يعتبر مهاجم فرنسا السابق مصدر إلهام للاعبي بلجيكا لكنه لن يضع نفسه في دائرة الضوء مع اقتراب المواجهة ضد فرنسا في الدور قبل النهائي لكأس العالم
عندما بدأت بلجيكا مشوارها في كأس العالم بدا أن هناك مدربا ينافس على مكان في التشكيلة الأساسية ففي سباقات السرعة كان حاضرا بقوة وفي الإحماء قبل المباراة لم يفقد الكرة تقريبا ويمكن مشاهدة أنه يحافظ على نفسه ونظامه الغذائي.
اسمه؟ بالتأكيد تييري هنري وهذه التفاصيل تعزز وضع مهاجم أرسنال السابق كمثل أعلى في إعداد بلجيكا وتساعد على جعله همزة الوصل المثالية بين اللاعبين والجهاز التدريبي.
لكن فجأة ظهرت بعض الأمور الأخرى للتفكير فيها فهذا الأسبوع دُفع هنري إلى موقف سيحاول فيه مساعدة هذه المجموعة من اللاعبين على الفوز على بلاده التي لعب لمنتخبها 123 مباراة دولية بالإضافة إلى فوزه معها بكأس العالم ويورو 2000.
ووجود هنري على مقاعد بدلاء بلجيكا في الدور قبل النهائي ضد فرنسا يوم الثلاثاء أدى إلى حديث بعض أعضاء المنتخب الفرنسي عن الأمر.
وقال ديدييه ديشان مدرب فرنسا لمجلة تيليفوت "إنه أمر غريب".
وكان أوليفييه جيرو أكثر صراحة عندما قال "سأكون فخورا بإثبات أن تيتي (يقصد هنري) اختار المعسكر الخاطئ".
ويؤمن مهاجم فرنسا أنها ستكون "مباراة غريبة الأطوار" لهنري.
لكن ما سيفعله هنري ما زال غامضا فكل طلبات إجراء مقابلة والمطالب بحضوره مؤتمر صحفي تم رفضها تماما ويفضل ترك الآخرين يتحدثون ولا يريد المهاجم السابق البالغ عمره 40 عاما أن يخطف الأضواء من هؤلاء الذين سيكون لهم تأثير كبير على الأداء.
ولا يوجد أي شخص في معسكر منتخب بلجيكا يملك سمعة ثرية مثل مهاجم أرسنال السابق فهو الأكثر فوزا بالبطولات بين الجهاز التدريبي إذ حصد لقب دوري أبطال اوروبا وخمسة ألقاب في الدوري الإنجليزي والإسباني بالإضافة إلى ألقابه الدولية مع فرنسا وكان وما زال محبوبا من الملايين المشجعين ويمثل صورة للسحر وخفة الدم والذكاء والموهبة.
حتى في روسيا بعد 20 عاما من فوزه بكأس العالم يمكن الشعور بهالة الضوء حوله ويشعر الصحفيون الذين يقومون بتغطية أخبار بلجيكا بالإنزعاج من الأمر ففي كل مؤتمر صحفي يتكرر السؤال.
فأي صحفي فرنسي أو بلجيكي أو هولندي أو إسباني أو انجليزي يطلب توجيه سؤال إلى لاعب حول مساعد المدرب الثاني لمنتخب بلجيكا "كيف تشعر بوجودك في الملعب معه؟" و"ما الذي يضيفه إلى أسلوبك في اللعب؟" و"هل تساعد خبرته في المسيرة نحو النهائي؟".
ففي الأسبوع الماضي كانت هناك الكثير من التكهنات بين الصحفيين لكن الأمر أصبح أكثر سوءا الآن فقد بدأت مباراة تييري هنري.
وفي الوقت المتبقي قبل انطلاق مواجهة فرنسا وبلجيكا فالأضواء ستكون مسلطة على مدرب بلجيكا المساعد والعدو المؤقت فرنسا فسمعته وجنسيته وماضيه أبعدته عن الظل وفي لحظة سابقة كان يستمتع بدوره في الخفاء.
وانضم هنري إلى الجهاز التدريبي لبلجيكا في 2016 بعد أسابيع قليلة من تعيين المدرب روبرتو مارتينيز ومنذ ذلك الحين أجرى مقابلة واحدة كانت مع تلفزيون بلجيكي شدد خلالها على إنه يريد البقاء في الخفاء.
وقال "أنا لست مدرب المنتخب أو حتى مساعد المدرب. أنا المدرب الثالث. منذ البداية قلت إنه على الجميع الحفاظ على هدوئهم. فهذا ليس عرض تييري هنري. أنا هنا لمساعدة المدرب والمنتخب. المدرب هو من سيتحدث وأنا ساحاول مساعدة الفريق على أن يكون أفضل. كمدرب ليس عليك الحديث عما فعلته كلاعب في الماضي. وكمدرب لم أثبت أي شيء بعد".
وهذا الشيء أوضحه تماما للاتحاد البلجيكي عندما توصلا لإتفاق في أغسطس/آب 2016 في موناكو.
وأراد الاتحاد لمساعدة مارتينيز ومساعده الأول الانجليزي جريم جونز مدربا يملك خبرة كبيرة كلاعب فاز بالبطولات وينقل خبرته وعقلية الفوز إلى هذا الجيل من اللاعبين.
وفي بداية عملية البحث عن من يخلف المدرب مارك فيلموتس ذكر رالف رانجنيك – مدير كرة القدم في لايبزيج الالماني وأحد ثلاثة مرشحين في ذلك الوقت – أن هنري مهتم بالانضمام إلى بلجيكا.
وقال رانجنيك إنه لو حصل على المنصب فهنري سينضم إليه كمساعد مدرب لكنه لم يحصل على الوظيفة لكن مارتينيز رحب بالمقترح بوجود هنري في الجهاز التدريبي.
ولم يخف مسؤولو الاتحاد البلجيكي أن هنري يحصل على خبرة العمل من أجل الحصول على رخصة التدريب وسُمح له بالاحتفاظ بوظيفته ذات الراتب الجيد كمحلل في شبكة سكاي فيما كانت مطالبه بسيطة إذ يحصل على 2500 يورو (2200 جنيه استرليني) في الأسبوع ويبدو أنه يتبرع براتبه للأعمال الخيرية.
وعلى العكس من مارتينيز الذي وقع عقدا جديدا لمدة عامين قبل انطلاق كأس العالم رفض هنري عرضا بالاستمرار ويأمل الاتحاد البلجيكي في تمديد عقده أيضا.
وعندما تم تقديم هنري إلى اللاعبين في فندق في زافنتيم في سبتمبر أيلول 2016 شعر البعض بسعادة بالغة بمقابلته فقد كان واحدا من المثل الأعلى في طفولة بعضهم مثل كريستيان بنتيكي وميشي باتشواي اللذين كانا يعلقان صورته على الحائط.
وقال مصدر في الاتحاد البلجيكي "كان يجب أن ترى وجوههم. ردود فعل لا تقدر بثمن".
ونشر باتشواي المهووس بمواقع التواصل الاجتماعي صورته مع هنري "أتعلم من الأفضل".
ويعمل هنري كمعلم أيضا داخل الفريق فهو يتحدث دائما مع المهاجمين عن تحركاتهم وتمركزهم ففي واحد من أول الاجتماعات طلب من إيدن ازار وروميلو لوكاكو وزملائهم عرض مقاطع فيديو ثم أعطاهم ملاحظاته.
ولا يصطنع هنري الباحث عن الكمال كلماته فيمكن أن يكون حادا وصريحا مع اللاعبين وتساعدهم حيله البسيطة ويستمع اللاعبين الشبان في الفريق بشكل خاص لكل ما يقوله.
وكان لوكاكو أول من يطرق بابه فلديهما الشخصية ذاتها وعلاقتهما طبيعية للغاية.
وقال لوكاكو "أبلغت تييري هنري أنني راقبت أسلوبه لتسجيل الأهداف. لم أصل بعد إلى ذلك لكني سأصل".
ويتقابلان أيضا في انجلترا وقال لوكاكو "نتناقش حول ما الذي استطيع فعله بشكل أفضل. تحدثت معه أيضا عن بعض مبارياته السابقة. على سبيل المثال موسم 2005-2006 مع ارسنال. يمكنني الحديث عنها كلها ثم يتحدث عن التفاصيل في مبارياتي ونبحث سويا عن وسيلة استطيع التحسن بها. أتعلم منه كل يوم. أسلوب تحركاته وكيف يعثر على مساحات والسيطرة على الكرة بأفضل طريقة ممكنة. يستطيع فعل كل شيء. تعلمت منه الكثير".
وكمدرب فهنري في المقام الأول مراقب فهو يعتني بالركلات الثابتة في الهجوم وفي تدريبات الفريق كله يظل في الخفاء ويتحدث الآخرون وبينما ينتظر ترك اللاعبين أرض الملعب يداعب الكرة.
وقال دريس ميرتنز "أعتقد أنها مدرسة بالنسبة له فهذه أولى أعوامه في التدريب".
ومع اللاعبين ما زال هنري يفضل التصرف كواحد منهم وشوهد يلعب كرة السلة مع أزار وبنتيكي ويشاهد المباريات مع فينسن كومباني الذي حمله في الهواء بعد الفوز على البرازيل ويلقي بالنكات أيضا.
وقال يوري تيليمانس "إنه مثل أعلى للجميع في المجموعة. شخص يحب الضحك ولديه عقلية أنه ما زال لاعبا".
لكن هل سيضحك لو ساعد بلجيكا على قتل أحلام فرنسا؟