ليس جديدا أن يكون للموضة صوت في عالم السياسة، فقد تابعنا قوة أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» ونشاطها في جمع التبرعات لصالح الحزب الديمقراطي من حملة أوباما الانتخابية إلى حملة هيلاري كلينتون الأخيرة. الجديد في الأمر هو إجماع مصممي الموضة العالمية، ولأول مرة في التاريخ، على رفض ميلانيا ترامب كسفيرة لهم بسبب آراء زوجها وما يُمثله من سياسات عنصرية. لم يُخف معظمهم، إن لم نقل كلهم، رفضهم التعاون معها كما جرت العادة مع أي سيدة تدخل البيت الأبيض. تبريرهم أنهم يريدون أن ينأوا بأسمائهم وسمعتهم عما يمثله زوجها دونالد ترامب من أفكار تفريقية، فيما ذهب البعض منهم إلى الإشارة بأنها، أي ميلانيا، ليست مؤثرة على الموضة ولا يمكن أن تكون، لأنها مجرد مستهلكة موضة تتمتع بإمكانات عالية لشراء قطع غالية. بعبارة أخرى، لا يمكنها أن تُصبح أيقونة موضة مثل جاكلين كينيدي أو مؤثرة عليها مثل ميشيل أوباما. من هذا المنطلق كتبت المصممة صوفي ثياليت رسالة مفتوحة نشرتها مجلة «ويمنز وير دايلي» ترفض فيها التعامل مع ميلانيا رفضا باتا، مضيفة أنها لا تمثلها ولا القيم التي تقوم عليها الموضة عموما. ثياليت لم تكن الوحيدة التي أعلنت هذا الرأي بصراحة، فتوم فورد أيضا قال إنه لن يتعامل معها وغيره كثيرون. اللافت أن كونها عارضة أزياء سابقة وتمتعها بمقاسات تُبرز جمال وأناقة أي زي تلبسه لم يشفع لها لديهم، لأن الموضة تتعدى المقاسات والمقاييس المثالية إلى الذوق الرفيع والأسلوب الخاص، وهو ما يجعلهم غير مغالين في رأيهم ولا متحاملين عليها. فهي قد تكون أنيقة بنظر المرأة العادية، لما ترتديه من ملابس غالية من الرأس إلى أخمص القدمين، إلا أنها تفتقد الذوق الشخصي الذي كانت تتمتع به جاكلين كينيدي مثلا، والجرأة التي كانت تتميز بها ميشيل أوباما. فأزياء هذه الأخيرة كانت إلى حد ما تعكس ثقافتها وسياسة زوجها في احتضان الكل، حيث كانت تظهر حينا بأزياء لمصمم مغمور لم يسمع به أحد وحينا آخر بأزياء لمصمم عالمي، وبالتالي كان لها فضل ليس في تشجيعنا على دمج الغالي والرخيص فحسب بل أيضا في تلميع بعض هذه الأسماء وإنعاش حركة البيع في المحلات الكبيرة التي ترتادها المرأة العادية مثل «تارغيت» و«جي كرو» وغيرهما. المشكلة في ميلانيا ترامب أن كل ما في أسلوبها يشي بالثراء وهو ما لا يمثل الزبونة العادية أو يُلهمها، حسب رأي المصممين. والمقصود هنا طريقة تنسيقها لأزيائها والتي يغلب عليها اللون الواحد والتصاميم المضمونة لأسماء عالمية مثل «غوتشي» و«شانيل» و«لويس فويتون» و«رالف لوران» و«مايكل كورس» و«بالمان» وغيرها. ومع ذلك يبقى السؤال الملح هو: هل يمكن أن تتغير الصورة في العام المقبل بعد أن تهدأ النفوس؟ والجواب بكل بساطة أن كل شيء جائز، فحتى إذا ظل المصممون مقتنعين برأيهم الرافض، إلا أن البروتوكول والمهنية يحتمان عليهم بعض الدبلوماسية. في الشهر الماضي، طلب دونالد ترامب مقابلة أنا وينتور ورغم أنه لا أحد يعرف ما جرى من حديث بينهما بعد، فإن المؤكد أن القطيعة بين البيت الأبيض والموضة لن تكون جُذرية، لأن دور المجلات البراقة تأريخ لثقافة بلد وتطوره من خلال جلسات مصورة تتعدى توجهات الموضة وألوانها، وبالتالي فإننا لا بد أن نرى تغطيات لميلانيا في هذه المجلات. وبما أن أنا وينتور تعتبر عرابة الموضة العالمية، فإنها قد تطلب من المصممين التخفيف من لغتهم الرافضة والتعامل مع الوضع الجديد بأريحية. ثم لا ننسى أن ميلانيا ترامب لا تحتاج لمباركة المصممين أو دعمهم، كونها تشتري أزياءها بنفسها من المحلات كأي زبونة، ولم تطلب لحد الآن التعاون مع أي من بيوت الأزياء بشكل مباشر.
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.
ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».
بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.
صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.
كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.
الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.
المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.
المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.
سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»
من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.
موسم الأعياد والحفلات
بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.
وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».
دمج بين الفينتاج والبوهو
تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.
مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.
إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.
أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.
رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.