أحدهم باع رشاشاً. الآخر اشتراه. يوم أمس اختار المشتري دخول محفل موسيقي ورش رصاصه على الموجودين. قتل من قتل وجرح من جرح ثم استخدم سلاحه ليقتل نفسه.
هوليوود لا تبعد عن لاس فيغاس أكثر من نصف ساعة بالطائرة (ونحو أربع ساعات بالسيارة) لكن التأثير واحد في كل مكان. هلع وخوف وتساؤلات حول المستقبل وسوق السلاح المفتوح برضا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
الممثل مارك روفالو كتب على «تويتر»: «يوم بائس. بائس لأن هذا يحدث مرة بعد مرة. بائس لأن هذه الأرواح البريئة فقدت حياتها بسبب رشاش يحب العنف. بائس لأن لا شيء سيحدث للسيطرة على هذا الوضع». وشاركته الفنانة لادي غاغا في توجيه اللوم لتجارة السلاح: «هذا إرهاب واضح. الإرهاب لا يعرف عنصراً أو جنساً أو ديانة. أيها الديمقراطيون والجمهوريون توحدوا لضبط السلاح».
المخرجة آفا دوفيرني، التي حققت قبل عامين فيلماً ضد العنصرية كتبت معلقة على أوصاف الإعلام للمجرم: «هو ذئب منفرد. قاتل محلي. مسلح. أي تسمية وكل تسمية باستثناء أنه إرهابي. أتعجب لماذا».
لكن لا أحد فعلاً يعتقد أن الحادثة، على بشاعتها، ستكون المنطلق للتقدم في مسألة التجارة المفتوحة لبيع الأسلحة النارية. لقد برهنت عشرات العمليات والأحداث السابقة التي وقعت في الولايات المتحدة عن عجز الحكومات الموافقة على الحد من بيع السلاح للعموم. بضعة أفلام دارت حول هذا الموضوع لكنها مجرد أفلام تحمل تمنيات.
آخر هذه الأفلام كان «مس سلون» الذي افتتح مهرجان دبي الماضي وفيه تقلب جسيكا شستين الطاولة على من يريد الحفاظ على تجارة السلاح دون مساس. «بولينغ فور كولمباين» لمايكل مور (2002) كان أحد الأفلام الأهم في هذا الاتجاه. بنى المخرج موقفه استناداً على حادثة كلية كولمباين عندما توجه طالبان شابان إليها وحصدا أرواح أبرياء آخرين.
- إرهاب بوسطن
في هوليوود، ستختفي حفلات الغالا والبسط الحمراء في مطلع الويك - إند المقبل عند افتتاح فيلمين جديدين أحدهما هو Blade Runner 2049 وهو الفيلم الذي يتوقع له تبوؤ المركز الأول في الإيرادات، والثاني هو «مارشال». يأتي السبب من باب التعبير عن الحزن لسقوط الضحايا وكمواساة لأهاليهم، لكنه لا يبتعد عن الخوف من أن يتكرر الحدث عند باب صالة السينما التي ستشهد، كالعادة في هذه المناسبات، حشداً من المعجبين والفضوليين قد يغري أحدهم بارتكاب مجزرة أخرى، أو بالتسلل داخل الصالة وارتكاب ما يحلو لمخيلته المريضة ارتكابه.
وكما أن غالبية الحوادث الإرهابية الداخلية تم اقتباسها إلى شاشات السينما والأعمال التلفزيونية، فإن حادثة لاس فيغاس لا بد أنها ستتبلور فيلماً سينمائياً أو تلفزيونياً بعد سنوات قليلة. في الواقع، يوجد من بين العروض الحالية فيلم عن حادثة إرهابية موازية وقعت في مدينة بوسطن قبل ثلاثة أعوام عندما تم وضع متفجرة عند نهاية خط سباق الماراثون.
الفيلم هو «أقوى» (Stronger) لديفيد غوردون غرين الذي يروي فيه حكاية جف بومان، الذي فقد ساقيه في الانفجار لكنه ساعد في الكشف عن المتهمين كونه لاحـظهما وحفظ ملامحهما. جاك جيلنهال يقوم بالدور الذي ربما أفضى به إلى حلبة الأوسكار المقبل.
في العام الماضي كنا شاهدنا فيلماً آخر عن هذا الموضوع ذاته هو Patriots Day الذي حققه بيتر بيرغ من بطولة مارك وولبيرغ. هذا دار حول رجل البوليس، مارك وولبرغ، الذي نشط في تتبع آثار الفاعلين مباشرة بعد الحادثة.
الأرقام المتاحة تؤيد هوليوود في إنتاجاتها لأفلام تروي مثل هذه المذابح. أكثر من 83 أميركياً يسقط قتيلاً للعنف المسلح في الولايات المتحدة كل يوم. هذا لجانب نحو 60 أميركياً آخرين يسقطون جرحى. ومنذ حادثة كولمباين المشار إليها تعددت حوادث إطلاق النار في المدارس والكليات والجامعات. الأرقام تفيد بأنه من العام 2012 (عندما وقعت حادثة مماثلة في بلدة ساندي هوك أودت بحياة 20 طالباً) فإن أكثر من مائة حادثة عنف فردية أو جماعية مماثلة وقعت في مؤسسات تعليمية أخرى.
- انجراف
لحين، جرى لوم السينما على استشراء العنف. لكن إذا ما كان «صائد الغزلان» لمايكل شيمينو (1978) دفع حفنة من الناس لتجربة لعبة الروليت الروسية (وضع رصاصة واحدة في بكرة مسدس ثم الرهان على حياة أو موت من سيضع فوهة المسدس على صدغه) فإن الحروب المستعرة والإرهاب المنتشر حول العالم - وانطلاقاً - من حادثة نيويورك سنة 2001 لا علاقة له بأي فيلم أو تيار سينمائي. بعض المرتكبين يكره السينما وربما لم يشاهد فيلماً منذ أن بلغ السادسة عشرة من العمر.
ما هو حاصل بالتحديد، هو حالة انفصام حادة عاشتها هوليوود منذ الأزل.
ففي الوقت الذي ينتمي معـظم السينمائيين إلى خطي اليسار والليبرالية اللذين عادة ما يعارضان حمل السلاح وشيوع اقتنائه، لا تتوقف الأفلام التي تقدس العنف كسبيل لإثارة الحوافز العاطفية لدى المشاهدين. كل تلك الأفلام القائمة على حوادث قتل مسلحة وعمليات عصاباتية وإرهابية نرى فيها الموت يحصد من القتلى أكثر مما يمكن لرشاش أو مسدس خزنه من رصاصات هي تذاكر مبيعة لجمهور راغب.
أكثر من ذلك، نجد أن معظم النجوم وصل إلى ما وصل إليه من شهرة أو مكانة بسبب أدوار حول أبطال مسلحين ينجرفون في القتل تحت مبدأ أو آخر لا فرق إذا ما كان مصيباً أو مخطئاً. هذا يشمل كلينت إيستوود، هاريسون فورد، أرنولد شوارتزنيغر، بروس ويليس، صامويل ل. جاكسون، توم كروز، روبرت داوني جونيور، سلفستر ستالون، ستيفن سيغال، رايان رينولدز والكثير سواهم.
- قوة الماغنوم
المسدس كان دوماً مثار إعجاب المتلقين. عندما يتقلد الممثل مسدسه تعرف أن المواجهة مقبلة وترتفع درجة توقعاتك. عندما يفتح البطل درجاً في منزله ليخرج مسدساً كان وعد نفسه بأن لا يلمسه مرّة ثانية تعلم أنه سيدخل معركة مقبلة فيزداد حماسك. أطفال أفلام سام بكنباه يشهدون العنف ماثلاً أمامهم فيتشربونه. يمارسونه (مشهد أطفال يحرقون عقرباً في مطلع «المجموعة المتوحشة» The Wild Bunch) أو يحلمون بارتكابه (مشهد توجيه طفل مسدس ماء إلى وجه ستيف ماكوين في فيلم «الهروب»).
مطلع فيلم «قناص أميركي» لكلينت إيستوود هو عبارة عن مشهد افتتاح يؤسس كيف تشرب المجند كريس كايل العنف صغيراً. وفي فيلم It الحالي يوصي أب ابنه بالقتل: أنت إما تقتل وإما تُقتل. لكن الفارق بين أفلام الأمس واليوم يكمن في أن أفلام الأمس كانت مزيجاً من الوله بالمسدس وازدرائه إلا في الحالات التي لا يعد فيها من الممكن عدم الاحتكام إليه.
في «حدة الـظهر» (High Noon) لفرد نمان (1952) يرمي الشريف غاري كوبر نجمته على الأرض احتجاجاً على مجتمع يشيح بوجهه خوفاً على حياته. جيمس ستيوارت في «ديستري يغزو ثانية» (Destry Rides Again) لجورج مارشال (1939) يحاول استخدام السلم وتحقيق القانون من دون سلاح ولو أنه في النهاية يلجأ إليه.
وكل فلسفة مسلسل «كونغ فو» (1972 - 1975) في السبعينات تقوم على أن بطله، ديفيد كارادين، ينتصر في كل مواقعه مستخدماً قبضتي يديه وحركات الكونغ فو في مواجهة الأشرار حاملي المسدسات.
كذلك كان حال البطل المنسي بيلي جاك (1971) الذي ينتصر على كل الأشرار بالطريقة نفسها ومن دون أن يطلق النار ولو مرّة واحدة.
تلك بعض الأفلام التي انضوت على دعوة بحد ذاتها سلمية وانتصرت لها. لكن المقابل حيث يكون الاعتماد على المسدس فضيلة ومبدأ سائداً وعليه أن يستمر أكثر عدداً بكثير. المسدس كان غالباً الحل الأمثل لإخماد نزاع ولانتصار الحق على الباطل والفضيلة على الرذيلة.
على نحو أعمق بقليل، هو دليل رجولة وعنفوان ذكوري إذا ما كان في يد البطل. هذا موحى به جيداً في مشهد لقاء بوني (فاي داناواي) بكلايد (وورن بيتي) في «بوني وكلايد» لآرثر بن. يلي هذا التوجه الكثير من القناعات الكثيفة حول اتخاذه سنداً لحامله.
في «رغبة موت» (Death Wish) يلجأ تشارلز برونسون إلى السلاح لكي ينتقم من العصابة التي قتلت زوجته واغتصبت ابنته. وبما أنه لا يعرف تلك العصابة وجهاً لوجه لا مانع لديه من معالجة فاشية للقانون فيبدأ بقتل كل من يراه يرتكب جريمة ما. تنتهي السلسلة بجزء خامس أسخف من الأول نرى فيه برونسون وهو يقتل عشرات الشبان الذين أثاروا الرعب في أوصال عجوز يهودي مسالم.
لكن أفضل من تعامل والمسدس على أساس أنه وسيطه لحل القضايا العالقة، حتى وإن لم تكن شائكة، كان كلينت إيستوود في «ديرتي هاري».
عبارته الشهيرة وهو يصوّب مسدسه للشرير (الأبيض أندرو روبنسون) ما زالت تثير الإعجاب: «أعرف ما تفكر به: هل أطلقت ست رصاصات أو خمس رصاصات فقط؟ حقيقة فإني خلال الحماس لم أحسب. لكن بما أن هذا المسدس من نوع ماغنوم 44 أقوى مسدس في العالم يستطيع أن يفصل رأسك عن جسدك، فإن السؤال الذي عليك أن ترد عليه هو (هل سأكون محظوظاً؟)».
ثم يختم بالقول: So do you feel lucky، punk.
ما يستمد عادة من أفلام هذه السلسلة (وسواها أيضاً) هو أن كلينت إيستوود (أو هاري القذر كما لقبه في الفيلم) لا يثق بالقانون الذي ينص على أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، ولا بالمحامين الذين يتدخلون ويفرجون عن القتلة ولا بالميديا لأنها ليبرالية تميل إلى اتهام رجال البوليس بالعنف. لكن الثابت على أي حال هو أن كثيرين من البشر لم يعرفوا مزايا مسدس ماغنوم 44 إلى أن أعلن عنه كلينت إيستوود في ذلك الفيلم سنة 1971. والإحصاءات تقول إن نسبة مبيعاته بعد الفيلم ارتفعت بنسبة 80 في المائة عما كانت عليه قبله.
هوليوود تستنكر إرهاب لاس فيغاس بإلغاء حفلاتها
الحادثة تعيد أفلام العنف المسلح إلى الواجهة
هوليوود تستنكر إرهاب لاس فيغاس بإلغاء حفلاتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة