التباطؤ الاقتصادي الصيني يخيم على العالم

مخاوف من أن يزداد حدة ويمتد لفترات طويلة

التباطؤ الاقتصادي الصيني يخيم على العالم
TT

التباطؤ الاقتصادي الصيني يخيم على العالم

التباطؤ الاقتصادي الصيني يخيم على العالم

يثير التباطؤ الاقتصادي الصيني والتداعي المالي بها موجة من الانحسار والذعر عبر كثير من جنبات العالم، حيث تواجه دول في جميع قارات الأرض تقريبًا مخاطر متفاقمة تتعلق بتعرضها لفترات انحسار اقتصادي طويلة واضطرابات سياسية وخسائر مالية جراء ما يجري في الصين.
وبحسب تقرير لـ«واشنطن بوست» فعلى سبيل المثال، شهدت قيمة عملة جنوب أفريقيا (راند)، تراجعًا كبيرًا، أول من أمس (الاثنين)، بعد تراجع سوق الأسهم بالصين التي تعد أكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا. ومثلما الحال مع كثير من دول القارة السمراء، تلقى اقتصاد جنوب أفريقيا دفعات تحفيزية نتيجة تعطش بكين الشديد للموارد الطبيعية، لكن تباطؤ الطلب الصيني الآن يهدد بتفاقم المشكلات الكثيرة الأخرى التي تعانيها البلاد، وعلى رأسها أزمة الغذاء.
على امتداد أميركا الجنوبية، تسبب تراجع إقبال بكين على السلع في حدوث موجات حادة من الانحسار الاقتصادي، وبدأ الحديث يتزايد عن خطر المرور بـ«عقد مفقود». مثلاً، تواجه فنزويلا تضخما يقدر برقم من عددين وربما ثلاثة، في الوقت الذي تعاني فيه البرازيل من تفاقم البطالة. وتواجه الدولتان خطر وقوع اضطرابات سياسية مع نضال قيادات البلدين للإبقاء على الإعانات والدعم العام.
في الوقت ذاته، يترك ما يجري في الصين تداعيات أقل مباشرة، حيث شكل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين واحدًا من المحركات الرئيسية وراء تراجع أسعار النفط التي بلغت أدنى مستوى لها منذ 12 عامًا مع وصول السعر إلى 31.56 دولار لبرميل خام برنت، الأمر الذي يثير مشكلات أخرى.
في تلك الأثناء، أثبت الاقتصاد الأميركي حصانته النسبية من هذه التداعيات السلبية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الحال مع بعض الصناعات التي تعمل بالصين، مثل الأغذية السريعة وتجارة التجزئة. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن أسواق الأسهم الأميركية مرت بظروف صعبة هذا العام، ويحذر كثير من الخبراء الاقتصاديين من أن موجة من خسارة الوظائف قد تبدأ خارج القطاعات التي شهدت هذه الظاهرة بالفعل - تحديدًا التعدين والطاقة - إذا ما استمر تردي وضع الاقتصاد الصيني.
يذكر أن شركة «كيتربيلار»، التي تعد واحدة من أقدم المؤسسات التجارية التي استفادت من النمو الاقتصادي الصيني، وتبيع منتجاتها للصين ودول تبيع سلعًا صينية، كشفت عن تراجع مبيعاتها، بجانب انخفاض قيمة أسهمها لأدنى مستوى لها منذ عام 2010. أما شركة «شيروين ألومينا» فقد تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها تبعًا للفصل الحادي عشر.
من جهته، أعرب بول شيرد، الخبير الاقتصادي العالمي البارز لدى مؤسسة «ستاندرد آند بورز» عن اعتقاده بأن «تباطؤ الاقتصاد الصيني بنصف نقطة مئوية أو حتى نقطة واحدة مئوية لن يترك تأثيرا كبيرًا للغاية على الاقتصاد الأميركي. أما إذا كنت من جنوب أفريقيا أو بيرو أو تشيلي أو كولومبيا أو ماليزيا أو تايلاند، فإن الوضع سيختلف».
يذكر أن الأسهم في شانغهاي تراجعت بنسبة 5.3 في المائة، أول من أمس (الاثنين)، وظلت مضطربة أمس. وبصورة إجمالية، تراجعت قيمة الأسهم بنسبة 16 في المائة على مدار الأيام الستة الماضية. من جانبهم، لا يبدي المحللون الاقتصاديون قلقهم إزاء موجات الهبوط والصعود التي تمر بها سوق الأسهم الصينية، وذلك لأنها لا ترتبط بالاقتصاد سوى بصورة هامشية. ومع ذلك، فإنهم ينظرون إلى هذه التقلبات باعتبارها مؤشرًا على مخاوف أعمق من أن يكون واقع النمو الاقتصادي الصيني أسوأ مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية.
وبحسب التقرير، فبعد سنوات من النمو الاقتصادي الهائل يتفق تقريبًا جميع الخبراء الاقتصاديين المستقلين على أن الاقتصاد الصيني يتحرك حتمًا نحو التباطؤ. إلا أن التساؤل القائم الآن يدور حول إلى أي مدى سيتراجع معدل نمو ثاني أكبر اقتصادات العالم.. هل سيتراجع معدل النمو المؤلف من عددين ليستقر عند مستوى 6 في المائة أو 7 في المائة أم سيهوي لما هو أسوأ عند مستوى 3 في المائة أو 4 في المائة، أو ربما أسوأ؟
الملاحظ أن أكثر الدول تضررًا تلك التي ازدهرت نتيجة الطلب الصيني الشره على الموارد الطبيعية. والواضح أن هذا التأثير السلبي ضرب جميع قارات العالم، والدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
مع تقدم الصين وتصنيعها ألواحًا شمسية وحواسب إلكترونية محمولة وأجهزة «آيفون» وتصديرها إلى مختلف أرجاء العالم، اتجهت لاستيراد واستهلاك كميات هائلة من النفط والنحاس وخام الحديد والمعدات، ودخلت في منافسات للحصول على هذه المواد الخام، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها. وعلق باتريك شوفانيك، الخبير الاستراتيجي البارز لدى مؤسسة «سيلفركريست أسيت منيدجمنت»، بقوله: «وعليه، فإنه نهاية عصر الازدهار الاستثماري للصين يعني حدوث العكس».
داخل آسيا، شهدت إندونيسيا تراجعًا في صادرات الفحم بعد بدء ظهور مشكلات اقتصادية بالصين العام الماضي. أما البرازيل وبيرو وفنزويلا فقد عانت جميعًا من انهيارات في أسعار السلع.
وفي هذا الصدد، أوضح نيل شيرينغ، الخبير الاقتصادي البارز المعني بالأسواق الناشئة لدى مؤسسة «كابيتال إكونوميز»، أن «استفادت جميع هذه الاقتصادات بدرجة كبيرة من الصعود الصيني. أما الجانب المظلم للأمر فيتمثل في أنها تضررت بشدة مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجعت الأسعار لديها».
الملاحظ أن التداعيات السلبية لم تقتصر على دول العالم النامي، فعلى سبيل المثال انخفضت صادرات أستراليا من خام الحديد ومعادن أخرى إلى الصين، أكبر شريك تجاري لها، مما أثار مخاوف من تعرض الاقتصاد الأسترالي لانحسار. كما تواجه كوريا واليابان وتايلاند وتايوان مخاوف مشابهة.
عن ذلك، قال موري أوبستفيلد، الخبير الاقتصادي البارز لدى صندوق النقد الدولي، إن «التداعيات العالمية المترتبة على انخفاض معدل النمو الاقتصادي بالصين، من خلال تراجع وارداتها وتضاؤل الطلب على السلع، جاءت أكبر بكثير مما توقعنا».
وحذر أوبستفيلد مؤخرًا من أن تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي الصيني وتفاقم اضطرابات الأسواق الناشئة من بين أكبر التهديدات التي تواجه الاقتصاد العالمي عام 2016.
تعد جنوب أفريقيا نموذجًا لافتًا فيما يتعلق بالاعتماد المفرط على الصين، والتداعيات المؤلمة لذلك في الوقت الراهن. أول من أمس (الاثنين)، تراجعت عملة جنوب أفريقيا (راند)، بنسبة 10 في المائة مقارنة بالدولار الأميركي، لتصل إلى أدنى معدل لها على الإطلاق قبل أن تتعافى قليلاً وتنهي اليوم عند مستوى 16.57 «راند» بالنسبة للدولار. تعد الصين أكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا، ويبلغ حجم التبادل السلعي بينهما سنويًا قرابة عشرين مليار دولار.
وقال شيرينغ: «إنه مزيج قبيح حقًا من مشكلات سياسية واقتصادية وهيكلية عميقة تفاقمت جراء تباطؤ الاقتصاد الصيني، مما جعل (راند) مهددًا بشدة».
جدير بالذكر أن توقيت التباطؤ الاقتصادي الصيني وتراجع العملة يمكن أن يخلف عواقب كارثية على الأمن الغذائي بجنوب أفريقيا، خصوصًا في ظل الجفاف الذي عانته البلاد مؤخرًا، الأمر الذي قد يدفعها إلى استيراد غذاء أكثر من المعتاد. في الوقت ذاته فإن تراجع قيمة «راند» سيزيد كلفة هذا الواردات في بعض الحالات، حسبما أوضح محللون.
ويرى البعض أن جنوب أفريقيا ودولا أخرى بالقارة الأفريقية تدفع الآن ثمن اعتمادها المفرط على الصين. إلا أن محللين آخرين يرون أن الواقع يشير إلى أن الدول المصدرة للسلع لم يكن أمامها خيار آخر مع توسع نطاق سوق الواردات الصينية.
ويأتي تأثير الاضطرابات الاقتصادية الصينية في وقت ترزح جنوب أفريقيا تحت وطأة مشكلاتها الداخلية. الشهر الماضي، طرد الرئيس جاكوب زوما وزير ماليته نهانهلا نيني، ثم واجه صعوبة كبرى في اختيار أحد ليحل محل، حيث وقع اختياره بادئ الأمر على ديفيد فان روين غير المعروف نسبيًا، ثم أقاله بعد أيام قلائل بعد انهيار قيمة «راند». بعد ذلك استقر اختيار زوما على برافين غوردهان، لكن مستثمرين عدة كان قد أصابهم التوتر بالفعل بسبب هذا التخبط.
من ناحيتها، خفضت وكالة تقييم السندات «فيتش» تقييمها لجنوب أفريقيا إلى «بي بي بي»، مع اشتعال المخاوف في صفوف المستثمرين حيال عجز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عن الاضطلاع بمهمة إدارة الاقتصاد بما يحمله ذلك من تحديات عدة.
يذكر أن «راند» مرت بفترتي تراجع حاد خلال العقدين الأخيرين - 2001 و2008 - لكنه استعاد عافيته سريعًا في المرتين بفضل تنامي الطلب الصيني وازدياد أسعار السلع. أما هذه المرة فيرى محللون أن مسألة تعافي العملة جنوب الأفريقية تبدو غير محتملة.



منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
TT

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه القطاع، مشيراً إلى أن المنظومة حققت نسبة امتثال بلغت 94.4 في المائة في تطبيق معايير الأمن، وذلك ضمن تقرير «التدقيق الشامل لأمن الطيران» الذي أصدرته «منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)»؛ مما يضع البلاد في مصافّ الدول الرائدة عالميّاً بهذا المجال.

جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد تزامناً مع «أسبوع الأمن لمنظمة الطيران المدني الدولي 2024»، الذي تستضيفه حالياً عُمان خلال الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتعاون مع منظمة «إيكاو»، وبمشاركة قادة ورؤساء منظمات وهيئات الطيران المدني بالعالم.

وأفاد الدعيلج بأن «التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجه القطاع حالياً تتسم بالتعقيد والتنوع، كالهجمات السيبرانية واستخدام الطائرات من دون طيار في أعمال تهدد الأمن، بالإضافة إلى التهديدات الناشئة عن التقنيات الحديثة، مثل الهجمات الإلكترونية على الأنظمة الرقمية للطيران»، مشيراً إلى أن «هذه التهديدات أصبحت تُشكّل خطراً جديداً يحتاج إلى استراتيجيات مبتكرة للتصدي لها».

وأوضح الدعيلج أن «جهود السعودية في مجال أمن الطيران المدني، تتمحور حول مجموعة من المحاور الأساسية التي تهدف إلى تعزيز الجاهزية الأمنية وضمان سلامة القطاع على جميع الأصعدة».

ووفق الدعيلج، فإن بلاده «عملت على تحديث وتطوير الأنظمة الأمنية بما يتماشى مع أحدث المعايير الدولية، عبر تعزيز أنظمة الكشف والمراقبة في المطارات باستخدام تقنيات متقدمة، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر وتقديم استجابات سريعة وفعالة للتهديدات المحتملة».

وأضاف الدعيلج أن السعودية «أولت اهتماماً كبيراً بالأمن السيبراني في ظل التحديات التكنولوجية الراهنة؛ إذ طورت برامج مختصة لحماية الأنظمة الرقمية ومنصات الحجز والعمليات التشغيلية للطيران، مما يعزز قدرة القطاع على التصدي للهجمات الإلكترونية».

وأشار الدعيلج إلى أن السعودية تسعى إلى بناء قدرات بشرية متميزة في هذا المجال، «عبر إطلاق برامج تدريبية متطورة بالتعاون مع المنظمات الدولية، بهدف تأهيل الكوادر الوطنية وتعزيز جاهزيتها للتعامل مع مختلف السيناريوهات الأمنية».

وقال الدعيلج إن السعودية «ساهمت بشكلٍ كبير في دعم المبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الأمان في هذا القطاع الحيوي، وأسهمت بشكل فعال في تطوير استراتيجيات أمنية مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف تعزيز التنسيق الأمني بين الدول، وهو ما يضمن استجابة سريعة وفعالة للتحديات الأمنية».

وواصل أن بلاده «شريك رئيسي في المبادرات الدولية التي تقودها (منظمة الطيران المدني الدولي - إيكاو)، وأسهمت في صياغة سياسات أمن الطيران وتنفيذ برامج تهدف إلى تحسين مستوى الأمن في جميع أنحاء العالم، من ذلك استضافة المملكة المقر الدائم لـ(البرنامج التعاوني لأمن الطيران المدني في منطقة الشرق الأوسط CASP - MID) التابع لـ(إيكاو)، ودعم (منظمة الطيران المدني الدولي) من خلال مبادرة (عدم ترك أي بلد خلف الركب)».