من تونس إلى غزة... دعمٌ ودمعٌ وموسيقى

الفنانة الأردنية مكادي نحّاس: «في مثل هذه اللحظة، يتحوّل الغناء إلى فعل مقاومة»

الفنانة الأردنيّة مكادي نحّاس على مسرح «دار الأوبرا التونسية» (صور الفنانة)
الفنانة الأردنيّة مكادي نحّاس على مسرح «دار الأوبرا التونسية» (صور الفنانة)
TT

من تونس إلى غزة... دعمٌ ودمعٌ وموسيقى

الفنانة الأردنيّة مكادي نحّاس على مسرح «دار الأوبرا التونسية» (صور الفنانة)
الفنانة الأردنيّة مكادي نحّاس على مسرح «دار الأوبرا التونسية» (صور الفنانة)

تعدّدت أشكال الدعم، والرسالة هي نفسها؛ القول لأهل غزّة إنهم ليسوا وحدهم، وإنّ الملايين يتألّمون لألمهم. منهم من يدعّم بالكلمة، ومنهم بالنزول إلى الشارع، ومنهم من يعتلي خشبة المسرح للغناء لفلسطين وقطاعها المحاصَر المكلوم.

في «أوبرا» تونس، ليلة 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، اجتمع الهدفان المعنويّ والماديّ، فغنّى الفنانون لطفي بوشناق، ومكادي نحّاس، ودرصاف الحمداني، ولبنى نعمان، لفلسطين، برفقة الأوركسترا السيمفونية التونسية، وأرسلوا عائدات الحفل إلى أهل غزة عن طريق «الهلال الأحمر التونسي».

ملصق سهرة التضامن مع الشعب الفلسطيني من تنظيم وزارة الثقافة التونسية (موقع الوزارة)

صرخة أعلى من هدير القتل

تخبر الفنانة الأردنيّة مكادي نحّاس، «الشرق الأوسط»، أنها لم تتردّد لحظةً في تلبية دعوة وزارة الثقافة التونسية، المنظِّمة للحفل. رغم دقّة اللحظة، لم تتأخّر في حَزم حقائبها والانتقال من منزلها في عمّان إلى تونس؛ للانضمام إلى الأمسية.

«كان من الصعب عليّ أن أغنّي في وقتٍ يُقتَل فيه الأبرياء في غزة»، تقرّ نحّاس. ثم توضح: «لكن بالنسبة لي، هذا تضامن... فأنا لم أكن أغنّي في سهرة أو في عرس. في مثل هذه اللحظة، يخرج الفن من ثوبه التقليديّ، ويستحيل النغم صرخةً تدوّي عالياً علّها تغطّي على هدير القتل. قد لا يستطيع الغناء أن يَخيط الجِراح المفتوحة، لكنّه يبعث الأمل ويمنح أهل غزة صوتاً». وتضيف نحّاس: «في وقتٍ هم محرومون فيه من التواصل مع العالم، نحن الفنانين صوتهم، لم نتعب من المناداة بحقّهم في حياةٍ خالية من التعذيب والتنكيل».

أمام جمهور حاشد غنّى فنانون من تونس والأردن دعماً لأهل غزّة (وزارة الثقافة التونسية)

«يا ظلام السجن خيّم»

«ضَربْ الخناجر ولا حُكم النذل فيّ»... تَصدح مكادي نحّاس من قلب تونس إلى قلوب الغزّيّين. لهم كل الأغاني والأهازيج والأناشيد هذه الليلة؛ «يمّا مويل الهوى»، «إلهي أعِدني إلى وطني عندليب»، «عمّي يا بو الفانوس»، «موطني»، و«يا ظلام السجن خيّم»... هنا يختلط الدعمُ بالدمع؛ دون مرافقة موسيقيةّ، تغنّي مكادي: «لن نخون الأرض يوماً، واتّخذنا الحبَّ دِيناً»، ثم تنهارُ باكيةً.

انسحب الدمع على الجمهور الذي غصّت به قاعة الأوبرا. 2500 شخص ارتجفت جفونهم لغزّة وخفقت لها قلوبُهم. تصف نحّاس اللحظة بالصعبة، لكن ما خفّف من وطأتها هي تلك القناعة الصلبة بأنّ «أقلّ ما يمكن فعله هو إيصال أصوات الضحايا من خلال الموسيقى». تقول إنّ «الغناء يتحوّل في مثل هذا الظرف إلى فعل مقاومة، خصوصاً إذا كان الفنان ملتزماً أساساً بقضايا الشعوب العربيّة، والإنسان عموماً».

وفق نحّاس، فإنّ ما يحصل حالياً هو «لحظة امتحان لإنسانيّتنا جميعاً وللالتزام الفني الحقيقي». وتدعو الفنانة الأردنية الجمهور العربي إلى حُسن التمييز بين الفنان الملتزم حقاً، وذاك الذي يكتفي بإطلاق الشعارات.

بين حضورين رسمي وشعبي تخطّى جمهور الحفل 2500 شخص (وزارة الثقافة التونسية)

من تونس إلى عمّان

من شوارع تونس، التي لم تهدأ فيها التظاهرات المستنكرة جلجلةَ أهل غزّة، تنتقل مكادي نحّاس إلى شوارع عاصمتها عمّان؛ حيث الالتفاف الشعبي حول غزّة وأهلها لا يقلّ شأناً. وبعد أن ألغت أنشطتها الفنية والإعلامية كلها، ومن بينها سهرة غنائية كانت مقرّرة في بلدة أم قيس الأردنيّة الأثريّة، تستعدّ لتنظيم حفل تضامنيّ مع غزة في عمّان، «حتى لو جاء بمبادرة فرديّة».

إلى جانب هذا الحفل المرتقب، تشير نحّاس إلى أنها في طور تحضير أغنية خاصة بفلسطين، من كلمات الشاعر السوري هاني نديم. ومع العلم بأنّها طالما التزمت بالأغنيتيْن الإنسانيّة والوطنيّة، فهي تؤكّد أن التوجّه، خلال المرحلة المقبلة، سيكون إلى مزيد منها.

مارسيل خليفة عبر الفيديو

أما بالعودة إلى سهرة التضامن مع الشعب الفلسطيني في تونس، فقد افتتح العرض بأوبريت «الحلم العربي»، من أداء كورال الأطفال، يرافقه الكورال الوطني وأصوات أوبرا تونس، وكانت الكوفيّة تلفّ أعناق الجميع؛ من مُنشدين وعازفين. أما في الخلفيّة فبُثّت على شاشة عملاقة لقطات من الوقفات التضامنية التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة في تونس.

وبحضور وزيرة الثقافة التونسية، ووزير التربية، وعدد من الرسميين، وممثلين عن السفارة الفلسطينية بتونس، قدّمت الفنانة التونسية درصاف الحمداني «زهرة المدائن» للسيّدة فيروز والأخوين رحباني. أما الفنان التونسي لطفي بوشناق فأنشد «خلّيك صامد يا فلسطينيّ»، و«أنا العربي»، لتُطلّ بعده الفنانة التونسية لبنى نعمان مختارةً من أعمال الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنّا «احكي للعالم»، من كلمات سميح القاسم، ومن شعر محمود درويش، قدّمت نعمان «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

الفنانة التونسية درصاف الحمداني خلال أدائها أغنية «زهرة المدائن» (وزارة الثقافة التونسية)

كما تخلّلَ الحفل إطلالة عبر الفيديو للفنان اللبناني مارسيل خليفة، عبّر فيها عن تضامنه مع أهل غزة. وعقب كلمة خليفة، قدّم الكورال أغنية «إني اخترتك يا وطني» من بين أعماله.

وقد اختتمت الأمسية التضامنيّة بعرض مضيء للعَلَميْن التونسي والفلسطيني، وللكوفيّة الفلسطينية ولخريطة فلسطين على برج مدينة الثقافة؛ حيث مقرّ الأوبرا.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعم «الأونروا» لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين

الخليج السفير السعودي نايف السديري يسلِّم الشيك لفيليب لازاريني مفوض عام الوكالة (واس)

السعودية تدعم «الأونروا» لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين

قدَّمت السعودية دعماً مالياً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ لدعم برامجها وعملياتها في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي نتنياهو يدرس خطة لإخلاء شمال غزة من المدنيين وقطع المساعدات على من يبقى play-circle 01:25

نتنياهو يدرس خطة لإخلاء شمال غزة من المدنيين وقطع المساعدات على من يبقى

يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لقطع المساعدات الإنسانية عن شمال قطاع غزة، في محاولة منه «لتجويع» مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير الخارجية الصيني وانغ يي (رويترز)

الصين تطلب من إسرائيل وضع حد «للكوارث الإنسانية» في قطاع غزة

أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الاثنين، في مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أنه من الضروري وضع حد لـ«الكوارث الإنسانية» في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي فلسطينيون يشاهدون سيارات محترقة نتيجة غارة إسرائيلية على خيام تؤوي نازحين في باحة مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة (د.ب.أ)

إسرائيل تكثّف الضغط العسكري على شمال غزة وسط مخاوف التهجير

قال مُسعِفون فلسطينيون إن 10 أشخاص على الأقل قُتلوا، وأُصيب 30 آخرون، بسبب قذائف دبابات إسرائيلية‭‭ ‬‬استهدفت مركزاً لتوزيع المواد الغذائية في جباليا.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون ينزحون من مناطق شمال مدينة غزة السبت الماضي (أ.ف.ب)

«الصفقة» تتراجع و«الضم» يتقدّم... ماذا تُدبّر إسرائيل لغزة الآن؟

أكّدت مصادر أمن إسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تكتفي بعرقلة صفقة التبادل، بل إنها تدفع نحو «ضم زاحف» لأجزاء كبيرة في قطاع غزة بدلاً من إنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

فم اصطناعي لتغذية كبار السن

الفم الاصطناعي يحاكي حركات اللسان البشري (المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية)
الفم الاصطناعي يحاكي حركات اللسان البشري (المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية)
TT

فم اصطناعي لتغذية كبار السن

الفم الاصطناعي يحاكي حركات اللسان البشري (المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية)
الفم الاصطناعي يحاكي حركات اللسان البشري (المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية)

ابتكر باحثون من المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية، فماً اصطناعياً لمحاكاة حركات اللسان البشري بهدف فهم كيفية معالجة الأطعمة اللينة بشكل أفضل داخل الفم.

وأوضح الباحثون أنه جرى تصميم هذا الفم على أنه حل مبتكر للمساعدة في تطوير أطعمة مخصصة للأشخاص الذين يعانون مشكلات مرتبطة بالتقدم في العمر، وفق النتائج المنشورة، الثلاثاء، في دورية «ساينتفيك ريبورتس».

ومع ازدياد عدد سكان العالم وارتفاع متوسط الأعمار، يواجه قطاع الصناعات الغذائية تحدياً يتمثل في تقديم منتجات مبتكرة تلبي احتياجات الأشخاص الذين يعانون الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر، مثل ضعف العضلات (الساركوبينيا) أو مشكلات في اللعاب أو البلع.

ووفق الباحثين، فإن النماذج المختبرية المماثلة الحالية تعاني من صعوبة في محاكاة تشريح الفم أو حركات اللسان بدقة، مما يحد من قدرتها على توفير نتائج دقيقة لتطوير الأغذية المصممة لتلبية الاحتياجات الخاصة لمجموعات سكانية مختلفة مثل كبار السن.

وفي هذا السياق، تعاون الباحثون من المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية والغذائية والبيئية وزملاؤهم في جامعة «فوجيتا» باليابان لتصميم أول فم اصطناعي يمكن برمجته لمحاكاة الانقباضات والحركات الملاحَظة في الجسم الحي.

ويعتمد الفم الاصطناعي على بيانات تشريحية جمعتها جامعة «فوجيتا»، وهو مزوَّد بلسان مصنوع من السيليكون ينقبض باستخدام الهواء المضغوط لمحاكاة الحركات الطبيعية للسان البشري.

ويحتوي اللسان على ثلاثة تجاويف قابلة للنفخ والتفريغ باستخدام هواء مضغوط لتوليد الحركات الطبيعية، التي تجري مراقبتها باستخدام تقنيات التصوير بالموجات فوق الصوتية.

وجرى اختبار هذه التقنية المتطورة مع ثلاثة أطعمة لينة متاحة تجارياً هي حلوى الكريمة، وموس الشوكولاتة، وكعكة الشوكولاتة.

وكانت كُتل الطعام الناتجة عن الفم الاصطناعي مشابهة جداً للبيانات المأخوذة من المشاركين الأصحاء من حيث الصلابة، وخصائص الالتصاق والتماسك، واللزوجة.

وأشار الباحثون إلى أن هذا الجهاز يعد منصة بحثية دقيقة لفهم تفاعل الأطعمة المختلفة مع الفم، مما يمكّن الباحثين من تحسين وصفات الأطعمة بما يتناسب مع احتياجات كبار السن المتغيرة.

وأضافوا أن هذا الابتكار يحفّز تطوير منتجات جديدة في صناعة الغذاء مصممة خصيصاً لكبار السن، الذين قد يواجهون صعوبات في البلع أو في المضغ بسبب مشكلات صحية، مما يسهم في تعزيز جودة حياتهم وتحسين تغذيتهم ورفاهيتهم العامة. ونوّه الفريق إلى أنه بدأ بالفعل العمل على تطوير النموذج ليتضمن محاكاة لعملية المضغ الكاملة في المستقبل.