أكد تقرير أنه فيما كان تأثير الأزمة الأوكرانية الحالية ضئيلا جدا على الأسواق المالية العالمية وأسعار النفط، وهما المؤشران اللذان يتأثران سريعا بانعدام الاستقرار السياسي، فإن تأثير الأزمة كان ملموسا في أسعار السلع الزراعية.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم لم تتأثر أسواق الأسهم العالمية كثيرا بها بل إنها واصلت زخمها، حيث ارتفعت بمعدل 1.5 في المائة منذ بداية العام، وبمعدل 0.8 في المائة خلال الشهر الماضي وذلك على الرغم من ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا وتصاعد احتمالات الصراع العسكري في المنطقة. ورغم كون روسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم فقد انخفضت أسعار نفط برنت بنسبة 4.6 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وجاء أكثر انخفاض في الشهر الماضي.
لكن في المقابل أكد التقرير أن تدهور الوضع السياسي في أوكرانيا ألقى بظلاله على أسعار السلع الزراعية، حيث شهدت ارتفاعا ملموسا. فأوكرانيا هو مصدر لـ16 في المائة من صادرات الذرة العالمية وهي ثالث أكبر دولة مصدرة له في العالم، كما أنها مصدر تسعة في المائة من الصادرات العالمية من القمح، مما يجعلها سادس أكبر مصدر عالميا. ونتيجة الخوف من تعطل الصادرات الأوكرانية، ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 20 في المائة منذ بداية العام حتى اليوم، بينما ارتفعت أسعار القمح بنسبة 13.5 في المائة.
وشدد التقرير الصادر عن شركة «آسيا للاستثمار»، وأعده فرانسيسكو كيتانا، كبير الاقتصاديين في الشركة على أن هذه التطورات تهم دول مجلس التعاون الخليجي لأن المنطقة من بين الأكثر ضعفا في العالم وتعتمد على استيراد الأغذية. فبسبب الظروف المناخية القاسية، استوردت المنطقة تاريخيا ما يقارب إجمالي المواد الغذائية التي يحتاجها سكانها. ووفقا لتقرير أصدره البنك الدولي حول أسعار المواد الغذائية في العالم العربي، تستورد دول مجلس التعاون الخليجي في المتوسط 90 في المائة مما تستهلكه من المواد الغذائية. وتأتي قطر على رأس القائمة من ناحية الاعتماد على الأغذية المستوردة، حيث تستورد 97 في المائة من احتياجاتها الغذائية، بينما تستورد البحرين 92 في المائة والكويت 91 في المائة وكل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان 89 في المائة، وتعد السعودية هي أكثر دولة مكتفية ذاتيا حيث تنتج محليا 20 في المائة من الأغذية التي تستهلكها.
وأدى فقر التربة، وندرة المياه والأحوال الجوية السيئة إلى رفع تكاليف الإنتاج لتصبح أعلى بأربع مرات من الأسعار العالمية. وفي وقت معين من عام 1992، كانت السعودية سادس أكبر مصدر للقمح في العالم. لكن بسبب استنزاف المزارعين لموارد المياه، اضطرت السلطات السعودية إلى التخلي عن سياسة زيادة الإنتاج المحلي. ونتيجة لانخفاض الدعم الحكومي، بدأ الإنتاج ينخفض عام 2008، ومن المتوقع أن يتوقف تماما بحلول عام 2016. والسعودية ليست المثال الوحيد في المنطقة. فالكثير من الدول طبقت برامج مماثلة متوافقة مع خطط التصنيع والتنويع، بهدف تقليل تعرض اقتصاداتها للتغيرات في أسعار المواد الغذائية والنفط. وكانت الإمارات العربية المتحدة نشطة جدا في هذا المجال منذ السبعينات، بينما تأمل قطر في تقليل اعتمادها على الواردات الغذائية إلى 70 في المائة بحلول عام 2023 باستخدام تكنولوجيا بيئية جديدة لتحلية المياه وزراعة النباتات دون تربة. الواقع أنه من غير المرجح أن تقلل هذه الخطط من ضرورة الواردات الثابتة والضخمة من المواد الغذائية. ولكن، على الرغم من التطورات التكنولوجية الحديثة، لا يزال الماء موردا نادرا، حيث تبلغ حصة الزراعة ما يقارب 90 في المائة من إجمالي استخدامات المياه في المنطقة. فعملية تطوير قطاع زراعي مستدام مكلفة، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي البحث عن بدائل لزيادة الأمن الغذائي.
وبحسب التقرير فإن البدائل الأكثر وضوحا هي تخزين المواد الغذائية وامتلاك الموارد الزراعية خارج المنطقة. ومن بعد أزمة الغذاء عام 2008 شهدت دول مجلس التعاون زيادة هائلة في امتلاك الموارد الزراعية خارج المنطقة. وقد كانت أفريقيا، والسودان خصوصا، هي محور الاهتمام بالنسبة للمستثمرين من المؤسسات والأفراد الخليجيين. وبحسب منظمة غرين (Grain) غير الربحية، فقد اشترى المستثمرون الخليجيون أكثر من مليوني هكتار في السودان بين عامي 2006 و2012، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف المساحة المشتراة في البلد الثاني من الترتيب، أستراليا. وعلى الرغم من كونها مزودا رئيسا للغذاء، تلقت آسيا القليل من الاهتمام من الخليج حتى الآن. فالصين والهند هما مصدر 22 في المائة من الحبوب الخشنة، و30 في المائة من القمح و46 في المائة من واردات الأرز في دول مجلس التعاون الخليجي، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة. لكن لا تظهر الهند ولا الصين على قائمة أكبر 15 دولة حيث تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي في الموارد الزراعية. وخلافا لبقية الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بفائض مالي يعادل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط. وبالنظر إلى الوضع المالي المريح لدول الخليج والظروف المحلية المعقدة، فمن المعقول أن نتوقع المزيد من عمليات الشراء للشركات الزراعية في جميع أنحاء العالم. وقد اختار المستثمرون الخليجيون عادة الاستثمار في الأصول الأميركية والأوروبية، إلا أن أزمة عام 2008 بينت أن التنويع الجغرافي والقطاعي مهم جدا ويجب أن يكون أولوية في المنطقة. وقد وضعت الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية الاعتماد الغذائي الإقليمي في دائرة الضوء مرة أخرى، مما سيعيد الاهتمام المؤسسي في هذه الاستثمارات.
الاستثمارات الخليجية الخارجية في الزراعة بين الضرورة والعائد
أزمة أوكرانيا تلقي بظلالها على سلع القطاع عالميا أكثر من النفط
الاستثمارات الخليجية الخارجية في الزراعة بين الضرورة والعائد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة