تقنيات اليوم.. تلحق بعالم الخيال العلمي

أجهزة اتصالات مطورة ومستشعرات طبية ونظم للطباعة المجسمة

تقنيات اليوم.. تلحق بعالم الخيال العلمي
TT

تقنيات اليوم.. تلحق بعالم الخيال العلمي

تقنيات اليوم.. تلحق بعالم الخيال العلمي

في مكان بعيد عن مجرتنا الكونية، وبعد 300 سنة من اليوم، يتحدث قبطان مركبة الفضاء «ستارشب إنتربرايز» جيمس تي. كيرك إلى ملاحيه عبر جهاز للاتصال، في الوقت الذي يطلب من طبيبه تقييم حالته الصحية عن طريق جهاز يدوي يدعى «المسجل الثلاثي»، ويقوم بتركيب طعامه وإنتاج أغراض أخرى، مستخدما وحدة للنسخ، ويتنقل مسافات قصيرة بواسطة وسيلة نقل. أما خلفاؤه المرشحون لتسلم زمام القيادة بعده، فيعقدون اجتماعات بنظم الواقع الافتراضي في غرف تدعى «هولوديكس»، ويقومون بتشغيل مركبة فضائية جرى الاستيلاء عليها من الغرباء من الأجناس الأخرى، مستخدمين شاشات عرض مركبة أمام جباههم، كل ذلك يجري في المسلسل التلفزيوني «ستار تريك»، الذي هو طبعا من الخيال العلمي.
لكن هذا الخيال العلمي شرع يتحول إلى واقع علمي، فالكثير من التقنيات التي نراها في هذا المسلسل شرعت تتجسد وتتحول إلى حقيقة واقعة، وقد تكون أفضل مما نراه على التلفزيون، من دون أن ننتظر 300 سنة.

* مستشعرات طبية

* لنأخذ مثلا جهاز الاتصال الخاص بالقبطان كيرك، الذي كان بالتأكيد مصدر إلهام بالنسبة إلى الجيل الأول من الهواتف الجوالة الغريبة القديمة العهد ذات الغطاء الذي يمكن قلبه، التي كنا نستخدمها في التسعينات، لكنها تطورت إلى هواتف ذكية أكثر بكثير مما كان ملاحو كيرك يستخدمونها. وجهاز كيرك لم يكن يستقبل، أو يرسل البريد الإلكتروني، أو يشغل الموسيقى، ويتصفح الشبكة، ويوضح الاتجاهات وتحديد المواقع، أو يلتقط الصور، أو التحدث والتغريد إليه، كما يحصل مع نظام «سيري» في «آبل» عندما تسأله السؤال الصحيح، وقريبا ستقوم هواتفنا الذكية أيضا بإضافة ميزات تقييم الوضع الصحي مثلما يقوم «المسجل الثلاثي» من دون أن تكون جهازا منفصلا لذاته.
وكانت «آبل» قد أعلنت عن أن نظام «آي أو إس 8» سيؤمن منصة لبيانات الاستشعار الطبي، التي يمكن عرضها عن طريق تطبيق يدعى «هيلث»، وتتسابق كل من «غوغل»، و«مايكروسوفت»، و«سامسونغ»، وغيرها في تشييد منصاتها الخاصة وأجهزتها الطبية، وقريبا سنرى جيلا جديدا من الأجهزة التي يمكن ارتداؤها أشبه بالأساور، والساعات، والملابس التي تستخدم مستشعرات خارجية للقيام بتخطيط القلب، وقياس درجة حرارة أجسامنا، وكمية الأكسجين بالدم، وغيرها من الإشارات الحيوية، وهذه ستختفي ليحل محلها مستشعرات أقل ظهورا تشبه الرقع التي توضع على الجلد، أو الوشم، وأخيرا الشرائح الصغيرة التي تبيت بأجسامنا، كذلك ستكون هنالك كاميرات، ومستشعرات للحرارة والغاز، ومستشعرات صوتية في حماماتنا، ومطابخنا، وغرف جلوسنا، التي تقوم بصورة مستمرة برصد حالتنا الصحية وأسلوب حياتنا ومراقبتهما.
والذي يجعل هذه المستشعرات الصحية ممكنا، هو التصغير الميكروي الشديد للعناصر الآلية (MEMS) عن طريق تقنية التصنيع الدقيق، والتقدم المشابه في السوائل الدقيقة سيؤدي أيضا إلى تطوير مختبرات في رقائق إلكترونية بحجم طابع البريد. فشركة «نانوبايوسيم» على سبيل المثال، تقوم بتطوير جهاز يدعى «جين - رادار» (GENE - Radar)، يمكنه خلال دقائق تمييز مجموعة من الأمراض، بما فيها الإيدز، والملاريا، والسل، والسرطان.
ومثل هذه الآلات ستكون متوافرة في كل الأمكنة لتتعرف فورا على مجموعة واسعة من علامات الأمراض، وخلافا إلى جهاز «المسجل الثلاثي» في المركبة «ستار تريك» الذي يستخدم بين الحين والآخر، ستقوم هذه الآلات بمراقبة أجسامنا بصورة دائمة.

* طباعة مجسمة

* وعندما تلاحظ التقدم الحاصل سلفا في الطباعة بالأبعاد الثلاثة ستدرك أن ذلك نتيجة وحدة النسخ الموجودة على متن مركبة «ستارشب»، وبمقدور الطابعات الثلاثية الأبعاد إنتاج أشكال من البلاستيك، والمعدن، والزجاج، والتيتانيوم، والخلايا البشرية، وحتى قطع وقوالب الشيكولاته، انطلاقا من أي تصميم، وطابعات اليوم الثلاثية الأبعاد هي بطيئة للغاية، وتستغرق ساعات لطباعة علبة صغيرة كعلبة الخبز مثلا، لكنها خلال عقد من الآن ستصبح شائعة الاستخدام، وسريعة، ورخيصة السعر تماما، كطابعات ليزر اليوم، وخلال عقدين سنتمكن من طباعة وجبات طعامنا بالأبعاد الثلاثة، علاوة على أجهزتنا الإلكترونية.
ولدينا سلفا قدرات «ستار تريك» الفيديوية لإجراء الحوارات، فبدلا من وجود شاشات كبيرة غير فعالة كثيرا، كالتي يستخدمها الضباط والعاملون في «ستار تريك»، نستخدم حاليا تطبيقات «فايستايم» و«سكايب» المجانية، التي تعمل على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. أما مؤتمرات الفيديو على شاكلة «هولوديك»، فأضحت ممكنة أيضا منذ سنوات عدة، فقد تحدثت عبر «هولوغرام» في عام 2011 مع مجموعة من رجال الأعمال في أورغواي مستخدما هذه التقنية ،التي قامت شركة صغيرة هناك تدعى «هولوغرام» بتطويرها، وتعمل هذه التقنية على طريقة بث صورة للشخص المتحدث، كما لو أنها طيف سابح في الهواء، تماما كالمشاهد التي نراها في أفلام حرب النجوم.
وتطور شركات جديدة ناشئة مثل «أوكيلوس» التي اشترتها «فيسبوك» أخيرا، نظارات للواقع الافتراضي التي تحاكي العالم الحقيقي، في حين تطور شركات أخرى آلات عرض ثلاثية الأبعاد تظهر الصور على الشاشة، كما لو أنها مجسدة وموجود هناك حقيقة، ومثل هذه التقنيات لا تزال بعد في مرحلة البداية، ولكن راقبها تنمو وتكبر وتضيف إليها سمات اللمس والشم، وسيمكن التلاقي في هذا الواقع الافتراضي، والشعور بأننا هناك فعلا.

* مترجم كوني

* أما بالنسبة إلى المترجم الشامل الذي يقوم القبطان كيرك باستخدامه للتحدث إلى الأجناس الغريبة الأخرى من المخلوقات، فهو لا يزال أيضا في طور التطوير، فـ«غوغل ترانسلايت» يقوم بعمل جيد على صعيد ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى، وفي أوائل العام الحالي عرضت «مايكروسوفت» مترجما صوتيا بالزمن الحقيقي يعمل على «سكايب».
وكان العلماء قد أعلنوا أخيرا أنهم حققوا اختراقات على صعيد «تحريك تخاطر الكم» ((quantum teleportation، كما تمكنوا من تحقيق بعض الأمل على صعيد نقل المعلومات كميا، أي إظهار نسخ من الحالة المتحركة للإلكترونات بين مكان وآخر، عن طريق الاتصال النفقي الكمي، من دون بث المادة أو الطاقة وإرسالها عبر الحيز أو الفضاء الفاصل.
وهذا أدى إلى عقد الآمال في إننا سنرى في يوم من الأيام وسيلة نقل تشبه تلك الموجودة في مسلسل «ستار تريك»، يمكنها بث ذرات أجسامنا من مكان إلى آخر، غير أنه قد يكون من الصعب تحقيق ذلك، أو رؤية تفكك ذراتنا في مكان ليعاد جمعها في مكان آخر، لكن ما أخشاه دائما هو الفيروسات التي ستضرب برامجنا وأجهزتنا الكومبيوترية، التي رأيناها أيضا في «ستار تريك»، والأمر الذي يعجبني أيضا هو السيارة الذاتية القيادة التي ستتوافر تجاريا في نهاية العقد المقبل.
يبقى أن أهم غرائب «ستار تريك» هو مركبة الفضاء «ستارشب إنتربرايز» التي قد تكون أيضا في طريقها إلينا، فقد صرح ألون مسك أنه ينوي التقاعد في المريخ، فهو يفكر عن طريق شركته «سبايس إكس» التي تبني المركبات الفضائية، والصانعة لسيارة «تيسلا» الكهربائية الشهيرة، تشييد مركبة فضائية على غرار «إنتربرايز»، وما علينا سوى الانتظار.

* خدمة «واشنطن بوست».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً