في أي رياضة تعبر الجماهير عن احترامها لمنافس أو حتى فريق محايد بالتصفيق أو بالوقوف ومؤخرا عندما يفوز فريق ما ببطولة ربما يقف المنافس ممرا شرفيا له أو يتبادل اللاعبون بعض الكلمات.
لكن الجماهير التي نزلت إلى أرض ملعب الأزتيكا المكسيكي في 1970 عقب المباراة النهائية للمونديال مع إيطاليا والتي انتهت 4-1 لم تكن تسعى إلا لشيء واحد وهو الحصول على أي تذكار من لاعبي البرازيل الفائزين بكأس العالم.
ولا يهم ما إذا كان هذا التذكار عبارة عن قميص أو سروال أو حتى جوارب الأهم هو عدم الخروج من الملعب إلا بشيء من هذا الفريق الذي ربما يمثل يوتوبيا منتخبات وفرق كرة القدم في العالم.
يتحدث البعض عن قوة برشلونة تحت قيادة بيب جوارديولا والمنتخب الإسباني في الفترة من 2008 وحتى 2012 أو ذكاء ريال مدريد في أخر ثلاث سنوات في دوري أبطال اوروبا أو الالتزام الإيطالي والألماني أو طاحونة يوهان كروييف الهولندية في 1974 و1978 لكن لا يجرؤ أي مشجع حقيقي على مقارنة كل هؤلاء بالبرازيل 1970.
عندما انطلقت كأس العالم لم يكن الحديث سوى عن من سيقابل البرازيل في النهائي وذلك ليس بسبب عدم تأهل الارجنتين إلى النهائيات للمرة الوحيدة في تاريخها أو ضعف المنتخبات الأخرى لكن لأن البرازيل كانت تملك التشكيلة الأكثر تكاملا في تاريخ كأس العالم.
ربما كان فيلكس حارس مرمى البرازيل هو الحلقة الأضعف في هذا المنتخب لكن بلاده لم تشتهر بتقديم حراس جيدين سوى في تسعينيات القرن الماضي وفيما بعد ذلك.
ولم يكن من المهم وجود حارس عظيم مع قائمة البرازيل في ذلك الوقت بل كان يمكن تقبل أن تكون لديه أدنى مقومات حارس المرمى.
البرازيل لم توجه تحذيرا للآخرين منذ مباراتها الأولى في البطولة بل في التصفيات عندما فازت على كولومبيا وباراجواي وفنزويلا في ست مباريات وأحرزت خلالها 23 هدفا فيما اهتزت شباكها مرتين فقط.
ضربة البداية
وفي أولى مبارياتها في المكسيك فازت 4-1 على تشيكوسلوفاكيا بفضل هدفين من جيرزينيو فيما أحرز بيليه هدفا واحدا وأضاف ريفيلينو هدفا آخر.
وربما يكون جيرزينيو الذي أشعل مدرجات ملاعب المكسيك ضمن سيرك المدرب زاجالو منحوسا فهو اللاعب الوحيد الذي تمكن من التسجيل في كل مباراة من مباريات فريقه في البطولة لكن ذلك لم يكن كافيا لاقتناص لقب هداف البطولة بعدما أحرز الالماني غيرد مولر عشرة أهداف.
وحسم جيرزينيو المواجهة مع إنجلترا حاملة اللقب وربما لا يتذكر الكثيرون الهدف لكن بالتأكيد لا أحد ينسى التصدي الخرافي للحارس الإنجليزي جوردون بانكس لضربة رأس من بيليه.
وقال بانكس (80 عاما) عن هذه الكرة "عندما أرحل عن هذا العالم سيكون هذا التصدي عالقا في ذاكرة الكل أكثر من فوزنا بكأس العالم 1966".
واختتمت البرازيل مجموعتها في الصدارة بعد الانتصار 3-2 على رومانيا ثم تغلبت 4-2 على بيرو في دور الثمانية ثم 3-1 على اوروغواي في الدور قبل النهائي.
والملاحظ أن البرازيل لم تحافظ على شباكها سوى في الفوز 1-صفر على انجلترا في دور المجموعات ولم يكن هذا مهما بالنسبة لها فهي تملك مجموعة من لاعب الوسط والهجوم القادرين على هم شباك أي منافس في أي وقت.
وفي النهائي ربما كانت ايطاليا مرهقة بعد الفوز 4-3 على المانيا فيما يعرف بأنها مباراة القرن لكن حتى لو كانت في حالتها لكان من الصعب إيقاف البرازيل.
كنت مخطئا
وقال تارتشيزيو بورنيتش مدافع ايطاليا في 1970 والذي كان مكلفا بمراقبة بيليه "قبل المباراة قلت لنفسي إنه لاعب مثل أي لاعب آخر من دم ولحم... لكني كنت مخطئا".
ويمثل الهدف الرابع للبرازيل في مرمى إيطاليا الذي سجله كارلوس ألبرتو يوتوبيا كرة القدم وكان يمكن اختياره بسهولة أفضل هدف في تاريخ كأس العالم لولا ما فعله دييجو أرماندو مارادونا في 1986 في مرمى إنجلترا.
الكرة مررها سبعة لاعبين من البرازيل بعد أن خطفها توستاو، الذي خاض البطولة وهو يعاني من مشكلة في عينيه تسببت في اعتزاله بعمر 27 عاما، قبل أن تصل إلى كارلوس البرتو وكان بيازا وإيفرالدو هما فقط من لم يلمسا الكرة بالإضافة إلى الحارس فيلكس.
وقال كارلوس ألبرتو صاحب الهدف "أيطاليا كانت تهاجم من الناحية اليمنى وعاد توستاو لخطف الكرة قبل أن يمررها إلى كولدوالدوثم إلى بيليه ومنه إلى جيرسون".
وراوغ كولدوالدو أربعة لاعبين قبل أن يمررها إلى ريفلينو ثم إلى جيرزينيو ومنه إلى بيليه.
المدرب زاجالو كان قد طلب من جيرزينيو محاولة الدخول إلى عمق الملعب لو اتيحت الفرصة لكي يجبر جياتشينو فاكيتي الظهير الأيسر لايطاليا على ترك مركزه ويحصل كارلوس البرتو على مساحة.
وأضاف كارلوس البرتو "قبل أن تصل الكرة إلى بيليه شاهدني وأنا أركض في الناحية اليمنى. عندما وصلته انتظر حتى مرر كرة مثالية ولم يكن علي سوى التسديد".
أبولو 11
وفي 2007 قبل انطلاق حقبة برشلونة وإسبانيا أجرت مجلة "ورلد سوكر" تصويتا بين خبراء كرة القدم الذين اختاروا منتخب البرازيل 1970 كأفضل فريق في التاريخ.
وفي العام التالي قاد جوارديولا برشلونة للهيمنة على أوروبا وبدأت إسبانيا سيطرتها لمدة أربع سنوات نالت خلالها يورو 2008 و2012 وكأس العالم 2010.
لذا ففي 2012 بدأت المقارنات بين البرازيل وبرشلونة واسبانيا وهو أمر محبب لوسائل الإعلام ورغم أنها ما زالت بدون نتيجة نهائية فسيظل رفاق بيليه هم القدوة.
يقول الصحفي غاري جينكينز في كتابه "ذا بيوتيفل تيم.. البحث في بيليه وفريق 1970 البرازيلي" الذي أصدره في 1998 "كان من الطبيعي أن يصل بيليه ورفاقه إلى غرف معشيتنا في العام التالي للصعود على القمر (في الإشارة إلى رحلة أبولو 11). بيليه وجيرزينيو وتوستاو وجيرسون وكارلوس البرتو وريفلينو وكولدوالدو يتشاركون مع نيل ارمسترونج أكثر من مجرد رقم. كانوا بعد أبولو 11 الحدث الأعظم في عالم البث التليفزيوني".
وأضاف "كانت أسماؤهم تتوافق مع مكان بث البطولة في امريكا اللاتينية عبر القمر الصناعي. من المباراة الأولى ضد تشيكوسلوفاكيا كان من الواضح أننا أمام مجموعة من الزائرين القادمين من عالم اخر".