يجلس سعود بن نادر، وهو مهندس مدني شاب، في طرف مقهى شهير في شمال العاصمة السعودية الرياض، حيث غالب رواد المقهى من الموظفين والموظفات الشباب والمرتبطين بشكل مباشر في أعمال تتطلب عصفاً ذهنياً وتركيزاً عميقاً في مهامهم. يشير سعود إلى أنه والكثير من أقرانه اعتادوا زيارة هذا المقهى ونماذج مشابهة له، بغرض إكمال متطلبات العمل عبر أجهزتهم المحمولة، خصوصاً أن كثيراً من المقاهي في السعودية باتت توفر أجواء مناسبة للعمل أو مكاتب عملية للإيجار بشكل موسمي، ويؤكد سعود أن تراجع أهمية حمل الكاش كان خبراً سعيداً له، حيث إن «الهاتف الذكي لا يحمل بياناتي فحسب، بل يحمل حتى أموالي».
ودخلت المطاعم والمقاهي ذات الطابع الجديد والتصاميم العصرية في السعودية في تنافس محموم لجذب روادها ضمن مختلف القطاعات الاستهلاكية. وأصبحت زيارة المقهى في آخر النهار، والمطعم قبل منتصف الليل، عادة يومية لدى فئات متعددة من المجتمع السعودي، خصوصاً الشباب، وقد ساهم تأكيد الجهات الحكومية على استخدام النظام الإلكتروني في الفواتير وعمليات الدفع - ومن ذلك نقاط البيع - في زيادة الإقبال اليومي على هذين القطاعين، حسب البعض.
65 ألف عملية دفع عبر نقاط البيع في 7 أيام
ونشر البنك المركزي السعودي «SAMA»، الثلاثاء الماضي، تقريراً إحصائياً لعمليات الدفع عبر نقاط البيع في السعودية خلال الأسبوع المنصرم. وكشف التقرير الذي يستعرض في الوقت نفسه، البيانات الشهرية لعمليات نقاط البيع ونسب التغير الأسبوعية، أن قطاعي «المطاعم والمقاهي» و«الأطعمة والمشروبات» يتصدران عدد عمليات الدفع بواقع 35.803 عمليات للأول، و29.906 عمليات للأخير، كما يتصدر القطاعان نفسيهما قيمة الدفع من بين 17 قطاعاً مختلفاً بواقع 1.491 مليار ريال للأول، و1.270 مليار ريال للأخير، وذلك خلال الفترة من 10 إلى 16 من يوليو (تموز) الحالي.
https://twitter.com/SAMA_GOV/status/1549401884234063874?s=20&t=HB6jGxJKwZqfG4mhFW9Vcg
اللافت أن صدارة «المطاعم والمقاهي» و«الأطعمة والمشروبات» ضمن القطاعات الأخرى في قيمة وعدد عمليات الدفع عبر نقاط البيع تكررت في أسابيع سابقة، حيث أفاد رئيس لجنة الامتياز التجاري والتسويق بغرفة الرياض ومؤسس سلسلة مطاعم «برغرايززر» محمد الرويغ، بأن «تنفيذ حوالي 36 مليون عملية عبر نقاط البيع خلال أسبوع فقط يؤكد على أهمية وحيوية قطاعي المطاعم والمقاهي، وتأثيرهما في الاقتصاد الوطني، وتقدمهما في وسائل الدفع الحديثة، التي تساهم في نمو القطاع والحد من التستر».
وشدد الرويغ على أن «مراقبة أداء القطاعين ودعمهما أمر جوهري، خصوصاً أنهما قطاعا التوظيف الأولى ومحرك رئيسي لكثير من القطاعات التجارية الأخرى مثل العقار التجاري وسلاسل الإمداد والتوريد، إضافة إلى تطبيقات التوصيل، التي تخلق هي الأخرى عدد وظائف ضخماً في الاقتصاد الوطني».
عمليات البيع الإلكترونية تتفوق على حساب الدفع التقليدي
يرى المتحدث السابق باسم البنوك السعودية طلعت زكي حافظ، أن الأرقام «المليارية» في قيمة وعدد العمليات الأسبوعية عبر نقاط البيع والتعاملات عبر الإنترنت إجمالاً، «نمت عالمياً على حساب التعاملات التقليدية بالكاش نتيجة لجائحة (كورونا)»، موضحاً أن التعاملات عبر الإنترنت في الربع الأول من عام 2020 «نمت بأكثر من 406 في المائة، والتعاملات عبر نقاط البيع بـ76 في المائة على التوالي، مقارنة بالربع ذاته من عام 2019». ونوه حافظ إلى أن عدد أجهزة نقاط البيع «تجاوز اليوم مليون جهاز بأكثر من 300 و400 في المائة مقارنة بثلاث سنوات وأربع مضت».
وتوقع حافظ أن تستمر نسبة المدفوعات الرقمية وعبر نقاط البيع «بالارتفاع وصولاً إلى 70 في المائة بحلول عام 2030»، لكنه حذر في الوقت نفسه من التحول الرقمي الكامل، كما نادى به البعض، لأن «له مخاطر تقنية كما له مزايا، رغم أننا نمتلك بنية تحتية قوية وأنظمة احتياطية لكن الاحتياط واجب».
على جانب آخر، قال الكاتب الصحافي فهد الأحمري، إن «تصدر قطاعي المطاعم والمقاهي والأطعمة والمشروبات بشكل متكرر قائمة الأعلى في قيمة وعدد المدفوعات، سواءً رقمياً أو عبر نقاط البيع ليس بالأمر الغريب، خصوصاً عند مقارنته مع بقية القطاعات باعتبار أن الحاجة للأكل والشرب بشكل يومي، وإن كانت غير ملحّة إلى حد كبير، لكنها تتفوق على بقية القطاعات التي لا تتطلب الدفع بشكل يومي». وجادل الأحمري بأن ظهور تطبيقات التوصيل وانتشارها سهل من الإقبال على الشراء عبر الإنترنت لخدمات المقاهي والمطاعم مع زيادة إقبال المستثمرين بكثرة للاستثمار في هذين القطاعين، بالإضافة إلى أن «الدعاية التي ساهم فيها مشاهير التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في تأثر فئات الشباب والمراهقين بالتحديد، وهم الأعلى من نسبة السكان، في ارتياد المطاعم والمقاهي بشكل يومي ومتكرر».
أساليب مبتكرة لجذب الجمهور
تبتكر العديد من المقاهي والمطاعم أساليب حديثة ومختلفة للتنافس في جذب روادها، حيث يكشف سلطان البقمي مؤسس مقهى «ROOTS» أن المقاهي والمطاعم التي سارعت في وقت مبكر بتوفير خدمة الشراء عبر نقاط البيع قبل قرار الإلزام بها في 2020، هي من «حققت مكاسب مرتفعة في ذلك الوقت، واليوم هناك أفكار تنافسية مثل التعاون مع مختلف تطبيقات التوصيل، وتوفير غرف الاجتماعات المجهزة بأحدث الأساليب التقنية، وغرف البودكاست، والمكتبة المجهزة بالكتب والمراجع، واستقطاب الكفاءات من مقدمي القهوة السعوديين».
وفي أواخر أغسطس (آب) من عام 2020، أعلن البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري عن قراره بإلزام جميع منافذ البيع في مختلف الأنشطة التجارية بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني، وذلك بالتعاون مع وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والبنك المركزي.