تعرَّض الفنان للتوبيخ... وماذا نفعل مع فنه؟

هل يجب الفصل بين وجهات نظرنا حول الفن وتلك المتعلقة بالفنانين

TT

تعرَّض الفنان للتوبيخ... وماذا نفعل مع فنه؟

جاءت ردود الفعل مدهشة في سرعتها وحسمها. يُتهم رجل قوي آخر في الإعلام أو الترفيه بأنه معتدٍ جنسي. وسواء اعترف بذلك أم لا، فإنه يُوضع موضع التحقيق أو الاستقالة أو الإقالة. وفجأة، أصبح عمله - بغض النظر عن عدد محبيه في السابق - شديد الفعالية. في يوم الثلاثاء، توقف عرض «تشارلي روز» عقب ادعاءات بأن مضيفه اللبق كان كثير التحرش بالفتيات. وانضم البرنامج إلى قائمة طويلة من المشاريع - مسلسل «هاوس أوف كاردز» للنجم كيفن سبايسي، الفيلم والعمل التلفزيوني للويس سي. كي.، ومسلسل أمازون الرائد «ترانسبيرنت»، وغيرها - التي أُلغيت مباشرة، أو سُحبت من التوزيع، أو تُركت في حالة فوضى بعد اتهامات بحق الرجال الأكثر ارتباطاً بنجاحها. ومع إبعاد المزيد من الشخصيات المهمة عن المشهد، على الأقل في الوقت الراهن، ماذا سيحدث لعملهم؟
قال الممثل كولمان دومينغو: «نعم، أصبح الفن يعاني». لقد فشل فيلمه «ذا بيرث أوف إيه نيشن» العام الماضي على شباك تذاكر السينما الأميركية بعد الكشف عن أن كاتبه ومخرجه نيت باركر متهم باغتصاب امرأة قبل ما يقرب من 20 عاماً. (بُرِئ باركر؛ وقتلت المرأة نفسها لاحقاً). عمل دومينغو أيضاً بسعادة بالغة (على حد وصفه) مع لويس سي. كي. وعندما تعلق الأمر بإلغاء أو سحب المشاريع، قال: «ليس لدي أدنى فكرة حتى الآن عن إذا ما كان هذا هو رد الفعل المناسب».
وأضاف دومينغو: «هذه مواقف حساسة للغاية تعكس ما تراكم في قطاعنا منذ سنوات»، وتابع: «أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا الهدوء وتقييم الموقف وعدم الرد باندفاع».
ويكاد يكون من المستحيل قياس قيمة فيلم سينمائي أو عمل تلفزيوني أو برنامج إخباري لجانٍ مزعوم في ظروف محنة الضحايا. الأمر يشبه مقارنة التفاح بوحيد القرن. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تكون العواطف متأججة.
في يوم الثلاثاء، على سبيل المثال، اندمج المراسل الكبير في وسائل الإعلام والسياسة لدى شبكة «سي إن إن» الأميركية ديلان بييرز في موجة الغضب العارمة بالطريقة المعتادة التي يتخذها الناس هذه الأيام على شبكة التدوينات المصغرة (تويتر)، حيث غَرَّد قائلاً: «ما بين الألم - الإذلال الذي تحملته النساء (الذي هو بالطبع مسألة بالغة الأهمية)، من المفيد تقييم استنزاف الموهبة بشكل لا يصدق من وسائل الإعلام - الترفيه الذي يُجرى الآن. لم يحدث أبداً أن غادر من لديهم الكثير من الموهبة تلك الصناعة في آنٍ واحد».
جاء رد الفعل فورياً وغاضباً. وكتبت امرأة على «تويتر» قائلة إن «ما قصد ديلان باييرز أن يقوله هو أنه شعر بخيبة أمل من أن المعتدين جنسياً يتعرضون للعقاب أخيراً على أفعالهم، لأنهم يتمتعون حقاً بمشاهدة مسلسل (بيت من ورق) وإعادة عرض (تشارلي روز)».
إن النزاع على ما ينبغي فعله مع نتاج المديرين التنفيذيين أو الفنانين أو المذيعين الإخباريين الملوّثين ليس بعيداً عن القضية الأبدية المتعلقة بكيفية فصل وجهات نظرنا حول الفن عن وجهات نظرنا حول الفنانين. كان فاغنر معادياً للسامية بشكل صارخ. وأساء ألفريد هتشكوك إلى الممثلات اللاتي عملن معه، لذلك يمكنك رؤية ديناميات القوة النفسانية الجنسية المختلفة وظيفياً علناً على شاشة التلفزيون. وأُدين رومان بولانسكي بممارسة الحب مع فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً، لكن هل هذا يعني أن فيلم «طفل روزماري» ينبغي أن يُسحب من التوزيع؟ كان يُنظر إلى هذه الأشياء عموماً على أنها حالات نادرة، التي - ربما - يمكن التغاضي عنها بسبب عبقرية الرجل الخاصة، أو لأن الزمن كان مختلفاً آنذاك. إن ما تغير الآن هو كشف أدلة على أن السلوك المفترس جنسياً منتشر، وأنه ازدهر في صناعات هرمية يسودها الذكور، التي في أفضل الظروف تجاهلت - وفي أسوأ الظروف مكّنت - مثل هذا السلوك من جانب رجال أقوياء كان لا يمكن المساس بهم.
في فترة الحساب الحالية، يرى البعض أن إلغاء أو محو عمل المتحرشين جنسياً بالجملة يكون بمثابة ثمن زهيد يدفعونه في حال إذا أدى إلى إعادة نظر بشكل كامل في الصناعات الإبداعية، حيث يكون استخدام الجنس والسلطة غامضاً غموضاً شديداً وعرضة للاستغلال.
وقال المنتج والمخرج جاد أباتو: «جميعنا لدينا غريزة محاولة معرفة كيفية تخليص كل هؤلاء الناس على الفور مع القدرة أيضاً على التمتع بكل هذا العمل، وهذه غريزة أنانية جداً». وفي رأيه، إن ما حدث لعملهم هو «السؤال الأقل أهمية» المطروح.
وأضاف: «يجب أن تكون كل طاقتنا مع الضحايا». وتابع: «ما الذي حدث معهم؟ كيف تعامل الناس مع هذا؟ ما الذي يمكن أن نفعله للمضي قدماً لدعمهم بطريقة مثمرة؟».
إن التحركات الرامية إلى انتزاع البرامج التلفزيونية أو إلغاء المشاريع المستقبلية أو - في حالة «بيت من ورق» أو «شفاف» - النظر في تصوُّر مسلسل شعبي من دون الممثلين المحوريين في ذلك العمل، لا تكاد تكون مجرد مسألة أخلاقيات بريئة. في حالة هذين العرضين، توجد أيضاً مسألة إذا ما كانت الجماهير ستريد حتى مشاهدتهما من دون نجميهما سبيسي وجيفري تامبور.
ومن الصعب تحديد إلى أي مدى تستند هذه القرارات إلى مسائل متعلقة بالمبدأ أو الجوانب الاقتصادية أو الدعاية أو مصالح الجمهور.
حاولنا الاتصال بالعديد من الشركات للتعليق على هذه المقالة - بما في ذلك «سوني» و«نتفليكس» - إلا أنها رفضت التعليق. وعلى الرغم من أن «نتفليكس» تستمر في عرض الحلقات القديمة لمسلسل «بيت من ورق»، بالإضافة إلى العروض الكوميدية للمثل لويس سي. كيه.، فإن شبكة أخرى (إتش. بي. أو.) لم تقتصر فقط على إقصاء لويس سي. كيه. من استحقاقات برنامجها الكوميدي «نايت أوف توو ميني ستارز» (ليلة للعديد من النجوم) في يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، بل إنها أزالت عمله السابق أيضاً من على موقعها. وأوضحت الشبكة في بيان، أن أعماله الكوميدية تشبه إلى حد كبير أفعاله غير الكوميدية. وقال البيان: «عندما نظرنا إلى عروض (إتش. بي. أو.) السابقة، اتخذنا أيضاً قرار عدم جعلها متاحة، لأن المادة فيها تشبه بشكل غير مريح سلوكه البغيض المعترف به».
ويرى بعض الناس، مثل الباحثة المناصرة للمرأة كاميل باغليا، أن الفن - بغض النظر عمن أنتجه - ينبغي أن يكون خارج نطاق العقاب.
وقالت باغليا، عبر رسالة بريد إلكتروني: «إن الفنان هو شخص ينبغي أن يخضع بالتأكيد للتوبيخ أو الاستهجان أو العقاب على أفعاله غير المقبولة في الحياة الاجتماعية». وأضافت: «لكن الفن - حتى عندما يتناول القضايا السياسية - يأخذ مفهوماً مجرداً خارج المجتمع».
ومع ذلك، توجد أرضية وسطية واسعة، ويعتبر الكثير من الناس أن القضية تدخل الآن في نطاقها. وحذرت الأستاذة في جامعة نورث وسترن الأميركية ومؤلفة كتاب «التطورات غير المرغوب فيها: الذعر الجنسي يصل إلى الحرم الجامعي» لورا كيبنيس من محاولة تطبيق عقوبة موحدة للجميع على الجرائم التي تختلف كثيراً عن بعضها البعض.
وقالت كيبنيس، متحدثة عن المنتج هارفي واينشتاين والناقد الأدبي ليون ويسلتير، اللذين يواجهان عدة اتهامات من فتيات عملن معهما: «في المواقف التي تحصل فيها هذه الحالات المتسلسلة مع واينشتاين أو ويسلتير، نكون في كنف الأمان لقول: نعم، نشعر بالراحة حيال اتخاذ التصرف تبعاً للتهمة المنسوبة»، وقارنت حالاتهما بالعدد الأصغر من الادعاءات الموجهة ضد تامبور، نجم مسلسل «شفاف» الذي نفى بشدة ارتكابه أي مخالفات.
وأضافت: «في الحالات التي تتغير فيها المعايير لأننا حساسون تجاه الأشياء في وقت لم نكن قد بلغنا فيه سن 20 عاماً، أو تواجه مجرد اتهام واحد أو اتهامين، فإنك تريد التصرف بعناية». وتابعت كيبنيس: «قد يختلف المكان الذي أضع فيه حداً عن المكان الذي يضع شخص آخر فيه حداً»، متسائلة: «إذا كان شخص زانياً، هل نسحب عمله؟ هل ستسحب كل أفلام هتشكوك من التوزيع، وكل أفلام كل شخص آخر متهم بأنه وضيع؟».

* خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.