لطالما تحدث أصدقاؤها عنها، ونصحوها مراراً بالحضور إلى مرسيليا، المدينة الساحلية متعددة الثقافات الواقعة على ساحل البحر المتوسط، التي تعج بالحركة.
أخذت سارة جينوت بنصيحتهم، ولم تندم على ذلك أبداً.
تقول: «كنت أعمل مرشدة سياحية في نيس، ولكن هنا في مرسيليا أحقق مشروعي الخاص كمصممة جواهر». قبل عامين، فتحت المرأة الشابة متحفها الصغير الخاص في شارع رو بوسي لونديا الضيق. لا تكتفي بالتصميم فحسب، فتصنع مشغولاتها الفضية الخاصة.
على بعد خطوات قليلة من الشارع ذاته، سيجد عشاق الموضة، فريدي علوش. لمدة 25 عاماً حتى الآن، يدير هذا المصمم الذي يبلغ عمره 60 عاماً، متجراً يقدم خط الأزياء الخاص به، تاتا زيزي، في المنطقة الواقعة قرب ساحة كور جوليان الفسيحة على الحافة الشرقية لوسط مدينة مرسيليا.
من النادر أن يجول السياح بالصدفة في شارع رو بوسي لونديا، خصوصاً أن ما بالزقاق لا يظهر حتى في بعض خرائط المدينة. لكن علوش مقتنع تماماً بشيء واحد، «أنه في جوليان كور حيث القلب النابض الحقيقي لمرسيليا، وليس بمنطقة لو بانييه، كما يعتقد كثيرون».
*مرسيليا التاريخية
يشير المصمم إلى المنطقة الواقعة بين ميناء فيو (الميناء القديم) وأحواض الميناء، حيث ترسو السفن السياحية والعبارات. لو بانييه، هي أقدم مناطق مرسيليا، منطقة حية ذات أزقة ضيقة، وطرقات مرتفعة بشكل حاد وميادين صغيرة حالمة. هنا بنيت أول مستوطنة من قبل الإغريق نحو عام 620 ق.م، وأطلقوا عليها اسم ماساليا.
على مر القرون، تعاقب الرومان، ثم القوط الغربيون والشرقيون، والفرنجة، واليهود، واللبنانيون والأرمن. في ستينات القرن الماضي، وفد عشرات الآلاف من الفرنسيين من أصول جزائرية للمدينة، بعد اضطرارهم للمغادرة عقب حرب الاستقلال الجزائرية. ومنذ ذلك الحين، شق كثير من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من شمال أفريقيا طريقهم إلى هذه المدينة الصاخبة، النابضة بالحياة. وبتعداد سكانها البالغ 850 ألف شخص، تعد ثاني أكبر مدينة فرنسية.
منذ سنوات قليلة، كانت الكتيبات السياحية تحذر المسافرين من زيارة منطقة لو بانييه، بسبب ارتفاع معدل ارتكاب الجرائم. ولكن هذا قد تغير الآن.
أصبحت لو بانييه اليوم مكاناً لتفقد المطاعم والمقاهي، ومحلات الأزياء، ولاستيعاب الذوق العام لهذه المدينة المطلة على البحر المتوسط.
الآن، ينتقي الكبار والصغار، على حد سواء، أحدث الأزياء من مرسيليا.
تقول باسكال عقيقي، واصفة أذواق الموضة بجنوب فرنسا: «لا يوجد لدينا أسلوب كبار المصممين الباريسيين، وإنما الملابس التي تعكس أسلوب حياتنا كشعوب البحر المتوسط. إنها أقمشة خفيفة ومبهجة، وقمصان قصيرة الأكمام ملونة وملابس صيفية. كل ما هو على طراز الملابس غير الرسمية».
تعمل عقيقي مع مؤسسة تدعى «ميزون ميديتيرانين دي ميتيير دو لا مود» (البيت المتوسطي لتجارة الأزياء)، وتقول إن هناك الآن نحو 19 ألف شخص يعملون بصناعة الملابس في المنطقة بين افينيون ونيس، في حين أن نحو 200 مصمم قد صنعوا علاماتهم التجارية الخاصة في المنطقة الأكبر.
لكن عقيقي متأكدة من أن المزيد مقبل. تكافئ مؤسسة «ميزون ميديتيرانين» شباب المصممين الوافدين حديثاً بالمال لقاء أفكارهم المبتكرة. وبخلاف ذلك، في النصف الثاني من مايو (أيار)، تجلب المؤسسة مصممي أزياء، ومصدرين، ومصورين، ومصففين وصحافيين معاً في مركز مؤتمرات «فيلا ميديتيراني» بمرسيليا لمدة أسبوع من ورش العمل وعروض منصات عرض الأزياء وجلسات التصوير. وموضوع الاجتماع يدور حول الموضة المرسيلية.
*أسبوع الموضة
يعد أسبوع الموضة حدثاً رمزياً عن النهوض والثقة بالنفس لمصممي الأزياء في جنوب فرنسا. وتم بناء الفيلا البيضاء اللامعة (مركز المؤتمرات)، إلى جانب المتحف الرائع معمارياً «متحف حضارة أوروبا والبحر الأبيض المتوسط (إم يو سي إي إم)» بجواره، كنقطة محورية عندما كانت مرسيليا معلنة في عام 2013 عاصمة للثقافة الأوروبية.
ويعلق رئيس مؤسسة «ميزون ميديتيرانين دي ميتيير دو لا مود»، ماتيو جاميه، قائلاً: «هذا العام نقطة تحول بالنسبة لمرسيليا. افتتح كثير من المتاجر الجديدة. وبدأت مرسيليا بجذب التجار إليها». ولجاميه نفسه متجر في شارع جانبي بالقرب من مبنى البلدية، هو خليط بين مقهى، ومتجر أزياء، واستوديو تسجيلات ومنطقة جلوس مكتبية مشتركة. ومن خلال علامته التجارية «كولتي»، يقدم جاميه ألبسة غير رسمية بأسعار معقولة.
من الميزات الأخرى التي توضح الوجه المتغير لمرسيليا، المستودعات السابقة في أحواض السفن برصيف «كواي دو لا توريت». أصبحت هذه المستودعات الآن موطناً لأكثر من 60 محلاً ومقهى وحانة تتنافس للحصول على الاهتمام والمال من الزوار الملمين بالموضة.
أما بالنسبة للمتمسكين بالأسماء الكبيرة في عالم التصميم، فعليهم المرور عبر ميناء «فيو» إلى المنطقة السادسة. في شارع روما وشارع بارادي، سيجدون المتاجر الفاخرة التي تعرض أحدث طرازات الموضة الباريسية الأنيقة. ولا شك، أن قطع الأزياء الراقية هذه تفاخر بما تحمله من بطاقات أسعار باهظة بالفعل.