هناك حالة (مستحقة) من الانبهار والاندهاش للنجاح الياباني اللافت والمميز والمستمر لعقود طويلة جدا من الزمن، وفي مجالات مختلفة ومتعددة، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى سلسلة من القيم والأهداف والمعاني والتوجهات الراقية والاستثنائية، أدت إلى النجاحات التي وصلت إليها اليابان، حتى إن هذا الانبهار الكبير نال الاهتمام الشعبي الهائل عن طريق برنامج الداعية الإسلامي الشاب الناجح أحمد الشقيري، الذي قدم سلسلة حلقات مهمة جدا عن أسباب نجاح اليابان، حظيت بنسبة مشاهدة قياسية، وكانت مثار الحديث والتعليقات من شرائح هائلة في المجتمع لفترة غير بسيطة من الزمن.
إلا أن اليابان فيها سرّ مشين، وهي أنها بلد لديه كراهية غير عادية لكل غريب. الثورة السورية التي انطلقت سلمية بسبب عدوان النظام الأسدي المجرم على أبناء شعبه تسببت في تشرد وتهجير أكثر من تسعة ملايين سوري، هناك أكثر من ثلاثة ملايين منهم آثروا وأجبروا على اللجوء إلى دول الجوار، لكن هناك الآلاف الآخرين الذين اضطروا لطلب اللجوء إلى كل بلد من الممكن اللجوء إليه حول العالم بما في ذلك اليابان. لكن اليابان الدولة العظمى، وصاحبة ثالث أكبر اقتصاد حول العالم، لم تمنح اللجوء إلى أي سوري حتى اليوم، وهذه المعاملة التي تنتهجها اليابان بحق السوريين تتوافق تماما مع أسلوب اليابان في التعاطي مع كل طلبات اللجوء التي ترد إليها من كل العالم. فاليابان لديها سجل مخجل للغاية في ما يخص اللاجئين وطالبي اللجوء إليها من حول العالم. ففي الفترة من عام 2000 إلى عام 2013، منحت اللجوء إليها لعدد بالكاد يتجاوز الثلاثمائة شخص، وهبط هذا الرقم في عام 2014 إلى 11 شخصا، وهذا الرقم يبدو صادما ومذهلا مع الأخذ بعين الاعتبار الأعداد المتزايدة حول العالم من طالبي الهجرة واللجوء للأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية المختلفة، والتي بلغت أعدادا مهمة جدا فاقت الخمسين مليونا بحسب الإحصائيات الدولية الأخيرة، وكان لليابان طلبات لجوء إليها قياسية أيضا تعتبر الأكبر منذ انضمام اليابان لمعاهدة اللاجئين الدولية التابعة للأمم المتحدة الموقعة عام 1981.
ولعل الصادم هنا هو طريقة تعامل السلطات اليابانية مع طالبي اللجوء، فعندما يصلون إلى اليابان يتم عزلهم تماما، وفي بعض الحالات يتم سجنهم، ويكون كل ذلك دون إشراف طبي متواصل بل متقطع، مما يؤدي إلى وفاة بعض الحالات، وهناك بعض الحالات التي أتت من نيجيريا قضت أكثر من 30 شهرا في السجن (وهي مسألة تؤكد العنصرية الزائدة جدا لدى اليابانيين ضد الأفارقة عموما، وهي مسألة معروفة وكانت مبحثا للكثير من القضايا التي رفعت من محاكم ضد الشركات والمؤسسات الحكومية من قبل). وهناك حالات من الغضب والاندهاش والاشمئزاز للرفض الياباني الكامل لكل حالات طلبات اللجوء، التي قدمت من السوريين والتي بلغت 61 حالة، ولم يقبل منها أي طلب، مما أدى إلى تبني بعض المحامين لطلب رفع قضية على الحكومة اليابانية باسم أربعة من السوريين، الذين رُفض طلب اللجوء المقدم منهم، في محاولة منهم لتغيير رأي الحكومة. الحكومة اليابانية ردت مدافعة بأنها من أكبر الدول المانحة لبرامج الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وتأتي تحديدا في المرتبة الرابعة، وأنها منحت نصف السوريين طالبي اللجوء «وضعية خاصة» تسمح لهم بالبقاء لظروف إنسانية من دون أن يكون لهم حق اللجوء.
من المؤكد أن سجل ورصيد اليابان بخصوص استضافة طالبي اللجوء معيب ومخجل، خصوصا عندما تتم مقارنته بالدول الصناعية الكبرى الأخرى مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد وهولندا والدنمارك والنرويج والنمسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان.. الدول التي وفرت الملاذ الآمن لطالبي اللجوء.
اليابان على الرغم من نجاحها المبهر وإرثها الاقتصادي الناجح، فإن تعاملها البغيض مع طالبي اللجوء يأبى إلا أن يفسد هذا النجاح.
اليابان.. انبهار وانزعاج
اليابان.. انبهار وانزعاج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة