مشروع قانون في السودان يمنح الدولة سلطة «إعدام» المطبوعات

مخاوف من طغيانه على الحريات وتقييده للأقلام في حال إجازته

مشروع قانون في السودان يمنح الدولة سلطة «إعدام» المطبوعات
TT

مشروع قانون في السودان يمنح الدولة سلطة «إعدام» المطبوعات

مشروع قانون في السودان يمنح الدولة سلطة «إعدام» المطبوعات

تداول سري وراء أبواب مغلقة وبعيدا عن أعين أهل الصحافة في السودان قد يدر بإجازة قانون جديد يقيد عملهم. لحظات توتر حرجة يعيشها الصحافيون والناشرون والنشطاء المدنيون خوفا من قانون جديد للصحافة يتيح سلطات «كبيرة» لمجلس الصحافة والمطبوعات الحكومي. سلطات، بحد وصف أهل المهنة، تشمل إصدار وإيقاف الصحف وفرض عقوبات إدارية عليها وعلى الصحافيين. العقوبات قد تصل لحد وقف صدور الصحيفة وشطب الصحافي من السجل كلياً من دون الرجوع للقضاء.
وتقول تحليلات إن التعديلات الجديدة في حال إجازتها، ستكون قيداً جديداً شديد الوطأة على الحريات الصحافية في البلاد، يضاف للقوانين الأخرى المنتهكة للصحافة وحرية التعبير مثل «قانون الأمن الوطني»، وتتابع بأن إجازة تعديلات القانون ستلقي بـ«سقف الحريات الواطئ» على رؤوس الصحافيين، ويفسح محالاً واسعاً للسودان ليجلس «مرتاحاً» ليس على رأس قائمة الدول الأسوأ في حرية الصحافة - في المركز 174 من 180 بحسب مؤشر مراسلون بلا حدود – بل في قاعدتها محققاً الدرجة الكاملة.
«الشرق الأوسط» حصلت على نسخة من مقترحات التعديلات على «قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2017»، وعلمت أن أهمها يتمثل في تعريف مصطلح «الصحيفة». فبعد أن كان القانون القديم ينص على أن الصحيفة «أي سطح يحمل كتابة أو تسجيلاً للعرض العام»، أضاف التعديل الجديد بعد كلمة سطح «ورقي أو إلكتروني» قاصداً بذلك شمول التعريف للصحف الإلكترونية غير الورقية. وعرّف التعديل النشر الإلكتروني «يقصد به استخدام التقنية في بَث وإرسال واستقبال ونقل المَعلومات المكتوبة، سَواء كَانت نُصُوصاً أو مشاهد أو أصواتاً أو صوراً ثابتة أو متحركة بغرض التداول».
كما نصت المادة 20 من التعديل المقترح على تحويل ملكية الصحف إلى شركات مساهمة عامة، بعد أن كان قانون 2009 ينص على أن «أي شركة» مرخصة من حقها إصدار صحيفة. وشدد على شروط قبول «رئيس التحرير»، واشترط أن يكون عمره 40 سنة بدلاً عن 35 سنة، وزاد سنوات خبرته من عشر سنوات في القانون القديم إلى خمس عشرة سنة.
التعديل يمنح أيضا مجلس الصحافة والمطبوعات التابع للحكومة السودانية سلطة إيقاف الصحيفة إدارياً لمدة 15 يوما، بعد أن كانت في القانون القديم ثلاثة أيام فقط، وسحب ترخيص الصحيفة لثلاثة أشهر، وإيقاف الصحافي عن الكتابة للمدة التي يراها مناسبة، كما أعطاه سلطة إلغاء ترخيص الصحيفة نهائياً، وهو تعديل غير موجود في قانون 2009.
من جانبه، يقول رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين الصادق الرزيقي، إن اجتماعاً بمكتب وزير الإعلام أحمد بلال ضم ممثلين عن الاتحاد ومجلس الصحافة والمطبوعات، ومستشارين قانونيين عن كل طرف، كلف الجهتين بإعداد «ورقة» حول وجهة نظره في التعديلات القانونية المقترحة.
وبحسب الرزيقي، تم الاتفاق بين الأطراف في اجتماع مع رئيس الوزراء بكري حسن صالح، الشهر الماضي، على تسليم الورقتين للجنة في وزارة العدل مهمتها إعادة صياغة والمواءمة بين وجهات النظر والمقترحات المقدمة من قبل كل طرف.
وتوقع الرزيقي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن توضع مسودة القانون في الفترة التي تعقب عطلة عيد الفطر أمام مجلس الوزراء لإجازته، ومن ثم تقديمه للمجلس الوطني «البرلمان» للمصادقة عليه ليصبح سارياً.
وكشف عن موافقة لجنة العدل التي تدرس القانون على الكثير مما هو وراد في مذكرة اتحاد الصحافيين. وألغت التعديلات الجديدة المثيرة للجدل المتعلقة بسلطات مجلس الصحافة الإدارية، واكتفت بنصوص قانون 2009. وتابع: «رغم طلب مجلس الوزراء بتسريع إصدار القانون إلاّ أن الأطراف تدرس بتأنٍ التعديلات المطلوبة، للخروج بقانون يتيح حريات صحافية أوسع مما هي عليه في القانون السابق، ويحفظ حقوق الصحافيين ويكفل لهم الأمان الوظيفي».
وجاء في رؤية اتحاد الصحافيين للتعديلات المقترحة – حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها – أن التعديلات المقترحة لا تتسق مع الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية التعبير والإعلام، وأنها أغفلت إيجابيات 2009. لكونه صدر في بيئة سياسية مماثلة لبيئة «الحوار الوطني»، وأنها «تصادم» لتوصيات الحوار الوطني.
ورأى الاتحاد أن التعديلات لا تتوافق مع نص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحق الأشخاص في حرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء وتلقي الأخبار، وأن التوجه السليم لضمان مستقبل الصحافة أن تقتصر العقوبات على المحاكم، وأن التدابير الجزائية الإدارية لمجلس الصحافة، ومحاسبة وترقية المهنة من مهام اتحاد الصحافيين وهو ما لم تراعه التعديلات.
وشددت الرؤية على أن «تعريف الصحافة الإلكترونية» جاء ملتبساً وخلط بين الصحافة والمنصات الإلكترونية الأخرى، بما يجعل من كل الشعب «يسعى لنيل بطاقة صحافي»، ودعت لمعالجة أمر الصحافة الإلكترونية بقانون المعلوماتية، لحين إجازة قانون لتنظيمها. وطلب الاتحاد مراجعة اختصاصات وسلطات مجلس الصحافة التي أبقت عليها التعديلات المقترحة، مثل دورة ترقية المهنة وتدريب الصحافيين وضمان الحد الأدنى من الأجور وتسوية النزاعات داخل الوسط الصحافي، باعتبارها واجبات أساسية لاتحاد الصحافيين، كما طلب النص صراحة في التعديلات على «حقه في محاسبة عضويته وتدريبها وتحسين أجورها» باعتباره حقاً أصيلاً للاتحاد المهني.
من جهته، وصف الخبير القانوني المحامي خالد سيد أحمد مقترحات التعديلات في جملتها بأنها «مقيدة لحرية الصحافة والصحافيين»، وبأنها قللت من الضمانات الدستورية التي تكفل حرية الصحافة، ووسعت من سلطة الجزاءات الممنوحة للجهاز الإداري وخارج سلطة المحاكم.
وأوضح أن القانون الجديد في حال إجازته يسهل انتهاك «حرية الصحافة»، لأن نصوصا تتعلق بحماية الصحف والصحافيين كانت موجودة في القانون المعدل تم حذفها بموجب التعديلات المقترحة. كما منحت التعديلات «لجنة السجل» سلطة كبيرة، تتمثل في «شطب» الصحافي من السجل من دون أمر المحكمة، وأعطت المجلس سلطة توقيف الصحف للمدد التي يراها مناسبة، وسحب الترخيص لثلاثة أشهر إدارياً.
وحذر سيد أحمد في إفادته لـ«الشرق الأوسط» من مخاطر السلطة التي منحها القانون الجديد للمحكمة بإلغاء ترخيص الصحيفة، بقوله: «هذا حكم بإعدام الصحف، وهو غير موجود في كل العالم».
وانتقد سيد أحمد النصوص التي استحدث من خلالها تعريف النشر الإلكتروني، وقال: «التعديلات استحدثت تعريفاً للنشر الإلكتروني، لكن التعريف جاء فضفاضا، لدرجة أنه يشمل كافة وسائط التواصل الإلكتروني، فلو أنك أرسلت رسالة قصيرة على هاتفك الجوال لخضعت لهذا القانون وفقاً لهذا التعريف».
ورأى أن تحويل المؤسسات الصحافية إلى شركات مساهمة عامة، فيه تضييق على الصحافيين في إنشاء صحفهم الخاصة، وقسر للشركات الخاصة القائمة التي تصدر عنها الصحف، للتحول إلى شركات مساهمة عامة رغم الصعوبات التي تكتنف مثل هذا التحول.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.