وزير خارجية المغرب لـ {الشرق الأوسط}: كان حكيمًا ومدافعًا عن قضايا أمته

الملك محمد السادس يعزي خادم الحرمين الشريفين في وفاة الأمير سعود الفيصل

صورة أرشيفية للأمير الراحل مع محافظ مدينة سلا المغربية والسفير السعودي في الرباط سنة 2004 (غيتي)
صورة أرشيفية للأمير الراحل مع محافظ مدينة سلا المغربية والسفير السعودي في الرباط سنة 2004 (غيتي)
TT

وزير خارجية المغرب لـ {الشرق الأوسط}: كان حكيمًا ومدافعًا عن قضايا أمته

صورة أرشيفية للأمير الراحل مع محافظ مدينة سلا المغربية والسفير السعودي في الرباط سنة 2004 (غيتي)
صورة أرشيفية للأمير الراحل مع محافظ مدينة سلا المغربية والسفير السعودي في الرباط سنة 2004 (غيتي)

بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تعزية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، على أثر وفاة الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز، وزير الخارجية السابق، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية.
ومما جاء في برقية الملك محمد السادس «تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة المشمول بعفو الله، صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز، الذي اختاره الله سبحانه وتعالى إلى جواره في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الفضيل».
وأعرب الملك محمد السادس بهذه المناسبة المحزنة لخادم الحرمين الشريفين، ولكافة أفراد الأسرة الملكية المبجلة، وللشعب السعودي الشقيق «عن أحر التعازي وأخلص المواساة في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، داعينه تعالى أن يلهمكم جميل الصبر وحسن العزاء».
وأضاف ملك المغرب «إننا لنستشعر مدى فداحة فقدان المملكة العربية السعودية الشقيقة أحد كبار رجالاتها الأبرار، الذي كرس حياته لخدمة مصالحها العليا، وأبان طيلة تقلده لمهامه السامية، ولا سيما مسؤولياته الدبلوماسية، عن كفاءة عالية، وحرص شديد مطبوع بغيرة صادقة، في الدفاع عن القضايا العادلة لبلده وللأمة العربية والإسلامية، تحت القيادة الحكيمة لمن عاصرهم من ملوك العربية السعودية الأجلاء».
كما أبرز العاهل المغربي أن المملكة المغربية فقدت فيه «أخا عزيزا ساهم بكل تفان وإخلاص في ترسيخ علاقات الأخوة والتعاون بين المملكتين الشقيقتين، والرقي بها إلى أعلى المستويات، حيث أصبحت مثالا يحتذى به في العلاقات بين دولتين عربيتين إسلاميتين».
وقال الملك محمد السادس مخاطبا خادم الحرمين «وإذ أشاطركم مشاعر الحزن في هذا الخطب الجلل، فإني أسأل الله العلي القدير أن يجزي الراحل المبرور خير الجزاء على ما قدمه من جليل الأعمال، وأن يتغمده بواسع رحمته، ويسبغ عليه أردية رضوانه»، صادقا فيه قوله عز من قائل «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي».
ومما جاء في برقية التعزية أيضا «ضارعا إليه عز وجل أن يحفظكم وأسرتكم الملكية الجليلة من كل مكروه، ويرزقكم موفور الصحة والعافية وطول العمر، وأن يبقيكم ذخرا عظيم الرفعة، وملاذا شديد المنعة لأمتنا العربية والإسلامية، فإنني أرجو أن تتفضلوا، خادم الحرمين الشريفين وأخي الأعز الأكرم، بقبول أصدق مشاعر تعاطفي وتضامني، مشفوعة بأسمى عبارات مودتي وتقديري».
من جهته، قال صلاح الدين مزوار، وزير خارجية المغرب «إن الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، كان نعم الأخ الحكيم المنافح عن القضايا العربية والإسلامية، والنبراس الذي كان يضيء علينا عتمة الطريق ويوجهنا إلى ما هو أفضل في التعامل مع ما يجري بالمنطقة العربية والإسلامية بصفتنا وزراء خارجية عربا ومسلمين داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومحافل دولية وإقليمية أخرى».
ووصف مزوار في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط» الأمير سعود الفيصل، بأنه كان حكيما في آرائه وفي دفاعه عن قضايا بلده والأمة الإسلامية، ونزيها صادقا في مواقفه، وكريما معطاء في نصائحه السديدة لإخوته وأشقائه من وزراء الخارجية في الدول العربية الإسلامية.
وعد مزوار رحيل الأمير سعود الفيصل فاجعة لم تصب فقط المملكة العربية السعودية وحدها، مشيرا إلى أن رحيل الفيصل يشكل خسارة فادحة للمغرب أيضا، وللأمة الإسلامية جمعاء.
وقال وزير خارجية المغرب بهذا الخصوص «لقد فقدنا برحيله أخا وفيا كريما، ظلت تجمعه ببلده الثاني المغرب، وشائج الأخوة الصادقة والتقدير الكبير، فضلا عما كان مشهودا له من غيرة والتزام بالحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة، ودفاع مستميت عن القضايا العادلة لأمتنا».
وعبر مزوار عن أحر تعازيه وأخلص مواساته للمملكة العربية السعودية الشقيقة في هذا المصاب الجلل، الذي لا راد لقضاء الله فيه، متضرعا إلى الباري جلت قدرته أن يشمل الفقيد بمغفرته ورضوانه، ويجزيه الجزاء الأوفى، وأن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم أسرته الصغيرة والكبيرة جميل الصبر وحسن العزاء.
يذكر أن الأمير سعود الفيصل عايش منذ تعيينه عام 1975 على رأس الدبلوماسية السعودية ثمانية وزراء خارجية مغاربة هم أحمد العراقي، ومحمد بوسته، وعبد الواحد بلقزيز، وعبد اللطيف الفيلالي، ومحمد بن عيسى، والطيب الفاسي الفهري، وسعد الدين العثماني، وصلاح الدين مزوار.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن