لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

المفكر النمساوي من البحث في الوجود إلى تحليل اللغة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار
ثقافة وفنون «الحصيد»... رواية جديدة ليوسف زيدان

«الحصيد»... رواية جديدة ليوسف زيدان

لا يبدو الكاتب يوسف زيدان في روايته الجديدة «الحصيد» مشغولاً بالتجديد في شكل البناء الفني أو رسم الشخصيات أو تقنيات السرد، بقدر انشغاله بـ«الرؤية الفكرية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».


لوريل وهاردي... ثنائي «الفوضى الجميلة»

لوريل وهاردي... ثنائي «الفوضى الجميلة»
TT

لوريل وهاردي... ثنائي «الفوضى الجميلة»

لوريل وهاردي... ثنائي «الفوضى الجميلة»

في طبعة جديدة من كتاب «لوريل وهاردي» صادرة عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق السينما»، يؤكد الناقد والباحث الفني أحمد الجهيني أن ستان لوريل «1890- 1965»، وأوليفر هاردي «1892 - 1957» لم يتحولا إلى أشهر ثنائي في الأفلام الكوميدية العالمية، بعصريها الصامت والناطق، من فراغ. استطاع الممثلان أن يعيدا صناعة الأفلام إلى فلسفة الرجل البسيط ومواقف الحياة اليومية، فضلاً عن براعتهما في العزف على وتر الطفولة المفقودة والبراءة المختبئة داخل كل متفرج والذي يتوق إلى عمل مشحون بكثير من العفوية وقليل من السذاجة حتى يتحرر هذا الطفل بداخله.

يصنف النقاد أعمال الثنائي المرح بوصفها نوعاً من «كوميديا التهريج»، وهو أسلوب من الفكاهة يتضمن نشاطاً بدنياً مبالغاً فيه قد يتضمن عنفاً متعمداً أو يستلهم الحوادث المؤثرة التي تَنتج غالباً عن الاستخدام غير الحكيم لأدوات تتطلب حذراً مثل المناشير والسلالم. وقد يضرب الممثلون بعضهم بعضاً بشكل متكرر مع تأثير كبير دون التسبب في أي ضرر أو مع ألم بسيط للغاية.

ويكمن السر هنا فيما يمكن تسميتها «الفوضى الجميلة»، فهما يحاولان دائماً حل مشكلة بسيطة، لكن بسبب حماقتهما أو قلة خبرتهما أو ادعاء أحدهما أو كليهما القوة أو الذكاء، تتحول المشكلة أو الشيء البسيط إلى «كارثة». من هنا قيل إنهما كانا في الأساس طفلين صغيرين في جسدي رجلين كبيرين وإنهما يذكِّراننا بالأوقات التي كنا فيها أكثر براءةً وطفولةً بقيم أكثر بساطة. كما قامت فلسفة الضحك لديهما على إسعاد روح الشخص البسيط أو الإنسان الذي ليس لديه مال ولم يحظَ بقدر عالٍ من التعليم ولا يمتلك أفقاً على ما يبدو، ورغم ذلك يسعى إلى الأمام ويتعامل مع سخافات الحياة بطريقة أكثر سخافة.

إن الفضول الطفولي الذي يدفع لوريل للضغط على زر مكتوب عليه «لا تضغط» هو الفضول الذي وُلدنا به جميعاً ولكنَّ المجتمع يرفضه، أما غطرسة هاردي فهي نفس الغطرسة التي نطوِّرها جميعاً بدرجات متفاوتة للرد على ضغط المجتمع. وهكذا في أفلامهما يظهر لوريل دائماً كطفل فضولي، ويظهر هاردي كرجل متغطرس ويستمر الصدام بينهما، لكنَّ الجانب الأكثر جاذبية هو استمرار علاقتهما على الشاشة بغضِّ النظر عن المصائب الكوميدية والصراعات التي تخرج عن مسارها.

وعلى عكس أعمال تشارلي شابلن التي تضمنت أفكاراً سياسية واجتماعية، فإن أفلام لوريل وهاردي كانت مهتمة فقط بالكوميديا، وأن تجعل الجمهور يضحك من خلال مواقف الحياة اليومية البسيطة. هو ليس ضحكاً لمجرد الضحك، ولكنه أيضاً لا يحاول الإيحاء بأنه يحمل هماً آيديولوجياً شديد الإلحاح.

ويكفي الاثنين وجود فكرة عامة، ثم ينطلقان خلال العمل في بناء عديد من المواقف و«الإفيهات» الارتجالية دون اتباع سرد محدَّد أو سيناريو مسبق. ومن أكثر العبارات التي استخدمها الثنائي المرح في الأفلام وأصبحت مأثورات شعبية عبارة «حسناً هذه فوضى لطيفة أخرى أدخلتني فيها»، و«لماذا لا تفعل شيئاً لمساعدتي؟».

جذور لوريل

في يوم 16 يونيو (حزيران) 1890 وُلد آرثر ستانلي جيفرسون في منزل أجداده بشارع «أرجيل» بمدينة أولفيرستون بمقاطعة لانكشاير الإنجليزية. كان والداه من عشاق المسرح، فوالده آرثر جيفرسون كان مديراً لمسرح بمدينة «بيشوب أوكلاند»، ووالدته مارغريت ميتكالف ممثلة، وكان آرثر الذي عُرف فيما بعد باسم «ستان لوريل» واحداً من خمسة أطفال لهذين الزوجين.

رسم ستان ملامحه الكوميدية النموذجية من خلال عروض «قاعة الموسيقى» بما في ذلك القبعة التي اشتُهر بها وعُرفت باسم «قبعة الرامي»، وهي مستديرة صلبة من اللباد على هيئة بيضة أو خوذة لها إفريز إلى أعلى، كما نحت ملمحاً آخر من ملامح شخصيته الفنية، وهو الملمح الخاص بشخصية الغبي الأحمق التي ظهر بها في كل أفلامه.

في عام 1910 انضم لوريل إلى فرقة «فريد كارنو» المسرحية فغيَّر اسمه إلى جيفرسون بدلاً من آرثر ستانلي جيفرسون، وكانت الفرقة تضم شاباً يدعى تشارلي شابلن، وقام لوريل بدور البديل لشابلن لبعض الوقت. وصل شابلن ولوريل إلى الولايات المتحدة على نفس السفينة القادمة من بريطانيا مع فرقة «كارنو» التي قامت بجولة في أمريكا واستمرت عروضها حتى ربيع 1914 حتى تم حلها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بأشهر قليلة، حيث قرر كارنو السفر والقتال في فرنسا.

رغم أن أغلب محبي لوريل وهاردي يميلون إلى لوريل أكثر من هاردي فإنه لا يمكن تخيل لوريل من دون شريكه الأميركي الضخم الذي ظهر دائماً بوصفه الرفيق سريع الانفعال الغضوب الواثق من نفسه تماماً، بل المتغطرس الذي يظن أنه المسيطر على الأمور رغم أن الأحداث تثبت عكس ذلك.

بدايات هاردي

وُلد أوليفر هاردي في 18 يناير 1892 في مدينة هارلم بولاية جورجيا الأميركية، ويقال إنه كان يزن 14 رطلاً عند الولادة، وسيكون وزنه مصدر إحراج حاد له معظم حياته، لكنه في النهاية سيصبح أيضاً مصدراً للعمل المربح.

كان طفلاً صعب المراس، لذلك تم إرساله إلى كلية «يونغ هاريس» في شمال جورجيا 1905 وكان وقتها في الثالثة عشرة لكنه لم يكن لديه الاهتمام الكافي بالتعليم الرسمي. سرعان ما انضم إلى فرقة مسرحية وهرب من مدرسته الداخلية الواقعة قرب مدينة أتلانتا للغناء مع فرقة موسيقية، ومن هنا أدركت الوالدة إميلي ميل ابنها للغناء فأرسلته إلى أتلانتا لدراسة الموسيقى والصوت مع مدرس الغناء أدولف بيترسن.

اقترح عليه أحد الأصدقاء أن ينتقل إلى مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا حيث يتم إنتاج بعض الأفلام، وهو ما فعله هاردي عام 1913، حيث كان يعمل في شركة «لوبين» للإنتاج السينمائي مقابل خمسة دولارات في اليوم مع ضمان ثلاثة أيام عمل في الأسبوع. وفي المساء كان يعمل مغنياً ومشاركاً في عروض الكودكيل، «وهى عروض مسرحية أقرب إلى عروض السيرك انتشرت في الولايات المتحدة وكندا منذ 1880 حتى 1930».

في العام التالي قدم هاردي أول فيلم له، وبحلول عام 1915 كان قد شارك في خمسين فيلماً قصيراً مع استوديو «لوبين» من فئة «البكرة الواحدة» قبل أن ينتقل إلى لوس أنجليس، حيث عمل بشكل مستقل لعديد من استوديوهات هوليوود. وبحلول عام 1921 تم اللقاء الفني الأول بين ستان لوريل وأوليفر هاردي في فيلم «الكلب المحظوظ».

ظهر هاردي قبلها في أكثر من مائتين وثلاثين فيلماً قصيراً، في بعض الأحيان أُسند إليه دور البطولة ولكن في أغلب المرات قام بدور الشرير وهو دور مساعد أو دور «ثقيل الظل» وكان كما وصفه النقاد «محترفاً محنكاً ومحترماً في مجال صناعة الأفلام».

في الوقت نفسه لم يكن لدى لوريل سوى 12 فيلماً فقط، حيث كان يركز على سلسلة أفلامه الكوميدية القصيرة، محاولاً أن يصبح نجماً رائداً كما حدث مع مثله الأعلى وزميله في قاعة الموسيقى وزميل رحلته إلى أميركا تشارلي تشابلن الذي أصبح بحلول هذا الوقت أكبر نجم سينمائي في العالم.

بعد «الكلب المحظوظ» مرّت خمس سنوات قبل ظهور لوريل وهاردي معاً كثنائي كوميدي في فيلم «حساء البط» 1927 واستند إلى قصة اسكتشات بعنوان «المنزل في شهر العسل» كتبها 1905 آرثر جيفرسون، والد ستان. كان استقبال الفيلم إيجابياً إلى حد ما، وقال النقاد إنها «كوميديا مسلية مع كثير من المواقف المضحكة، والعديد منها من النوع المألوف، ولكن تم التعامل معها بذكاء».

يصنف النقاد أعمال الثنائي المرح بوصفها نوعاً من «كوميديا التهريج»

مفارقات «الكساد الكبير»

بدأ ما يعرف بـ«الكساد العظيم» مع انهيار سوق الأسهم الأميركية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1929 حتى عام 1940، وخلاله وصلت نسب البطالة إلى معدلات غير مسبوقة. وخلال تلك الفترة قدم لوريل وهاردي أكثر من 53 فيلماً ما بين قصير وطويل، والمدهش في الأمر أن العام الأول للكساد هو العام نفسه الذي تعرف فيه العالم بشكل حقيقي على الثنائي المرح. كما أسهم تصدير الأفلام الأميركية في التقليل من الآثار الاقتصادية للكساد، بخاصة مع دخول السينما الأميركية المراحل الأولى لعصر السينما الناطقة.

ذات مرة سأل أحدهم ستان لوريل عن هواياته هو وشريكه أوليفر هاردي، فردّ الكوميديان النحيف: «كانت لدينا هوايات مختلفة، كان هاردي يحب الخيول والغولف، أما هواياتي فمعروفة وتزوجتها جميعاً». ما يقصده لوريل أن الحب والزواج كانا هوايته المفضلة، ورغم ما في العبارة من فكاهة ومبالغة فإن حياة ستان لوريل العاطفية والعائلية كانت فوضوية مثل حبكات أفلامه.

وصف الكاتب الآيرلندي جون كونولي، لوريل بأنه «كان رومانسياً يتوق إلى الاستقرار، وأن عروضه الكوميدية غالباً ما أظهرت افتقاره إلى الثقة على الشاشة، لكن الأفلام أحادية اللون (الأبيض والأسود) لم تنقل زرقة عينيه التي أوقعت النساء في حبه بقوة».

كان ستان كذلك كاتب خطابات بارعاً، حيث احتوى أرشيف مراسلاته على أكثر من 1500 خطاب تؤكد أنه رجل أدب متخصص في أدبيات المراسلة، وغالباً ما كان يكتب الخطابات لمجرد المتعة ولأنها كانت الوسيلة الوحيدة لملء فترة تقاعده الطويلة، والتواصل مع الأصدقاء والمعجبين عن طريق البريد، ساعده على ذلك أنه كان لديه حب فضولي للأوراق والأقلام. وخلال إحدى المقابلات التي أجراها مع جون مكابي، كاتب سيرته الذاتية، كشف لوريل عن رغبته في امتلاك متجر أدوات مكتبية، واعترف بأنه راضٍ تماماً عن قضاء فترات ما بعد الظهر بأكملها في فحص أنواع الورق.