في الوقت الذي نشر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موقفًا جديدًا يتراجع فيه عن اتهام الحاج أمين الحسيني، رئيس اللجنة العربية القومية العليا في فلسطين، بدفع الزعيم النازي، أدولف هتلر، إلى مشروع إبادة اليهود، كشف النقاب في تل أبيب عن مخطط قديم كانت قد وضعته قيادة الحركة الصهيونية، لاغتيال المفتي الحسيني.
وأكدت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن عصابات «الهاغاناه»، التي تحولت لاحقًا إلى جيش إسرائيل الرسمي، أعدت خطة في شهر يناير (كانون الثاني) من العام 1948، تستهدف اغتيال مفتي القدس وفلسطين الحاج أمين الحسيني، بسبب دوره في دعم النازية وقيادته للعمليات المسلحة ضد إسرائيل. وقد التقت الصحيفة مع أحد المقاتلين في «الهاغاناه»، ويدعى يعقوف شفرير، البالغ من العمر اليوم 90 عامًا. فروى أنه كان قد تلقى الأوامر من قائده موشيه زيلبير شميط، بالبدء بجمع معلومات عن بيت الحسيني في الشيخ جراح في القدس، تمهيدًا لاغتيال المفتي الذي قد كان عاد في ذلك الوقت إلى فلسطين بعد غياب طويل دام تسع سنوات.
وشفرير، كان يعمل في حينه مصورًا صحافيًا، وقد مارس نشاطات أمنية لصالح التنظيم الصهيوني العسكري بشكل سري. وطُلبوا منه أن يجمع تفاصيل ومعلومات حول موقع البيت ومحيطه وسبل الوصول إليه وطبيعة الحماية حوله، لكي يتم إحكام خطة الاغتيال. ووفقا للأوامر توجه شفرير إلى هناك برفقة زميلته في التجسس، وتدعى حنة زوطا. وكان الهدف أن يتظاهرا بأنهما عاشقان، للتغطية على نشاطهما في جمع المعلومات. وكان هو يلتقط الصور لها أمام البيت ومن عدة جهات، بشكل يبدو فيه الاثنان متنزهين بريئين. ولكن حراس منزل المفتي كانوا متيقظين، وفي اللحظة التي اشتبهوا فيها بهما أطلق أحد القناصة النيران باتجاههما، فأصيبا بجراح شديدة. وتوفيت هي، فيما شفي هو من الجراح لاحقًا. وقد تم دفنها في مقبرة «الشهداء» من دون ذكر العملية التي شاركت فيها. واكتفوا بالقول: «حنة وزميل لها تطوعا لتصوير موقع للعدو، لكن رصاصة قناص أصابتها، أدت إلى مقتلها».
وتوضح الصحيفة بأن شفرير وافق على كشف الرواية، هذه الأيام ردا على الهجوم الذي شنه رئيس الحكومة، نتنياهو، على الحاج أمين الحسيني وغرضه من ذلك القول إن ظروف تلك الأيام كانت عبارة عن ظروف حرب. ولا يجوز اليوم أن تحاسب عليها. وتذكر الصحيفة أن شفرير، كان في ذلك الوقت صهيونيًا متعصبًا. ولكنه غيّر موقفه بشكل متطرف. وأصبح لاحقا يساريًا راديكاليًا يعتبر الصهيونية حركة كولونيالية استعمارية. ونقلت على لسانه أن «الصهيونية كانت حركة كولونيالية استعمارية. فنحن لم نأتِ إلى أرض خالية، ولو كنت أعرف الحقيقة يومها (هو من أصل روماني) لما هاجرت إلى هنا».
وأضاف: «الفلسطينيون وحدهم هم القادرون على إنقاذ المشروع الصهيوني من خلال تحالف معهم، بحيث نصحح الغبن الذي ارتكبناه ونعيد البلاد للفلسطينيين، لن يساعد أي حل آخر». وفي السياق ذاته، تشير «هآرتس» إلى أن «الصهيونية وضعت مخططات أخرى لاغتيال الحسيني»، مشيرة إلى ما كشفه الصحافي الإسرائيلي يزهار بار، قبل خمس سنوات عن إحدى هذه المحاولات في أوج حرب فلسطين. فقد جند أحد قادة جهاز الاستخبارات للوكالة اليهودية، ولاحقا رئيس قسم في الموساد الإسرائيلي، ديفيد كرون، خمسة من عناصر عصابة الإيتسيل، وهي التي أنجبت تيار اليمين الصهيوني وارتكبت مجزرة دير ياسين، من سكان مدينة القدس، وأرسلهم إلى قطاع غزة متخفين بزي العرب لاغتيال المفتي، في المسجد أثناء صلاة الجمعة في الجامع الكبير في مدينة غزة.
ونقلت الصحيفة عن أحد المشاركين في تلك العملية، ويدعى ديفيد يعقوفي، قوله: «جرى إرسالي مع رفاقي إلى مدينة عسقلان، ومنحونا ملابس كالتي يلبسها العرب، وقاموا بشراء الحمير كي يتسللوا إلى غزة ضمن أفواج اللاجئين الفلسطينيين من عسقلان تحديدا إلى القطاع». وأضاف: «أعطونا عدة مئات من الرصاص وفهمنا أن المقصود هو عملية انتحارية». وتقول الصحيفة إن هذه الخطة لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
وكان نتنياهو قد تأثر من عاصفة ردود الفعل الغاضبة عليه والساخرة منه أيضا. فتراجع عن اتهامه للمفتي أمين الحسيني بالمسؤولية عن والمحرقة والتحريض على اليهود لدى النازيين، وصرح أمس بأن «قرار المحرقة أخذه النازيون ولم يتأثر بأي شخص من الخارج». ونشر نتنياهو على صفحته في «فيسبوك» منشورًا باللغة العبرية والإنجليزية، يبرر فيها تصريحاته السابقة، بعد الانتقادات التي تلقاها من الإسرائيليين، إذ اعتبروها تبرئة لهتلر من المحرقة ومحاولة لإلصاقها بالمفتي، جاء فيه: «لم أقصد في أي حال من الأحوال تبرئة هتلر من المحرقة؛ هتلر والقيادة النازية هم المسؤولون عن قتل ملايين اليهود». وعن المفتي قال نتنياهو في منشوره إن «النازيين لم يروا بالمفتي سوى متعاون، لكنهم لم يحتاجوه أبدًا لاتخاذ قرار القتل الممنهج لليهود الأوروبيين الذي بدأ عام 1941، لكن الحاج أمين الحسيني كان داعمًا للنازية وكان ناشطًا في برلين في زمن الحرب، وجند الكثير من المسلمين لجهاز (إس إس)، وطلب من النازيين أن يبيدوا المستوطنات اليهودية عند وصولهم إلى الشرق الأوسط، ورفض كذلك خروج اليهود الأوروبيين من الدولة النازية، رغم علمه بمصيرهم في حال البقاء».
وقال نتنياهو، في محاولة تبرير تصريحاته السابقة، إنه قصد «إظهار توجهات المفتي الإجرامية تجاه اليهود الأوروبيين ومحاولة نشرها من خلال علاقاته بالقيادة النازية، وعلى عكس ما فسرت أقوالي، لم أقصد أبدًا أن المفتي في لقائه مع هتلر عام 1941 أقنعه بقتل اليهود، هذا كان قرار النازيين وحدهم».
واختتم نتنياهو منشوره بالتحريض على الحاج أمين الحسيني من جديد، وكذلك لربطه بالسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، والتحريض عليهم كذلك قائلاً إن «المفتي كان مجرم حرب تعاون مع النازيين، وهو أول من أطلق الشائعة التي تقول إن اليهود يريدون هدم الأقصى ورفض إقامة دولة يهودية، وعام 2013 امتدحه أبو مازن، وهذا المدح دليل على أن السلطة الفلسطينية ما زالت تتبنى نهج المفتي اتجاه إسرائيل».
كشف خطة إسرائيلية قديمة لاغتيال مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني عام 1948
نتنياهو يتراجع عن اتهاماته للحسيني بعد موجة الانتقادات والمقالات الساخرة
كشف خطة إسرائيلية قديمة لاغتيال مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني عام 1948
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة