اليابان.. عملاق اقتصادي يقاوم «الشيخوخة»

نجت من الركود مخالفة التوقعات.. لكن التركيبة السكانية تهديد دائم

مسنون يابانيون يمارسون الرياضة اليومية في ساحة معبد في طوكيو (أ.ف.ب)
مسنون يابانيون يمارسون الرياضة اليومية في ساحة معبد في طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان.. عملاق اقتصادي يقاوم «الشيخوخة»

مسنون يابانيون يمارسون الرياضة اليومية في ساحة معبد في طوكيو (أ.ف.ب)
مسنون يابانيون يمارسون الرياضة اليومية في ساحة معبد في طوكيو (أ.ف.ب)

بعد توقعات كثيرة رجحت دخول اليابان في حالة من الركود الاقتصادي وسط انكماش الاقتصاد على مدى ربعين متتاليين، أظهرت البيانات الرسمية للبلاد تحول الناتج المحلي الإجمالي في اليابان إلى تسجيل نمو إيجابي خلال الربع الثالث. لكن رغم النمو، الذي خالف التوقعات، تظل التخوفات قائمة حول قدرة اقتصاد اليابان على مواصلة النمو وسط التناقص الملحوظ في قوة العمل الناتج عن التركيبة السكانية غير المتوازنة.
وارتفع الناتج المحلي الإجمالي السنوي 1 في المائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 سبتمبر (أيلول) مقارنة بالربع السابق، وكانت بيانات أولية أظهرت أن الاقتصاد الياباني سجل انكماشًا بمعدل 0.8 في المائة خلال الربع الثالث من العام الجاري وذلك بعد انكماشه بمعدل 0.7 في المائة خلال الربع الثاني.
وأوضحت بيانات رسمية صدرت عن مكتب رئيس الوزراء، أن اقتصاد اليابان سجل نموًا ربع سنوي قدره 0.3 في المائة خلال الربع الثالث من العام الجاري.
وعزا أكيرا أماري وزير الاقتصاد الياباني ارتفاع النمو في الربع الثالث إلى ارتفاع الاستثمار في الأعمال التجارية بنسبة 0.6 في المائة، وذلك بعكس اتجاه ما أظهرته البيانات الأولية بمعدل انخفاض سنوي بلغ 1.3 في المائة. وارتفعت النفقات الرأسمالية في اليابان بأكثر من 11 في المائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 سبتمبر. وقال هيرواكي موتو، كبير الاقتصاديين في شركة توكاي طوكيو للأبحاث، ومقرها العاصمة طوكيو، إن الاقتصاد الياباني يتجه إلى مسار الانتعاش مرة أخرى بعد فترة من التصحيح. مضيفًا أن البيانات تُشير إلى تحسن في الإنفاق الرأسمالي، مما يرفع من توقعات عودة الانتعاش السريع للاقتصاد.
لكن رغم ارتفاع النمو عن المتوقع، يقول الاقتصاديون إن اقتصاد اليابان لن ينجو من الانكماش المتوقع خلال الفترة المُقبلة. ذلك لأن أساسيات الاقتصاد الياباني ما زالت ضعيفة، ويرى الاقتصاديون أن النمو في الربع الثالث ما زال أقل مما هو مستهدف لثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
ويُعزى تراجع معدلات النمو خلال الفترة الماضية إلى ضعف الصادرات إلى الصين، التي تعاني من تباطؤ معدلات النمو، والولايات المتحدة، التي تشهد انتعاشًا فاترًا في نموها الاقتصادي. كذلك حذّر صندوق النقد الدولي في يوليو (تموز) الماضي اليابان من الاعتماد كثيرًا على ضعف الين وطالب بالمزيد من الإصلاحات الهيكلية لرفع النمو وتمكين التعزيز المالي.
ويعتبر التراجع الديموغرافي هو الأكثر خطورة على الاقتصاد الياباني، لأنه يدفع الناتج المحلي الإجمالي إلى فقد نحو 2 في المائة سنويًا، بسبب تراجع القوة العاملة في البلاد. وهو ما يصفه المراقبون بأنه «أثر الشيخوخة» على الاقتصاد، حيث يمكن ملاحظة انقلاب الهرم العمري مقلوبا في ذلك البلد الذي يغلب عليه المعدل العمري المرتفع بدلا من الشباب. ويرى الاقتصاديون أن اقتصاد اليابان بحاجة لمضاعفة معدل النمو المستهدف سنويًا لاحتواء أثر الانهيار الديموغرافي على الناتج الإجمالي.
ففي حين يُمثل الأميركيون الذين يزيد أعماهم عن 65 نحو 14 في المائة من السكان، والمتوقع أن ترتفع إلى 20 في المائة في عام 2050. فإن اليابانيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 يُمثلون نحو 26 في المائة من السكان في الوقت الحالي، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 40 في المائة بحلول عام 2050. وفقًا لبيانات البنك الدولي. ورغم تراجع معدل البطالة إلى 3.1 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة مع 3.4 في المائة في سبتمبر، وذلك هو أدنى مستوى له منذ عام 1995. تراجعت قوة العمل بنحو 230 ألف شخص عن سبتمبر وانخفضت نسبة المشاركة إلى 59.9 في المائة من 60.2 في المائة.
وتعد التركيبة السكانية غير المتوازنة مشكلة مستمرة على المدى الطويل مع الاقتصاد الياباني، وانخفاض عدد السكان يعني أنه حتى لو ارتفعت كل من الإنتاجية ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، سيكون إجمالي النمو منخفضا وربما يكون سلبيًا. ذلك يجعل الدين الياباني، الذي بلغ 240 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأعلى بين الدول الغنية.
وقال أكيرا أماري وزير الاقتصاد الياباني، في مؤتمر صحافي: «لاحظت نقصًا في الأيدي العاملة المتاحة لمشاريع الأشغال العامة اللازمة لتحفيز الاقتصاد، وهو أمر يقف عقبة أمام صناع القرار في مواصلة القدرة على تحقيق النمو».
وحث أماري الشركات اليابانية على استخدام الموجودات النقدية لرفع الأجور وزيادة الإنفاق الرأسمالي لدفع الاقتصاد نحو النمو المُعتدل بقيادة القطاع الخاص، بدلاً من مجرد المطالب بالمزيد من الحوافز.
ويرى سكوت كريزيلوف، الرئيس التنفيذي لشركة «Avondale» لإدارة الأصول في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، أن المشكلة الحقيقية في اليابان هي انعدام النمو السكاني، الذي كان نحو 1 في المائة سنويًا في 1960s و1970s، ولكنه انخفض منذ ذلك الحين، وفقًا لمكتب الإحصاء الياباني. وأفاد المكتب أن عدد السكان انخفض بنسبة 0.17 في المائة في العام الماضي ويتوقع تراجعا أسرع في العقود الثلاثة القادمة. وتابع كريزيلوف، في تصريحات صحافية، قائلاً: «في الواقع علينا أن نقبل حقيقة أن اليابان لن تنمو أسرع من بقية العالم طالما ظل تعداد سكانها يتناقص». والتركيبة السكانية هي عامل واحد فقط ضمن مجموعة من العوامل التي تدفع النمو الاقتصادي في اليابان إلى التراجع. فالشركات اليابانية بدأت تعتمد على نمو الأرباح فقد بدلاً من زيادة معدلات الاستثمار. فعلى الرغم من تحقيق أرباح قياسية، تتردد الشركات في رفع الأجور أو الاستثمار، وتظهر بيانات مركز الإحصاء الياباني أن إنفاق الشركات انخفض 1.3 في المائة في الربع الثالث، في حين ارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 0.5 في المائة فقط.
ويظل التضخم متواضعًا في اليابان، مع تراجع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة - 0.1 في المائة بمعدل سنوي حتى سبتمبر الماضي. مما دفع بنك اليابان المركزي مرة أخرى لإرجاء توقعاته بتحقيق معدل التضخم المستهدف عند 2 في المائة إلى النصف الثاني من السنة المالية 2016. وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تراجع الين بنسبة 16 في المائة مقابل الدولار.
ويستمر التراجع في معدل التضخم مع انخفاض أسعار النفط، ويُزيد التباطؤ في الصين والأسواق الناشئة من ركود الصادرات اليابانية. ويتوقع البنك الدولي أن يكون هناك تأثيرات سلبية لزيادة أسعار الفائدة الأميركية على الاقتصاد الياباني، جنبًا إلى جنب مع التدابير التقليدية الاحترازية للمستهلكين اليابانيين، وتثبيط النمو في الإنفاق الاستهلاكي.
وبينما ينقسم الاقتصاديون حول ما إذا كان الاستمرار في التيسير الكمي في اليابان سيكون قادرًا على إنعاش الاقتصاد أم لا، إلا أنهم يتوقعون أن جهود التحفيز النقدي الحالي في البلاد قادرة على زيادة التضخم بعد محاولات فاشلة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأعلن بنك اليابان في 19 من نوفمبر الماضي، أنه سيُبقي على برنامج التيسير الكمي الحالي لتعزيز النمو بعد الانكماش على مدى الربع الأول والثاني من العام الجاري. وفي إطار برنامج التحفيز، الذي بدأ في أكتوبر عام 2014. توسع البنك المركزي الياباني في شراء السندات الحكومية طويلة الأجل، بما يصل إلى 80 تريليون ين (650 مليار دولار) من نحو 50 تريليون ين، وضاعف البنك مشترياته من الصناديق المتداولة في البورصة إلى 3 تريليونات ين من نحو تريليون واحد فقط، كذلك ضاعف البنك مشترياته العقارية من 30 مليار ين إلى 90 مليار ين. وقال آرثر الكسندر، وهو أستاذ في جامعة جورج تاون المتخصصة في الاقتصاد الياباني، إن برنامج التيسير الكمي في اليابان يسير على الخطى الصحيحة. لكن مايلز كيمبل، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميتشيغان، يرى أنه بدلاً من التسهيل الكمي، من الممكن التحول إلى أسعار الفائدة السلبية. موضحًا، أن خفض أسعار الفائدة، حتى تحت الصفر، سيكون له تأثير أكثر مباشرة في تحفيز الاقتصاد من زيادة شراء السندات طويلة الأجل.
* الوحدة الاقتصادية
بـ«الشرق الأوسط»



منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
TT

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه القطاع، مشيراً إلى أن المنظومة حققت نسبة امتثال بلغت 94.4 في المائة في تطبيق معايير الأمن، وذلك ضمن تقرير «التدقيق الشامل لأمن الطيران» الذي أصدرته «منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)»؛ مما يضع البلاد في مصافّ الدول الرائدة عالميّاً بهذا المجال.

جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد تزامناً مع «أسبوع الأمن لمنظمة الطيران المدني الدولي 2024»، الذي تستضيفه حالياً عُمان خلال الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتعاون مع منظمة «إيكاو»، وبمشاركة قادة ورؤساء منظمات وهيئات الطيران المدني بالعالم.

وأفاد الدعيلج بأن «التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجه القطاع حالياً تتسم بالتعقيد والتنوع، كالهجمات السيبرانية واستخدام الطائرات من دون طيار في أعمال تهدد الأمن، بالإضافة إلى التهديدات الناشئة عن التقنيات الحديثة، مثل الهجمات الإلكترونية على الأنظمة الرقمية للطيران»، مشيراً إلى أن «هذه التهديدات أصبحت تُشكّل خطراً جديداً يحتاج إلى استراتيجيات مبتكرة للتصدي لها».

وأوضح الدعيلج أن «جهود السعودية في مجال أمن الطيران المدني، تتمحور حول مجموعة من المحاور الأساسية التي تهدف إلى تعزيز الجاهزية الأمنية وضمان سلامة القطاع على جميع الأصعدة».

ووفق الدعيلج، فإن بلاده «عملت على تحديث وتطوير الأنظمة الأمنية بما يتماشى مع أحدث المعايير الدولية، عبر تعزيز أنظمة الكشف والمراقبة في المطارات باستخدام تقنيات متقدمة، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر وتقديم استجابات سريعة وفعالة للتهديدات المحتملة».

وأضاف الدعيلج أن السعودية «أولت اهتماماً كبيراً بالأمن السيبراني في ظل التحديات التكنولوجية الراهنة؛ إذ طورت برامج مختصة لحماية الأنظمة الرقمية ومنصات الحجز والعمليات التشغيلية للطيران، مما يعزز قدرة القطاع على التصدي للهجمات الإلكترونية».

وأشار الدعيلج إلى أن السعودية تسعى إلى بناء قدرات بشرية متميزة في هذا المجال، «عبر إطلاق برامج تدريبية متطورة بالتعاون مع المنظمات الدولية، بهدف تأهيل الكوادر الوطنية وتعزيز جاهزيتها للتعامل مع مختلف السيناريوهات الأمنية».

وقال الدعيلج إن السعودية «ساهمت بشكلٍ كبير في دعم المبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الأمان في هذا القطاع الحيوي، وأسهمت بشكل فعال في تطوير استراتيجيات أمنية مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف تعزيز التنسيق الأمني بين الدول، وهو ما يضمن استجابة سريعة وفعالة للتحديات الأمنية».

وواصل أن بلاده «شريك رئيسي في المبادرات الدولية التي تقودها (منظمة الطيران المدني الدولي - إيكاو)، وأسهمت في صياغة سياسات أمن الطيران وتنفيذ برامج تهدف إلى تحسين مستوى الأمن في جميع أنحاء العالم، من ذلك استضافة المملكة المقر الدائم لـ(البرنامج التعاوني لأمن الطيران المدني في منطقة الشرق الأوسط CASP - MID) التابع لـ(إيكاو)، ودعم (منظمة الطيران المدني الدولي) من خلال مبادرة (عدم ترك أي بلد خلف الركب)».