 30 في المائة، على مدار الـ30 عاماً الماضية، مقارنة مع 50.7 في المائة في عام 1980، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

فضلاً عن التوقعات التي تقول إن الصين والهند وحدهما سيشكلان نحو 50 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري، وفقاً لبيير أوليفييه جورينشا كبير الاقتصاديين ومدير إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي.

أمام هذه المعطيات، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد، إلى تعديل النظام المالي العالمي الحالي، قائلاً، إن الوقت قد حان لإصلاح نظام برايتون وودز بما يتماشى مع «الواقع في عالم اليوم».

وفي كلمة خلال مؤتمر صحافي في هيروشيما باليابان حيث عُقدت قمة مجموعة السبع، قال غوتيريش إن نظام برايتون وودز يعكس موازين القوة في عام 1945 ويحتاج إلى تحديث. وقال: «الهيكل المالي العالمي عفا عليه الزمن ومختل وغير عادل... وفشل في أداء وظيفته الأساسية كشبكة أمان عالمية في مواجهة الصدمات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد - 19، والغزو الروسي لأوكرانيا».

وتحدث غوتيريش أيضاً عن كيف أنه شعر في قمة مجموعة السبع بتزايد إدراك الدول النامية أنه لا يجري فعل ما يكفي لإصلاح المؤسسات التي عفا عليها الزمن أو «للقضاء على إحباطات» بلدان نصف الكرة الأرضية الجنوبي.

تبرز هذه الدعوة الأممية، أمام ارتفاع الدولار الذي يرفع أسعار السلع والخدمات المقومة به، على كل الدول من حائزي العملات الأخرى، ويهبط بالذهب والنفط، ويخلق أزمات تمويلية للدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير.

جاءت الدعوة الأممية أيضاً في ظل سعي روسيا والصين لتأسيس «نظام دولي» جديد، لا يعتمد بالضرورة على الدولار الأميركي كعملة رئيسية في التبادلات التجارية والمالية، فضلاً عن التعويل الدولي على دول بريكس.

اتجهت روسيا بالفعل لتوطيد علاقاتها الاقتصادية، من خلال تعاون ثنائي مع الدول، يعتمد بالأساس على استخدام العملات الوطنية، لتقليل الاعتماد على الدولار، للتحايل على العقوبات الأميركية. وهناك تبادلات تجارية بين الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وروسيا، بالفعل بالعملات الوطنية.

إلى ذلك، ستقل الحاجة إلى الدولار الأميركي في ضوء توسع الدول النامية لتوقيع اتفاقيات ثنائية لاعتماد التبادل التجاري بالعملات الوطنية، لحلحلة أزمة شح العملة الأميركية لديها، مما يزيد الضغط على الدولار أو بالأحرى الولايات المتحدة الأميركية، للجلوس على طاولة مع الأطراف الفعالة والاتفاق على نظام عالمي جديد يراعي القوة الاقتصادية الحالية في الاقتصاد العالمي.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تدعو جميع الأطراف في سوريا إلى ضبط النفس

المشرق العربي أفراد من قوات الأمن السورية يقفون للحراسة عند نقطة تفتيش بأشرفية صحنايا بالقرب من دمشق 1 مايو 2025 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو جميع الأطراف في سوريا إلى ضبط النفس

قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا آدم عبد المولى إنه يشعر بالقلق البالغ إزاء تصاعد العنف بريف العاصمة السورية دمشق، وأدان سقوط ضحايا مدنيين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصف الوضع في دارفور بـ«الكارثي» (رويترز)

165 قتيلاً على الأقل بهجمات لـ«الدعم السريع» في دارفور خلال 10 أيام

قتل 165 مدنياً على الأقل في هجمات شنّتها «قوات الدعم السريع» في الأيام العشرة الأخيرة على مدينة الفاشر التي تحاصرها في إقليم دارفور غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان)
المشرق العربي عناصر من قوات الأمن السورية في منطقة بالقرب من العاصمة السورية دمشق... 30 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

المبعوث الأممي يعرب عن قلقه البالغ إزاء العنف في سوريا ويدعو إلى احترام سيادتها

أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، اليوم الأربعاء، عن قلقه البالغ إزاء «العنف غير المقبول» في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج محمد الناصر يلقي بيان السعودية خلال جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي (واس) play-circle 00:52

السعودية تطالب بوجوب التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني

جدَّدت السعودية مطالبتها بوجوب التزام إسرائيل باعتبارها قوة محتلة بأحكام القانون الدولي الإنساني، وتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
المشرق العربي أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري يتحدث مع اللورد راي كولينز وكيل وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة قبل اجتماع مجلس الأمن بشأن الصراع في الشرق الأوسط في مقر الأمم المتحدة بنيويورك يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

الشيباني أمام مجلس الأمن: دمشق ملتزمة بشكل كامل بالعدالة الانتقالية

شدّد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، على أن دمشق ملتزمة بشكل كامل بالعدالة الانتقالية لمنع النزاعات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

انكماش متزايد بقطاع التصنيع الأميركي خلال أبريل

الروبوتات المستقلة تجمّع سيارة من طراز «إكس» في منشأة تصنيع «بي إم دبليو» بولاية كارولينا الجنوبية (رويترز)
الروبوتات المستقلة تجمّع سيارة من طراز «إكس» في منشأة تصنيع «بي إم دبليو» بولاية كارولينا الجنوبية (رويترز)
TT
20

انكماش متزايد بقطاع التصنيع الأميركي خلال أبريل

الروبوتات المستقلة تجمّع سيارة من طراز «إكس» في منشأة تصنيع «بي إم دبليو» بولاية كارولينا الجنوبية (رويترز)
الروبوتات المستقلة تجمّع سيارة من طراز «إكس» في منشأة تصنيع «بي إم دبليو» بولاية كارولينا الجنوبية (رويترز)

انكمش قطاع التصنيع الأميركي، بشكل أكبر، في أبريل (نيسان) الماضي، مع استمرار تأثير الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، مما فاقم الضغوط على سلاسل التوريد، وأدى إلى زيادة أسعار المُدخلات.

وأعلن معهد إدارة التوريد (ISM)، يوم الخميس، أن مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع تراجع إلى أدنى مستوى له في خمسة أشهر، مسجلاً 48.7 نقطة في أبريل، مقارنة بـ49.0 نقطة في مارس (آذار). وتشير قراءة المؤشر دون 50 نقطة إلى انكماش بالقطاع، الذي يُمثل 10.2 في المائة من الاقتصاد. وكان الاقتصاديون، الذين استطلعت «رويترز» آراءهم، قد توقعوا تراجع المؤشر إلى 48 نقطة.

وشمل الاستطلاع إعلان الرئيس ترمب فرض رسوم جمركية في «يوم التحرير»، والذي أدى إلى فرض رسوم شاملة على معظم الواردات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، بما في ذلك زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145 في المائة، ما أشعل فتيل حرب تجارية مع بكين.

ويعتمد قطاع التصنيع بشكل كبير على المواد الخام المستوردة. وقد أنهى الانخفاض الشهري، الثاني على التوالي، في مؤشر مديري المشتريات انتعاشاً قصيراً بالقطاع، الذي كان مدفوعاً بتوقعات لبيئة تنظيمية أقل صرامة من إدارة ترمب، وخفض أسعار الفائدة من قِبل «الاحتياطي الفيدرالي».

ولم يُظهر المسح أي مؤشرات على أن المصانع استبقت الواردات، الشهر الماضي، على الرغم من أن المخاوف من ارتفاع الأسعار بسبب الرسوم الجمركية دفعت بعض الشركات إلى تقديم طلباتها في وقت أبكر. وقد أثّر تدفق الواردات على الناتج المحلي الإجمالي، في الربع الأول.

وتحسَّن المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة المستقبلية في مسح معهد إدارة التوريد (ISM) إلى 47.2، بعد انخفاضه إلى 45.2 في مارس، وهو أدنى مستوى له منذ مايو (أيار) 2023.

وظلّ الإنتاج في المصانع منخفضاً، وتدهور أداء تسليم المورّدين، الشهر الماضي. وارتفع مؤشر تسليم المورّدين، في المسح، إلى 55.2، من 53.5 خلال مارس، مما يشير إلى تباطؤ في عمليات التسليم.

ومع تباطؤ عمليات التسليم، ارتفع مؤشر أسعار المُصنِّعين لمُدخلات الإنتاج إلى 69.8 نقطة، وهو أعلى مستوى له منذ يونيو (حزيران) 2022، مقارنة بـ69.4 نقطة في مارس. وهذا يشير إلى انتعاش أسعار السلع، التي انخفضت في مارس.

كما انخفض مؤشر الواردات، لأول مرة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. واستمرت المصانع في تسريح العمالة، وإن تباطأت وتيرة ذلك، إذ ارتفع مؤشر التوظيف بقطاع التصنيع إلى 46.5 نقطة، من 44.7 نقطة في مارس.