ستكون الأنظار شاخصة اليوم إلى «أرينا دي ساو باولو»، في مدينة ساو باولو، الذي يحتضن موقعة نارية بين المنتخبين الأرجنتيني والهولندي، اللذين يتقارعان على حلم طال انتظاره كثيرا، وذلك في الدور نصف النهائي من مونديال البرازيل 2014. ويدخل الطرفان هذه المواجهة المرتقبة وكل منهما يدرك أن الفوز بها سيفتح الباب أمامه لتحقيق حلم لطالما لهثا خلفه، فالأرجنتين لم تفز باللقب منذ 1986، وهولندا لم تدخل حتى إلى نادي الأبطال رغم الأجيال الرائعة التي مرت لديها عبر السنين وقادتها إلى الخطوة الأخيرة، حيث سقطت ثلاث مرات آخرها في النسخة الأخيرة عام 2010 في جنوب أفريقيا حين ذهب الحلم أدراج الرياح بهدف قاتل من الإسباني أندريس إنييستا في الدقيقتين الأخيرتين من الشوط الإضافي الثاني.
ومن المؤكد أن هذه المواجهة تعيد إلى الأذهان نهائي عام 1978، حين خرجت الأرجنتين فائزة بعد التمديد بثلاثة أهداف لماريو كامبيس (هدفان) ودانييل بيرتوني، مقابل هدف لديك نانينغا. ورغم أن هولندا تمكنت من تحقيق ثأرها عام 1998 بفوزها على الأرجنتين 1/2 في الدور ربع النهائي، فإن حسرة خسارة النهائي الثاني على التوالي بالنسبة لمنتخب «الطواحين» ليست بالأمر الذي يمكن تناسيه بسهولة، وبالتالي سيدخل رجال المدرب لويس فان غال إلى هذه المواجهة وهم يبحثون عن تحقيق ثأر عمره 36 عاما على الأرجنتينيين الذين يوجدون في دور الأربعة للمرة الأولى منذ 1990. ويمكن القول إن ساعة الحقيقة دقت أمام الأرجنتين ونجمها الكبير ليونيل ميسي، بعد أن تمكن المنتخب الأرجنتيني من تخطي عقدته مع الدور نصف النهائي بتغلبه على بلجيكا الواعدة بهدف سجله غونزالو هيغواين.
وأصبحت الفرصة متاحة الآن أمام الأرجنتين التي ستفتقد خدمات لاعب مؤثر جدا هو أنخيل دي ماريا بسبب الإصابة، لكي تقول «لقد عدت مجددا بين الكبار»، لأنها على بعد 90 دقيقة من النهائي الخامس في تاريخها. ودائما ما كانت الأرجنتين مرشحة للفوز باللقب العالمي لكن «عدادها» توقف عند تتويجين في 1978 مع ماريو كامبس و1986 مع دييغو مارادونا الذي كاد يقودها إلى لقب ثالث عام 1990 لكن المنتخب الألماني حرمها منه بالفوز عليها في النهائي. وهنا يأتي دور ميسي الساعي إلى الانضمام لهذين الأسطورتين بعد أن عجز عن ذلك سابقا، حيث توقف مشوار الأرجنتين عند الدور ربع النهائي عامي 2006 و2010، وفي المرتين أمام ألمانيا، بركلات الترجيح (1/1 في الوقتين الأصلي والإضافي) وبرباعية نظيفة على التوالي. ويمكن القول إن ميسي ارتقى أخيرا إلى مستوى المسؤولية التي وضعت على عاتقه منذ أن سلمه شارة القائد المدرب السابق مارادونا، الذي قال علنا إن «ليو» هو خليفته، إذ لعب دورا حاسما في وجود بلاده هنا بعدما سجل أربعة أهداف مصيرية ضد البوسنة (1/2) وإيران (1/صفر) ونيجيريا (2/3)، إضافة إلى تمريرة كرة الهدف الذي سجله أنخيل دي ماريا ضد سويسرا (1/صفر) في الدور الثاني.
أما بالنسبة لهولندا، فتبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى لكي تفك عقدتها مع النهائيات العالمية بقيادة مدرب محنك بشخص لويس فان غال، وبتشكيلة متجانسة بين مخضرمين وشبان واعدين. لقد وقفت هولندا ثلاث مرات عند حاجز النهائي، فخسرت أمام مضيفتها ألمانيا الغربية 2/1، في زمن «الطائر» يوهان كرويف عام 1974، ثم النهائي التالي على أرض الأرجنتين، قبل أن تتخطى البرازيل في ربع نهائي النسخة الماضية ويقهرها أندريس إنييستا في الدقائق الأخيرة من النهائي.
عندما قاد المايسترو رينوس ميتشلز هولندا من دكة البدلاء في سبعينات القرن الماضي، ترجم الهولندي الطائر يوهان كرويف فلسفته، فاخترع منتخب الطواحين كرة شاملة استعراضية لا تزال عالقة في الأذهان، أورثتها لاحقا لتشكيلات أياكس أمستردام وبرشلونة وغيرهما، وترجمها الثلاثي ماركو فان باستن ورود خوليت وفرانك ريكارد مع ميلان الإيطالي.
وفي تصفيات 2014، ضربت هولندا بقوة كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، فحصدت 28 نقطة من 30 ممكنة في طريقها إلى البرازيل، بينها فوز ساحق على المجر 1/8، فكانت أول المتأهلين إلى بلاد السامبا، ثم بدأت مشوارها في النهائيات باستعراض ناري أمام إسبانيا حاملة اللقب، وثأرت شر ثأر من الأخيرة باكتساحها 1/5، لكنها عادت بعدها لتعاني بعض الشيء أمام أستراليا (2/3) ثم تشيلي في مباراة هامشية للمنتخبين (2/صفر)، قبل أن تتخلص من المكسيك في الدور الثاني بصعوبة بالغة 1/2 بعد أن كانت متخلفة حتى الدقيقة 88. وفي الدور ربع النهائي، قدم الهولنديون أداء هجوميا رائعا أمام كوستاريكا لكن الحظ والحارس كيلور نافاس وقفا بوجههم، مما اضطرهم للجوء إلى ركلات «الحظ» الترجيحية. وأنهى المنتخب الهولندي مغامرة نظيره الكوستاريكي عندما تغلب عليه 3/4 بركلات الترجيح.
ويؤكد ديرك كاوت، الذي ضحى بنفسه ولعب في مركز الظهير الأيمن عوضا عن مركزه الطبيعي في الوسط الهجومي أو الهجوم، أنه رغم اضطرار الفريق لخوض ركلات الترجيح أمام كوستاريكا فإنه كانت لكتيبة الطواحين اليد العليا. «أظهرنا إمكاناتنا.. وأعتقد أننا لعبنا مباراة جيدة، لكن الكرة لم ترغب أن تدخل المرمى»، هذا ما قاله كاوت لموقع الاتحاد الدولي «فيفا»، مضيفا «بالنظر إلى الأماكن التي تمركز فيها المهاجمون، فإنه كان بوسعنا إحراز خمسة أو ستة أهداف. لكن هذه هي كرة القدم. أنا فخور بهذا الفريق لأننا لم نستسلم للحظة، لا في الوقت الأصلي ولا في الوقت الإضافي، كما لم نستسلم في ركلات الترجيح».
أما في ما يخص مواجهة الأرجنتين، فقال كاوت «الأرجنتين فريق من طراز عالمي، وهم يستحقون الوجود في المربع الذهبي، لكننا نرغب في اختبار أنفسنا ضد أفضل المنتخبات، ويجب أن نفوز أيضا. ولهذا السبب نحن هنا. الوجود في الدور قبل النهائي أمر رائع، ونحن ندرك شعور خسارة كأس العالم، ونرغب في انتزاع اللقب هذه المرة، فهذا هدفنا». أما بالنسبة لفان غال فهو اعتبر بعد المباراة أمام كوستاريكا أنها «أفضل مجموعة عملت معها من ناحية الروح الجماعية والتعاضد. لقد تدربنا على ركلات الترجيح. أعتقد أنه عندما تعتاد على تنفيذ الركلة الترجيحية بشكل معين فستكون مرتاحا عندما تنفذ محاولتك».
وستكون مواجهة ساو باولو الخامسة بين المنتخبين في نهائيات كأس العالم، التي تسعى الأرجنتين إلى بلوغ مباراتها النهائية للمرة الخامسة (1930 و1978 و1986 و1990)، وتعود المواجهة الأولى إلى الدور الثاني من مونديال 1974 حين خرجت هولندا يوهان كرويف فائزة برباعية نظيفة، أما الثانية فكانت في نهائي 1978 (1/3 للأرجنتين بعد التمديد)، والثالثة في ربع نهائي 1998 (1/2 لهولندا)، والرابعة في الدور الأول عام 2006 (صفر/صفر). وتواجه الطرفان في أربع مناسبات ودية أيضا وفازت هولندا مرتين وتعادلا في المباراتين الأخريين، مما يعني أن هولندا تتفوق تماما في المواجهات المباشرة بأربعة انتصارات مقابل ثلاثة تعادلات وهزيمة واحدة لكنها كانت في المباراة الأكثر أهمية بينهما، أي في نهائي 1978.
لكن تفوق هولندا لا يعني شيئا، وكذلك الأمر إحصائية أن الأرجنتين وصلت دوما إلى النهائي في كل مرة تخطت فيها ربع النهائي، لأن ملعب «أرينا ساو باولو» هو الذي سيحدد من سيحصل على بطاقة النهائي بين منتخبين يضمان بين صفوفهما بعضا من أفضل نجوم الكرة في العالم كـ«النفاثة» آريين روبن وويسلي شنايدر والقائد روبن فان بيرسي وكاوت من الجهة الهولندية، مقابل ميسي وهيغواين وايزيكييل لافيتزي وخافيير ماسكيرانو الذي اعتبر أن على منتخب بلاده «التمسك بالحلم الذي يراودنا لأننا أخذنا الأرجنتين إلى مكان لم توجد فيه منذ فترة طويلة». وتابع لاعب برشلونة «هذه الفرص لا تحصل إلا قليلا، ويجب الاستفادة منها. لم نخض هذه المباراة (نصف النهائي) منذ 24 عاما، وكنا محظوظين لنكون بين الذين حققوا هذا الإنجاز، لكن تحقيقنا لهذا الأمر رفع من حجم توقعات المشجعين. وحده القدر سيقرر أين سننتهي في كأس العالم هذه».
الأرجنتين لحصد لقب ثالث طال انتظاره.. وهولندا لفك عقدة النهائيات
موقعة نارية بين منتخب التانغو الساعي لاختبار ثقته في مواجهة الطواحين بنصف النهائي اليوم
الأرجنتين لحصد لقب ثالث طال انتظاره.. وهولندا لفك عقدة النهائيات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة