ما هو الذكاء الاصطناعي وكيف يعمل؟

يُستخدم في شتى المجالات بتكاليف منخفضة... وبمتناول الجميع

استخدامات متعددة لتقنيات الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية
استخدامات متعددة لتقنيات الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية
TT

ما هو الذكاء الاصطناعي وكيف يعمل؟

استخدامات متعددة لتقنيات الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية
استخدامات متعددة لتقنيات الذكاء الصناعي في حياتنا اليومية

بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي بالانتشار، وسمعنا عن الكثير من الشركات التي تضيف هذه التقنية إلى خدماتها وتقدم عناصر جديدة كان من الصعب تخيلها قبل بضع سنوات. ولكن ما الذكاء الاصطناعي؟ وما نظمه وما أحدث التطويرات في الأجهزة والبرامج الذكية؟

ماذا يعني الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة نظم الكومبيوترات لعمليات الذكاء البشري بهدف تحقيق أمر ما. وكثيراً ما تروّج الشركات لخدماتها على أنها ذكاء صناعي، ولكن حقيقة الأمر أن الكثير من تلك الخدمات تستخدم عنصراً من التقنية، مثل «تعلم الآلة». ويتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي أساساً متقدماً من العتاد الصلب Hardware المتخصص، والبرمجيات المطورة خصيصاً لهذا الغرض. ولا توجد لغة برمجة متخصصة بهذه التقنية حتى الآن، ولكنّ عدداً من اللغات يقدم أدوات مفيدة لهذا الغرض، مثل Python وJava وR و«سي بلس بلس».

وتحتاج هذه النظم إلى تحليل كميات كبيرة جداً من بيانات التدريب وإيجاد روابط بين تلك البيانات واستخدامها لتوقع أمور مقبلة، مثل تحليل ملايين الصور لفهم ما الذي يميز الإنسان عن النبات عن الحيوان عن الجماد، وما الطبيعة؟ وما العائلة؟ وكيف يمكن تمييز الليل عن النهار والخيال عن الحقيقة؟ وأسلوب رسم فنان ما مقارنةً بآخر، وهكذا. وينطبق الأمر نفسه عند تحليل النصوص والموسيقى وعروض الفيديو، وغيرها، ليتكون لدينا نظم ذكاء صناعي مختلفة متخصصة في مجالات كثيرة، وفقاً للبيانات التي تم تحليلها.

مهارات برمجة الذكاء الاصطناعي

ويتم التركيز في برمجة الذكاء الاصطناعي على 4 مهارات، هي: التعلم والإدراك والتصحيح الذاتي والابتكار.

يركز جانب التعلم على الحصول على البيانات وإيجاد القوانين والروابط بينها وتحويلها إلى بيانات مفيدة. ويتم تقديم قوانين مختلفة على شكل خوارزميات Algorithm كثيرة (الخوارزمية هي نهج عمل برنامج ما لتحقيق الهدف المرغوب) حول كيفية إكمال مهمة محددة، مثل التعرف على وجود إنسان في صورة (يجب تحديد ما يصف شكل معظم البشر: العينان والفم والأنف والحاجبان والرقبة، وهكذا).

وبالنسبة إلى مهارة الإدراك، فإنها تركز على اختيار الخوارزمية الصحيحة بقوانينها المرتبطة لتحقيق الهدف المرغوب. أما التصحيح الذاتي، فتركز هذه المهارة على تعديل الخوارزميات وقوانينها بناءً على صحة المخرجات لإيجاد قوانين أكثر دقة من السابق، الأمر الذي ستنجم عنه نتائج صحيحة بنسبة أعلى في المرات المقبلة التي يعمل فيها ذلك النظام.

وتبقى المهارة الرابعة وهي الابتكار، التي تستخدم الشبكات العصبونية Neural Networks الرقمية والنظم المبنية على القوانين والبيانات الإحصائية وتقنيات أخرى بهدف إيجاد صور ونصوص وموسيقى وأفكار جديدة.

ولعلكم قد سمعتم عن بعض المفردات التقنية المتقاربة، مثل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، وتعلم الآلة Machine Learning، والتعلم العميق Deep Learning.

تحتاج هذه النظم إلى تحليل كميات كبيرة جداً من بيانات التدريب وإيجاد روابط بين تلك البيانات واستخدامها لتوقع أمور مقبلة، مثل تحليل ملايين الصور لفهم ما الذي يميز الإنسان عن النبات عن الحيوان عن الجماد، وما الطبيعة؟ وما العائلة؟ وكيف يمكن تمييز الليل عن النهار والخيال عن الحقيقة؟

وبينما يعرَّف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة الآلات للذكاء البشري لتحقيق هدف ما، فإن تعلم الآلة يعرَّف بأنه رفع دقة البرامج والتطبيقات في توقع النتائج بناءً على البيانات السابقة من دون برمجتها بشكل مباشر على كيفية القيام بذلك، حيث تتم هذه العملية من دون تدخل المبرمجين، ذلك أن النظام سيتعرف على الروابط بين البيانات ويستخدمها في التوقع. أما التعلم العميق، فهو جزء متخصص من تعلم الآلة مبنيٌّ على فهمنا لتركيبة الدماغ البشري. وبسبب استخدام التعلم العميق لبنية الشبكات العصبونية الرقمية أخيراً، تم إيجاد تقنيات حديثة مفيدة جداً للبشر، مثل القيادة الذاتية للسيارات وChatGPT.

أنواع الذكاء الاصطناعي

ويمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي إلى فئتين: الضعيف والقوي، بحيث يُعرّف الذكاء الاصطناعي الضعيف Weak AI، أو الذكاء الاصطناعي ضيق النطاق Narrow AI، على أنه نظام يتم تدريبه لإكمال مهمة محددة، كالروبوتات الاصطناعية والمساعدات الذكية الشخصية، مثل «سيري» من «أبل». أما الفئة الثانية فهي أكثر شمولاً ويطلق عليها مصطلح الذكاء العام الاصطناعي Artificial General Intelligence AGI، وهي عبارة عن نظام يستطيع محاكاة القدرات الإدراكية للدماغ البشري. ويستطيع هذا النظام تحليل البيانات الموجودة أمامه في مهمة جديدة كلياً عليه لم يسبق برمجته على كيفية إكمالها، وتطبيق معرفته السابقة في مجال ما على آخر لإيجاد حل صحيح ومن دون أي تدخل خارجي.

استخدامات الذكاء الاصطناعي

ولكن ما أهمية الذكاء الاصطناعي في حياتنا؟ في الواقع، استفدنا سابقاً من تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة في الكثير من جوانب الحياة؛ من نظم الكشف عن التحايل المالي والضريبي، وأتمتة العمليات اليومية البسيطة، وفي مراكز خدمة العملاء، وزيادة المبيعات وضبط جودة المنتجات. وتستطيع هذه التقنيات في بعض المجالات التفوق على الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بالأمور المتكررة أو التي تحتاج إلى تفاصيل كثيرة، مثل تحليل كميات كبيرة من أوراق النماذج Form والتأكد من وجود بيانات صحيحة في حقول محددة.

ونظراً للقدرات الممتدة في إيجاد روابط بين البيانات الضخمة في أوقات قليلة، تستطيع هذه النظم تقديم معلومات غنية جداً لمديري الشركات لم يكن من الممكن لأي بشري إكمالها وإيجاد روابط بين الملايين من البيانات.

صورة تعبيرية صنعها الذكاء الاصطناعي من موقع www.picsart.com لدى استخدام كلمات مفتاحية حول الذكاء الاصطناعي والسعودية

كما يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة في تطوير عملية التعليم والتسويق وتصميم المنتجات. وأصبحت هذه التقنية محوراً لتقدم الكثير من شركات التقنية الضخمة اليوم، مثل «ألفابيت Alphabet» المالكة لـ«غوغل» و«مايكروسوفت» و«ميتا» المالكة لـ«فيسبوك»، وغيرها.

ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات بهدف زيادة كمية وأنواع المهام المنوطة به، وتحليل الصور الطبية للمساعدة في التعرف على الأمراض المختلفة وفقاً لتاريخ مرضى سابقين وتطور مراحلهم، إلى جانب الاستخدامات العسكرية في المعارك الميدانية وتحليل نزعات تحرك المشاة والآليات وفقاً لعوامل البيئة والطقس والأعداد والوقت. كما يمكن استخدامه في برامج مكافحة الجرائم الرقمية والتعرف على الرسائل التصيّدية بناءً على نص الرسالة وعنوانها وعنوان الجهة المرسلة، أو ترجمة النصوص وتفريغ المحادثات الصوتية وتحويلها إلى نصوص، والتعرف على مشاعر الطرف الثاني في الرسائل الإلكترونية. ويتم استخدام هذه التقنيات حالياً في المجالات الاصطناعية ولتحريك عناصر ثقيلة جداً في مهمات المركبات الفضائية التي تستكشف الكواكب المختلفة، أو في المركبات ذاتية القيادة للتعرف على العقبات الموجودة أمام المركبة وتجاوزها من دون المخاطرة بحياة الركاب أو المشاة من حولها.

وأخيراً شهدنا انطلاق خدمات إيجاد المحتوى متعدد الوسائط بجودة عالية «الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI»، مثل النصوص والصور والفيديوهات والموسيقى بشكل غير محدود وبقدرات إبداعية غير مسبوقة، وبتكلفة منخفضة جداً. ويمكن إيجاد نصوص مسرحية وصور واقعية وكتابة عدد كبير من رسائل بريد إلكتروني من دون ملاحظة الطرف الآخر أن المرسل ليس من البشر، والكثير غيرها من الخدمات الأخرى.

كما يمكن استخدام هذه التقنيات في القطاع المصرفي لتحليل ما إذا كان يمكن للبنك تقديم قرض لشخص ما أو تحديد السقف المالي لبطاقة ائتمانية أو الفرص الاستثمارية، أو للمساعدة في تداول الأسهم. وتستطيع هذه التقنيات المساهمة في التنبؤ بحدوث تأخير في الرحلات الدولية حسب الحالة الجوية، أو زيادة أمن الشحن البحري حسب حالة الطقس والتيارات المائية، والتنبؤ بنزعات الشراء والطلب بناءً على عوامل كثيرة جداً، إلى جانب تقديم المحامين للمشورة القانونية وفقاً لقضايا سابقة بعد تحليل تفاصيل ونتائج أحكام الكثير من القضايا والملفات السابقة.

تطويرات وآفاق واعدة

وتطورت استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير خلال الفترة السابقة، وتسارع ذلك التقدم بشكل ملحوظ. ويمكن العودة بالابتكارات النوعية لهذه التقنيات إلى عام 2012 خصوصاً شبكة «AlexNet» العصبونية التي رفعت من مستويات الأداء بشكل كبير بسبب اعتمادها على وحدات معالجة الرسومات فائقة الأداء لتحليل البيانات مقارنةً بالاعتماد على المعالجات التقليدية، وقدرة وحدات معالجة الرسومات على معالجة البيانات بالتوازي بكميات ضخمة وبسرعات كبيرة جداً.

وشكّل التعاون بين شركات البرمجة العملاقة، مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«أوبين إيه آي OpenAI» من جهة، وشركات صناعة عتاد الكومبيوترات، مثل «إنفيديا Nvidia» المتخصصة في وحدات معالجة الرسومات فائقة الأداء، ومعالجات «إنتل» المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، من جهة أخرى نواة لتشكيل قفزات متسارعة في خدمات تقنيات الذكاء الاصطناعي كان من آخرها «تشات جي بي تي ChatGPT». ومن أحدث الابتكارات في أدوات وخدمات الذكاء الاصطناعي تطوير «غوغل» ما تُعرف بـ«المحولات Transformers»، وهي آلية فائقة الأداء ترفع من سرعة تحليل البيانات الضخمة باستخدام مجموعات كبيرة من الكومبيوترات العادية التي تحتوي على وحدات معالجة الرسومات، الأمر الذي خفض من تكاليف تأسيس تقنيات الذكاء الاصطناعي المتخصصة بشكل كبير.

وطوّرت شركة «إنفيديا» كفاءة معالجة البيانات بالتوازي Parallel Processing عبر نوى وحدات معالجة الرسومات GPU الخاصة بها بشكل كبير على مستوى الدارات الإلكترونية والبرمجيات في آن واحد، مما شكّل قفزة كبيرة سرّعت من تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب سهولة تكامل تلك التطويرات في مراكز البيانات، والعمل مع مراكز الحوسبة السحابية لتقديم الأجهزة المتقدمة كخدمة لمن يريد، دون الحاجة لبناء مراكز متخصصة لكل شركة، وهو أمر من شأنه خفض تكاليف تبني هذه التقنية بشكل غير مسبوق.

واستطاعت هذه الشركات تطوير «محولات» توليدية مسبقة التدريب Generative Pre - trained Transformers GPT ومشاركتها مع الشركات الأخرى التي ترغب في تخصيص تقنيات الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لتدريب الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات وما يصاحب ذلك من وقت وتكاليف كبيرة. وتستطيع الشركات المتوسطة أو الصغيرة استخدام تلك النماذج العامة وتخصيصها حسب الحاجة لقاء بضع آلاف من الدولارات، مقارنةً بـ5 إلى 10 ملايين دولار للتدريب من نقطة الصفر. ويشكّل هذا الأمر قفزة كبيرة للشركات المتخصصة نحو مباشرة العمل وتقديم خدمات ثورية بسرعات كبيرة ومخاطر منخفضة.

ومن الأمثلة على خدمات الحوسبة السحابية للذكاء الاصطناعي AWS AI Services وGoogle Cloud AI وMicrosoft Azure AI Platform وOracle Cloud Infrastructure AI Services، والتي تزيل عبء بناء مركز بيانات متخصص بالذكاء الاصطناعي، وتقدمه كخدمة لقاء اشتراك شهري أو سنوي منخفض التكلفة. هذا، وتقدم OpenAI وNVidia خدمات متخصصة لمستخدميها، مثل نماذج ذكاء صناعي متخصصة بالصور والدردشة النصية والطب وحتى البرمجة.

وتقدم OpenAI نظام ChatGPT للمحادثة أو الدردشة الذي انتشرت شعبيته بشكل كبير بين المستخدمين في آخر بضعة أشهر، وهي الشركة نفسها التي استثمرت بها «مايكروسوفت» بقيمة 10 مليارات دولار، والتي ستضيف تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى متصفح «إيدج Edge» ومجموعة برامج «أوفيس» المكتبية وحتى نظام التشغيل «ويندوز» لتطوير تجربة الاستخدام بشكل مبهر جداً.

من جهتها كشفت «غوغل» عن نظام الذكاء الاصطناعي «بارد Bard» للدردشة المبنيّ على عائلة LaMDA للغات التطوير، والذي من المتوقع أن يساعد في أعمال ترجمة النصوص بين اللغات بدقة عالية جداً وكتابة المحتوى المبتكر والإجابة عن الأسئلة وكتابة النصوص البرمجية عبر أكثر من 20 لغة برمجة، وحتى إيجاد معادلات لجداول الحسابات لتحقيق هدف حسابي ما يريده المستخدم.

هذا، وكشفت «إنفيديا» عن نظام ذكاء صناعي يستطيع إيجاد فيديوهات واقعية للغاية بمجرد كتابة وصف لها، ليقوم النظام بتوليد تلك الفيديوهات بسرعة. ومن الممكن استخدام هذا النظام في شركات صناعة الفيديوهات أو حتى في استوديوهات المسلسلات والأفلام لإضافة العناصر الرقمية إلى المشاهد المختلفة، أو حتى استبدالها بأخرى بمجرد كتابة ذلك نصياً (مثل استبدال سيارة بأخرى أو وجه ممثل بآخر، وبسرعة ودقة كبيرتين).

أخلاقيات الاستخدام

مثلها مثل أي أداة في حياتنا، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للمنفعة أو لإلحاق الأذى، وينبغي إيجاد ضوابط لاستخدامها بشكل يعود بالخير على الجميع. وكما ذكرنا سابقاً، تعتمد هذه النظم على تحليل البيانات السابقة، أي إن نتائجها مرتبطة بتلك البيانات، الأمر الذي يعني أنه سيوجد تحيز إن كانت البيانات غير شاملة لجميع العوامل المرتبطة بالمسألة التي يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لحلها، وتجب مراقبة جودة تلك البيانات التأسيسية لضمان وجود مخرجات صحيحة ومفيدة. يضاف إلى ذلك أن هذه النظم تقدم النتيجة دون ذكر كيفية الوصول إليها، ذلك أنها توجِد ترابطاً بين أعداد كبيرة من العوامل المختلفة للبيانات التي تقوم بتحليلها.

هذا الأمر قد لا يكون مفيداً في الكثير من الاستخدامات اليومية، مثل عدم القدرة على توضيح أسباب اتهام شخص بتجاوز قانوني ما، إذ لا يكفي القول إن النظام قد توصل لتلك النتيجة دون ذكر أسباب مقنعة لذلك، أو رفض مصرف طلب حصول عميل ما على بطاقة ائتمانية، مثلاً. وشهدنا نظماً تستطيع إيجاد صور وفيديوهات ملفقة باستخدام أوجه وأصوات أشخاص حقيقيين DeepFake، الأمر الذي سيصعّب على المستخدمين التأكد من صحة تلك الصور والتسجيلات الصوتية والفيديوهات، وقد يوقِع الضحايا في مشكلات كبيرة.

ويوجد الكثير من القوانين التي تحدّ من نوعية البيانات التي يمكن للشركات استخدامها، مثل القانون العام لحماية البيانات General Data Protection Regulation (GDPR)، (لائحة الاتحاد الأوروبي التي تنص على كيفية التعامل مع البيانات الشخصية)، الأمر الذي سيشكل عقبة أمام القدرة على استخدام البيانات في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد يشكّل في النهاية، إلى جانب قوانين دولية أخرى، عقبة أمام تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وإيجاد بيانات تأسيسية شمولية وأكثر دقة للحصول على نتائج صحيحة. كما ستشكل مسائل حقوق الملكية الفكرية عقبة كبيرة أمام تقدم هذه التقنيات، حيث يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي محاكاة أسلوب رسم أو كتابة شخص ما، أو يمكن إيجاد موسيقى مشابهة جداً لأسلوب فرقة أو مغنٍّ ما وبيع تلك النتائج وجني المال.

أمر آخر لافت للانتباه هو الاستخدامات الخبيثة لهذه التقنية، حيث يمكن لمجموعة من القراصنة استخدامها للتعرف على الثغرات الموجودة في موقع حكومي أو تابع لشركة ما واختراق ذلك الموقع والدخول إلى الأجهزة الخادمة وسرقة البيانات أو جعلها رهينة لقاء فدية مالية.

عقدت «مايكروسوفت» في 2019 شراكة مع «أوبن إيه آي» مطوّر «تشات جي بي تي» (أدوبي ستوك)

نظرة «مايكروسوفت» للذكاء الاصطناعي: نقلة نوعية... بضوابط

تحدثت «الشرق الأوسط» مع فريق عمل «مايكروسوفت» الذي أكد أن للذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في حل التحديات الاقتصادية المعقدة، وإحداث نقلة نوعية للكثير من الأعمال، وتحسين أداء المؤسسات وتجربة العملاء، وتطوير إمكانات التنبؤ والتخطيط، وذلك للمساعدة في تحسين وتعزيز حياة فئات المجتمع كافة.
وأسهم الذكاء الاصطناعي في تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في مختلف القطاعات على إيجاد حلول للتحديات الملحّة وابتكار طرق جديدة لتحسين سير أعمالها، ومنها الطاقة، حيث يرسم الذكاء الصناعي مستقبل هذا القطاع. وتسعى وزارة الطاقة في المملكة العربية السعودية إلى توظيف الذكاء الصناعي في إدارة استهلاك الطاقة والتنبؤ بها، لتلبية طلبات الاستهلاك، وكذلك لتحديد أنماط جمع مزيج الطاقة وإدارتها وتشغيلها بما يسهم في جعلها أكثر كفاءة وأماناً.وعقدت «مايكروسوفت» في عام 2019 شراكة مع «أوبين إيه آي OpenAI»، وهو مختبر الأبحاث الذي يقف خلف برامج الدردشة «تشات بوت» و«تشات جي بي تي ChatGPT»، وكذلك مُنشئ الصور «دال - إي 2 Dall - E2» الذي يُحول النصوص الوصفية إلى صور جديدة.
ونتج عن هذه الشراكة خدمة «أزور أوبن إيه آي سيرفيس Azure OpenAI Service» الجديدة التي توفر عدداً من نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل إصدارات مطورة من متصفح «إيدج» ونظام البحث «بينغ» اللذين يعملان معاً مساعدين شخصيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي. وتجاوز عدد المستخدمين لهذه التقنية 100 مليون مستخدم نشط يومياً على «بينغ» بحلول أوائل شهر مارس (آذار) الماضي. ونذكر كذلك أداة «بينغ إميج كرييتور Bing Image Creator» الجديدة التي تسمح لمستخدمي بحث «بينغ» الجديد المزوّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي «Bing Chat» أو متصفح «إيدج» بإنشاء صور مبتكرة بمختلف أنواعها من خلال نصوص وصفية.وأطلقت الشركة المرشد المساعد «مايكروسوفت 365 كوبايلوت Microsoft 365 Copilot» الذكي لمستخدمي تطبيقات «مايكروسوفت 365» المكتبية بهدف مساعدة المستخدمين في إنتاج المحتوى، سواء كان رسائل بريد إلكتروني أم إنشاء الوثائق أم العروض التقديمية أم تلخيص المحتوى والرسائل وتحليل البيانات وجداول الحسابات، وغيرها. يضاف إلى ذلك «المرشد المساعد للنصوص البرمجية GitHub Copilot» الذي يتيح إمكانية كتابة النص البرمجي مباشرةً من خلال الأوامر الصوتية دون الحاجة إلى لوحة المفاتيح.
وأشار الفريق أيضاً إلى استفادة قطاع آخر من هذه التقنية هو الرعاية الصحية، حيث يمكن تشخيص الأمراض وفحص أعداد كبيرة من المرضى في وقت قصير بفضل الذكاء الاصطناعي. وأسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى التشخيص المبكر واكتشاف الأمراض في أولى مراحلها، وربما قبل حدوثها أو انتشارها. ونذكر كذلك الخدمات المالية، حيث أحدث الذكاء الاصطناعي موجات تغيير واسعة في قطاع الخدمات المالية وتم استخدام روبوتات الدردشة «Chatbots» لخدمة العملاء.
كما أسهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة المعلمين والمحاضرين من خلال تحريرهم من الأعمال المكتبية وتمكينهم من أتمتة العمليات اليدوية، مثل تصحيح الامتحانات وتقييم الواجبات. كما يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي إمكانية الوصول إلى التعليم عالي الجودة لجميع الطلاب في أي وقت وفي أي مكان، ودون تكبد المزيد من النفقات.ويرى الفريق أن الحقبة التالية من الذكاء الاصطناعي (نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة) ستساعد في مهام كثيرة، مثل تلخيص المحتوى وإدارة المستندات وتبسيط تدفقات المبيعات، ويمكن أن تمتد إلى مجالات كثيرة مثل تصميم جزيئات جديدة للأدوية أو إنشاء نصوص أو صور أو موسيقى أو محادثات أو رموز أو فيديوهات تحاكي إنتاج البشر. وتستخدم اليوم أكثر من 85% من شركات قائمة «Fortune 100» أدوات «مايكروسوفت» للذكاء الاصطناعي.
وترى «مايكروسوفت» أنه من المهم جداً أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية ومسؤولة. ولذلك، فقد تم تصميم سياسات ولوائح «مايكروسوفت» في مجال الذكاء الاصطناعي بطريقة تراعي وتتماشى مع الأطر التنظيمية للاستخدام المسؤول والأخلاقي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
 

نظرة «غوغل» للذكاء الاصطناعي

يرى فريق «غوغل» أن مستقبل توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات اليومية كبير، لأنها تجعلها أكثر فائدة حول العالم، سواء كانت لمساعدة الأطباء في التعرف على الأمراض بشكل أسرع أو السماح للمستخدمين بالوصول إلى المعلومات بلغاتهم الأم لإطلاق العنان لإبداعاتهم، وفتح فرص جديدة من شأنها تغيير حياة الملايين.
وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع فريق «غوغل»، أشار إلى أن هذه التقنية ستعالج التحديات المجتمعية التي تشمل الأزمة المناخية والتنبيه إلى الكوارث الطبيعية (مثل الفيضانات) والمساهمة في الوصول إلى اكتشافات علمية جديدة، وحتى رفع المستويات الصحية للمستخدمين.
ومن الأمثلة على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجات «غوغل» القدرة على البحث عن المعلومة باستخدام الصور أو صوت المستخدم، حيث تقوم النظم بتحليل الصوت والبحث عن أغنية مشابهة للحن الذي سجله المستخدم، أو تحليل صورة ما لإيجاد عناصر مشابهة لها. كما يمكن استخدام هذه الآليات إلى جانب كتابة النصوص إليها للبحث من خلال تطبيق «غوغل»، مثل كتابة «ملابس» وتصوير ورق الجدران أمام المستخدم، ليعثر محرك البحث على ملابس تحتوي على نمط مشابه لذلك الموجود في ورق الجدران الذي تم تصويره. كما تحلل تقنيات الذكاء الاصطناعي بيانات الخرائط وتقدم معلومات مفيدة للمستخدمين حول حالة الازدحام وساعات عمل المتاجر والسرعات المسموحة في الطرق المختلفة، وبشكل آلي. هذا، وتستطيع نظم الذكاء الاصطناعي تحليل محتوى الصور الموجودة في جهازه والسماح للمستخدم كتابة عبارة تصف عنصراً ما، لتعرض جميع الصور، التي تحتوي على ذلك العنصر.
إلا أن الفريق أشار إلى ضرورة استكشاف القدرات الكامنة لهذه التقنية ونتائجها الإيجابية والسلبية التي تتقاطع مع التجارب البشرية. ويجب التركيز على العوامل الأخلاقية للاستخدام، الأمر الذي كشفت عنه «غوغل» في مبادئ الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والاستخدامات المفصلة حول كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي بمسؤولية، والعمليات الحكومية لتطبيقها، وهي جميعاً عوامل تُوَجِّه جهود «غوغل» في الذكاء الاصطناعي.
الجدير ذكره أن «غوغل» أطلقت نظام «بارد» Bard للذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI بشكل تجريبي للسماح للمستخدمين البحث عن المعلومات بطرق مبتكرة وغير تقليدية مقارنة بالبحث التقليدي. وترى الشركة أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية أساسية وتحويلية ستقدم مزايا مساعدة عديدة للأفراد والمجتمعات من خلال قدرتها على تمكينهم وإلهامهم في جميع المجالات، ولديها القدرة في المساهمة لمعالجة أبرز التحديات التي تواجه البشرية. وتؤمن «غوغل» أنه يجب تقديم حلول صحيحة من خلال التعاون جماعياً بين الحكومات والباحثين والمطورين والأفراد والشركات والمنظمات والجهات المشرعة بهدف الحصول على ثقة العموم.


مقالات ذات صلة

اهتزاز الثقة بقطاع الذكاء الاصطناعي يضغط على أسواق آسيا

الاقتصاد متعاملو العملات يراقبون مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك هانا بسيول (أ.ب)

اهتزاز الثقة بقطاع الذكاء الاصطناعي يضغط على أسواق آسيا

تراجعت الأسهم الآسيوية يوم الخميس متأثرةً بخسائر «وول ستريت»، بعدما أدت مخاوف متزايدة بشأن قطاع الذكاء الاصطناعي إلى ضغوط حادة على أسهم شركات التكنولوجيا.

تكنولوجيا صورة مركبة عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)

خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي قد ينفذ هجمات إلكترونية بمفرده

حذرت مجموعة من الخبراء من قيام نماذج الذكاء الاصطناعي بتحسين مهاراتها في الاختراق، مشيرين إلى أن تنفيذها هجمات إلكترونية بمفردها يبدو أنه «أمر لا مفر منه».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

والر من «الفيدرالي»: لا تزال هناك مساحة لخفض الفائدة

قال محافظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كريستوفر والَر، يوم الأربعاء، إن البنك المركزي الأميركي لا يزال يمتلك مجالاً لخفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا ستبقى شركة «أوبن إيه آي» اليافعة من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة رمزاً للعبقرية التي أطلقت الذكاء الاصطناعي التوليدي وأتاحته على أوسع نطاق (رويترز)

هيمنة شركة «أوبن إيه آي» على سوق الذكاء الاصطناعي تهتز بعد 3 سنوات صدارة

بعد ثلاث سنوات من الصدارة، باتت منصة شركة «أوبن إيه آي» للذكاء الاصطناعي - تطبيق «تشات جي بي تي» - مهددة بفعل اشتداد المنافسة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

معارك الظل في سوريا... محاربة «داعش» وإعادة بناء الدولة

سوريون يحتفلون في الساحات العامة بسقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)
سوريون يحتفلون في الساحات العامة بسقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)
TT

معارك الظل في سوريا... محاربة «داعش» وإعادة بناء الدولة

سوريون يحتفلون في الساحات العامة بسقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)
سوريون يحتفلون في الساحات العامة بسقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)

عند مداخل دمشق المتفرعة من جهة أوتوستراد المزة، وقبيل الوصول إلى ساحة الأمويين يتوزع شبان بمظهر شبه عسكري على جانبي الطريق يبيعون أعلاماً ورايات احتفال بـ«يوم التحرير»، يقابلهم في الشوارع الأضيق والنواصي المؤدية إلى أحشاء المدينة نساء بأثواب طويلة وحجاب يغطي نصف الوجه أحياناً، يجرجرن طفلاً او اثنين، ويحملن أرغفة خبز للبيع. تكدس النسوة الأرغفة فوق بعضها بعضاً وتدفع بها إلى المارة ونوافذ السيارات بلا غطاء أو كيس يحميها من الأدخنة العابقة برائحة المازوت والأتربة المتطايرة من أحزمة البؤس والدمار المطبقة على العاصمة.

منذ بعض الوقت تحول بيع الخبز بهذه الطريقة «مهنة»، نسائية إلى حد بعيد، انتعشت أكثر مع ازدياد الفقر والعوز؛ فتذهب النساء للانتظار في طوابير الأفران لشراء حصة من الخبز يعدن لبيعها مقابل مبلغ إضافي صغير، ويعاودن الاصطفاف في الطوابير، وهكذا دواليك حتى ساعات متقدمة من الليل. المشهد لا يقتصر على دمشق ومحيطها، بل يتكرر على امتداد المدن والمناطق السورية التي زرتها من حمص وإدلب وحلب، وكأن المشهد النسائي هذا أصبح جزءاً من نسيج الأزمة المستمر وأحد مقومات الصمود اليومي للسوريين.

مشهد لمدينة دمشق (الشرق الأوسط)

دمار مديد

ولئن كانت النساء بوجوههن المنهكة وأيديهن المخشوشنة خير شاهد على نكبة عصفت بالبلاد لنحو 15 عاماً، فإن الدمار المديد الذي لا يحدّه نظر، يشهد هو الآخر على هول ما كان. أحياء وضواحٍ كاملة سويت بالأرض تطوّق دمشق وتكاد تخنقها بأتربتها وبقايا الردم فيها، كما وتسود الحواضر الكبرى وأريافها، حيث الركام واللون الرمادي الأغبر يمتد على مساحات شاسعة من البلاد. فأن تقود سيارتك لأكثر من 350 كلم عبر الأراضي السورية ولا ترى شجرة أو حيّاً أو بيتاً ناجياً، يعني أنك تعاين عملياً ما خلفته لأكثر من عقد من الزمن، آلة قتل وتدمير وانتقام أقرب ما يكون إلى الثأر الشخصي. فحجم الخراب وشكله لا يعكسان مجرد معارك بين أطراف متنازعة وتفوق عسكري لجهة على أخرى، وإنما يكشف عن نية واضحة بتصفية الناس وأرزاقهم، ودفن أي حلم أو بصيص أمل لديهم بالعودة إلى الديار. فما لم يقضِ عليه القصف بشكل مباشر، حُرق ونُهب وتصحّر عن عمد. لكن العودة تتم وإن ببطء شديد ودفع ذاتي.

وحدها فقاعات قليلة نجت في دمشق وأسواقها، أو خارجها من المناطق والمدن، وازدهر بعضها، لحسابات طائفية أو مصالح سياسية أو تجارية تتعلق بشكل أساسي بتصنيع الكبتاغون وترويجه.

دمار من جرَّاء المعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة السابقة في مخيم اليرموك بضواحي دمشق (إ.ب.أ)

دمشق... الواجهة البراقة

كانت المدينة على موعد مع احتفالات استثنائية بالذكرى السنوية الأولى لهروب بشار الأسد، والاستعدادات تسير على قدم وساق. منصات ومكبرات للصوت وتنظيم للسير ولافتات تشدد على الوحدة الوطنية «شعب واحد... وطن واحد» وأن «الحقبة السوداء انتهت». برنامج الحفل يصل إلى الهواتف النقالة عبر رسائل قصيرة تشجع على المشاركة وحضور الفعاليات «للاحتفال بالحرية والأمل... وإكمال الحكاية». لكن أي حكاية؟ سؤال يتردّد في الشوارع ذاتها التي تُباع فيها الأرغفة على الأسفلت وتشهد احتفالات النصر.

فهنا، تكثر الحكايات وتتشعب حتى تكاد تتناقض كمثل فقاعات الأمكنة التي تتجاور ولا تلتقي. ثمة انقسام عمودي حاد في وجهات النظر وتراشق يشبه إلى حد بعيد مرحلة 2011 حين انقسم السوريون إلى حد القطيعة بين مؤيد ومعارض، مقابل إصرار رسمي واضح على تصدير صورة مصقولة عن المرحلة.

بهو فندق على الطراز الدمشقي القديم في منطقة باب توما (الشرق الأوسط)

معركة الأمن الصامتة

خلف الواجهة الاحتفالية، تُدار معركة أخرى أقل صخباً وأكثر تعقيداً. «يشكل (داعش) والمهاجرون (المقاتلون الأجانب) تحديداً التحدي الأبرز بالنسبة لنا» يقول مصدر أمني سوري رفيع مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، لافتاً إلى أن الاعتقال و«التحييد» يتمّان بشكل دوري. أما كيف يتم ذلك (وهو مصطلح شائع في تركيا يستخدم ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني)، فتتقاطع المعلومات مع مصدر آخر يفيد بأن «العمل الأمني يجري بدقة وحرفية وإن لوائح المنتمين إلى تنظيمات متطرفة تحت مظلة عريضة هي (داعش)، موجودة لدى الأجهزة الأمنية وهي تقوم بتعقبها». وأضاف: «نعرفهم واحداً واحداً ونقوم برصدهم ووضعهم تحت المراقبة. كما أن النظام السابق ترك آلية عمل وتعقب دقيقة جداً نعتمد عليها حتى الآن إلى درجة كبيرة».

رجال أمن سوريون في ساحة سعد الله الجابري في حلب ليلة الاحتفال بسقوط نظام الأسد في 7 ديسمبر 2025 (الشرق الأوسط)

التقيت المصدرين قبل أيام قليلة على حادثة تدمر الأخيرة، لكنها حين وقعت، لم تبدُ خارج السياق العام للقاءات وما كشفت عنه المعلومات المتقاطعة. ذاك أن المسؤولين والأشخاص في مواقع أمنية دقيقة بدوا مدركين مسبقاً لهذا الاحتمال بصفته واحداً من المخاطر الأمنية المتعددة، لا سيما بعد انضمام سوريا رسمياً إلى تحالف «محاربة الإرهاب».

ولخّص مصدر هذه المخاطر بثلاثة أنواع من المواجهات «أولاً المواجهة مع (داعش) ومتفرعاته، وهي تجري بحذر شديد؛ لأنها تهدد الرئيس أحمد الشرع بشكل شخصي، وثانياً المواجهة مع (قسد) وهي تهدد الدولة الناشئة وهويتها على المدى البعيد، وثالثاً مواجهة باردة وأقل حدة مع إسرائيل بسبب أحداث السويداء».

وفي رواية شبه رسمية، لم يستبعد المصدر الأمني أن يشكل المفرج عنهم من مخيم الهول «قنابل موقوتة» يتم استغلالها لزعزعة الأمن داخلياً وتلبية رغبات المتطرفين الرافضين التحول الحاصل في شكل السلطة من جهة، ولإطلاق رسالة للخارج مفادها أن سحب ملف «محاربة الإرهاب» من يد «قسد» لن يجدي؛ إذ يمكن أن «يفتح الباب أمام قطعان من الذئاب المنفردة» من جهة ثانية.

هل تكفي المقاربة الأمنية؟

تحدي الدولة ليس أمنياً فقط، وهذه المقاربة الصرفة لا تحظى بإجماع داخل دوائر السلطة نفسها. فبعكس من يرى في «داعش» والتطرف «عقدة تقنية» يمكن حلها بمقاربة أحادية، يرى مسؤول مقرب من «الهيئة السياسية» أن «المشكلة الفعلية تكمن في استيعاب تلك الكتلة البشرية الهائلة التي نشأت خارج أي سياق اجتماعي طبيعي لسنوات عدّة، خارج منظومة التعليم أو الأسرة أو أي شكل ناظم للحياة».

طلاب يحضرون الفصول الدراسية داخل مدرسة معر شمارين الابتدائية وتبدو جدرانها مليئة بثقوب الرصاص من القتال بين القوات الموالية للرئيس السابق بشار الأسد والمعارضة بقرية معر شمارين في ريف إدلب بسوريا 19 أكتوبر 2025 (أ.ب)

وأضاف: «التحدي الكبير هو في استيعاب هؤلاء ودمجهم ضمن مفهوم الدولة وإعادة تأهيلهم لهذا الغرض». وقال: «كما تم استقطاب هؤلاء المراهقين إلى طيف معيّن من التشدد، يجب اليوم العمل على نقلهم إلى مكان وسطي. فإذا كان الرئيس نفسه يقول إننا اليوم نغادر الحالة الفصائلية وننتقل إلى مفهوم الدولة، فكيف يكون هذا الانتقال على مستوى القاعدة؟ هل بشكل فردي وأمني فحسب أم مجتمعي أيضاً؟».

وفي السياق، ذهب أحدهم لتفسير عبارة «أطيعوني ما أطعت الله بكم» التي أطلقها الشرع من الجامع الأموي ليلة الاحتفال الكبير, وأثارت غضب الشرائح المدنية والعلمانية المعارضة، إنها رسالة لشريحة أخرى هي التي تضعها الدولة اليوم نصب أعينها وتسعى لاحتواء غضبها عبر دعوة «دينية» صريحة لـ«إطاعة الحاكم وعدم الخروج عنه».

صورة نشرتها وزارة الداخلية السورية لجانب من عملية ضد «داعش» في ريف إدلب الاثنين 1 ديسمبر 2025 (الداخلية السورية)

ولئن يبدو الكلام أسهل من الفعل، إلا أن الواقع المعاش أصعب بأشواط.

فإذا كان الأمن مضبوطاً إلى حد بعيد في المدن الرئيسية كدمشق وحلب عبر الانتشار الأمني الكثيف وبـ«استخدام تقنيات حديثة منها المسيَّرات»، وذلك في فترة حساسة شهدت تجمعات هائلة تزامناً مع الاحتفالات بالذكرى السنوية الأولى لسقوط النظام السابق، فإن المساحات الشاسعة في الأرياف، حيث الدمار الهائل والفقر المدقع والبطالة المستشرية، متروكة لحالها إلى حد بعيد. وبينما تتوزع حواجز الأمن العام على الطرقات الرئيسية بين المحافظات، فإن الحواضر الجانبية وأزقة البلدات متروكة لحالها. ولعل الاستثناء الذي تمتعت به «إدلب» المدينة لفترة من الزمن، وكثر الحديث عنه من خدمات ورعاية وإدارة، لم يسحب منها فقط بعد التحرير وإنما جاء هذا الانفتاح على بقية المناطق السورية ليضعها أمام استحقاقات الحياة الفعلية، لتدرك المدينة وريفها المهمل والمدمّر أن الوضع كان أقرب إلى «إدارة أزمة»، لا يزال إرثها حاضراً حتى في اللغة اليومية، كأن يتخاطب العسكريون فيما بينهم ومع المدنيين العابرين على الحواجز بتسمية «شيخ» و«استعن بالله» للقول امض في سبيلك.

ملصق لدائرة الهجرة والجوازات السورية عند المعبر الحدودي مع لبنان في جديدة يابوس (الشرق الأوسط)

وهناك بين ريفي إدلب وحلب على سبيل المثال قرى ومدن صغيرة معروفة بتوجه الأهالي فيها وانتمائهم، وليست كلها على ذاك الاعتدال وتلك الوسطية التي تعتلي منصات دمشق. توجهات تجعل السائقين يسلكون طرقاً أطول لقطع المسافات، لكن «أقل خطورة» بظنهم.

وفي ذلك الشريط يشكل الشبان، لا سيما الأصغر سناً، وقود الفصائل المسلحة التي لم يبق منها في الميدان في السنوات الأخيرة إلا «هيئة تحرير الشام» بشكل أساسي، وانضم الآلاف منهم بعد سقوط النظام السابق إلى الأمن العام أو الجيش وليس لهم اليوم مورد رزق آخر. فحتى منازل أهلهم المدمرة أو أرزاقهم المنهوبة لا يملكون ثمن ترميمها، ويجد كثيرون منهم في المنامة والمأكل في الثكنات العسكرية عوضاً عن سوء حالهم خارجها.

نسيج هويات مقاتلة

والحال، إن تلك هويات تبلورت في سنوات التسلح، وتحديداً ما بعد 2013، ولكن جذورها الاجتماعية تعود إلى ما قبل ذلك بزمن. فإذا كان اليوم يطلق على كل من هو مرتبط بالسلطة الجديدة وصف «إدلبي» نسبة إلى إدلب معقل حكم «هيئة تحرير الشام» خلال الأعوام التسعة الأخيرة، وهو وصف يحمل تعالياً في دمشق وحلب، فإن فهم التباينات الاجتماعية والاقتصادية بين بلدات تلك الأرياف نفسها يعين على فهم الخيارات السياسية والعسكرية اللاحقة لأبنائها. فالبلدات المعروفة تقليدياً برابطة العائلة كوحدة اجتماعية متعاضدة، وامتلاك أراضٍ زراعية ثم الاعتماد على الهجرة في منتصف الثمانينات، آثرت تعليم الأبناء والبنات وتوجيههم نحو المهن الحرة والوظيفة مع الحفاظ على سلوك ديني اجتماعي تقليدي يوصف بـ«التدين الفطري»، وهم ممن اختبروا التيارات القومية والعروبية قبيل صعود «البعث» بقبضته الأسدية.

صورة ملتقطة يوم 28 نوفمبر 2024 في إدلب تظهِر مقاتلين من الفصائل السورية المسلحة خلال المعركة (د.ب.أ)

يقابل هذا النموذج بلدات صغيرة تقوم على العائلات الفرعية التي اعتمدت على العمل الزراعي الموسمي وسلك الشرطة والأمن في النظام السابق، وفرحت لانضمام أبنائها إلى «جبهة النصرة» حين بدأت بالاستقطاب؛ لما شكّله ذلك من انتظام في مسلك عسكري معارض لنظام الأسد، ولكنه أيضاً ذو بعد ديني واضح كان ممنوعاً اعتناقه. وإلى هذا، تأتي مناطق شاسعة لجهة البادية تحكمها القبيلة والعشيرة ونظام «الفزعة» الذي يعلو ويخبو حسب الظروف والمصلحة.

وهؤلاء كلهم، وإن تشاركوا في كونهم من العرب السنة، تباينوا في سلوكياتهم وانحيازاتهم واصطفافاتهم؛ ما انعكس لاحقاً في قدرة الفصائل المتشددة والأكثر تشدداً على اختراقهم وتجنيدهم مقابل من بقي عصياً عليها، فعملت على تسليط الطرف على المتن.

إدلب ومفاتيح دمشق

وإذ يقول الأمنيون اليوم إنهم يعرفون المتشددين «واحداً واحداً»، فلأنهم يعتمدون أيضاً على معرفة الجهاز الأمني في «الهيئة» بالفصائل المتشددة والمنتسبين إليها في تلك البلدات ممن حاربتهم خلال السنوات الأخيرة كـ«جند الأقصى» و«حراس الدين» الموالي لـ«القاعدة»، كما ويعتمدون كثيراً على المخبرين. ولا تزال إدلب إلى حد بعيد أشبه بـ«المعقل الآمن» الذي يملك مفاتيح دمشق ومفاصلها ولا يزال يعمل بوتيرته السابقة. يكفي مثلاً أن المحاكم والسجلات الإدارية والمدنية لا تزال تخضع لـ«المحاكم الشرعية» التي حكمتها منذ منتصف 2013، بعكس بقية المناطق السورية ولا سيما العاصمة، حيث تصب المعاملات كافة.

عملية أمنية في مدينة تدمر عقب الهجوم الإرهابي على وفد سوري - أميركي مشترك (الداخلية السورية)

ويميّز محدثي بين أنواع من التجنيد قد تعتمدها «داعش» أو المجموعات المتفرعة منها لضرب الأمن بالاعتماد على تلك البنى الاجتماعية المختلفة؛ التجنيد الآيديولوجي، وهو الأسرع والأكثر فاعلية، خصوصاً بين الأصغر سناً الذين قطعوا شوطاً بتبني الأفكار المتطرفة ولم يستوعبوا بعد التحولات الجذرية التي شهدتها سوريا في عام واحد. والتجنيد بالمال وعنصر «الانتقام» بالاعتماد على حالة الفقر المستشرية بين من فقدوا مصدر دخلهم وسلطاتهم المعنوية، ومن ثم التجنيد ضمن بيئة «المهاجرين» أو المقاتلين الأجانب الغاضبين على ما حل بهم من تخلٍ ولم يعد لديهم عملياً ما يخسرونه.

الدولة الناشئة ونموذج «الصحوات»

حين عاد الرئيس السوري أحمد الشرع من زيارته الأخيرة إلى واشنطن كان محملاً بمهمة عسيرة؛ «مواجهة وتفكيك الشبكات الإرهابية» من بقايا تنظيم «داعش» و«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» و«حماس»، حسب ما قال حرفياً المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك. وفي حين تولت إسرائيل ضرب «حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة، بقي على سوريا مواجهة ذيولهما لديها بينما الأصعب يبقى مقارعة «داعش» ومتفرعاته ممن كانوا حتى أمس قريب «رفاق سلاح» لـ«هيئة تحرير الشام». وفي حين يترقب كثيرون شكل هذه المواجهة وسبل ذلك التفكيك على الساحة السورية، سيما في غياب جيش متماسك ذي عقيدة قتالية واضحة، فإن واشنطن من جهتها سبق واختبرت صيغة مشابهة من المواجهة السنية - السنية في عراق ما بعد صدّام، تحت مسمّى «الصحوات».

الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة يلوّحان للسوريين خلال عرض عسكري في دمشق (وزارة الدفاع السورية)

وقام نموذج الصحوات بشكل أساسي على من وصفهم مصدر عراقي مطلع بـ«تحالف المتضررين» من تنظيم «القاعدة» وبالاعتماد على حيّز جغرافي محدد هو محافظة الأنبار، ذات الانتماء العربي السني والتدين الاجتماعي - التقليدي. وعليه، فإن نموذجاً مشابهاً قد يقوم اليوم في سوريا على تحالف متضررين من «داعش» في الشمال والشمال الشرقي وبقيادة رسمية هي الدولة الناشئة المطلوب منها محاربة التطرف.

وأوضح المصدر العراقي الذي واكب من كثب مرحلة تأسيس الصحوات واندثارها لاحقاً مع حكومة نوري المالكي، إن العشائر في منطقة الرمادي (تحديداً البوريشة والبوعلوان والبوفهد، وبدرجة أقل الدليم) كانت عماد تلك الحرب؛ لما ألحقته «القاعدة» من ضرر بتجارتهم ومصالحهم ونسيجهم الاجتماعي.

وإذ كان بعضهم أُرغم على المبايعة في مرحلة ما، فإن التصادم لم يتوقف يوماً، ومثال عليه مقتلة قبيلة البونمر التي أعدم التنظيم منها نحو ألفي رجل. يقابل ذلك المثال في الحالة السورية قبيلة الشعيطات التي وقفت في وجه «داعش» ورفضت مبايعته؛ فارتكب فيها إحدى أكبر المجازر وقتل نحو 1800 من شبانها دفعة واحدة.

وفي تقاطع آخر يشبه تحديات المرحلة الدقيقة التي تمر بها سوريا، حيث التوازن الهش بين تحديات الأمن وبناء الدولة المرجوة، كان يطلب من كل من يريد الانضواء تحت لواء الصحوات «إعلان البراءة من (القاعدة) والانخراط في قوات الأمن ضمن الصحوات». وتم ذلك بتنسيق مع القوات الأميركية على أمل «تحويل تلك الكتلة السكانية (سنية عشائرية) رافعةً سياسية من ضمن مجموعة روافع سياسية أخرى».

شعارات في دمشق مع اقتراب ذكرى سقوط الأسد (د.ب.أ)

من السلاح إلى السياسة

ويلفت المصدر العراقي إلى نقطة أساسية في تحول مسار الصحوات من دورها الأمني إلى السياسي، فيقول: «على الرغم من القيمة الأمنية الكبيرة لتلك الصحوات في مرحلة ما، وما أنجزته على الأرض، فإنها لم تنجح في الانتقال من الدور الأمني/ العسكري إلى العمل السياسي. فعندما انخرط قادتهم في السياسة والانتخابات لم يحققوا تمثيلاً فعلياً ولم يخترقوا القواعد الشعبية».

وذلك تحديداً هو بيت القصيد في الحالة السورية، أي «التحول الجمعي من الحالة العسكرية الفصائلية في حيز جغرافي محدد، إلى حالة الدولة بمفهومها السياسي والإداري الأوسع والأشمل، والعسكري لجهة (احتكار العنف) ضمن مؤسسة جيش وطني واحد».

وبين امرأة تبيع الخبز على ناصية شارع، وشاب يتراقص في الساحات، وأجهزة تعمل على تثبيت الأمن وشكل الدولة، تبدو سوريا اليوم كبلد بفقاعات كثيرة. واجهة براقة تُعدّ للاحتفال كبطاقة بريد منمقة، وعمق اجتماعي وأمني هشّ لم تُحسم معاركه بعد.


«فخ الأسد»... ليلة هزت حلفاء طهران في بغداد

TT

«فخ الأسد»... ليلة هزت حلفاء طهران في بغداد

صورة ضخمة لبشار الأسد ملقاة على الأرض بعد هروبه على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
صورة ضخمة لبشار الأسد ملقاة على الأرض بعد هروبه على أرضية القصر الرئاسي في دمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

يطلب مسؤول أمني رفيع في الحكومة العراقية من سائق السيارة أن يسرع قليلاً. عليه اللحاق بطائرة تعيده من دمشق إلى بغداد. واحدة من الرسائل تتدفق إلى هاتفه تقول: «الفصائل السورية في طريقها إلى العاصمة». في مساء يوم السبت السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2024 كان المسؤول قد أنهى مهمة روتينية شمال شرقي سوريا، لتنسيق أمن الحدود، لكن البلاد الآن على وشك أن تكون بيد نظام جديد، يشع من أنقاض.

على أسوار دمشق، كانت سيارة المسؤول العراقي تنتظر «ترتيبات استثنائية» مع السلطات الجديدة في سوريا. ونشأت بين الجانبين «اتصالات من عدم».

يقول مسؤول سوري سابق في «إدارة العمليات العسكرية» إنها «المرة الأولى التي تواصلت فيها (هيئة تحرير الشام) مع مسؤول في الحكومة العراقية». ويقول عنصر أمن عراقي كان حاضراً في الترتيبات إن «الأمر تم بسلاسة غير متوقعة حينها، ودخلنا دمشق» رفقة عناصر من «الهيئة» صباح الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024. ثم وصلت رسالة مثل الصاعقة: «هرب (بشار) الأسد».

مطار دمشق بعد سقوط نظام الأسد (أرشيفية-أ.ف.ب)

كان مطار العاصمة السورية مسرح أشباح. حتى ضباط «لواء النقل الجوي» الذين يعرفهم المسؤول العراقي اختفوا. لا أحد يسأل عن تذكرة أو جواز سفر. الممر الخاص بالدبلوماسيين مشرع للرياح. غادر الرجل على متن رحلة استثنائية إلى بغداد.

خلال النهار، تحلق الطائرة وعلى متنها المسؤول الأمني مع حقيبة أسئلة عن سوريا الجديدة. في مسار الرحلة ذاتها، لكن على الأرض، تغادر ميليشيات عراقية كانت تتمركز في سوريا منذ عام 2011. العجلات التي تحركت من ريف دمشق نحو بلدة البوكمال، قرب الحدود العراقية، قطعت رحلة أخيرة باتجاه واحد لمئات المسلحين، تاركين خلفهم خمسة عشر عاماً من «محور المقاومة» ينهار الآن مثل جبل من رمال.

تكشف شهادات خاصة جمعتها «الشرق الأوسط» من شخصيات عراقية ضالعة في الملف السوري قبل هروب الأسد كيف انسحبت ميليشيات من سوريا دون تنسيق، أو ترتيبات مسبقة، وما دار في الكواليس حول رؤيتها لما حدث، وأظهرت لاحقاً أن طهران وموسكو والأسد كانوا قد اتخذوا قرارات عدم القتال في سوريا في أوقات متباعدة، ولم يشاركوا المعلومات المطلوبة مع حلفاء عراقيين إلا في وقت متأخر.

كما تسلط الشهادات الضوء على ردود فعل مجموعات شيعية في أعقاب انهيار نظام الأسد، وصلت إلى المطالبة بتقوية نفوذ الفصائل المسلحة في العملية السياسية العراقية، وتعزيز ما بات يعرف بـ«الحاكمية الشيعية» في بغداد، حتى «تستوعب صدمة أولئك الذين تركوا سوريا».

الرئيس السوري بشار الأسد يصافح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في دمشق (أرشيفية)

«ليست مناورة... تم خداعنا»

في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بعد ثلاثة أيام من بدء «ردع العدوان»، أجرى رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني مكالمة مع بشار الأسد. يومها كانت فصائل المعارضة السورية قد سيطرت على ريف حلب. وقال السوداني للأسد إن «أمن سوريا يرتبط بالأمن القومي للعراق». في اليوم التالي حاصرت المعارضة حماة. ولم يتصل السوداني بالأسد مرة أخرى.

في نينوى، المحافظة الشمالية القريبة من الحدود مع سوريا كان قادة فصائل شيعية يحاولون إرسال الدعم إلى سوريا، لأنه «مع تحرك الفصائل السورية كان عدد المسلحين الموالين لإيران أقل بكثير عما كانوا قبل سنوات». يقول مسؤول فصائلي في نينوى أيضاً إنهم «أخبروا المقاتلين أن عليكم حماية الشيعة والمراقد في سوريا، وكثيرون تحمسوا».

ويقول كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء» التي انخرطت في الميدان السوري منذ عام 2013، إن فصيله انسحب من هناك أواخر 2023. ويضيف: «كانت مهمتنا قد انتهت».

أرشيفية لعناصر حركة «النجباء» التي كانت تنشط في شرق سوريا خلال عرض عسكري في بغداد

حتى عام 2018، ازدحمت سوريا بأكثر من 150 ألف مقاتل من «الحرس الثوري» الإيراني، وعناصر «حزب الله» اللبناني، وميليشيات عراقية، وفق تقديرات أمنية عراقية وسورية. بدا أن الجيش التابع للنظام السوري السابق أقل حجماً من كل الحشود الأجنبية. وبحلول ديسمبر 2023 حدث شيء ما، وسمح «الحرس الثوري» الإيراني بمغادرة مجموعات شيعية بعد مشاورات مع الأسد. قيل على نطاق واسع إن «صفقة إقليمية قادت إلى هذا التحول الميداني».

مع انسحاب جزء من الميليشيات الإيرانية وحلفائها من سوريا عام 2023، كان نظام بشار الأسد يحاول استعادة مقعده في الجامعة العربية. وتطلب ذلك منه الكثير من الوقت حتى يمهد لاندماج شبه مستحيل مع العالم العربي، لم ينجح في النهاية.

ومع بدء عمليات «ردع العدوان» في نوفمبر 2024، تقلص عدد الجماعات الإيرانية في سوريا إلى بضعة آلاف، لكن عودة الأسد لم تكتمل.

مع تحرك فصائل المعارضة نحو دمشق، كان الشعور السائد بأن الجماعات الشيعية تتحرك لسد نقص لم تنتبه إليه. في الثاني من ديسمبر 2024، تسلل العشرات من المسلحين ليلاً عبر طريق عسكري غير رسمي إلى الأراضي السورية، وأوقف طيران أميركي طريقهم بقصف أرتال قرب البوكمال. بعد ذلك، كان واضحاً أن الذين تحمسوا لدخول سوريا تراجعوا عن الفكرة.

في صباح اليوم التالي سيطرت قوات المعارضة السورية على 14 بلدة في حماة، وباتت تتفرغ لمعركة حمص. يومها أعلنت كتائب «حزب الله» العراقية أن «الوقت مبكر لاتخاذ قرار إرسال الدعم العسكري إلى سوريا».

ويقول مسؤول في فصيل شيعي مسلح إنه سأل مرؤوسيه في بغداد عن «عمليات ردع العدوان» في أيامها الأولى. قالوا له: «اطمئن... قد تسقط سوريا (بيد المعارضة)، لكن دمشق باقية (يقصد بيد الأسد)». ويضيف: «بعد أسبوع، لم نستوعب ما حدث».

قبل وصول المعارضة السورية إلى حمص، كانت المجموعات الشيعية ترجح أن الأمر سيتوقف هناك. يقول قيادي في فصيل شيعي إن «تقارير استخبارية اطلع عليها مسؤولون في جهاز الأمن الوطني العراقي، وقيادة الحشد الشعبي، وقادة فصائل، أفادت بأن الروس والإيرانيين سيوقفون زحف المعارضة، وأن مدينة حمص ستكون النقطة الفاصلة».

لم يستخدم الروس تفوقهم الجوي إلا بشكل محدود. ومع تحرك فصائل المعارضة من حماة باتجاه حمص في 6 ديسمبر 2024، كانت طائرات يُعتقد أنها روسية ضربت جسر «الرستن» الرابط بين المدينتين بقوة تدميرية لا تمنع عبور الأرتال.

لاحقاً، أظهرت لقطات مصورة من الجو أن الروس احتفظوا بطائرات سوخوي المزودة بالصواريخ في قاعدة حميميم دون استخدامها، وعبرت فصائل المعارضة الجسر إلى حمص التي أضحت محررة بالكامل بحلول فجر 7 ديسمبر 2024.

لقطة من فيديو لقناة «سوريا» تظهر طائرات حربية روسية رابضة في قاعدة حميميم باللاذقية خلال عمليات «ردع العدوان«

الآن، بات كثيرون من «محور المقاومة» أكثر قناعة بأن الزحف السريع للفصائل ليس مجرد مناورة. يقول القيادي الشيعي إنهم في تلك اللحظة فهموا أن «الإيرانيين شاركوا معنا مواقف متضاربة (...) ربما تم خداعهم».

لقد بقي السؤال عن أدوار طهران وموسكو غامضاً. لم تمتلك فصائل شيعية أجوبة حاسمة في الأشهر القليلة التي تلت هروب الأسد. اليوم، يعتقد الفرطوسي، المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء»، أن «الموقف الروسي والإيراني لم يتغير إلا بعد أن تراجع نظام الأسد، وانهارت القوى الماسكة للأرض، وتحولت المعركة إلى مواجهة مع شعب»، وفق تعبيره.

لكن مصادر من فصائل كانت نشطة في سوريا منذ عام 2013 تحدّثت عن «قرار اتخذته إيران مبكراً بعدم خوض معركة في سوريا بسبب حسابات إقليمية أشد تعقيداً». تقول المصادر إن «إيران لم تكن متأكدة من نتائج لصالحها في حال واجهت زحف المعارضة، لأنها اكتشفت متأخرة أن موسكو باتت تتصرف لوحدها في سوريا».

في النهاية، بدا أن أقطاب التحالف بين موسكو وطهران والأسد ينفصلون عن بعضهم، ويتخذون قرارات ميدانية متباعدة، سمحت بتقدم سريع للمعارضة، وهروب أسرع للأسد. لكن الأكيد من وجهة نظر القيادي الشيعي أن «الجماعات العراقية لم تكن في صلب نقاشات أفضت إلى ما حدث في النهاية».

في تلك اللحظة، كان أكثر من عشرة فصائل عراقية قد أمضت أكثر من عشر سنوات في الجبهة السورية، تورط خلالها آلاف المسلحين في بحر من الدماء.

و«تدور الدوائر»

في السادسة فجراً، يوم 8 ديسمبر 2024، كتب رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي رسالة عبر «إكس» قال فيها: على الباغي تدور الدوائر. ثم طغت أجواء الصدمة على القوى السياسية الشيعية في بغداد.

يومان بعد التحرير، تكون جميع الفصائل قد غادرت الأراضي السورية، والأسد في موسكو. في 12 ديسمبر 2024، ظهر نوري المالكي وهو زعيم «ائتلاف دولة القانون» وكان حليفاً قوياً للأسد لسنوات، ليصرح بأن «الهدف مما حدث في دمشق هو تحريك الشارع في بغداد». وانفجر الرأي العام بالأسئلة عما حدث.

حاول المجتمع السياسي الشيعي في بغداد استيعاب الصدمة، ونشطت في الكواليس نقاشات عن «مستقبل الشيعة في العراق»، طغى عليها ارتباك شديد، وفق شهادات أشخاص شاركوا في اجتماعات خاصة عقدت في الأسابيع التي تلت هروب الأسد.

وتحدث هؤلاء أن صناع قرار شيعة لم يجدوا أجوبة عما حدث في سوريا، ودور إيران فيه، وواجه كثيرون صعوبات في الإجابة عن سؤال كيف سيتغير العراق والمنطقة بعد الأسد؟.

يقول أحد المشاركين في جلسة خاصة عقدت في يناير (كانون الثاني) 2025 إن الأزمة في سوريا لا تتعلق بهروب الأسد، وانكسار «محور المقاومة»، بل إنها بالنسبة لـ«العراقيين الشيعة تتعلق بإعادة تعريف دورهم بعد سقوط تحالفات وتوازنات قديمة».

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

وظهرت أعراض جانبية لهذه النقاشات الصعبة على الجماعات الشيعية. وروّج كثيرون من بيئة «المقاومة» لمشروع «الفيدرالية الشيعية» التي تمتد من سامراء إلى البصرة، على بحر من نفط. سرعان ما اضمحلت الفكرة مثل رماد بارد.

وتصاعد حديث جاد عن «الحاكمية الشيعية». يقول قيادي في فصيل مسلح إن «القوى الشيعية كانت تركز خلال الأشهر الماضية على تقوية الوضع الداخلي، وتعزيز حضورها في الحياة السياسية، وهذا ما يفسر المشاركة الفاعلة في الانتخابات التي أجريت في 11 نوفمبر 2025، وفوز فصائل مسلحة بمقاعد في مجلس النواب الجديد».

يبدو أن جميع الذين قاتلوا في سوريا فازوا بمقاعد في البرلمان الجديد. لقد حصلت حركة «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي على 28 مقعداً داخل البرلمان، وفازت منظمة «بدر» بزعامة هادي العامري بـ18 مقعداً، وحصلت كتلة «حقوق»، التابعة لـ«كتائب حزب الله»، على ستة مقاعد، بينما حصلت قائمة تابعة لـ«كتائب الإمام علي» على ثلاثة مقاعد، وحصل تحالف «خدمات» بزعامة شبل الزيدي على تسعة مقاعد.

ويطرح هؤلاء اليوم مشروعاً انتقالياً يقوم على أدوار شيعية جديدة، يتقدمه طموح متنامٍ لدى قادة مثل قيس الخزعلي لصياغة مظلة تحمي الجماعات الشيعية من التفكك عبر حضورٍ أثقل في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية معاً.

وفي مارس (آذار) 2025، سئل الخزعلي عن سوريا الجديدة. وقال إن «الدولة العراقية من واجباتها ومن مصلحتها أن تتعامل معها ما دامت تلك الدول والحكومات تمثل دولها».

ويقول قيادي شيعي إن لحظة هروب بشار الأسد لم تكن حدثاً في سوريا بقدر ما كانت زلزالاً في الوعي الشيعي داخل العراق؛ إذ دفعت الجميع إلى إعادة التفكير في شكل التحالفات التي حكمت الإقليم لأعوام طويلة. لكن خلف هذا التحول تبرز أسئلة معلّقة، وشكوك حول «مستقبل النظرية الإيرانية ذاتها» بعدما بدأت تتعرّض لاختلال كبير بعد أربعة عقود من النفوذ المتواصل في المنطقة. يقول القيادي إن «الجواب لم ينضج بعد».


سوريا بعيون أميركية... «رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح»

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

سوريا بعيون أميركية... «رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح»

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والسوري أحمد الشرع في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

مع مرور عام على إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، تتابع أوساط سياسية وبحثية أميركية تطورات السلطة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. ويشير هؤلاء إلى مساعي دمشق لتوطيد العلاقات بالمجتمع الدولي، في وقت تواجه فيه تحديات داخلية تشمل الاستقرار السياسي، وإعادة بناء الاقتصاد، فضلاً عن تحديات خارجية تتعلق برفع العقوبات ومكافحة الإرهاب.

وثمة إجماع بين أوساط أميركية معنية بالملف السوري على أن سقوط الأسد فتح نافذة تاريخية لإعادة بناء البلاد، لكن النجاح يعتمد على ترسيخ نموذج مستقر.

ويرى الخبراء أن الشرع «حقق تقدماً مذهلاً في عام واحد؛ من إنهاء الحرب، إلى الانخراط الدولي، لكنه يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات لتجنب احتمالات الفوضى».

ويقول ستيفن كوك، الزميل الأول في «مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا» بـ«مجلس العلاقات الخارجية»، إن «لقاء الشرع مع الرئيس (الأميركي) دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 يمكن أن يكون منطلقاً لبدء عمل جاد وواعد في سوريا»، مشيراً إلى أن «رفع واشنطن العقوبات يتزامن مع إظهار دمشق مساعيَ جادة للقيام بإصلاحات سياسية؛ أهمها في (التعامل مع الأقليات ومكافحة التطرف)»، لكنه يحذر بأن «الحكم في بلد مفلس وممزق سياسياً يظل سؤالاً مفتوحاً».

ويشير كوك، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الانتخابات البرلمانية المحدودة التي جرت في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 (التي غطت 119 مقعداً من 210)، كانت «خطوة رمزية مهمة»، لكنها لم تشمل مناطق الدروز والكرد؛ مما قد يعكس «هشاشة الانتقال»، داعياً إلى توسيع الممارسة لتجفيف منابع الانقسام.

الرئيس السوري أحمد الشرع يحضر بدمشق حفل توقيع مذكرة تفاهم للاستثمار في سوريا يوم 6 أغسطس 2025 (رويترز)

تغيير الشرق الأوسط

يشيد آرون زيلين، الخبير في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، بجهود الشرع في مكافحة «داعش»، ويقول إن لديه فرصة لإحداث تأثير إيجابي في منطقة الشرق الأوسط، لكنه نصح الحكومة السورية الجديدة بالتركيز على تفكيك فصائل مسلحة في البلاد.

وعدّ زيلين تصريحات الشرع الإصلاحية بشأن بناء مؤسسات الدولة علامة إيجابية على توجهات حكومته، رغم قلقه من أن الاقتصاد المدمَّر يهدد الاستقرار في سوريا، لا سيما مع التقديرات التي تفيد بأن تكلفة إعادة إعمار البلاد قد تصل إلى 216 مليار دولار.

بدوره، يقول إدوارد جيريجان، مدير «مركز بلفير للعلوم والشؤون الدولية» بجامعة هارفارد، إن الشرع يواجه «اختباراً لإعادة التوحيد» في بلاد متعددة الطوائف والإثنيات، ويوصي بـ«تعزيز الثقة الداخلية» عبر إصلاحات أمنية موحدة.

ويبدي المحلل الأميركي سيث فرانتزمان تفاؤلاً كبيراً بمستقبل سوريا، عادّاً الشرع «رجلاً مثيراً للإعجاب ومغيراً للعبة»، ويصف التحول في سوريا في أقل من عام بـ«الجنون المطلق»؛ بالتحول من دولة منبوذة إلى دولة بفرص واعدة ومدعومة من الغرب ولاعبين وازنين في الخليج العربي والمنطقة.

ورأى الشرع، في تصريح أمام «منتدى الدوحة» يوم 6 ديسمبر 2025، أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح، بعدما تحولت من منطقة مصدرة للأزمات إلى نموذج للاستقرار، مشيراً إلى أن البلاد «تحتاج الآن إلى بناء مؤسسات مستقرة؛ وهو ما يضمن استمرارية عادلة لبناء الدولة».

الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي خلال توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري بدمشق يوم 10 مارس 2025 (إ.ب.أ)

صراعات داخلية

ويقول فرانتزمان إن زيارة الشرع التاريخية إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2025 تعدّ «محوراً مهماً لإعادة بناء سوريا المحطمة»، بالتزامن مع رفع الشرع من قائمة العقوبات الأميركية، وتجديد تعليق «قانون قيصر».

ويشيد معظم التحليلات بالشرع لتحقيقه تقدماً ملموساً في الاستقرار الداخلي، لكن التحذيرات تتعلق بالصراعات الداخلية التي قد تذكي أعمال عنف أو فوضى. أما خارجياً؛ فتشيد تقارير أميركية بحرص الشرع على توجيه بلاده نحو الغرب، وانضمامها إلى «التحالف الدولي ضد (داعش)»، حيث يشيد مركز «بروكينغز» بعلاقات الرئيس السوري بتركيا والولايات المتحدة، بوصفها مفتاحاً للاستقرار، محذراً من السماح بعودة نفوذ روسيا وإيران.

وكان الشرع قد أقر، خلال حضوره مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار»، بالرياض، في 29 أكتوبر 2025، بأن هناك مخاطر استراتيجية ارتبطت بالفترة السابقة تسببت في خلق حالة من الاضطراب والقلق لبعض دول العالم.