وضعت «مايكروسوفت» أسسا جديدة لآفاق التقنية المقبلة، تتمثل بإطلاق منصة برمجية لتطوير كومبيوترات ذاتية الحوار مع المستخدم تسمى «بوت» (Bot). وتستطيع هذه الكومبيوترات فهم اللغة البشرية ومعانيها، وتحويلها إلى أوامر والرد على المستخدم، الأمر الذي يجعل الآلات تتكامل معنا في حياتنا اليومية لرفع الكفاءة بشكل كبير، مع خفض الأخطاء البشرية. وركزت الشركة على تطوير تجربة استخدام الأجهزة الإلكترونية بغض النظر عن نظام التشغيل المستخدم، مع التركيز على الحوسبة السحابية بشكل كبير وإطلاق أدوات برمجية متقدمة جدا ومجانية للجميع. وحضرت «الشرق الأوسط» مؤتمر «مايكروسوفت بيلد 2016» (Microsoft Build 2016 ) الذي انتهت فعالياته يوم الجمعة الماضي في مدينة «سان فرانسيسكو» الأميركية، والذي اختبرت فيه نظارات «هولولينس» (HoloLens) للواقع المعزز (Augmented Reality) التي ستطلق في وقت لاحق من العام الحالي.
الكومبيوترات ذاتية الحوار
كان من الواضح في المؤتمر أن «مايكروسوفت» تراهن على مستقبل مليء بالكومبيوترات التي تتحاور مع المستخدم وكأنها موظف محترف، إذ إن الشركة ركزت على تطوير تكامل المساعد الشخصي الذكي «كورتانا» في بيئة العمل والحياة اليومية للمستخدم بتحليل أوامره الصوتية واقتراح أمور إضافية لم يذكرها المستخدم، التي قد يكون نسيها أو لم تخطر بباله. وستُحدث هذه التقنية ثورة في كثير من القطاعات، مثل قطاع طلب وإيصال الطعام الذي يعتمد بشكل كبير حاليا على مراكز اتصالات مكلفة وورديات عمل مطولة، بحيث تستطيع الكومبيوترات ذاتية الدردشة فهم طلبات المستخدم بغض النظر عن المصطلحات المختلفة المستخدمة (اللهجة الفصحى والعامية أو الدارجة، والمفردات المختلفة وفقا للبيئة التي نشأ فيها المستخدم، والأخطاء المطبعية، والاختصارات، ووجود أكثر من كلمة واحدة للشيء المرغوب، وغيرها من العوامل الأخرى).
وتحدثت «الشرق الأوسط» حصريا مع «إيميليو بريتو»، مدير قسم المبرمجين ومتجر التطبيقات في «مايكروسوفت»، الذي قال إنه يمكن للمطورين تحميل بيئة العمل الخاصة بالكومبيوترات ذاتية الحوار من موقع المطورين الخاص بها، واسمها هو «بوت فريموورك» (Bot Framework)، مع وجود وحدات إضافية يمكن تحميلها خاصة بالتعرف على مفردات خاصة بكل قطاع في الأسواق، واللغات الإضافية، والتكامل مع تطبيقات جديدة، وغيرها من القدرات الأخرى. وأضاف أنه لا يوجد وقت أفضل من الآن ليكون الشخص مبرمجا، في إشارة إلى توافر الأدوات المتقدمة المجانية والحوسبة السحابية لتطوير تطبيقات مبتكرة ومفيدة للمجتمعات.
تسهيل تطوير البرامج
وفاجأت «مايكروسوفت» الحضور بإعلانها عن دعم مفسر الأوامر النصية «باش» BASH (Bourne Again SHell) الخاص بنظام التشغيل «يونيكس»، الذي يستخدمه المبرمجون ومشرفو الأنظمة بشكل كبير لإدارة مراكز البيانات وتطوير البرامج، وذلك لسهولة التعامل مع أوامره ومستويات الأداء العالية التي يوفرها، بالإضافة إلى أنه آمن بشكل كبير ضد هجمات القراصنة. ويمكن بهذه الطريقة استخدام «باش» من دون تشغيل بيئة افتراضية لنظام تشغيل آخر، إذ إنه أصبح جزءا من «ويندوز»، وذلك بهدف تسهيل عمل المطورين بشكل كبير من دون القلق حول نظام التشغيل المستخدم.
وأضافت «مايكروسوفت» أنها استحوذت أخيرا على شركة «زامارين» (Xamarin) التي طورت برنامجا للكومبيوترات الشخصية يسهل على المطورين بناء تطبيقات على نظم تشغيل مختلفة من دون تعديل النصوص البرمجية الخاصة بكل نظام، بحيث يمكن تطوير تطبيق واحد وبناؤه ليعمل على «ويندوز» وبناء نسخة أخرى منه خاصة بـ«آندرويد» وأخرى بـ«آي أو إس»، وهكذا.
وتحدثت «الشرق الأوسط» حصريا مع «ميترا عزيزيراد»، المدير العام لمنصة المبرمجين في «مايكروسوفت»، التي قالت إنه على الرغم من أن البرنامج كان يباع بتكلفة باهظة تصل إلى بضعة آلاف من الدولارات للنسخة الواحدة، إلا أن الشركة ترى أنه من الأفضل أن يصبح البرنامج مجانيا للجميع، وذلك بهدف تشجيع المطورين على إيجاد بيئة عمل موحدة ومتسقة وعدم إضاعة الوقت بتعديل نصوصهم لتتوافق مع نظم التشغيل الأخرى. وعلى الصعيد ذاته، أطلقت «مايكروسوفت» برنامجا يحول التطبيقات القديمة لـ«ويندوز» إلى بيئة العمل الجديدة في «ويندوز 8 و10»، والتي يصل عددها إلى 16 مليونا، وبشكل آلي.
واستعرضت الشركة أيضًا نظارة خاصة على وصف ما يجري في الطريق أو وصف شعور الجالسين أمام الكفيف لإزالة الارتباك، حيث من الممكن أن يتكلم الكفيف من دون أن يتحدث الآخرون من حوله، الأمر الذي يضعه في حيرة إن كانوا في حالة تركيز أم ملل أو استغراب. ومن شأن هذه التقنية رفع جودة حياة المكفوفين بشكل كبير وزيادة تكاملهم في المجتمع. الجدير ذكره أن مطور هذه النظارة هو شخص كفيف يعمل مبرمجًا.
الحوسبة السحابية
وعلى صعيد آخر، ركزت «مايكروسوفت» على التقنيات السحابية بشكل كبير، وخصوصا نظام التشغيل السحابي «مايكروسوفت آجر» (Microsoft Azure) الذي يستطيع معالجة كميات ضخمة من البيانات من دون أن يقلق المستخدم على السعة التخزينية المطلوبة أو كمية الذاكرة أو التبريد أو سرعة المعالج اللازمة لإنجاز العمل. وأكدت الشركة أن البيانات هي «النفط الجديد» لعالم المستقبل، في إشارة إلى أهمية تحليل الكميات الهائلة جدا من المعلومات التي يمكن الحصول عليها من موارد مختلفة وتحويلها إلى صيغة مفهومة تعرض النزعات المقبلة أو تكشف عن خفايا لم يكن بالإمكان ملاحظتها إلا في سياق الملايين من البيانات الأخرى المحيطة بها.
واستعرضت الشركة عددا من الأمثلة على ذلك، مثل لعبة إنترنت جماعية اسمها «إيج أوف أسينت» (Age of Ascent) - يمكن اللعب بها عبر متصفح الإنترنت - تسمح لـ50 ألف مشارك اللعب في اللحظة نفسها، لتصبح الحروب الرقمية مشابهة للحروب الحقيقية من حيث عدد المشاركين. ويستطيع نظام اللعبة معالجة أكثر من 267 مليون رسالة للنظام في الثانية الواحدة، ويستطيع النظام السحابي التعرف على التعديلات البرمجية التي قد يضيفها فريق البرمجة بالخطأ ومنعها من التأثير سلبا على عشرات الآلاف من المستخدمين وإيقاف متعة لعبهم، وإعادة النص البرمجي إلى حالته السابقة بسرعة كبيرة جدا.
ومن جهتها تحصل خدمة «أكيوويذر» (AccuWeather) المتخصصة بتوقعات الحرارة والطقس حول العالم على أكثر من 50 مليار طلب يوميا من 250 بلدًا بـ100 لغة مختلفة، الأمر الذي تستطيع الخدمات السحابية معالجته بسرعات عالية. وينجم عن معالجة هذه البيانات تريليونا وحدة معلومات يوميا (التريليون هو ألف مليار، أو مليون مليون). ومن الأمثلة على ذلك إيقاظ تطبيق الخدمة على الهواتف الجوالة لعائلة أثناء نومها لتنبيههم بقدوم عاصفة كبيرة نحوهم، الأمر الذي ينقذ حياتهم في الوقت المناسب. ولو كانت الشركة تستخدم مركز بيانات محليًا داخل مقرها لما استطاعت تنبيه العائلة بالوقت المناسب نظرا للضغط الكبير الذي تتعرض له أجهزتها جراء معالجة مليارات الطلبات يوميا وملايين المستخدمين الذين ينتظرون التحديثات الجوية.