ماذا نقرأ داخل متاهة الكتب؟

TT

ماذا نقرأ داخل متاهة الكتب؟

... وماذا نقرأ اليوم؟ ومَن يدلنا على كتاب نقرأه وسط متاهة برج بابل، التي سُميت بابل كما يقول المؤرخون العرب القدامى، إذ تم فيها تبلبل الألسن وتفرقها، واليوم ثمة تبلبل الكتابات والكتب؟ آلاف العناوين تصدرها المطابع كلّ يوم، فماذا نقرأ وماذا نترك؟ وكيف نميّز الغثّ من السمين؟ وما الجهة التي من الممكن أن تدلنا على الجيد من الكتب؟
والحال أن كثيراً من صحافيي الثقافة مسوِّقو عناوين أو يحبِّرون مقالات مجاملة.
في حوار لي قديم مع الراحل جورج عطية في مكتبة الكونغرس قال: «لو قررتْ مكتبة الكونغرس أن تقتني كل ما يصدر عن المطابع يومياً فسوف نضطر إلى بناء قاعة جديدة كل يوم لاستيعاب كل الكتب الصادرة يومها...».
تذكرت كل هذا عندما قالت لي تلك مثقفة هولندية، هي أستاذة مختصة في الآداب الجرمانية، وبلهجة استنكارية:
- ولكن ثمة كتب كثيرة اليوم!
وعلا وجهها تعبير اشمئزاز ورفض.
قلت: أجل، كل الناس صارت تكتب كتباً وأنتِ نادراً ما تقرئين كتاباً يضيف إليكِ شيئاً. بعد الصفحات الأولى يغمرك الإحساس بأنكِ تقرئين ما سبق لكِ وقرأتِ، مثلما هو الأمر في الفنون التشكيلية، فكثيراً ما يمنحك العمل الجديد من رسم أو نحت، الإحساس بأنك سبق وشاهدتِه...
وتذكرت ميلان كونديرا وهو يتحدث عن الكتاب والفنانين الذين يدورون في نفس الساحة، كما لو أن ما يُكتب من روايات هو رواية واحدة بآلاف الروائيين والصيغ. كأنه يعيد دون أن يدري قول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم...
اليوم وبحكم تقدّم تكنولوجيا الطباعة ابتُذلت الكتابة... تحول الكِتاب إلى شيء من الأشياء، إلى بضاعة كبقية البضائع. فقدَ الكِتاب تلك القدسية التي كانت له منذ البدء. الكتب السماوية تسمَّى الكتب، وكلمة «بايبل» في اللغات الأوروبية تعني الكِتاب، وهي مشتقة من كلمة «بيبلوس» المدينة الفينيقية التي ظهرت فيها الكتابة التي هي أيضاً مقدسة لدى الفينيقيين، حروفاً مدونةً ولغةً. والقرآن الكريم نفسه اسمه الكتاب، ولفظة قرآن صفة لأنه يُقرأ ويُتلى...
الشاعر السوري أدونيس، وفي لحظة توتر ومباهاة، وضع ديواناً كبيراً سماه «الكِتاب» وتشبُّهاً بالمعري الذي وضع «الفصول والغايات في معارضة السور والآيات» وفي رواية أخرى في «محاذاة السور والآيات».
واستمر هذا التبجيل حتى الرومانسيين، فهم يقرنون الشعر بالنبوءة والشاعر بأنه رؤيوي، وكلها معانٍ تدور في المجال الدلالي للمقدس غير الديني....
إذن، ماذا يفعل القارئ وسط هذه البلبلة، وأين يجد خيط أريان الذي يقوده نحو الكتاب الجيد داخل هذه المتاهة المستحيلة؟ هو لن يظفر بخيط أريان، فقد استولت الميديا التي تعد أخطر من أسلحة الدمار الشامل على مجمل الوعي الجماهيري... استحوذت على الحقيقة بما أن العالم ليس سوى تمثُّلنا له والميديا هي صانعة هذه التمثلات – الحقائق، فالقدرة العجيبة للميديا تجعل الشاب يشتري البنطلون الممزق بسعر أغلى من ذاك السليم وتجعله يسير به في شوارع أوروبا المثلجة، وهي تحدد للناس مَن ينتخبون وما يستهلكون من غذاء مادي وروحي... ما تريده الميديا يريده الجماهير على وجه التقريب مع وجود استثناءات هي تلك العقول النقدية المارقة والمتمردة على الإجماع، وبالتالي على تغوُّل الميديا التي صارت أكاد أقول تقود حركة التاريخ... تصنع الثورات من برتقالية وغيرها... وتحدد لك آلة الغسيل التي عليك شراؤها، والكتاب الذي عليك قراءته، لأن الكتاب تحول في بلدان الغرب إلى محض سلعة. وفي هذا السياق أوجد خبراء التسويق فكرة، بل أسطورة الـ«بست سيللر»، الكتاب الأكثر مبيعاً، وهو مثل الإحصائيات في عالم السياسة، لا تعبر عن حقائق على الأرض بقدر ما تحاول خلق حقائق في أذهان الناس لدعم هذا أو ذاك من السياسيين... كذلك الـ«بيست سيللر» يدفع الناس إلى شراء هذا الكتاب أو ذاك. وأتذكر الجملة الشهيرة التي قالها المفكر الفرنسي ألكسي دي توكفيل منذ نحو قرنين عن خضوع الرأي العام للتوجيه: «أنا لا أهاب الانتخابات العامة، فالناس لا تنتخب مَن تريده وإنما تنتخب ما يوحى ويقال لها».
كان هذا الكلام قبل نحو قرنين، أي قبل ظهور الميديا الجماهيرية، فما بالك بالأمر في هذا العصر الذي تغوَّل فيه التحكم في الوعي البشري وفي خياراته، هنا نأتي إلى الكتاب الذي وقع هو أيضاً ضحيةً للميديا والتسويق. الناس يقرأون ما تقدمه لهم الميديا ويختاروا ما تختاره لهم الميديا، وسحر الميديا في بلداننا العربية أقوى بكثير لسببين: انتشار الأمية، وغياب الرؤية النقدية لدى غالبية النخب.
ابتذال الكتاب، وتحويله إلى سلعة، والترويج التجاري له بقطع النظر عن محتواه جعل الناس ترفع كتَّاباً لا قيمة لهم وتتجاهل آخرين أكثر قيمة لأن مصير القارئ صار بيد الصحف ومروجي الكتب.
الكم الهائل الذي تصدره المطابع أسهم في هذا الضياع، لأن الإنسان لا يحتاج إلى كتب كثيرة.
كنت أتساءل باستمرار: ما حجم المكتبة التي قرأها سقراط في القرن الرابع قبل الميلاد؟
كان ابن خلدون قد حدد 4 كتب كبرى هي: «أدب الكاتب» لابن قتيبة، و«الكامل» للمبرد، و«البيان والتبيين» للجاحظ، و«كتاب النوادر» لأبي علي القالي البغدادي، وعقّب: «ما سوى هذه الأربعة فتَبَعٌ لها وفروع عنها...».
وإلى اليوم لا يزال هناك ما يسمى كتاب المخدّة أو كتاب السرير (Le livre de chevet) وهو الكتاب الذي نظل نعيد قراءته باستمرار.
هذا الضياع أيضاً أسهم في غياب المرجعية الجامعة، وتحول الأفراد إلى جزر متباعدة، ريشةً في مهب رياح الميديا تقلبها كيفما تشاء.
قبل الميديا كان القارئ يعجَب بكتاب فيمرره إلى صديق حتى يشاركه لذة القراءة، وكانت الكتب تنتقل مثل الرياح والسحب طليقةً في عالم الروح. لعل كل هذا ما جعل هنري ميللر يؤلف كتابه الرائع «كتب في حياتي» الذي يعد دليلاً للقارئ ومحرضاً على القراءة الإبداعية، لا تلك القراءة التي تسلمنا للنعاس.

* شاعر تونسي



المغامر السعودي بدر الشيباني يخوض مغامرة استثنائية في صحراء الربع الخالي

السعودي بدر الشيباني يبدأ مغامرته الجديدة في صحراء الربع الخالي (حسابه على إنستغرام)
السعودي بدر الشيباني يبدأ مغامرته الجديدة في صحراء الربع الخالي (حسابه على إنستغرام)
TT

المغامر السعودي بدر الشيباني يخوض مغامرة استثنائية في صحراء الربع الخالي

السعودي بدر الشيباني يبدأ مغامرته الجديدة في صحراء الربع الخالي (حسابه على إنستغرام)
السعودي بدر الشيباني يبدأ مغامرته الجديدة في صحراء الربع الخالي (حسابه على إنستغرام)

بدأ بدر الشيباني، أحد أبرز المغامرين السعوديين، رحلة استكشافية ملحمية في صحراء الربع الخالي، التي تعد أكبر صحراء رملية في العالم، بمساحة شاسعة تغطي جزءاً كبيراً من جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية. تهدف هذه الرحلة إلى استكشاف جمال الطبيعة الفريدة للصحراء وتسليط الضوء على التراث الثقافي والبيئي لهذه المنطقة، التي تُعد من أهم المعالم الطبيعية في المملكة العربية السعودية.

ينوي الشيباني قطع 600 كيلومتر سيراً على الأقدام عبر الرمال الذهبية والكثبان الشاهقة، مستعيناً بخبرته الواسعة في خوض المغامرات الصعبة والظروف القاسية. تهدف هذه المغامرة إلى توثيق تفاصيل الحياة الطبيعية والمعالم الثقافية التي تميز الربع الخالي، مع نشر الوعي حول أهمية المحافظة على البيئة الصحراوية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الشيباني لإلهام الشباب السعودي لتجاوز التحديات واكتشاف إمكاناتهم الكامنة من خلال الانخراط في تجارب جديدة ومثيرة.

تُعد هذه المغامرة جزءاً من جهود الشيباني المستمرة لدعم السياحة الصحراوية في المملكة، التي تشهد تطوراً كبيراً ضمن إطار «رؤية 2030»، وتهدف إلى إبراز الصحراء وجهة سياحية عالمية تعكس التراث الطبيعي والثقافي للسعودية، وتسهم في تعزيز الوعي البيئي. من خلال توثيق المناظر الطبيعية الفريدة للكثبان الرملية والمواقع البيئية المميزة، تأمل هذه الرحلة في جذب اهتمام عشاق المغامرة والطبيعة من مختلف أنحاء العالم.

المغامر السعودي بدر الشيباني (واس)

الشيباني مغامر سعودي بارز يتمتع بمسيرة حافلة بالإنجازات. من بين مغامراته الشهيرة رحلته إلى القطب الجنوبي، وتوثيقه لمسار الهجرة النبوية، فضلاً عن إنجازه تحدي القمم السبع الذي يعد من أكثر التحديات صعوبة على مستوى العالم.

إلى جانب كونه مغامراً، يحرص الشيباني على نشر ثقافة نمط الحياة الصحي والترويج للرياضة، مع التركيز على التوعية بأهمية التراث الطبيعي والثقافي في المملكة.

وتمثل مغامرته الحالية في الربع الخالي إضافة مميزة إلى سجل إنجازاته الاستثنائية، وتعكس التزامه الراسخ بالمساهمة في تطوير قطاع السياحة واستكشاف الإمكانات الطبيعية الهائلة للمملكة.

ومن المتوقع أن تسلط هذه المغامرة الضوء على جماليات الصحراء وأهميتها البيئية والثقافية، مما يعزز مكانة المملكة بوصفها وجهة سياحية مميزة ومصدر إلهام للمغامرين من جميع أنحاء العالم.