مع اقتراب حلول شهر رمضان الكريم، يجهز المسلمون الهنود أنفسهم وأرواحهم لاستقباله والاحتفاء به. وتتوقّف بدايته على رؤية الهلال الجديد، ومن المتوقع مشاهدته في 15 أو 16 مايو (أيار) الحالي. في دلهي امتلأت أسواقها بالمتسوقين الذين يبتاعون بُسُط الصلاة وأغطية الرأس والمسابح والتمور والشعرية وأنواع التوابل والعطارة، وغيرها من المواد الضرورية.
تحضيرا لشهر رمضان، زُينت المساجد في جميع أرجاء البلاد، وتتخذ الترتيبات اللازمة حاليا لمواجهة الاندفاع الكبير للمسلمين الذين يحرصون على أداء صلاة العشاء والتراويح في المساجد. وتثير الأسواق المزدحمة والمبهرة، والمحلات المضاءة، والترانيم الدينية التي تنطلق من الفنادق والمطاعم، إلى جانب صياح الباعة الجائلين، مناخاً كرنفاليا بديعا في البلاد.
وقد بلغت الاستعدادات لشهر رمضان ذروتها في العهد الأخير للإمبراطورية المغولية الحاكمة للهند، في المدن الهندية الكبيرة مثل العاصمة دلهي، وحيدر آباد، ولوكناو، وبهوبال، وغيرها من المدن ذات العدد الكبير من السكان المسلمين. إذ تعتبر الهند ثاني دولة على مستوى العالم من حيث عدد المسلمين.
ويعتبر المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر، أحد أكبر المساجد في البلاد مع سعة استيعابية تبلغ 25 ألف مصلّ، كما أنّه يضمّ بعض المخطوطات القديمة النادرة، ولقد غُسل المسجد وزُيّن لاستقبال الشهر الفضيل. ويمكن الاستماع إلى تلاوة القرآن وغيره من الدروس والمواعظ الدينية من داخل المسجد الذي يتحوّل إلى الوجهة الأولى للصلاة والإفطار في رمضان بدلهي القديمة، ذات الأغلبية المسلمة كما هو الحال دائما، وكانت عاصمة عهد المغول القدامى، وعُرفت وقتذاك باسم شاهان أباد.
خلال شهر رمضان تباع أنواع كثيرة من التمور بالجملة والتجزئة. وهناك نحو 30 نوعاً من التمور المستوردة من الأردن وإيران والعراق وتونس والسعودية والجزائر. يقول التجار إنّه من بين 400 شاحنة تمور مستوردة هذا العام هناك 75 في المائة تقريبا من الأصناف العادية والبقية من الأصناف عالية الثمن.
ويقول محمد فائز، أحد تجار التمور إنّ صنف (الخاجور الأسود) هو المفضل لدى كثير من الزبائن في هذه الأيام. كما أن هناك الزبائن الذين يفضلون شراء التمور المستوردة من بلدان أخرى: «في كل عام، أطلب استيراد مختلف أصناف التمر من الخاجور من السعودية وإيران، وغير ذلك من أصناف العجوة والمجوج وطيبة وكالمي والمبروم».
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار التمور بواقع 15 في المائة خلال العام الحالي بسبب وفرة المحاصيل في الشرق الأوسط.
وقال وسيم خان: «لقد اشترينا هذا العام أصنافا مختلفة من التمر. وفي حين أن صنف كيامي الإيراني هو المفضل عندي، فإن صنف التمر السكري هو المفضل لدى عائلتي. ونظراً لأنّنا نفطر في رمضان على التمر، فإنّ الكثير من المسلمين يحبون الإفطار على الفاكهة في رمضان».
وللمرة الأولى تتوافر التمور الكويتية منزوعة النوى والمحشوة باللوز والمغمورة بالشوكولاته. ويبلغ سعرها نحو 4 آلاف روبية للكيلوغرام الواحد، وتتوافر هذه التمور ذات الجودة العالية في بعض المتاجر المعدودة في المدينة.
سناء خان إحدى زبائن شراء التمور تقول: «نظرا لازدحام الأسواق في ليلة رؤية هلال شهر رمضان، فقد قررت أن نشتري مخزون الشهر بأكمله من التمور والطحين والعصائر مسبقا».
ويعتبر شهر رمضان مرادفا للصفاء الروحي والإخلاص التام للتعاليم الإلهية، ويشهد زيادة كبيرة في مبيعات الكتب والمطبوعات الدينية، وغيرها من المواد ذات الصلة بالدين الإسلامي مثل أغطية الرأس والمسبحة التي تستخدم بعد أداء الصلوات. ويقول قمر الحسن، وهو أحد أصحاب المتاجر التي تبيع تلك اللوازم: «هذا هو موسم الذروة بالنسبة إلى جميع الذين يعملون في مبيعات المواد واللوازم الإسلامية».
ويتوفر سجاد الصلاة في مجموعة متنوعة ومختلفة من الألوان والأنسجة والتصاميم الجميلة. والأفضل من ذلك أن هذه السجاجيد - وهي جزء رئيسي من العبادات في الإسلام - يمكن العثور عليها من أية بلد من اختيارك، سواء كانت من إنتاج السعودية أو تركيا أو إيران أو حتى بلجيكا، وهي تأتي في ظلال مختلف الألوان الأحمر والأزرق والرمادي والبيج.
ويقول اعتماد بخاري، أحد البائعين في السوق: «إنّها مليئة بالزخارف الإسلامية والفنون الجميلة، والتصاميم الهندسية الرائعة، والزهور، وأشكال الأرابيسك. وهي توفر راحة البصر والنفس اللازمتين أثناء الصلاة إلى جانب راحة القدمين من خلال الملمس المخملي الناعم».
ويقول أحد أقدم أصحاب متاجر الكتب الدينية في المدينة إنّ مبيعات سجاد الصلاة المستوردة من تركيا هي الأعلى. وهي متوفرة في خمسة ألوان مختلفة، ويفضلها الناس لأنّها فريدة ومتميزة في كل شيء.
وإلى جانب ذلك، هناك المسابح البلورية المتلألئة الواردة من مكة المكرمة وقد باتت من علامات قدوم شهر رمضان وهي مفضلة بكثرة لدى الفتيان والشباب.
وبالنسبة للمسلمين فإنّ شهر رمضان يعتبر الفرصة السنوية الرائعة لجميع الفضائل الدينية مثل تلاوة القرآن بأكثر عدد ممكن من المرات خلال الشهر. ولتذكير المرء بعدد مرات التسبيح هناك آلة للعد مستوردة خصيصا لذلك الغرض من تايوان يصل العدد فيها إلى 9999 مرة، وهي تعمل بزر ضاغط على جانب الآلة.
يقول عصمت زيدي: «تسهل آلة التسبيح الرقمية من تكرار الدعوات. ولقد زاد قدوم شهر رمضان من مبيعات مجموعة متنوعة من أغطية الرأس المستوردة من مختلف البلدان حول العالم، وهي متوفرة هنا في السوق المحلية من الصين وإندونيسيا وتركيا والسودان وباكستان. ويرجع تقليد ارتداء غطاء الرأس أثناء الصلاة إلى العهد المغولي في البلاد والإمبراطور محي الدين محمد أورنكزيب الذي غزل بيديه غطاء رأسه الخاص به وقدمها إلى المسلمين في شبه القارة الهندية. وهناك كثير من أنواع أغطية الرأس البيضاء متعددة الألوان والمصنوعة من الكروشيه والمطرزة، والمشهورة بين المسلمين في كل أنحاء العالم».
يقول الشيخ عمران صاحب أحد المتاجر في سوق المدينة: «يفضل الناس أثناء شهر رمضان ارتداء أغطية الرأس على مدار اليوم، كما أنّهم يبحثون عن الغطاء الذي يناسبهم بشكل جيد».
وبالإضافة إلى ذلك، يبيع أصحاب المتاجر مختلف أنواع العطور الطبيعية المصنوعة من مزيج من الأعشاب والزهور التي تلقى رواجا كبيرا بين الناس أثناء شهر رمضان. ويفيد موكول غاندي أحد أصحاب متاجر العطور في المدينة: «هناك عطور مشهورة مثل خشب الصندل والياسمين والورود التي تشهد مبيعات جيدة هذه الأيام».
ومع ذلك، لا يزال الطعام هو أبرز ما يميز قدوم شهر رمضان، وليس فقط لدى السكان المحليين وإنما لدى سكان دلهي من كل أرجاء المدينة الذين يحتشدون لتذوق مختلف الأطباق المتقنة الطهي التي يحتارون في الاختيار بينها.
كما يعتبر رمضان أيضا شهر الاحتفال، ومن ثم تنشغل المطاعم باتخاذ مختلف الترتيبات اللازمة لتلبية طلبات الزبائن المتزايدة مع بداية الشهر الفضيل. يقول شعيب مبين من أحد أشهر المطاعم النباتية غير البعيدة عن المسجد الجامع في دلهي: «يزداد نشاط الجدول الزمني لإعداد الوجبات في شهر رمضان ونقسّم العمل على مناوبتين من التاسعة صباحا حتى الرابعة صباحا في اليوم التالي حيث يتعين علينا إعداد ما يقرب من ضعف الطعام المعتاد مقارنة بالأيام العادية الأخرى، ولهذا عيّنت فريقا من العمال الإضافيين للمساعدة خلال هذا الشهر».
ويقول محمد شاهان مالك أحد متاجر الحلوى في دلهي القديمة: «لا يأكل كوشال سينغ الذي يعمل لدينا في المتجر منذ 16 عاما، أي شيء مطلقا طوال اليوم. ولدينا عمال هندوس مثله تماما من الذين يتابعون عملهم أمام الأفران الأرضية في المتجر، إنهم لا يأكلون شيئا ويتركون وجباتهم الغذائية طيلة النهار احتراما لمشاعرنا. وعندما يحتاجون لتناول الغذاء أو شرب الماء فإنهم يذهبون إلى خلفية المتجر بعيدا عن الأنظار لأجل ذلك».
وبالنسبة إلى كوشال سينغ فإنّ الأمر لا يتعلق بالدين وإنما بالإنسانية واحترام الآخرين، وقال عن ذلك بكل فخر: «كيف يمكنني الأكل أو الشرب في الوقت الذي يمتنع فيه زميلي في العمل عن الأكل والشرب طوال اليوم. إنني لست ساديا، بل أحترم كل الأديان الأخرى وأقدرها تماما».
وتعتقد ميرفا رام أن مدينة دلهي القديمة هي أكثر المناطق علمانية في العاصمة، وهي تقول: «إن المعبر الذي يمر أمام المسجد الجامع في دلهي القديمة معروف باسم الممر العلماني. إنّنا نحتفل بكل الأعياد لكل الديانات هنا في كل عام. وتلك الأعياد تزيد من تقارب المسلمين والهندوس من بعضهم بعضا هنا. طالما نستطيع العيش والعمل سويا فلما لا يحترم بعضنا معتقدات الآخر والاحتفال بأعياد بعضنا بعضا أيضا».
ويشهد طريق محمد علي في مومباي، ومسجد شارمينار، ومسجد مكة في حيدر أباد، وسوق دالماندي في لوكناو احتفالات مماثلة خلال شهر رمضان بأكمله مع كل مكان منها يقدم مجموعة خاصة من الأطعمة والمشروبات التي يفضلها المسلمون وغير المسلمين وبصورة كبيرة.
ويقول المواطن سيد ظفر الذي يتسوق برفقة زوجته وأطفاله في دلهي القديمة: «في كل عام قبل شهر رمضان ننطلق إلى المتاجر المفضلة عندنا لشراء التمور والعصائر والفواكه المختلفة. وهذا يوفر علينا مجهود الشراء في الأسواق المزدحمة خلال الشهر نفسه».
مسلمو الهند يستعدون لاستقبال شهر رمضان والاحتفاء به
أسواق دلهي القديمة تكتظّ بالمتسوقين لشراء بُسُط الصلاة والتمور
مسلمو الهند يستعدون لاستقبال شهر رمضان والاحتفاء به
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة