غداة عودة تراوري من روسيا... دويّ الرصاص في عاصمة بوركينا فاسو

رغم الغموض... مصدر حكومي قال إنه «طلقات تحذيرية»

النقيب إبراهيم تراوري يلوح لأنصاره مساء الاثنين في واغادوغو (صحافة محلية)
النقيب إبراهيم تراوري يلوح لأنصاره مساء الاثنين في واغادوغو (صحافة محلية)
TT

غداة عودة تراوري من روسيا... دويّ الرصاص في عاصمة بوركينا فاسو

النقيب إبراهيم تراوري يلوح لأنصاره مساء الاثنين في واغادوغو (صحافة محلية)
النقيب إبراهيم تراوري يلوح لأنصاره مساء الاثنين في واغادوغو (صحافة محلية)

سُمع دوي إطلاق رصاص في عاصمة بوركينا فاسو، فجر اليوم (الثلاثاء)، بعد ساعات قليلة من عودة رئيس البلاد المؤقت النقيب إبراهيم تراوري من مدينة سان بطرسبورغ الروسية، حيث شارك في قمة روسيا - أفريقيا، ولكن هذه الطلقات أعادت إلى أذهان سكان البلد شبح الانقلابات التي عاشوها مرتين العام الماضي.

قائد المجلس العسكري في بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري يحضر عرض يوم البحرية في سان بطرسبورغ في 30 يوليو 2023 (أ.ف.ب)

وكانت الطلقات النارية قد سُمعت بعد منتصف الليل، في محيط قاعدة عسكرية جوية، وسط العاصمة واغادوغو، قبل أن يعم السكون في المنطقة، ويستيقظ السكان في الصباح على وضع طبيعي في المدينة دون مشاهدة أي مظاهر عسكرية توحي بأي تبعات للطلقات النارية التي سُمعت بوضوح في قلب العاصمة واستمرت لنحو أربعين دقيقة، ولكن مصدراً حكومياً قال لوكالة «الصحافة الفرنسية» صباح (الثلاثاء)، إن الطلقات النارية كانت «تحذيرية»، وأوضح المصدر الذي لم يكشف عن هويته، أن الأمر يتعلق «بإطلاق نار تحذيري بعد رصد شخص ضمن النطاق الأمني لمنطقة القاعدة الجوية».

ولم يكشف المصدر الحكومي أي معلومات حول هوية الشخص المذكور، ولا السبب الذي دفعه إلى اختراق النطاق الأمني للقاعدة العسكرية، ولكن المصدر تعهد بأن السلطات الأمنية ستعمل على توفير معلومات أكثر «حول الوضع ودوافع هذا التهور».

وبينما استمر إطلاق الرصاص لأربعين دقيقة، فإن المصدر الحكومي لم يكشف أي معلومات حول حصيلة محتملة، وما مصير الشخص الذي اخترق النطاق الأمني، وما إن كان هنالك ضحايا، في حين نقلت وكالة «فرنس برس» عن مصدر أمني قوله إن «الأمر يتعلق بحادث مؤسف»، دون تقديم تفاصيل أكثر.

وتحظى القواعد العسكرية في واغادوغو بحراسة مشددة؛ أولاً لأن البلد يخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب، وهذه القواعد هدف محتمل لهجمات قد تشنها تنظيمات مرتبطة بـ«القاعدة» و«داعش»، ولأنها أيضاً هدف لأي انقلاب عسكري قد يجري في البلد الذي عاش آخر انقلاب قبل أشهر، وهو الذي حمل النقيب إبراهيم تراوري إلى الحكم نهاية سبتمبر (أيلول) من عام 2022.

رئيس بوركينا فاسو المؤقت إبراهيم تراوري يحضر اجتماعاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعقاب القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (أ.ف.ب)

وكان النقيب تراوري البالغ من العمر 35 عاماً، قد انقلب على عسكري آخر هو الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا الذي قاد هو الآخر انقلاباً عسكرياً يناير (كانون الثاني) 2022 أطاح فيه بالرئيس المنتخب روش مارك كابوري، بعد أزمة سياسية خانقة أدخلت البلد في موجة انقلابات تعم المنطقة.

وكان الدافع وراء الانقلابين الغضب من إخفاقات القوات الأمنية في وقف خطر الإرهاب، الذي أودى بحياة الآلاف منذ تمدده من مالي المجاورة عام 2015، وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن الهجمات الإرهابية أودت بحياة 16 ألف مدني وعسكري في بوركينا فاسو خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد.

وفي مثل هذه الوضعية الهشة، يبقى شبح الانقلابات ماثلاً في بوركينا فاسو، رغم أن النقيب تراوري يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الشباب، ولكن ذلك لن يجعله في مأمن من أي انقلاب عسكري محتمل.

ومما زاد الغموض حول الطلقات التي دوت من محيط القاعدة العسكرية الجوية فجر اليوم، كونها تأتي بعد ساعات من عودة النقيب تراوري من زيارة لروسيا هي الأولى من نوعها، شارك خلالها في قمة روسيا - أفريقيا، وارتجلَ خطاباً وُصف بالقوي والناري، هاجم فيه الغرب وشكر روسيا، ودعا إلى أن تكون «أفريقيا مستقلة بإرادتها».

وظهر النقيب تراوري في قمة روسيا - أفريقيا محل احتفاء كبير، وكان أحد نجومها البارزين بقبعته الحمراء وزيه العسكري المميز، وتصريحاته القوية حول ما يريده الشباب الأفريقي، في حين بدا متحمساً للحصول على السلاح الروسي، فقال في مقابلة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، إن «أولويته هي التعاون العسكري مع روسيا. نحن في حرب ضد الإرهاب؛ لذا فإنه إن كانت هنالك قضية نحرص عليها بقوة فهي التباحث مع روسيا حول بعض الموضوعات المتعلقة بالأسلحة والتدريب».

وأضاف تراوري: «اليوم تجري الأمور بشكل جيد، الحمد لله؛ لأن روسيا لا ترفض أي شيء، وتوافق على منحنا كل ما نرغب في شرائه، وذلك ما لا نجده لدى دول أخرى، ولذلك أقول إن التعاون العسكري والتقني مع روسيا يمضي بشكل جيد جداً»، وختم تراوري تصريحه بالقول إن «كل الأسلحة التي نرغب في شرائها من روسيا هي في الطريق، لا توجد أي قيود، ولا يرفضون منحنا أي رخصة، وبأسعار جيدة، وروسيا أيضاً جاهزة لمنحنا أسلحة بالمجان لمساعدتنا في الحرب على الإرهاب».

ولدى عودته من روسيا مساء أمس (الاثنين)، كانت حشود من الشباب في ساحة الأمة بالعاصمة واغادوغو في استقباله، وكانوا يرتدون قمصاناً تحمل صورة تراوري، ويصفونه بأنه «محارب بطل»، ويرفعون أعلام بوركينا فاسو وروسيا، ويرددون هتافات مؤيدة له ولروسيا.

وظهر الضابط الشاب على متن مركبة عسكرية، بزيه المميز وقبعته الحمراء، محاطاً بجنود يرتدون نفس الزي ويضعون أقنعة تغطي نصف الوجه، ويحملون أسلحة رشاشة، وكانت المركبة العسكرية تتحرك وسط الحشود ببطء، في حين كان أحد الجنود القريبين من الرئيس يرفعُ سترة واقية من الرصاص.

وكان الضابط الشاب يلوحُ للحشود بقبضة يده، على طريقة اشتهر بها توماس سانكارا، الزعيم الأشهر في تاريخ بوركينا فاسو، والمعروف بميوله الشيوعية ومناهضته للغرب، وخاصة فرنسا التي استعمرت بلاده خلال النصف الأول من القرن العشرين، ورغم أن سانكارا حكم البلد خلال ثمانينات القرن الماضي، فإن قصته انتهت به قتيلاً في انقلاب عسكري على يد أحد رفاق السلاح.

وهكذا يبقى شبحُ الانقلابات حاضراً في بوركينا فاسو، مع كل رصاصة يُسمعُ دويها في العاصمة، وهي وضعية لا تعيشها بوركينا فاسو وحدها، وإنما أغلب دول غرب أفريقيا، التي تواجه خلال الأعوام الأخيرة موجة انقلابات عسكرية متلاحقة، كان آخرها انقلاب النيجر الأسبوع الماضي.


مقالات ذات صلة

المعارضة التركية تتحدى إردوغان بعد إعلان نيته الترشح للرئاسة مجدداً

شؤون إقليمية إردوغان متحدثاً خلال مؤتمر حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في ولاية شانلي أورفا جنوب شرقي تركيا (الرئاسة التركية)

المعارضة التركية تتحدى إردوغان بعد إعلان نيته الترشح للرئاسة مجدداً

تحدى زعيم المعارضة التركية، أوزغور أوزال، الرئيس رجب طيب إردوغان، أن يتخذ قراراً فورياً بالتوجه لانتخابات مبكرة بعدما كشف صراحة عن نيته الترشح للرئاسة مجدداً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا استنفار أمني خارج العاصمة النيجيرية (متداولة)

نيجيريا: مقتل 16 مدنياً على الأقل في غارة جوية استهدفتهم بالخطأ

لقي 16 شخصاً على الأقل مصرعهم في غارة جوية للجيش النيجيري بولاية زامفارا شمال غربي البلاد، بعدما أخطأ طيار بين مجموعات حراسة محلية وعصابات.

«الشرق الأوسط» (كانو (نيجيريا))
أوروبا شرطة ألمانية (أ.ب)

نائب المستشار الألماني يطالب بتشديد قانون حيازة السلاح

في إطار النقاش حول تشديد قوانين الأمن، دعا نائب المستشار الألماني روبرت هابيك إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على قانون حيازة السلاح.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم منظر عام للمعبد اليهودي في جنوب سيدني بأستراليا يوم 10 يناير 2025. تمت إزالة كتابات الغرافيتي المعادية للسامية بعد أن تم رشها على جانب المعبد في وقت مبكر من صباح الجمعة (إ.ب.أ)

مسؤول أسترالي يصف الهجوم على كنيس يهودي بأنه تصعيد لجرائم معاداة السامية

قال رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز، الأحد، إن الهجوم على كنيس يهودي في سيدني يعد تصعيداً في الجرائم المعادية للسامية بالولاية.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
أفريقيا قوات حفظ سلام بوروندية تابعة لـ«أميسوم» خلال حفل تسليم مهامها في مقديشو (رويترز)

الجيش الصومالي يعلن اعتقال عدد من المسلحين خلال عملية عسكرية

أعلن الجيش الصومالي تنفيذه عملية عسكرية في محافظة هيران، جنوب وسط البلاد، تمكن خلالها من اعتقال عدد من المسلحين.


نيجيريا: مقتل 16 مدنياً على الأقل في غارة جوية استهدفتهم بالخطأ

استنفار أمني خارج العاصمة النيجيرية (متداولة)
استنفار أمني خارج العاصمة النيجيرية (متداولة)
TT

نيجيريا: مقتل 16 مدنياً على الأقل في غارة جوية استهدفتهم بالخطأ

استنفار أمني خارج العاصمة النيجيرية (متداولة)
استنفار أمني خارج العاصمة النيجيرية (متداولة)

لقي 16 شخصاً على الأقل مصرعهم في غارة جوية للجيش النيجيري بولاية زامفارا شمال غربي البلاد، بعدما أخطأ طيار بين مجموعات حراسة محلية وعصابات إجرامية، وفق ما أفاد شهود لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وهذه ثاني غارة جوية دامية تستهدف مدنيين عن طريق الخطأ منذ أن قصف الجيش قريتين في يوم عيد الميلاد أثناء عملية ضد متطرفين في ولاية سوكوتو المجاورة.

يخوض الجيش النيجيري معارك ضد عصابات إجرامية ترهب سكان شمال غربي ووسط البلاد منذ سنوات، حيث تداهم القرى وتقتل وتخطف الأشخاص للحصول على فدية، وتحرق المنازل بعد نهبها.

وفي وقت متأخر السبت، قصفت طائرة عسكرية مجموعة سكان تجمعوا من عدة قرى مجاورة لمواجهة قُطّاع الطرق المسلحين الذين هاجموا قرية دانغيبي في منطقة زورمي، فسرقوا الماشية وأحرقوا منازل، بحسب شهود عيان.

وقال سعيد إبراهيم، من سكان المنطقة: «كان السكان عائدين إلى قراهم بعد صد قطاع الطرق الذين هاجموا دانغيبي عندما قصفتهم طائرة مقاتلة أثناء وصولهم إلى قرية تونغار كارا».

وأضاف: «انتشلنا 16 جثة ونقلنا عدة أشخاص آخرين مصابين بجروح خطيرة إلى المستشفى».

وقال أحد السكان ويدعى بوبي ناماري: «تم العثور على 16 جثة، لكن العدد قد يرتفع مع استمرار عمليات البحث هذا الصباح».

ولم يرد الجيش على الفور على أسئلة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية عبر منصة «إكس»، ليلاً، إن السلطات النيجيرية «يجب أن تجري تحقيقاً فورياً ونزيهاً في الغارة الجوية التي شنت مساء السبت وأسفرت عن مقتل 20 شخصاً على الأقل في قرية تونغار كارا».

وأضافت المنظمة غير الحكومية أن «عشرات الجرحى في وضع حرج ولا يستطيعون الحصول على الرعاية الطبية».