البكتيريا الصديقة... أبحاث علمية حديثة لفهم تأثيراتها الصحية

قد تصبح وسيلة سهلة وغير مكلفة لتخفيف أعراض عدد من الأمراض

البكتيريا الصديقة... أبحاث علمية حديثة لفهم تأثيراتها الصحية
TT

البكتيريا الصديقة... أبحاث علمية حديثة لفهم تأثيراتها الصحية

البكتيريا الصديقة... أبحاث علمية حديثة لفهم تأثيراتها الصحية

رغم عدم حسم الخلاف بين أبي نواس وابن الرومي حول القائل الحقيقي لشطر البيت «وداوني بالتي كانت هي الداء»، إلا أن الباحثين الطبيين لا يزالون منهمكين في ورشة عمل مستمرة مع البكتيريا، التي هي بالأصل المتسبب الأول في الأمراض الميكروبية المعدية، لتوظيفها في عملية الاستثمار الطبي بغية الاستفادة منها في معالجة أنواع شتى من الأمراض والاضطرابات الصحية.

بكتيريا صديقة
والمتابع للمجلات والدوريات الطبية العلمية يلحظ أن ماكينات البحث العلمي لا تتوقف عن إصدار مزيد من الدراسات الطبية الحديثة حول نتائج طرح الاستفادة من البكتيريا بصفتها صديقا من الممكن أن يسهم بصفته وسيلة طبية لمعالجة الأمراض والاضطرابات الصحية.
وضمن عدد الأول من مايو (أيار) لمجلة «الدماغ والسلوك والمناعة» Brain، Behavior، and Immunity، نشر الباحثون من كلية جونز هوبكنز للطب نتائج دراستهم العلاقة بين حالة مرضى انفصام الشخصية، أو الشيزوفرينيا Schizophrenia، وبين إضافة البكتيريا الصديقة للطعام، كما في لبن الزبادي، في معالجة الالتهابات الفطرية Yeast Infections واضطرابات الجهاز الهضمي Bowel Problems لديهم.
ولاحظ الباحثون أن ذلك السلوك الغذائي لم يخفف فقط من تلك الاضطرابات في عمل الجهاز الهضمي والتهابات الفطريات، بل تجاوزه إلى خفض وتيرة حصول الهلوسات والأوهام، وبخاصة لدى من لا يعانون منهم الالتهابات الفطرية. وهو ما علق عليه الباحثون بالقول: إنه يُعزز الأدلة المتنامية التي تربط بين العقل وبكتيريا الأمعاء، وإن تناول تلك الأطعمة المحتوية على البكتيريا الصديقة قد يكون وسيلة سهلة وغير مكلفة لتخفيف أعراض مرضى انفصام الشخصية.
وطرح الباحثون من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ضمن عدد 26 أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «مايكروبيوم» العلمية Microbiome، نتائج دراستهم للتأثيرات الإيجابية للبكتيريا التي تستوطن الأمعاء بشكل سلمي في تخفيف حدة المعاناة لدى المرضى المصابين بمرض «متلازمة التعب المزمن» Chronic Fatigue Syndrome.
وفي عدد 22 فبراير (شباط) الماضي لـ«المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية» American Journal of Clinical Nutrition طرح الباحثون من جامعة فلوريدا الدور الإيجابي لتناول مجموعة من بروبيوتيك Probiotic، وهي المتممات الغذائية المحتوية على البكتيريا الحية، في تخفيف أعراض الحساسية، وبخاصة أنواع الحساسية الموسمية Seasonal Allergy لأنواع شتى من مثيرات الحساسية المنتشرة في البيئة المحيطة خلال فصل الربيع.
وكان الباحثون من جامعة فيرجينيا للنظام الصحي في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا قد عرضوا ضمن عدد 19 سبتمبر (أيلول) الماضي من مجلة «ساينتفك ريبورتس» Scientific Reports، عزمهم تطوير النتائج الإيجابية المشجعة لتأثيرات تناول البكتيريا الصديقة من نوع لاكتوباسيليس Lactobacillus الموجودة في اللبن الزبادي Yogurt من أجل تحقيق تعديل وخفض شدة أعراض حالة الاكتئاب لدى المرضى؛ وذلك بعد ملاحظتهم فاعلية ذلك على سلوكيات أنواع من الحيوانات.
كما طرح الباحثون من قسم أمراض القلب بجامعة تزهاو بالصين نتائج مراجعتهم العلمية التحليلية Meta - Analysis لخمس وعشرين دراسة طبية حول البكتيريا الصديقة، وعلاقتها بوزن الجسم وبـ«مؤشر كتلة الجسم» BMI. ووفق ما تم نشره ضمن عدد يوليو (تموز) الماضي من «المجلة الدولية لعلوم الطعام والتغذية» International Journal of Food Sciences and Nutrition، أفادوا في نتائجهم بأن كثرة تناول الأطعمة المحتوية على البكتيريا الصديقة يحسن من فرص خفض وزن الجسم وتعديل مؤشر كتلة الجسم نحو المستويات الطبيعية. وأضافوا: إن النتائج الإيجابية تلك تظهر في وقت قصير نسبياً، وتحديداً خلال ثمانية أسابيع من الحرص على تناول لبن الزبادي وغيره من الأطعمة المحتوية على البكتيريا الصديقة.

نبيت جرثومي
ومصطلح مايكروبيوم Microbiome العلمي يقصد به مجموع البكتيريا المتعايشة مع الإنسان بشكل سلمي، إما على سطح الجسم أو في داخل الأمعاء وأجزاء أخرى من مناطق الجسم المختلفة كالفم والأعضاء التناسلية وغيره، وهي التي تُسمى بالترجمة العربية «النبيت الجرثومي المعوي»، وتسمى التي تعيش على جلده بـ«النبيت الجرثومي الجلدي». والحقيقة أن مصطلح «ميكروبيوم» هو مصطلح حديث طرحه لأول مرة العالم يوشوا ليدربيرغ من خلال مشروع الجينيوم، وبعدما انتهاء تعيين الجينيوم البشري اقترح البدء في تحديد مجموع جينات «النبيت الجرثومي» الذي يتعايش مع الإنسان في جسمه، ذلك أنه يشترك مع الإنسان العائل له في عملية التمثيل الغذائي ويُؤثر على صحة الإنسان البدنية والنفسية بشكل مباشر.
وضمن الدراسة المتقدمة الذكر للباحثين من جامعة فيرجينيا للنظام الصحي، لاحظ الباحثون في نتائجهم حصول تأثيرات إيجابية لتناول البكتيريا الصديقة من نوع لاكتوباسيليس الموجودة في اللبن الزبادي على خفض مستوى شدة أعراض حالة الاكتئاب، كما توصل الباحثون في دراستهم إلى فهم آلية تأثيرات تناول تلك الأنواع من الأطعمة المحتوية على البكتيريا الصديقة في تحسين حالة المزاج، وهو ما يعطي صورة أوضح حول العلاقة بين البكتيريا الصديقة في الأمعاء، ومستوى الصحة العقلية والنفسية.
وعلق الدكتور ألبان غولتييه، الباحث الرئيس في الدراسة من مركز العلوم العصبية بجامعة فرجينيا، بالقول: «حينما نستخدم البكتيريا الصديقة، فإن الأمل الكبير في هذا النوع من الأبحاث هو أننا لا نحتاج إلى أن نقلق حول الأدوية المعقدة التركيب والآثار الجانبية المحتملة لها في معالجة الاكتئاب. وسيكون تغير النظام الغذائي وتغير نوعية البكتيريا التي نتناولها له تأثير كالسحر»، على حد قوله. وأضاف: إن الاكتئاب أحد أكثر أنواع الاضطرابات النفسية شيوعاً بين الناس، وإن الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة تشير إلى أن أكثر من 7 في المائة من الناس لديهم حالة الاكتئاب، أي أكثر شيوعاً من أمراض القلب، وهي مشكلة صحية كبيرة، ومعالجتها تأتي بآثار جانبية واسعة. وقال الباحثون: إن البكتيريا الصديقة لها علاقة بالاكتئاب، وتحديداً لاحظوا أن البكتيريا الصديقة من نوع لاكتوباسيليس ينخفض وجودها في الأمعاء مع بدء حصول حالة الاكتئاب، وتعويض ذلك بتناول لبن الزبادي المحتوي عليها يُعيد الحالة المزاجية إلى المستويات الطبيعية، ويُزيل ظهور أعراض وعلامات وجود الاكتئاب.
وتعمق الباحثون في دراستهم عبر تتبع نسبة احتواء الدم على المركبات الكيميائية من نوع كاينيرينين kynurenine التي يثير ارتفاعها الإصابة بحالات الاكتئاب، وأن عند انخفاض نسبة تواجد البكتيريا الصديقة من نوع لاكتوباسيليس ترتفع نسبة تلك المركبات الكيميائية الضارة بالمزاج.

استيطان الأمعاء
في دراسة الباحثين من جامعة كولومبيا حول التأثيرات الإيجابية للبكتيريا التي تستوطن الأمعاء بشكل سلمي في تخفيف حدة المعاناة لدى المرضى المصابين بمرض «متلازمة التعب المزمن»، لاحظ الباحثون أن نوعية تركيب مستعمرات البكتيريا الصديقة التي تستوطن أمعاء الشخص السليم تختلف عن تلك التي لدى المرضى المصابين بحالة متلازمة التعب المزمن. وتعتبر هذه الدراسة الحديثة أول دراسة ربطت بين مكونات «التركيبية السكانية» للبكتيريا الصديقة في الأمعاء وحالة المرض الغامض والمضعف المعروف بمتلازمة التعب المزمن. وعلق الدكتور إيان ليبكن، الباحث الرئيس في الدراسة ومدير مركز العدوى والمناعة بكلية ميلمان للطب في جامعة كولومبيا، بالقول: «ليس من الواضح هل هذا الاختلاف في وجود البكتيريا الصديقة سبب أم نتيجة لوجود حالة التعب المزمن، ولكن له علاقة بشدة المعاناة منها». ووفق ما تشير إليه الإحصائيات الحديثة للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة U.S. Centers for Disease Control and Prevention، يعاني فيها هذه الحالة المرضية أكثر من مليون إنسان، والناس الذين يعانون هذه المتلازمة المرضية يشكون عادة من التعب الشديد بعد بذل المجهود البدني وآلام في المفاصل والعضلات، كما يعانون صعوبات في التفكير وصعوبات أخرى في الخلود إلى النوم المريح.
وتضيف المراكز المذكورة: إن من المثير للاهتمام أن فقط نحو 20 في المائة من المصابين بمتلازمة التعب المزمن يتم تشخيصهم طبياً، ويعلمون أن لديهم تلك الحالة، بينما الـ80 في المائة من المصابين فعلياً بها لا يعلمون ذلك، ويتأخر تشخيص إصابتهم بها، ويطول أمد معاناتهم منها. وتشير كثير من المصادر الطبية إلى أن ثمة أسبابا عدة لتأخير التشخيص، لعل من أهمها أن تشخيص الإصابة هو أمر صعب، ويحتاج إلى حس توقع عال لدى الطبيب بإمكانية وجود الإصابة بتلك الحالة لدى المريض، إضافة إلى ظن الكثير من الناس أن ما يعانونه أعراض التعب وغيره ربما ناتجة من أسباب ليست مرضية.
وقال الدكتور ليبكن: «هذه البكتيريا تؤثر في كيفية شعورنا، وكيف يتفاعل جهاز مناعة الجسم لدينا ومدى مقاومة أجسامنا للإصابة بالأمراض»، وفي الدراسة، قام الباحثون بتحليل مكونات عينات من البراز للمشاركين في الدراسة بغية معرفة علاقة عدم التوازن البكتيري في بيئة الأمعاء ومتلازمة التعب المزمن، وذلك لدى مجموعة من المرضى، وأخرى من الأصحاء المشاركين في الدراسة. وتم إجراء التحليل الجيني لتحديد كمية ونوعية البكتيريا في عينات البراز تلك، كما تم إجراء تحاليل للدم، وتبين للباحثين أن التركيبة البكتيرية للمصابين بمتلازمة التعب المزمن تختلف عن تلك لدى الأصحاء، وأن هناك ارتفاعا في وجود نوعيات من البكتيريا وانخفاض في نوعيات أخرى لدى المرضى، وأنه كلما زادت شدة أعراض متلازمة التعب المزمن زاد ذلك الاضطراب في التركيبة السكانية للبكتيريا بالأمعاء. كما لاحظ الباحثون أن متلازمة التعب المزمن تسير جنباً إلى جنب مع حالات متلازمة القولون العصبي Irritable Bowel Syndrome. وهو ما علق عليه الباحثون بالقول: «نتائج الدراسة خطوة مهمة في فهم التركيبة الصحية للبكتيريا في الأمعاء، وقد تُسهم في مساعدة التشخيص وتحديد نقطة انطلاق للمعالجة في حالات متلازمة التعب المزمن».

* استشارية في الباطنية



لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.