بديعة مصابني فنانة شاملة عبَرت الأزمنة وخرّجت النجوم

سيرة مليئة بالمغامرات والإثارة في كتاب يستعيد الذكريات

بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
TT

بديعة مصابني فنانة شاملة عبَرت الأزمنة وخرّجت النجوم

بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)
بديعة مصابني تحايلت على عمر مُطعَّم بالمرارة (مواقع التواصل)

لا يزال اسم بديعة مصابني جذاباً لكثيرين ممن عرفوا شيئاً عن مسيرتها المثيرة. فنانة شاملة؛ تغنّي على المسرح، ترقص وتمثّل، حتى حار النقاد في وصفها. الآن، تعود السيدة التي تربّعت على عرش مسرح «الفودفيل» في مصر قرابة 40 عاماً، إلى الواجهة، مع صدور مذكراتها بعناية الباحث مروان فليفل في طبعةٍ ثانية عن دارَي «نلسن» اللبنانية و«ريشة» المصرية، بعد نصف قرن من صدورها للمرة الأولى.

تأتي أهمية سيرة مصابني المولودة عام 1892 في دمشق لأم سوريا وأب لبناني، من أحداث حياتها المليئة بالمغامرات، وتتمفصل مع أحداث سياسية وفنية مهمّة مرّت بها المنطقة. فقد عاصرت الدولة العثمانية أيام السلطان عبد الحميد الثاني، وشهدت الحرب العالمية الأولى، ثم سقوط الدولة العثمانية وحلول الانتدابين البريطاني والفرنسي، وتقسيمات «سايكس بيكو». كما عاشت الحرب العالمية الثانية، والاستقلالات العربية، وسقوط الملكية في مصر. وهي، خلال كل هذه السنوات، كانت تتنقل من بلد إلى آخر، وتعاني وتجاهد من أجل أن تجد أماناً، قبل أن تتمكن بالفن من نيل شهرة كبيرة في مصر، وإدارة أحد أهم الكازينوهات التي عرفتها القاهرة في تاريخها.

كتاب يروي سيرة بديعة مصابني المثيرة (الجهة الناشرة)

عائلتها متوسطة، من 7 أولاد، أصغرهم بديعة، يعيشون من مصبنة. يفارق الوالد الحياة وتحترق المصبنة ليبدأ طريق الآلام. فجأة، تصبح الصغيرة وديعة ابنة السنوات السبع، قبل أن تُسمّى بديعة، عاراً على العائلة بعد تعرّضها للاغتصاب، وتقرّر والدتها التشهير بالمغتصب وسوقه إلى المحكمة. لكنه لا ينال سوى حكم عابر، بينما صارت بديعة مَثارَ شفقةِ أهل الحي وثرثراتهم، وعبئاً على عائلتها، وسبب الغضب والعنف الدائمين لوالدتها. أمام هذا الوضع البائس لا ترى الأم حلاً مع ابنتها سوى الهجرة.

غادرت بديعة مع والدتها دمشق إلى بيروت، حيث انتظرهما باقي أفراد العائلة. «ركبنا أول باخرة صادفناها درجة رابعة، أي على (ظهر البابور)، وذلك من دون جوازات سفر. كانت السفرة سلسلة عذاب لا تنتهي. وجدني جميع أفراد أسرتي سبب ذُلّهم وفقرهم وتشرّدهم. كانوا يجاهرون بهذا الشعور أمام الجميع، فوالدتي تنتهرني باستمرار أمام الناس بلهجتها الشامية (الله لا يكبّرك، الله يقصف عمرك، حمَّى تسلقك...)، وتنهال عليّ ضرباً بقسوة. وكلما تذكّر أحد أشقائي بلاده وصعُبت عليه حالته، شتمني وضربني على مرأى من الركاب ومسمعهم، حتى أصبحتُ لخوفي من الضرب، أحتمي بالبحارة الذين كانوا ينقذونني من أهلي».

في الأرجنتين، تعلّمتْ ابنة الثامنة الإسبانية والرقص والغناء في المدرسة، وأُعجب بها أساتذتها، فاهتموا بموهبتها. لكنَّ الأم لم يهنأ لها البقاء، فعادت بابنتها طامعةً في إرث والدها الذي تُوفي، ولم تعثر على ما يستحق التضحية. من جديد، توجّهت ببديعة إلى لبنان هرباً من سوء المُقام في حيّهما، لكنَّ الرحلة كانت على الأقدام. تروي بديعة الألم والتشرد اللذين ذاقتاهما بينما وصلتا إلى بيت شقيقتها قرب مدينة جبيل. وهي لم تكن السفرة الأخيرة مشياً. فالمواصلات قليلة، والوالدة الحريصة تكره الإنفاق، فكانت النتيجة السير مع ابنتها من دمشق إلى جبل لبنان.

بديعة مصابني فنانة متعدّدة المواهب (مواقع التواصل)

لكن المُقام لم يَطِبْ للأم، فقررتا السفر إلى مصر. حلمُ الفن لم يفارق الصبية. في القاهرة، وبينما كانت بديعة في حديقة الأزبكية تمارس هوايتها في التزحلق، تعرّفت إلى شخص قادها إلى المسرح المجاور. «دخلنا مسرح الأزبكية، وكانت أول مرة تطأ فيها قدمي مسرحاً. وجدتُ نفسي في دنيا ثانية، جميلة، تختلف عن غرفتنا، وأمي وأخي توفيق... بسرعة البرق تصورتُ نفسي على المسرح أرقص وأُغنّي وأنا ألبس الحرير، وتُزيّن عنقي المجوهرات لتنعكس عليها الأضواء الساطعة. غبتُ في حلم لذيذ، كأنني أسمع تصفيق الجمهور وهتافه. لم أفق منه إلا عند انتهاء حفلة (الماتينيه)، فخرجتُ من أنوار المسرح إلى ظلمة الشارع».

هناك تعرّفت إلى جورج أبيض، وبدأت الرحلة. لم تُجِد بديعة العربية لاعتمادها الإسبانية في المدرسة بالأرجنتين، لكن جورج أبيض عهد بها إلى جورج سليم الذي علّمها لغتها الأم، وباتت قادرة على أن تقرأ النصوص وتحفظها، وتؤدي أدوارها.

حين بدأت التمثيل، كانت في الثالثة عشرة، وأخفت عن والدتها ما كانت تفعله. إلا أنّ تضييق الأم عليها، جعلها تسعى إلى التخلّص منها. تمكنت «العفريتة» من إقناع والدتها بأنّ العودة إلى دمشق أفضل. اشترت تذكرة قطار واحدة: «ذهبنا إلى المحطة وصعدنا القطار وأنا أتظاهر باللهفة عليها وعلى أمتعتها. وما إن شعرت بأنّ القطار بدأ يتململ ليُسرع في المسير، حتى نهضت وقلتُ لها ببساطة: (أنا ذاهبة أبحث لنا عن طعام... ونزلتُ منه)».

هكذا انطلقت بديعة وبدأت رحلتها الفنية بكامل الحرية. من بعدها، تعرفت إلى فرقة الشيخ أحمد الشامي التي تجول في الأرياف، وأدّت أدواراً متنوّعة، فيها التمثيل والغناء. تعرّفت مصادفة إلى نجيب الريحاني وتزوّجته عام 1943، وانطلقت معه في شراكة فنية ناجحة، دشّنتها بجولة في أميركا الجنوبية، وكانت أنجح أعمالها معه «الليالي الملاح». استمر الزواج 25 عاماً، لم تكن سهلة بين شخصين مختلفَي المزاج. لكنها تقول إنه كان لها عوناً فنياً كبيراً جداً.

بديعة مصابني ونجيب الريحاني يوم زفافهما (ويكيبيديا)

بعد انفصالها عن الريحاني، أنشأت شركة إنتاج سينمائي، وخسرت بعد تراكم الضرائب عليها. أما مشروع العمر فهو «كازينو بديعة» الذي كان عالماً يضجّ بعشرات الموسيقيين والمغنّين والراقصين والموظّفين. كازينو، ومطعم ومقهى، و«روف غاردن». طبقات ثلاث تعجّ بالرواد طوال النهار. من هذا الكازينو، تخرّج فنانون كثرٌ. من هنا مرّت تحية كاريوكا وسامية جمال، وغنّى فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب، وعُقدت الجلسات الثقافية التي كان من بين جلسائها نجيب محفوظ.

لكنّ الحياة تبدّلت. سرق بريق السينما الفنانين، وبدأ «كازينو بديعة» يفقد وهجه ونجومه، وتراكمت الضرائب على صاحبته. يقال إن ثمة مَن دبّر لها مكيدة للتخلّص منها، فهربت إلى لبنان، لكنها أضاعت ثروتها، ولم يبقَ منها إلا القليل. وعملت في مدينة شتورة البقاعية ببيع الأجبان والألبان طوال 24 عاماً. عانت انطفاء الضوء، والوحدة، والعزلة طوال هذه الأعوام، إلى أن توفيت في يوليو (تموز) عام 1974 عن 86 عاماً.


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».


معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».