طورت مجموعة من الباحثين الأميركيين طريقة جديدة لرصد «النشاط الكهربائي العضلي في المعدة» Gastric Myoelectric Activity بما يُمكّن من تتبع ذلك خلال الأربع والعشرين ساعة لدى الشخص، دون الحاجة إلى إزعاج المريض بإدخال أنابيب وأسلاك عبر الأنف وصولاً إلى داخل تجويف المعدة.
وتوظف هذه الطريقة الجديدة نظاماً يُمكن ارتداؤه Wearable System لمراقبة نشاط المعدة بشكل متواصل ومرتبط بتطبيق خاص في الهاتف الجوال للمريض، بما يُتيح للأطباء مقارنة نوعية وشدة التغيرات في النشاط الكهربائي لعضلة المعدة مع أي أنشطة يقوم بها المريض طوال اليوم، مثل تناول الطعام وشرب السوائل الباردة والساخنة والنوم وممارسة الأنشطة الرياضية، وغيرها من أنشطة الحياة اليومية.
- نشاط المعدة الكهربائي
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 22 مارس (آذار) من مجلة «ساينتفيك ريبورتس»» Scientific Reports، إحدى المجلات الطبية الصادرة عن مجموعة مجلات «نيتشر» Nature العلمية، أفاد الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، بأن الطريقة الجديدة لرصد النشاط الكهربائي للمعدة تعتمد على الرصد الخارجي عبر الجلد. وفي هذا الشأن، فإنها تشابه طريقة جهاز «رصد تخطيط نبضات القلب لفترة 24 ساعة» الذي يُعتبر إحدى الوسائل التشخيصية الأساسية لمرضى القلب، وبخاصة مرضى اضطرابات كهرباء نبض القلب. وأن هذه الطريقة توفر أيضاً مراقبة مستمرة ولفترات طويلة للأنشطة الكهربائية في المعدة، بما يُمكّن من رصد أي اضطرابات فيها.
وأجرى الباحثون اختبارات مبدئية لتقييم مدى الدقة والفاعلية التي يُمكن أن توفرها هذه الطريقة الخارجية في متابعة الأنشطة الكهربائية لعضلة المعدة، والذي تتكون من جهاز متصل بعشرة أقطاب سلكية يتم إلصاقها على جلد البطن المغلف لمنطقة المعدة، وهي شبيهة بالأقطاب السلكية المستخدمة في رسم تخطيط القلب ECG. ولاحظ الباحثون، أن من خلال هذه الطريقة يتم الحصول على نتائج مطابقة للطريقة التي تعتمد على إدخال أنابيب وأسلاك عبر الأنف، وصولاً إلى داخل تجويف المعدة. كما لاحظ الباحثون في نتائجهم أن التغيرات في الأنشطة الكهربائية للمعدة لا تحصل فقط في الفترات التي لها صلة بتناول الطعام، أي ليس فقط قبل أو أثناء أو بُعيد تناول وجبات الطعام، بل ثمة أشكال أخرى من التغيرات في النشاط الكهربائي لعضلة المعدة تحصل خلال ممارسة أنواع مختلفة من الأنشطة البدنية، وأيضاً عند النوم بما يتوافق مع تغيرات الساعة البيولوجية للجسم Circadian Rhythm.
وعلق الدكتور أرمن غاريبانس، الباحث الرئيس في الدراسة من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو، بالقول: «نعتقد أن طريقتنا الجديدة بنظامها الخارجي ستُحفّز إنتاج الكثير من الأدوية؛ لأن الطبيب المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي سيتمكن من الملاحظة السريعة لأي اضطرابات في انتظام الأنشطة الكهربائية في أجزاء الجهاز الهضمي؛ ما يُمكّن من سرعة الحصول على تشخيص أدق». وهو ما وافقه عليه البروفسور تود كوليمان، الباحث المشارك في الدراسة وأستاذ الهندسة الحيوية بجامعة كاليفورنيا، وأضاف قائلاً: «هذا العمل يفتح الباب للحصول على شكل دقيق في مراقبة ورصد التغيرات الديناميكية للأنشطة في نظام عمل أجزاء الجهاز الهضمي. وحتى اليوم كان من الصعب للغاية خارج المستشفى إجراء قياس متواصل للأنماط المتغيرة للأنشطة الكهربائية التي تحصل في المعدة بطريقة مستمرة، ومن الآن فصاعداً سنكون قادرين على مراقبة هذه الأنماط وتحليلها لدى كل من الأشخاص الأصحاء ولدى المرضى وهم يعيشون حياتهم اليومية المعتادة».
- رصد مباشر
وأفاد عدد من الأطباء المشاركين في إجراء الدراسة، بأن هذه الطريقة ستمكّن من الحصول على تقييم لم نكن قادرين للحصول عليه من قبل، وقال الدكتور ديفيد كنكل، طبيب أمراض الجهاز الهضمي في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو والمشارك في الدراسة «هذه الطريقة ستمكننا من معرفة مدى عمل المعدة بشكل طبيعي خلال تناول وجبات الطعام، والأهم حينما يشكو المريض من أعراض مرضية في الجهاز الهضمي، كالغثيان وآلام البطن». وأفاد البروفسور بينيامين سمار، الباحث المشارك في الدراسة وأستاذ علوم الكومبيوتر والهندسة الحيوية بجامعة كاليفورنيا، بالقول: «هذا الإنجاز تحقق عندما تعاون المهندسون المتخصصون في الهندسة الحيوية مع الأطباء في سبيل إيجاد حل لهذه المشكلة».
وكانت إحدى الصعوبات التي واجهت الباحثين في تصميم هذا الطريقة الجديدة هي تصفية الرصد الكهربائي للجهاز من أي تشويش قد يُسببه النشاط الكهربائي للقلب وللعضلات القريبة، وبالتالي التمكن من رصد الأنشطة الكهربائية للمعدة فقط. ومعلوم أن شدة الإشارات الكهربائية التي تصدر عن المعدة ضعيفة مقارنة بشدة الإشارات الكهربائية التي تصدر عن القلب، التي يتم بسهولة رسم تخطيطها. وللتقريب، فإن شدة إشارات التيار الكهربائي الذي يسري في القلب عند انقباض وانبساط القلب في كل نبضة يبلغ عشرة أضعاف شدة التيار الكهربائي الذي يسري في عضلة المعدة؛ ما يجعل من الصعب تقنياً رصد ذلك بكفاءة ما لم يكن الجهاز ذا دقة عالية. وكذلك الحال مع تداخلات التغيرات التي تسببها حركة عضلات البطن أثناء المشي أو الحركة، وأيضاً تغيرات نبض القلب، وتأثيرات ذلك كله على دقة رصد النشاط الكهربائي في المعدة فقط.
والواقع أن اضطرابات عمل الجهاز الهضمي ذات الصلة بالحركة العضلية، المرتبطة بشكل تلقائي مع النشاط الكهربائي لأجزاء الجهاز الهضمي، مثل تأخر أو بطء إفراغ المعدة للطعام ودفعه إلى الأمعاء، هي من الحالات المرضية الشائعة لدى مرضى السكري الذين يضطرب لديهم عمل الجهاز العصبي المغذي للجهاز الهضمي، وكذلك الحال لدى مرضى بعض أنواع الاضطرابات العصبية المرضية مثل مرض باركنسون العصبي Parkinson›s Disease. ومن المؤمل أن توفر هذه الطريقة الجديدة في رصد النشاط الكهربائي للجهاز الهضمي تقديم تشخيص أدق لتلك الحالات، ومعرفة التغيرات التي يُمكن من خلالها توفير وسائل علاجية أعلى فائدة لتخفيف معاناة المرضى من تلك الاضطرابات الهضمية.
- للأصحاء والمرضى
وأضاف الباحثون: إن الأشخاص الأصحاء أيضاً قد يستفيدون من نتائج استخدام هذه الوسيلة الواعدة، وعلى سبيل المثال الرياضيون، حيث يُمكن للمدربين معرفة نتائج مراقبة عمل الجهاز الهضمي لدى اللاعبين لاقتراح أفضل الأوقات لتناول الطعام، وبخاصة عند الارتحال من مناطق إلى مناطق أخرى بينها فارق واسع في التوقيت. وكذلك النساء الحوامل اللواتي يُعانين من اضطرابات عمل المعدة وحرقة المعدة والغثيان، بما يُمكّن من تقييم مدى نشاط المعدة قبل وأثناء وبُعيد تناول وجبات الطعام. وأيضاً في حالات اضطرابات عمل الجهاز الهضمي لدى كبار السن، وهو ما علق عليه البروفسور سمار بقوله «إن تغيرات عمل الجهاز الهضمي وصحته هما العلامات المميزة للاضطرابات الهضمية التي لم تتم دراستها بشكل كافٍ لدى كبار السن ولدى الحوامل. ومن بين آمالنا أن تسمح هذه التقنية الجديدة تحديد التغيرات التي تحدث خلال هذه الفترات الحرجة من الحياة، وهي التي يُعاني منها الكثيرون، وسيكون بالإمكان دراستها وبناء توقعات طبية علاجية ملائمة لكل شخص».
وأضاف قائلاً: «إن هذا البحث الرائد يعد طب الجهاز الهضمي بتوفير طريقة تشخيصية تم تطبيقها سابقاً في معالجة أمراض القلب»، في إشارة منه إلى جهاز رسم تخطيط كهرباء عضلة القلب.
- المعدة... عضلة تحركها الإشارات الكهربائية
> تعتمد آلية رسم تخطيط كهرباء المعدة (Electrogastrogram (EGG على رصد الإشارات الكهربائية التي تسري في عضلة المعدة، والتي تتحكم بالتالي في تتابع انقباضات وارتخاء أجزائها كي تقوم بعملية استقبال طعام الوجبات ومزجه بعصارة المعدة ثم دفعه للتوجه إلى أنبوب الأمعاء الدقيقة.
والواقع أن الجهاز الهضمي عبارة عن أنبوب عضلي يختلف من منطقة إلى أخرى في حجمه وفي نوعية الخلايا التي تُبطنه ووظائفها؛ ولذا لدينا المريء ثم المعدة ثم الأمعاء الدقيقة التي تبدأ بالإثنا عشر، ثم قولون الأمعاء الغليظة.
وبشكل عام، تتشابه تقنية رسم تخطيط كهرباء المعدة مع تقنية رسم تخطيط القلب، وأولى محاولات رسم تخطيط كهرباء المعدة بدأت عام 1920 على يد الطبيب الأميركي والتر الفاريز. وبتشريح المعدة، نجد أنها مكونة من طبقات عضلية رقيقة نسبياً تعمل وفق إشارات عصبية يتم ترجمتها إلى تيارات كهربائية تصدر من عقدة في منطقة محددة في المعدة تُسمى «صانعة حركة المعدة» Gastric Pacemaker. وهذه التيارات الكهربائية تسري خلال المعدة في ذروة عملها بمعدل ثلاث موجات في الدقيقة؛ ولذا تختلف عن وتيرة موجات النشاط الكهربائي لأجزاء أخرى من الجهاز الهضمي، وتحديداً تسري الكهرباء في الإثنا عشر بمعدل 12 موجة في الدقيقة، وفي بقية الأمعاء الدقيقة بمعدل 10 موجات في الدقيقة.
ونتيجة لرصد كهرباء المعدة، هناك حالات بطء حركة المعدة Bradygastria، أي بمعدل أقل من موجتين في الدقيقة، وهناك أيضاً حالات سرعة حركة المعدة Tachygastria، أي بمعدل يفوق أربع موجات في الدقيقة. وهذه الحالات مرتبطة باضطرابات وظيفية في عمل المعدة، مثل الغثيان وبطء إفراغ المعدة والقولون العصبي وتخمة المعدة.
- استشارية في الباطنية