مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

ابن عساكر يكشف لـ«الشرق الأوسط» قصصاً لم تُنشر عن جوانب شخصية للمؤسس

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
TT

مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

لعل من الصعوبة الإحاطة بشخصية الملك عبد العزيز في كل الجوانب، فقد تميز منذ صغره بالذكاء الحاد والنباهة، إضافة إلى امتلاكه روح القيادة والتفرد، الدكتور راشد بن محمد بن عساكر المؤرخ والمؤلف والراصد لتاريخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، فتح نافذة من نوافذ سيرة الملك عبد العزيز العطرة، وأورد لـ«الشرق الأوسط»، قصصاً ومواقف تنم عن امتلاكه «كريزما» القيادة والحكم وقراءة الأحداث منذ صغره.

بداية يقول ابن عساكر إن شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (1293هـ /1876م - 1373هـ/1953م) لا يمكن الإحاطة بها من كافة جوانبها وأحداثها الشخصية. ولم تغطِ الدراسات الخاصة عن الملك عبد العزيز في ظني إلا القليل، فما خرج من جوانب سيرته لا يتعدى الثلاثين بالمائة من أخباره وأحداثه؛ لكونه من الشخصيات العالمية التى كان لها دور مؤثر في صناعة تاريخ الجزيرة العربية والعالم، هذه الشخصية رزقها الله بميزات مهمة ومواهب متعددة وفكر بارز، وما يزال أثرها وتأثيرها قائماً حتى اليوم، وقدم ابن عساكر إطلالة ولمحات قليلة من بعض قصص الملك التي جمعت بين النباهة والفكاهة المحمودة والذكاء الحاد منذ الصغر، ومن تلك القصص:

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود

لن يحكم آل سعود إلا هذا الفتى

عندما عقد الصلح بين محمد بن رشيد وبين الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالرياض عام 1307هـ، وكان في حضور الصلح الأمير محمد بن فيصل آل سعود (ت 1311هـ /1894م)، وكان الشاب الصغير عبد العزيز وعمره قرابة أربعة عشر عاماً، جالساً بجوار عمه وأديرت القهوة، فسأل الأمير محمد بن رشيد الفتى عبد العزيز بقوله: لماذا يا عبد العزيز أبوك علينا يحاربنا ونحن وأنتم حمولة وحدة وربع؟ فرد عليه عبد العزيز: والدي لم يسيّر عليك بيارق نجد في حائل وعلى محارمك، بل أنت الذى فعلت ذلك، ولا دون الحلق إلا اليدين. وعندما خرج قال بعض جلساء محمد بن رشيد بلهجتهم: ما هذا الولد المهبول الذى رد بهذا؟ فقال حمود العبيد الرشيد: بل أنتم المهابيل، ولكن تنافقون محمد بن رشيد، وإن طول الله لكم عمراً، فلن يحكم آل سعود ولن يستقيم لهم أمر إلا على يد هذا الفتى.

محبة الرياض و«كريزما» القيادة

وفيما يتعلق بسرعة البديهة والرد عند الملك يورد ابن عساكر قصة للملك عبد العزيز مع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848م - 1932م) حاكم البحرين، وكان الملك عبد العزيز صغير السن يقدره كثيراً، ففي إحدى المرات قال له: ما الأحسن... البحرين أم قطر؟ فرد عليه الملك عبد العزيز فقال: بل الرياض أحسن. فتنبأ الشيخ عيسى بأن سيكون له شأن وذكر.

وفي إحدى المرات كان بعض الفتيان يلعبون مع الملك عبد العزيز وكان عمره صغيراً، وانقسموا قسمين، وكل قسم يقول: من أنا معه، لكن الملك عبد العزيز يقول: من هو معي. كما أورد ذلك الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة العربية» نقلاً عن الشيخ محمد بن بليهد.

كما نقل الشيخ بليهد في موضع آخر أنه في أثناء وجود الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في قطر عام 1310هـ/1893م، حدثت قصة مع التاجر الشيخ عبد اللطيف بن مانع في قطر، فقد وُجدت الأسرة السعودية هناك وعند الشيخ قاسم آل ثاني، فحضر ابن مانع أحد مجالسه، ثم جاء للسلام على الإمام عبد الرحمن ودعاه لمنزله لمناسبة الغداء، وعند الزيارة كان أبناء الإمام يلعبون خلف ظهره، فسأل الإمام ابن مانع بقوله: ما ترى في أبنائنا هؤلاء؟ وأتظن من ينفع الله به؟ وكان عبد العزيز الفتى يستمع للحوار، فقال ابن مانع: لعل في فلان (غير الملك عبد العزيز) من سيكون له الشأن، ثم تقلبت الأمور، وتمكن الملك عبد العزيز من حكم نجد، فدار بين ابن مانع والملك عبد العزيز حوار، فقال له الملك: إني أحبك يا عبد اللطيف وأبغضك في ذات الوقت. فقال: يا مولاي، إني والله أحفظ لكم الولاء. فقال الملك: أما إني أحبك فلأنك مخلص لنا ومحب لعائلتنا، وما زلت أتذكر عندما كنا في قطر وذكرت لوالدي من تتوسم فيه فذكرت فلاناً، فهذا مما أغاظني منك. فقال ابن مانع: حفظك الله وأبقاك، إني شفتُ سحاباً خلته ماطراً فلم يمطر.

نباهة وطرافة

وذكر الباحث ابن عساكر أنه وردت في وثائق الملك المرسلة أو المتبادلة طرائف وحكايا تحمل النباهة والطرافة، ومنها خطاب كتبه الملك إلى راوية الأدب الشيخ عبد الله العجيري المتوفى عام 1352هـ، وكان العجيري ذا ذاكرة عجيبة وحافظة قوية، وراوية مشهوراً.

وجرت العادة أن يطلب الملك منه القدوم إليه للالتحاق بالجيش، وهذا قبل دخول السيارات للمنطقة عام 1342هـ/ 1922م، وكان يرافق الملك، ويقوم العجيري بالقراءة من حفظه لكتب الأدب والتاريخ مثل «تاريخ الطبري» أو كتاب «الأغاني» للأصفهاني وقصائد الشعراء، ومما جاء في هذا الخطاب المرسل: «وصلك كتابي، فيدٌ في الكتاب ورجل في الركاب»؛ أي اركب راحلتك وخذ كتابك وأقدم علينا.

وقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يكتب لبعض الصحابة بمثل هذه الألفاظ.

ومن القصص في حروب التوحيد فى عام 1331هـ، أن اتجه الملك عبد العزيز والجند لفتح الأحساء ووصلوا للحسي، فأقام الملك وجنده فيها، ورغب الملك من المشاركين في إقامة عرضة للحرب، تنهض همم المقاتلين وقائدهم، فكتب أحد شعراء أشيقر ويسمى الشويقّى وألف هذه القصيدة التي منها:

يا شيخ نبه بالنداوي ما لنا بالمقام الجيش ربّع واجتنى المرباع والسبيب

يا ما حلا قوله سعيّد في جناح الظلام قدام نمرا من تبين في نجاهم يغيب

فعندما قيلت القصيدة كاملة، عرض عليها الملك عبد العزيز وسأل عن قائلها فإذا هو رجل ليس من مظهره إلا الفقر والبساطة، فشاهده الملك عبد العزيز وشد رأسه مستعجباً منها ومعجباً بها: لا إله إلا الله، سبحان مظهر الردانة (نوع من المأكولات البحرية) من المحارة (وذكر هذه القصة الراوية علي فهد السكران مع الإعلامي الراحل عبد الرحمن الشبيلي في برنامجه «شريط الذكريات»).

ومن لطائفه أن الشيخ فوزان السابق (1859م - 1954م) المعتمد السعودي في مصر والسفير لديها، كتب للملك عبد العزيز أن الله رزقه بمولود له بعد عمر لامس التسعين عاماً، فرد عليه الملك عبد العزيز: سبحان من يحيي العظام وهي رميم.

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

من يحكم مصر

ومن نباهة هذا القائد الكبير أن قدم عليه الوفد المصري برئاسة محمد نجيب بعد نهاية النظام الملكي ليسلم عليه، وأقام الملك عبد العزيز له مأدبة رسمية (حضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان (الأمير آنذاك)، فعند قدومه في أغسطس (آب) عام 1953م، وقد استمع لهم الملك في كل أقوالهم وشكرهم، وعندما خرج الوفد أخبر الملك عبد العزيز من عنده بأن هذا الوفد لا يحكم مصر، بل في القاهرة هناك من يحكمها، فعندما كنت أتحدث معهم في بعض شؤون مصر لا يستطيعون القطع فيها، ولهم رأس آخر يرجعون إليه في مصر.

الملك عبد العزيز مستقبلاً محمد نجيب

وقال ابن عساكر في هذا الصدد: ذكر لي الأستاذ عبد الله بن يعقوب الدغيثر نقلاً عن والده المستشار يعقوب الدغيثر عند الملك عبد العزيز، والذي حضر هذا الاجتماع بالقول: «إن الرئيس محمد نجيب يقول في بعض إجاباته للملك عبد العزيز: سنرجع لمجلس الثورة... فكلما استفسر الملك قال سنرجع إلى مجلس الثورة، كما ألمح الدغيثر لي نقلاً عن والده أنه عند زيارة حسن البنا رئيس الإخوان المسلمين للملك عبد العزيز وكان الشيخ يعقوب حاضراً لهذا الاجتماع، فطلب البنا من الملك تأسيس مقر للإخوان المسلمين في السعودية، فرد عليه الملك عبد العزيز مباشرة بأننا جميعاً إخوة مسلمون».

وتحفل بعض الصور الملتقطة للملك عبد العزيز بعض المداعبات اللطيفة مثل ممازحته لرئيس «أرامكو» وهو المهندس الأميركي أولجير، فقد قام الملك عبد العزيز بممازحته إبان زيارة الملك لرأس تنورة وتدشين ناقلة البترول عام 1358هـ/1939م؛ إذ قام الملك عبد العزيز بإمساك الشماغ الذى لبسه أولجير بقوة، مما قابله بابتسامة انطلقت من الاثنين لهذا الموقف العفوي والبسيط.

برقية من الملك عبد العزيز للوزير عبد الله السليمان رداً على خطابات بعثها الأخير للملك فيها حكايات ومسامرات لاقت استحسان الملك

بيض الصعو

ومن لطائف الملك في المراسلات أنه في إحدى السنوات كان يتم تقييد الميزانيات للمناطق عبر مديري المالية ويطلع عليها الملك عبد العزيز ليوجه عليها فيما يراه مناسباً، وفي إحدى السنوات تأخرت كشوفات مالية أبها وكان متولي المالية في عسير هو الشيخ عبد الوهاب أبو ملحة (1885م - 1954م) الذي قضى بهذا العمل خمسة وثلاثين عاماً، وقد نال ثقة الملك عبد العزيز، وفي إحدى المرات تأخرت تلك الكشوفات المرسلة، فبعث الملك خطاباً لسرعة الإنجاز، فتأخر للمرة الثانية، فكتب الملك له خطاباً، ومما قاله مذكراً إياه بمثل مشهور: «لا تصير مثل بيض الصعو يُذكر ولا ينشاف»، والصعو طائر مهاجر ولا يبيض إلا في بلده، ونادر المشاهدة في المنطقة.

ومن الوثائق الطريفة للملك عبد العزيز مع وزير المالية الشيخ عبد الله بن سليمان (1884م - 1965م)، أنه قد كان ابن سليمان في جدة وأرسل للملك عبد العزيز أحد خطاباته، ويبدو أن فيها حكايات ومسامرات أدبية ظريفة، فأنس الملك عبد العزيز بقراءتها كثيراً وسُرّ بها، ثم كتب رداً لابن سليمان: «نرجو أن الله يوفقك في آخر عمرك وتحط لك كتاب ألف ليلة وليلة...».

جبل أبو مخروق في العاصمة السعودية الرياض

جني أبو مخروق

ومن قصصه التي تدل على امتلاكه روح الدعابة ما حدث ليوسف ياسين أحد مستشاريه (1896م – 1962م)، فقد وعده الملك إن بات ليلة عند جبل أبو مخروق (الخرّبة قديماً) الواقع في الملز، وكان هذا المكان مشتهراً لدى بعض أهالى الرياض بوجود الجن والشياطين، ويبدو أن يوسف ياسين لم يصدق ذلك، فوعده الملك عبد العزيز إن ذهب إلى الجبل وبات فيه ليلة فسيمنحه 300 جنيه ذهباً، فاتجه يوسف ياسين للمكان، وعندما وصل إليه وأثناء نزوله فيه سقطت بالقرب منه حجارة وسمع جعجعة وأصواتاً، فارتعد وذُعر ولم يستطع أن ينام ليلة واحدة وخسر العطية، وعلم لاحقاً أن الملك قد أرسل شخصين ليسبقاه هناك ويخوفاه من دون أن يراهما.

الملك عبد العزيز ويقف خلفه الأمير سلطان بن عبد العزيز والمستشار يوسف ياسين

ومن قصصه أن أحد العاملين لديه أقام مأدبة للملك في بيت له بناه في حي الوسيطي (جنوب أسوار الرياض القديمة)، وذلك بعد عام 1356هـ /1946م، وكان هذا الرجل يردد كثيراً كلمة للمراجعين لديه بقوله: «ما لك سنع»؛ أي إن القادم إليه لا ينطبق عليه شرط الإعطاء.

وعندما قدم الملك لبيته وأقام مأدبة الغداء في أعلى المنزل (الروشن)، صعد الملك عبد العزيز الدرج وهو يردد: ما لك سنه... ما لك سنع.

شيخ الأرض

ومن لطائفه مع أحد مستشاريه الأطباء الشيخ مدحت شيخ الأرض (1900 - 2001م) أن سأله: من سماك شيخ الأرض؟ فنحن لنا 30 سنة في حروب وجهاد ما استطعنا أخذ مشيخة صغيرة في الأرض، فكيف أنت شيخ الأرض؟ وكان الملك عبد العزيز يناديه باسم (مدحه).

ومن القصص الظريفة والغريبة أن الملك عبد العزيز بعد نزوله المربع عام 1358هـ / 1938م كان في قصر المربع «طير الببغاء» وُضع في الممر الموصل لغرفة نوم الملك، وفى أحد الأيام دخل الغرفة أحد الأشخاص من دون الحصول على إذن، فعرفه الببغاء مردداً اسم الشخص، الذي تسلل إلى غرفة الملك، وعندما علم الملك بالقصة ضحك متعجباً من قدرة هذا الطائر.

محبة الأبناء والأحفاد

وبخصوص محبته لأبنائه وأحفاده يقول ابن عساكر: يحضرني لطائف الملك عبد العزيز مع أطفاله وأحفاده عند حضورهم بعض مجالسه، ومن ذلك ما ذكره لي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، من بعض القصص الخاصة مع والده عندما كان صغيراً، ومنها أن الملك عبد العزيز كان يصطحب أنجاله في بعض تنزهاته وزياراته، وخصوصاً زيارته اليومية لأخواته، وخصوصاً الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، والأميرة الجوهرة بنت عبد الرحمن، وكانت مساكنهن بجوار شارع «الثميري» حالياً بالرياض، وعند خروج موكب الملك، من مقر عمله في قصر الحكم، يصطحب الأبناء معه، ويذكر ابن عساكر نقلاً عن الملك سلمان أنه زار مع والده مراراً عماته، وأن الملك كان يلاطفهن ويتسامر معهن بإيراد حكايات وقصص باسمه وتعليقات لطيفة، «حتى إننا نفرح بزيارتهن، وتقدم لنا عماتنا نوعاً من الحلوى يسمى (البرميت)».


مقالات ذات صلة

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

عالم الاعمال «مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

اختتمت مجموعة «أباريل»، الشركة العالمية الرائدة في مجال التجزئة، حملتها الحصرية احتفالاً باليوم الوطني السعودي في «بارك أفنيو مول».

الخليج حضور تمثل بمسؤولين ودبلوماسيين وشخصيات فاعلة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً (واس)

احتفال سعودي باليوم الوطني يجتذب اهتمام الباريسيين

اجتذب الاحتفال السعودي باليوم الوطني الـ95 اهتمام الباريسيين والسياح، حيث صدحت الموسيقى التقليدية في مقر الحدث وجواره، واستمتع الضيوف والمارة برقصة «العرضة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة سعودية احتفالات متنوعة أقامها القادسية بمناسبة اليوم الوطني (نادي القادسية)

بيسغروف: مجتمع الخبر هو القلب النابض لتراث القادسية

أكّد الأسكوتلندي جيمس بيسغروف، الرئيس التنفيذي للقادسية، أن اليوم الوطني الـ95 يمثل مناسبة استثنائية للمملكة بشكل عام، ولناديه بشكل خاص.

سعد السبيعي
رياضة سعودية النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قائد فريق النصر (الشرق الأوسط)

رونالدو وفينالدوم ورينارد يشاركون السعوديين احتفالات اليوم الوطني الـ95

تفاعلت الأندية السعودية ولاعبوها المحترفون الأجانب مع احتفالات المملكة باليوم الوطني الـ95، حيث امتلأت منصات التواصل الاجتماعي ورسائل التهاني بأجواء الفخر.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
يوميات الشرق ‏الدرعية تحتفل باليوم الوطني السعودي الـ95‬ (واس) play-circle 02:02

السعوديون يحتفلون باليوم الوطني الـ95 ويستذكرون لحظة التوحيد واستئناف التاريخ

احتفل السعوديون باليوم الوطني الـ95، الذي يوافق 23 من سبتمبر (أيلول) من كل عام، واكتست جميع المدن السعودية، باللون الأخضر؛ تعبيراً عن الفرح، واستذكاراً للحظة

عمر البدوي (الرياض)

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟


ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قطاع غزة، كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بضرورة التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت لمدة عامين، دفع خلالها الفلسطينيون أثماناً لا تحتمل من خسائر بشرية ومادية وعلى صعد مختلفة، منها الصحة والبيئة والبنية التحتية وغيرها.

ويحسب لإدارة ترمب أنها نجحت فعلاً بالتوصل لاتفاق بعد محاولات حثيثة من إدارة جو بايدن للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الجهود فشلت آنذاك في ظل خلافات برزت بينها وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي كان يتوق لعودة ترمب إلى الحكم. إلا أن هذه العودة لم تكن مثل ولاية ترمب الأولى التي منح خلالها لإسرائيل الكثير من الهدايا سواء الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أو سيادتها على الجولان، أو حتى العمل على الاتفاقيات الإبراهيمية.

قبول مواقف «حماس»

وفرض ترمب على نتنياهو وحكومته العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمنطقة بأسرها، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب على إسرائيل، حين فاجأ الأخيرة بقبول موقف «حماس» من خطته التي طرحت على الحركة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو أمر فاجأ نتنياهو وحكومته بشكل خاص، قبل أن تقبل الحكومة الإسرائيلية، بالأمر الواقع، ويتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز يحسب لإدارة ترمب، فإن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار الهش للغاية، قد تفضي إلى إفشاله. لكن أيضاً حالة العجز الفلسطينية بعد حرب استمرت عامين واستنزفت كل قدرات فصائلها المسلحة وخاصةً «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، ربما تدفع الجميع بقبول ما تطمح إليه الولايات المتحدة من العبور إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. ليتم ذلك لا بد من دعم من الوسطاء الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين «حماس» وإسرائيل من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ويتمحور دورها في الضغط على حكومة نتنياهو، بقبول الاتفاق والالتزام ببنوده. ففي أكثر من مرة منعت هذه الحكومة من اتخاذ إجراءات مثل إغلاق المعابر مجدداً للقطاع بحجة خروقات حصلت من جانب «حماس»، كما ضغطت عليها في العديد من المرات بالالتزام بزيادة عدد الشاحنات التجارية والمساعدات إلى القطاع.

«ضغوط وهمية»؟

رغم أن هذه الضغوط تؤتي أكلها وثمارها في بعض الأحيان، لكن الفصائل الفلسطينية والمراقبين للوضع في قطاع غزة، يرون أنها مجرد ضغوط وهمية في قضايا غير ملحة، وأن هناك حاجة أكثر لضرورة أن يكون الضغط فاعلاً تجاه قضايا أكبر ومهمة بالنسبة للسكان في القطاع، مثل البدء بتوفير المواد الإغاثية من خيام جيدة صالحة للحياة، وإدخال الكرفانات، والبدء بمسيرة إعمار جادة، بينما تتطلع إسرائيل للبدء بنزع سلاح «حماس» والفصائل الأخرى، وأن تتخلى الحركة عن حكمها للقطاع، وهي قضايا ما زالت تبحث ويدار حولها الكثير من اللقاءات والمحادثات الهادفة للانتقال لكل عناصر وبنود الاتفاق بمرحلته الثانية.

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

ولربما غالبية سكان قطاع غزة، كانوا يتطلعون لنجاحات أكبر من إدارة ترمب بعد أن فرضت على إسرائيل و«حماس» اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من خلال الدبلوماسية التي قادتها هذه الإدارة من جانب، أو من خلال سياسة الضغط عبر الوسطاء وحتى عبر التهديدات التي كان يطلقها ترمب من حين إلى آخر، لكن هناك من يرى سياسياً وشعبياً أن الولايات المتحدة ما زالت لم تقدم الكثير تجاه إنجاح هذا الاتفاق في ظل أنه كان المأمول في أن يتغير واقع القطاع لأفضل من ذلك، خاصةً على مستوى الظروف الحياتية وبدء الإعمار، وهو الأمر الذي يهتم به المواطن في غزة أكثر من أي مطالب أخرى.

المرحلة الثانية

وفتحت اللقاءات المباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية، التي كانت مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، أفقاً أكبر لإمكانية الانتقال للمرحلة الثانية بسلاسة كما جرى في المرحلة الأولى، حيث تحاول الحركة الفلسطينية إقناع إدارة ترمب بالعديد من المقترحات التي تقدمها عبر الوسطاء، لكنها كانت تتطلع لعقد لقاء آخر مع المبعوثين الأميركيين لبحث هذه القضايا بشكل مباشر، قبل أن تعترض إسرائيل على هذه اللقاءات، ما أدى لتأجيلها، في وقت جرت تسريبات عن أنها عقدت سراً، وهو الأمر الذي لم يؤكد سواء من الحركة أو الولايات المتحدة.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى «الصليب الأحمر» في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

ويبدو أن «حماس» التي تدرس جيداً الكثير من خطواتها، قبل أن تخطوها، تتفهم خريطة عمل إدارة ترمب التي تصنف في استراتيجية أمنها القومي منطقة الشرق الأوسط «منطقة شراكة» لا التزام عسكري طويل، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترمب، منفتحة على أن حتى من يصنفون أنهم أعداؤها، يمكن أن تكون لهم الفرصة في حال أثبتوا قدرتهم على أن يصبحوا شركاء نافذين لها في منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا يهمها من يحكم، إنما يهمها الشراكة المُجدية فقط.

انتصار مزدوج

وتتجه «حماس» لاستغلال هذه الفرصة التي وضعتها الإدارة الأميركية لنفسها، للتواصل مع جهات غير حكومية في سبيل حل التعقيدات التي تواجه سياساتها الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق لها ولرئيسها دونالد ترمب، انتصاراً دبلوماسياً يطمح له الأخير لتحقيق هدفه بالحصول على جائزة «نوبل» للسلام من جانب، وبما يشكل من جانب آخر اتفاقاً قد يكون غير مسبوق فيما يتعلق بواقع القضية الفلسطينية ومصير الصراع مع إسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة بمصر يوم 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

ورغم هذه الرؤية، فإن هناك في «حماس» من لا يأمن الجانب الأميركي الذي قدم في العديد من المرات وعوداً لم تتحقق بالنسبة للحركة، ومنها عندما أطلقت سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، كهدية لترمب بعد لقاءات مباشرة بين الجانبين، وضمن اتفاق ضمني يسمح بفتح المعابر وإدخال المساعدات للقطاع، في وقت تهربت فيه إسرائيل من هذا الاتفاق، كما تهربت من اتفاق مماثل بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن مقابل حل أزمة العناصر المسلحة من «حماس» في أنفاق رفح، الأمر الذي قد يؤشر أيضاً إلى عدم قدرة تحقيق الإدارة الأميركية إنجازات حقيقية في قطاع غزة، حال بقيت سياستها على حالها دون ضغط حقيقي على إسرائيل.


نتنياهو لا يزال يدرس «ترمب الجديد»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
TT

نتنياهو لا يزال يدرس «ترمب الجديد»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

لم تشهد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية اضطراباً كما هي الحال اليوم. ورغم دعم واشنطن الاستراتيجي، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، والاحتضان الكبير من الرئيس دونالد ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي بلغ درجة التدخل العلني الصريح في شؤون القضاء، ومطالبته عبر رسالة رسمية من البيت الأبيض بإلغاء قضايا فساد يُحاكم عليها نتنياهو، فإن هناك قلقاً يساور تل أبيب وتساؤلات كثيرة من دون إجابات.

ومن بين أبرز الأسئلة ما يتعلق بترمب، وما إذا كان في الدورة الأولى من حكمه، هو الرئيس الجديد نفسه؟ وهل تخلى عن مفاهيمه حول «إسرائيل دولة صغيرة تحتاج إلى توسيع؟».

في وثيقة نشرتها إدارة ترمب مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2025، وحددت فيها الأهداف الاستراتيجية لإدارته، جاء أن القضية الفلسطينية غير قابلة للحل قريباً. فهل هذا يعني أن بالإمكان تخطي خطة ترمب لوقف الحرب في غزة، وإقامة سلام شامل في الشرق الأوسط؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكن أن يمارس ضغوطاً على إسرائيل لفرض التسوية؟ وما حدود الدعم لإسرائيل؟ وأي اتفاق مساعدة سيمنحه ترمب في عهده للسنوات العشر المقبلة؟

في محيط نتنياهو لا تبدو الأمور واضحة، رغم التصريحات التي تبث تفاؤلاً حول متانة العلاقات.

نعم، حتى نتنياهو الذي يعد نفسه «أكبر خبير إسرائيلي في الشؤون الأميركية»، يُمضي ساعات في دراسة شخصية «ترمب الجديد».

يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

نتنياهو الذي عاش في أميركا

يسجل التاريخ السياسي أن 8 من مجموع 13 رئيس وزراء حكموا إسرائيل حتى الآن، عاشوا في الولايات المتحدة لفترة زمنية ما تزيد على ستة شهور. أكثر رئيس حكومة عاش في أميركا، كانت غولدا مائير، 18 عاماً. يأتي بعدها بنيامين نتنياهو، الذي عاش فيها 16 عاماً. وكلاهما كان يتباهى بأنه أكثر من يعرف أميركا من الداخل، بفضل عيشهما الطويل فيها.

إلا أن المؤرخين الإسرائيليين يرون الأمر بشكل معاكس. ويقول الصحافي والمؤرخ، تاني غولدشتاين، إن هناك من يعد غولدا ونتنياهو أسوأ رئيسي حكومة في إسرائيل مع الولايات المتحدة، وسجل في تاريخهما أنهما تسببا بأكبر عدد من الأزمات في العلاقات بين البلدين.

غولدا، كانت وزيرة خارجية إسرائيل عام 1958، عندما تدخلت الولايات المتحدة في لبنان خلال أزمتها الدستورية، وبالاتفاق مع رئيس الوزراء بن غوريون، وضعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في خدمة القوات الأميركية. وبذلك تم وضع قاعدة لأول تعاون أمني بين تل أبيب وواشنطن، وبعد ثلاث سنوات عقد أول لقاء رسمي بين رئيس حكومة إسرائيلية وبين الرئيس الأميركي، الذي كان يومها جون كيندي. لكن غولدا نفسها، عندما أصبحت رئيسة للحكومة الإسرائيلية، أثارت أول أزمة كبيرة في العلاقات.

في مطلع السبعينات، بدأ الأميركيون طرح مشروع سلام إسرائيلي عربي، عرف باسم وزير الخارجية، ويليام روجرز. وبعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، حاول الرئيس أنور السادات إحياء هذه الجهود بقوة، وأبدى استعداداً واضحاً لهذا السلام. واعتقد الرئيس ريتشارد نيكسون أن غولدا ستتصرف معه بصفتها شريكة وحليفة استراتيجية ستتحمس لاتفاق السلام الذي سيجلبه إلى إسرائيل، وقد صدم عندما رفضت.

الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يصفق في حين يعانق رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن الرئيس المصري أنور السادات بالبيت الأبيض سبتمبر 1978 (أ.ف.ب)

في حرب 1973، عندما دخلت إسرائيل في أزمة أمنية، وشعرت بأن الجيشين المصري والسوري يهددان وجودها، سامح نيكسون غولدا، وأرسل شحنات أسلحة ضخمة وطائرات مقاتلة دخلت الحرب ضد مصر وسوريا، يقودها طيارون من سلاح الجو الأميركي.

ويقول المؤرخ المتخصص في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، البروفسور إيلي لادرهندلر، إن غولدا أثبتت أن ادعاءاتها بأنها تعرف أميركا من الداخل انعكست على إسرائيل بشكل سلبي. وثبُت أنها كانت متبجحة، وتتمتع بقدر عال من الثقة الزائدة بالنفس، فأسهمت معرفتها بأميركا بشكل عكسي في المصلحة الإسرائيلية.

ويتمتع نتنياهو أيضاً بثقة زائدة بالنفس، في الشعور بأنه يعرف أميركا من الداخل. وقد تفوق على غولدا في عدد وعمق الأزمات التي تسبب بها في العلاقات بين البلدين، خلال معظم سنوات حكمه. فقد شنّ حرباً على الرئيس باراك أوباما، ليمنعه من توقيع الاتفاق النووي مع إيران في سنة 2015.

ودخل نتنياهو في أزمة مع الرئيس السابق جو بايدن، الذي هب لنجدة إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأفشل مبادراته لوقف النار في غزة. وفي الوقت الذي حاول فيه كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية إقامة علاقات متوازنة بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري الأميركي، لكي تحظى إسرائيل بدعم من كليهما، سمح نتنياهو لنفسه بالتدخل في الانتخابات الأميركية لصالح مرشحي الحزب الجمهوري، ودخل في مشكلة مع الديمقراطيين.

ويقول خصوم نتنياهو في واشنطن إنه هو الذي أقنع الرئيس دونالد ترمب في دورته الأولى بإلغاء الاتفاق النووي. وصار يشار إليه بالبنان كمن يريد توريط الولايات المتحدة بحرب. وخلال السنة الماضية، ثبت هذا التقدير ودخلت الولايات المتحدة في حرب مع إيران، قصيرة وخاطفة ولكنها حرب. وهو لا يكتفي بذلك، بل يسعى إلى إقناع الرئيس الأميركي بجولة أخرى، لتكون حرباً أميركية أو حرباً مشتركة بينهما ضد إيران.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

متانة العلاقة

ليس هناك شك في أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة استراتيجية ومتينة، وهي كذلك في زمن ترمب أيضاً. لكنّ شيئاً ما تغير يجب أن يقلق إسرائيل، وبدأ يقلقها بالفعل.

الحلف مع الولايات المتحدة متين، لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تقبل على نفسها أن تكون خط الدفاع والهجوم الأول للمصالح الغربية عموماً والأميركية خصوصاً في الشرق الأوسط. الجنرال ألكسندر هيغ، الذي كان قائداً لحلف شمال الأطلسي، وأصبح وزيراً للخارجية الأميركية، كان يقول إن إسرائيل هي «حاملة الطائرات الأميركية في الشرق الأوسط التي تخوض حروبنا من دون مشاركة أي جندي أميركي». والمستشار الألماني الحالي، ميرتس، قال إن «إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة عنا».

لهذا تحظى إسرائيل بهذا الدعم الهائل. وعلى مدى العقود الماضية نما حجم المساعدات العسكرية الأميركية بشكل كبير، ففي عام 1998 كان المبلغ السنوي نحو 1.8 مليار دولار وبحلول 2028 سيصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً.

وتطلب إسرائيل زيادته للمرحلة المقبلة، وهذا لا يشمل ما قدمته الولايات المتحدة خلال الحرب على غزة، الذي بلغ أكثر من 22 مليار دولار. وحسب صحيفة «هآرتس»، في 18 ديسمبر 2025 أنفقت الولايات المتحدة بسبب الحرب، ما مجموعه نحو 32 مليار دولار أميركي مساعدات لإسرائيل خلال العامين الماضيين. ونقلت الصحيفة عن مركز أبحاث الكونغرس وجامعة براون في واشنطن، أنه «إلى جانب تكاليف المساعدات المباشرة، المتمثلة في العمليات العسكرية الأميركية في اليمن وإيران، حوّلت واشنطن 21.7 مليار دولار أميركي إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خلال العامين الماضيين. إضافةً إلى ذلك، وافق مجلس النواب في بداية 2025 على مساعدات عسكرية خاصة بقيمة 26 مليار دولار أميركي، خُصص منها نحو 4 مليارات دولار أميركي لصواريخ اعتراض ضمن برنامج الدفاع الصاروخي، و1.2 مليار دولار أميركي لنظام الليزر الجديد (أور إيتان)».

وكان التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي مبنياً على «قيم مشتركة» للبلدين ورسم مشترك للمصالح، لكن الحرب على غزة أحدثت هزة شديدة في هذه القواعد، التي كان تستند على دولة عظمى، إذ تحتضن «ابنها المدلل» في منطقة الشرق الأوسط.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)

ترمب «غير المتوقع»

يدرك نتنياهو قوة الخدمة التي تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة، واستغلها هو بطريقة شرسة، خصوصاً في ظل إدارتي أوباما وبايدن، لكن قدوم ترمب إلى البيت الأبيض أحدث تغييراً في المعادلة لدرجة أربكت نتنياهو وحكومته، وجعلته يخطو بحذر حتى يبتعد عن المتاهات. فالولايات المتحدة تتغير، والأمر تجلى بشكل كبير في السنة الأولى من إدارة ترمب.

يُنظر إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أنه شخصية غير تقليدية، تتسم قراراته بعدم القابلية للتنبؤ، ما يفرض على من يتعامل معه قدراً أكبر من الحذر مقارنة برؤساء سابقين. وتقول الصحافة الإسرائيلية إن هذا النهج يثير قلقاً حتى لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُشار إلى أنه يخشى التعرض لانتقادات علنية على غرار ما واجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ورغم إدراك ترمب للأهمية الاستراتيجية لإسرائيل، فإن تقديرات تشير إلى أن حساباته لا تقتصر على هذا العامل وحده.

وترمب من نوع القادة الذين يؤمنون بأنهم يعرفون مصلحة إسرائيل أكثر منها ومن قادتها، ومثلما يراها «حاملة طائرات أميركية» يقدر عالياً «الحروب» التي تخوضها الدولة العبرية، وتدفع ثمنها بأرواح الإسرائيليين، ولا تكلف أميركا أي جندي.

لكنه في الوقت نفسه مقتنع بأنه يستطيع توفير سلام حقيقي وشامل لإسرائيل في هذا العصر، مع الدول العربية والإسلامية، وهو يقرأ استطلاعات رأي تنشر في تل أبيب، مثل الذي صدر عن معهد أبحاث الشعب اليهودي في 21 ديسمبر 2025، وجاء فيه أن 60 في المائة من الإسرائيليين يثقون في أن ترمب يعمل وفق رؤية تغلب مصالح إسرائيل.

وفي الولايات المتحدة، ثمة تراجع في قوة ونفوذ المسيحيين الصهيونيين المناصرين لإسرائيل، وكذلك في قوة اللوبي اليهودي (أيباك)، مقابل القوة الصاعدة لحركة «ماغا» التي تضع مصلحة أميركا أولاً، إذ تسمع في صفوفها الأصوات التي تطالب بتقليص الدعم لإسرائيل وزيادة الرقابة على الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وضد سوريا ولبنان.

كما أن هناك تراجعاً حاداً في التأييد الأميركي الشعبي لإسرائيل. وجاء في دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن «هناك أزمة خطيرة في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، لدرجة الحديث عن خطر تشكيل تهديد استراتيجي».

وجاء في الدراسة التي نشرت في مطلع ديسمبر 2025، وأجراها الباحثان إلداد شافيت وتيد ساسون، أن «مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة وقعت في أزمة غير مسبوقة. الدعم التقليدي تآكل بشكل ملموس في أوساط الديمقراطيين وحتى لدى جزء من الجمهوريين».

وتظهر استطلاعات أن الرأي العام تجاه إسرائيل يتأثر سلباً بشكل مباشر من سلوك إسرائيل في الحرب، ومن الوضع الإنساني في قطاع غزة. كما يلاحظ في الجالية اليهودية خصوصاً في الأوساط الليبرالية، تراجع الدعم، وازدياد الانتقادات لإسرائيل، التي قد تضر بحرية العمل سواء السياسي أو العسكري لإسرائيل، وتشكل تهديداً حقيقياً على أمنها.

ولا يستطيع ترمب إهمال هذه التغيرات إذا أراد أن يحافظ على جمهوره، وإذا وجد أن نتنياهو يضع عراقيل أمام مخططات إدارته. وهو نفسه كان قد أشار إلى أن إسرائيل في عهد نتنياهو باتت من دون أصدقاء سوى الولايات المتحدة، وأنه هو وحده الذي يساندها، وعليها أن تتصرف بما لا يمس مصالح وإرادة الولايات المتحدة.

وتشهد هذه المصالح تغييراً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، يتمثل في اللغة الجديدة التي يستخدمها ترمب مع القادة العرب في المنطقة. ويستمع نتنياهو إلى هذه «الموسيقى» بإصغاء، محاولاً فهم حدودها.

الآن، وبعد عام في ظل الرئيس الأميركي، يقال في محيط نتنياهو إنه لا يزال يحاول دراسة «شخصية ترمب الجديدة»، ويجد أن ما تعلمه عن الولايات المتحدة يحتاج إلى نسخة محدثة من الفهم.