ساعد برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته مصر في 2016 على خروج البلاد من أزمة شح النقد الأجنبي، بعد أن قامت بتحرير العملة وتوسعت في الاستدانة من مؤسسات التمويل الدولية وأسواق الدين. لكن التحدي الأكبر الذي ينتظر البلاد هو قدرتها على التحول من الاعتماد على الديون إلى الاستثمار، ويحذر صندوق النقد من وجود بعض العقبات أمام جذب المزيد من الاستثمار بالإضافة للحاجة لإعادة هيكلة نموذج النمو في البلاد.
رغم الحضور القوي لصندوق النقد الدولي في مصر منذ اتفاق البلاد مع المؤسسة الدولية على برنامج التثبيت والتكيف الهيكلي في مطلع التسعينات، لكن الصندوق انتقد في تقرير مشاورات المادة الرابعة الأخير، الصادر الشهر الماضي، نموذج النمو الاقتصادي للبلاد الثلاثين عاما الماضية.
واعتبرت المؤسسة الدولية أن «النمو الاقتصادي في مصر خلال العقدين الأخيرين كان غير كفء لتحسين مستوى المعيشة»، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كان فيه متوسط النمو السنوي للناتج الإجمالي الحقيقي بـ4.2 في المائة بين 1990 - 2017 كان نمو نصيب الفرد من الناتج عن اثنين في المائة فقط ووصل معدل الفقر القومي إلى 27.8 في المائة خلال 2015 - 2016.
هذه المؤشرات عرضها الصندوق في سياق توصيفه للنموذج الاقتصادي المصري بأنه يركز بشكل كبير على الاستثمارات كثيفة رأس المال في الوقت الذي لا يوفر فيه فرص العمل الكافية للقوى العاملة.
وتأتي هذه الحقائق رغم الصورة الباهرة التي تعكسها مؤشرات النمو الاقتصادي في مصر مؤخرا، والتي يشير لها الصندوق في تقريره حيث يقول إن النمو، حيث تجاوز النمو في 2016 - 2017 توقعات المؤسسة الدولية عند 3.5 في المائة، ليصعد إلى 4.2 في المائة، لكن لا يزال النموذج الاقتصادي محافظا على سلبياته التي تقطع الطريق على كثير من فرص الاستثمار الإضافية.
وبعد شهور من أزمة مالية متصاعدة ساعدت اتفاقيات التمويل الدولية التي أبرمتها مصر في تعزيز التمويل الخارجي للبلاد، وكان من أبرزها اتفاق بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في 2016، لكن الارتفاع القوي للدين الخارجي بعد هذه الاتفاقيات زاد من احتياج البلاد للبحث عن مصدر مستدام للتمويل من خلال جذب الاستثمار.
وارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 79 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) 2017 من 46.067 مليار دولار في يونيو 2014 بينما قفز الدين المحلي إلى 3.16 تريليون جنيه من 1.8 تريليون جنيه وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وارتفع صافي الاستثمارات الأجنبية تدريجيا خلال السنوات الماضية، ليقترب من مستوى 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2016 – 2017، إلا أنه لم يصل إلى الرقم الذي كانت تستهدفه الحكومة عند 10 مليارات دولار.
ومن أبرز عوائق الاستثمار تركز قروض البنوك في نسبة محدودة من المؤسسات، حيث يقول الصندوق إن 12 في المائة فقط من الشركات المصرية لديها ديون بنكية وخطوط ائتمان.
بل إنه في الوقت الذي كان الناتج المحلي يسجل ارتفاعا يفوق التوقعات كان تمويل المشروعات يتباطأ، حيث يقول الصندوق إن القروض بالعملة المحلية للقطاع الخاص زادت 25.5 في المائة خلال 2016 - 2017 بينما النمو الشهري للائتمان كان ينخفض وتحول لانكماش في يوليو (تموز) 2017. والنمو الحقيقي للائتمان كان سلبيا منذ 2016.
ويقول الصندوق أيضا إن الحصول على الأراضي اللازمة للمشروعات ما زال من أبرز عقبات القطاع الخاص. حيث توفر الحكومة كمية محدودة من الأراضي الصناعية من خلال سعر ثابت على أساس قاعدة أسبقية الوصول، معتبرا غياب آليات السوق في عملية توزيع الأراضي أدى إلى سوء توزيع هذا العنصر المهم للإنتاج وتضييع إيرادات على الدولة. مشيرا إلى أن السلطات المصرية اتفقت معه على مراجعة قواعد توزيع الأراضي.
ويرصد الصندوق تقدما نسبيا في أحد العوامل المؤثرة سلبا على الاستثمار وهو تعزيز المنافسة ومكافحة الفساد، حيث يشير في هذا السياق إلى أن مصر أعدت قانونا أكثر شفافية للمشتريات العامة من المتوقع تمريره في نوفمبر (تشرين الثاني) من 2018، كما ستطلق البلاد موقعا إلكترونيا للمشتريات الحكومية في ديسمبر (كانون الأول) من 2018.
وفي إطار سياسة لتحسين جودة الخدمات العامة سيتم تأسيس جهة مستقلة لتنظيم النقل العام في مصر في نهاية 2018 ضمن رؤية جديدة لفصل السلطات التنظيمية عن الوزارات.
وفي مايو (أيار) الماضي أصدرت مصر قانون جديدا للاستثمار يهدف لتعزيز الحوافز الموجهة للأنشطة الأكثر إسهاما في التنمية وتيسير الإجراءات، وأصدرت أيضا قانونا لتيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية. كما أقر مجلس النواب الشهر الماضي قانون الإفلاس الذي كان مخططا له في برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وعلى صعيد المالية العامة يرى الصندوق أن النموذج الاقتصادي المصري يدفع البنك المركزي في أوقات كثيرة للقيام بأدوار تتجاوز دوره الأصلي وتتعارض مع استقرار الأسعار. حيث يتم تلبية بعض الاحتياجات التمويلية للحكومة عبر الاقتراض المباشر من البنك.
ويقترح الصندوق على الدولة المصرية حزمة من الإصلاحات الضريبية التي يرى أنها قد تزيد من إيراداتها بما يساوي قيمة 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتشمل تلك الإصلاحات توسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة عبر تقليص الإعفاءات الضريبية.
وفي سبتمبر 2016 أصدرت مصر قانون ضريبة القيمة المضافة الذي رفع السعر العام لضريبة المبيعات من 10 إلى 14 في المائة، وساهم القانون في زيادة معدلات التضخم لكنه أيضا زاد من حصيلة الدولة من ضرائب القيمة المضافة بنحو 50 في المائة في 2016 - 2017 مقارنة بالعام السابق.
وتشمل أيضا اقتراحات الصندوق زيادة تصاعدية ضرائب الدخل. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر مرسوما، نشر في الجريدة الرسمية في 2015، بخفض الحد الأقصى لضريبة الدخل على الأفراد والشركات إلى 22.5 في المائة من 25 في المائة، وإنهاء العمل بضريبة إضافية استثنائية كانت مفروضة بنسبة خمسة في المائة على من يزيد دخلهم السنوي على مليون جنيه من الأفراد والشركات.
ويوصي الصندوق بتحسين إخضاع بعض الفئات للضرائب مثل المهنيين من المحامين والأطباء والمحاسبين، وتمثل الحصيلة المتوقعة لضرائب النشاط المهني غير التجاري في 2017 - 2018 نحو 3 في المائة من حصيلة الضرائب على الأشخاص الطبيعية.
كما يشير الصندوق أيضا إلى ضرورة مواجهة أشكال التخطيط الضريبي المختلفة التي تستطيع من خلالها الشركات أن تخفف من التزاماتها الضريبية تجاه الدولة بشكل لا يخالف القانون، علاوة على إعادة النظر في منظومة الحوافز الضريبية للاستثمار المباشر والمناطق الحرة.
ويوصي الصندوق مصر بتبسيط النظام الضريبي للشركات الصغيرة، وتبسيط هيكل التعريفة الجمركية وإزالة الإعفاءات التقديرية في التعريفة لتحسين كفاءة تعبئة الإيرادات.
- مصر تخفض نسبة البروتين المطلوبة في القمح الروسي والأوكراني والروماني
> أظهرت وثيقة مناقصة أمس، أن الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر خفضت الحد الأدنى المطلوب لمكون البروتين في القمح الروسي والروماني والأوكراني إلى 11.5 في المائة من 12 في المائة.
وأوضحت وكالة «رويترز» أن مصر تشترط مستويات مختلفة من مكون البروتين من الموردين بناء على المنشأ.
وقالت وزارة التموين المصرية في تصريحات سابقة، إن احتياطي البلاد من القمح يكفي حتى منتصف مايو (أيار)، بعد مناقصة الشراء التي أجرتها الهيئة العامة للسلع التموينية لاستيراد 115 ألف طن من القمح الروسي في مناقصة عالمية.
مصر تواجه تحديات التحول من الاعتماد على الديون إلى الاستثمار
منها عدم إتاحة التمويل والأراضي
مصر تواجه تحديات التحول من الاعتماد على الديون إلى الاستثمار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة