إقبال كبير على «الأضاحي» في سوريا هذا العام بعضها «نذور سقوط النظام»

الانفراج السياسي انسحب على القوة الشرائية... ودرعا تصدرت المشهد

سوق المواشي في دمشق 3 يونيو استعداداً لعيد الأضحى المبارك (إ.ب.أ)
سوق المواشي في دمشق 3 يونيو استعداداً لعيد الأضحى المبارك (إ.ب.أ)
TT

إقبال كبير على «الأضاحي» في سوريا هذا العام بعضها «نذور سقوط النظام»

سوق المواشي في دمشق 3 يونيو استعداداً لعيد الأضحى المبارك (إ.ب.أ)
سوق المواشي في دمشق 3 يونيو استعداداً لعيد الأضحى المبارك (إ.ب.أ)

انسحب الانفراج السياسي الذي شهدته البلاد منذ أواخر العام الماضي، على أول عيد أضحى يحلٌّ على الأهالي بعد سقوط نظام الأسد، وتجلّى ذلك في جوانب عدة أبرزها انخفاض سعر الأضاحي بنسبة نحو 50 في المائة، والإقبال الكبير عليها، وإضافة البعض لذبائح العيد خرافاً أخرى وفاء لنذور حال سقوط النظام.

وأوضح رئيس جمعية اللحامين في سوريا، معتز العيسى، لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا يوجد رقم دقيق حتى الآن لعدد الأضاحي التي ذبحت هذا العام، وقد تتوفر إحصائية بعد أيام قليلة من إنهاء موسم العيد، ولكن يلاحظ أن النسبة زادت بشكل كبير عما كانت عليه في العام الماضي، مع انخفاض للأسعار.

وإذا عدنا إلى تصريح أمين سر جمعية اللحامين محمود الحايك، قبل عامين، (2023)، فإن الطلب كان ضعيفاً جداً، والسبب هو ارتفاع سعر كيلو لحم الأضحية وانعدام القوة الشرائية. ولم يتجاوز مؤشر الإقبال على شراء أضحية العيد 10 في المائة قياساً بالعام السابق عليه؛ أي عام 2022.

وتصدرت محافظة درعا جنوب البلاد التي يطلق عليها اسم «مهد الثورة»، عملية الإقبال على ذبح الأضاحي هذا العام.

تقول وصال محمد، وهي معلمة ثانوية: «الفرحة كبيرة وتعم كافة العائلات؛ لأن عيد الأضحى لهذا العام مختلف؛ كونه أتى بعد التحرير، وأغلبية العائلات خصوصاً في حي (درعا البلد)، تذبح خروفين وثلاثة، وبعضها أربعة».

وفي اتصال معها، لفتت المعلمة، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن توزيع لحوم الأضاحي طال أغلبية العائلات، سواء المحتاجة أو غير المحتاجة، كما جرت العادة «الحصص محرزة، ويتجاوز وزن الحصة أكثر من 2 كيلوغرام، ومعظم الأسر طالها ما بين 4 - 5 حصص».

أضاحٍ ونذور

وتُعرف محافظة درعا بأن أعداداً كبيرة من أبنائها مغتربون منذ عقود في دول الخليج العربي. وتلفت المعلمة إلى أن الأوضاع المادية لهؤلاء «فوق الريح»، وجرت العادة بأن يرسلوا مبالغ مادية إلى عائلتهم في درعا لذبح الأضاحي، وفي هذا العيد يبدو أنهم أرسلوا مبالغ أكبر، لتزامن فرحة العيد بانتهاء حكم نظام الأسد».

ووفقاً للمعلمة الدرعاوية، فإن بعض من كانوا يوزعون الحصص ذكروا أن قسماً منها «هي نذور»، فالعديد من السوريين وبسبب حالة المآسي والقهر التي طالتهم من قبل النظام السابق، نذرت الذبائح عند سقوطه».

ويتراوح سعر الكليوغرام الواحد من خراف الأضاحي الحي ما بين 40 - 50 ألف ليرة سورية، في حين تجاوز العام الماضي 85 ألفاً، مع وفرة كبيرة في أعداد رؤوس الماشية المعروضة للبيع في أسواق المحافظات.

ذبائح محل جزارة في ببيلا بريف دمشق الجنوبي (الشرق الأوسط)

الوضع في غوطة دمشق الشرقية التي خرجت ضد نظام الأسد منذ الأيام الأولى للحراك السلمي قبل 14 عاماً، كان مشابهاً لما هو عليه في درعا، من حيث الإقبال على شراء الأضاحي. وقد وصف نائب مدير إدارة الغوطة الشرقية، خالد المكبتل، الإقبال في مدن وبلدات وقرى الغوطة، بأنه «لافت»، مشيراً إلى أن «رجلاً واحداً فقط ذبح عجلين و25 خروفاً».

وأضاف المكبتل لـ«الشرق الأوسط»: «هذا عدا عن الإقبال الفردي، كما ينشط عدد من الجمعيات الخيرية في مجال ذبح الأضاحي منها، دوما الخيرية، الصحة الخيرية، والخيرية لإغاثة المحتاجين».

وأرجع المكبتل الإقبال على الأضاحي إلى عودة أعداد كبيرة من العائلات التي كانت مهجرة في شمال البلاد بعد سقوط الأسد في الثامن ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، وعودة لاجئين ومغتربين من خارج البلاد.

كما ساهم في هذا الإقبال، انخفاض الأسعار هذا الموسم؛ إذ يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد للخروف في الغوطة، بين 40 - 45 ألف ليرة، والعجل نحو 30 ألفاً.

إقبال ممتاز في إدلب

في شمال غربي البلاد، وصفت مصادر محلية الإقبال على شراء الأضاحي، بـ«الممتاز». وفي اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط»، أكد أحد المصادر ارتفاع نسبة الإقبال على شراء الأضاحي في إدلب لهذا العام، إلى أكثر من 70 في المائة قياساً بالموسم الماضي.

وأوضح المصدر أن الحوالات التي يرسلها السوريون خصوصاً في تركيا لأهلهم، إضافة إلى النشاط الملحوظ للمنظمات الدولية، ساهم في هذا الإقبال.

صبي يعرض خروفاً للبيع في سوق للمواشي قبيل عيد الأضحى بيومين في دمشق (إ.ب.أ)

شكوى في دمشق

وأما في دمشق فيلاحظ أن نسبة الإقبال على شراء الأضاحي أقل مما هي عليه في ريف المحافظة وشمال وجنوب البلاد، وقد تراوح سعر الكيلوغرام الواحد من الخروف الحي بين 45 - 50 ألف ليرة.

بالنسبة لأبي خلدون (70 عاماً)، فإنه وعلى الرغم من انخفاض الأسعار لنحو النصف، فإنها كانت مرتفعة جداً قياساً بالدخل الشهري المتدني. وقال الرجل الذي لا يتعدى تقاعده الشهري 300 ألف ليرة: «أقل أضحية ثمنها أكثر من مليوني ليرة، وليس لدي القدرة على تأمين هذا المبلغ، وإن شاء الله تتحسن الأوضاع في العام المقبل ويقدرني الله على أن أضحي».

تجدر الإشارة إلى أن 90 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر بسبب تداعيات الحرب، وفقاً لتقارير أممية، بينما تحتاج العائلة المؤلفة من 5 أفراد لأكثر من 8 ملايين ليرة شهرياً.

محل جزارة في القزاز شرقي دمشق يبيع من اللحوم المعلقة وبعض الزبائن يطلب ذبح خروف بعينه (الشرق الأوسط)

واللافت في معظم أحياء محيط مدينة دمشق، ندرة مشهد توزيع حصص الأضاحي على العائلات. وبينما يستفسر الأهالي من بعضهم البعض، إن كانت وصلتهم حصص، يكون جواب الأغلبية بالنفي.

وأوضح رئيس لجنة تجار المواشي في محافظة دمشق وريفها، محمد شامان، أن عدد الأضاحي يختلف من عام إلى آخر حسب القدرة الشرائية للمواطنين وقيمة الحوالات الواردة من الخارج، لأداء شعائر العيد، حيث يتراوح عددها بين 25 ألفاً و40 ألف رأس من الغنم.

وعزى شامان في تصريح لوكالة «سانا» الرسمية، الانخفاض في أسعار المواشي إلى تحسن سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، إضافة إلى عودة السوق الداخلية إلى النشاط بعد أن كانت محفوفة بالمخاطر مثل الحواجز والإتاوات والسرقة، حيث تم استجرار كميات كبيرة من المواشي من مختلف المحافظات.

وشهد سعر صرف الدولار في سوريا أمام الليرة خلال تعاملات أيام ما قبل العيد، في السوق السوداء، تراجعاً ملحوظاً، وسجل 9 آلاف و350 ليرة، بينما استقر سعر الليرة أمام الدولار في نشرة «مصرف سوريا المركزي»، الذي حدد متوسط سعر الدولار مقابل الليرة، 11 ألف ليرة للشراء، و11 ألفاً و55 ليرة للبيع.

وقدّرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في أحدث تقاريرها لعام 2024 عدد الأغنام في سوريا بنحو 18.8 مليون رأس، ما يعكس أهمية قطاع تربية المواشي في البلاد.


مقالات ذات صلة

تعديل العُطل الرسمية في سوريا... إضافة ذكرى الثورة وسقوط النظام وإلغاء 6 أكتوبر

المشرق العربي احتفال بافتتاح متجر جديد السبت في ضاحية داريا التي دمرها القصف العنيف فترة الحرب في سوريا (أ.ب)

تعديل العُطل الرسمية في سوريا... إضافة ذكرى الثورة وسقوط النظام وإلغاء 6 أكتوبر

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوماً عدَّل فيه العُطل التي يستفيد منها العاملون الخاضعون لأحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق الخِراف الأكثر طلباً للأضاحي (واس)

الأضحية في السعودية... من تنفيذ الوصايا إلى التوكيل

تعيد أيام العيد من كل عام ذكريات لدى كبار السنّ إذ كان الشاغل الأكبر للسكان في القرى والمدن «أيام زمان» هو الحج والأضاحي، في حين ينشغل غير الحجاج بتجهيز الأضحية

بدر الخريف (الرياض)
المشرق العربي سلع متنوعة من حلويات وغيرها تباع على أرصفة دمشق (إ.ب.أ)

عشية العيد في أسواق دمشق تدفق للبضائع وقدرة شرائية متدنية

المظهر العام للأسواق السورية عشية العيد، يشير إلى انفراج كبير شهده تدفق البضائع، لكنه لا يخفي بؤس القدرة الشرائية لدى 80% من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

سعاد جرَوس (دمشق)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

ولي العهد السعودي يُشرِف من منى على راحة الحجاج

وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى منى؛ ليُشرف على راحة الحجاج، وما يُقدَّم لهم من خدمات وتسهيلات ليؤدوا مناسكهم بكل يُسر وسهولة وأمان.

«الشرق الأوسط» (المشاعر المقدسة)
خاص «سناب»: عيد الأضحى محطة رقمية رئيسية مع ارتفاع كبير في التفاعل والاستهلاك والمحتوى المرتبط بالتسوّق والاحتفال (غيتي)

خاص خلال عيد الأضحى... كيف يغيّر «سناب شات» سلوك التسوّق والتفاعل في السعودية؟

يشهد عيد الأضحى ذروة رقمية في السعودية، حيث يبرز «سناب شات» بوصفه منصة رئيسية للتسوّق والتفاعل بفضل العدسات التفاعلية والمحتوى المحلي والمبدعين.

نسيم رمضان (لندن)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
TT

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)
ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان، معتبراً أن وجود هذه القوات، إلى جانب قوات أوروبية أخرى تشارك روما هذه الرغبة، «يساعد الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها»، حسبما قال الرئيس اللبناني جوزيف عون.

وقرر مجلس الأمن الدولي أواخر أغسطس (آب) الماضي، تمديد مهمة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمرة أخيرة مع وضع برنامج لانسحابها عام 2027، بعدما طالبت إسرائيل والولايات المتحدة بذلك. ونص قرار المجلس، الذي تم تبنيه بالإجماع، على «تمديد تفويض (اليونيفيل) مرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026، والبدء بعملية تقليص وانسحاب منسقة وآمنة بدءاً من 31 ديسمبر 2026 ضمن مهلة عام واحد».

وزير الدفاع الإيطالي

وشدد وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، خلال لقائه بالرئيس اللبناني جوزيف عون في بيروت الاثنين، على دعم إيطاليا للبنان في المجالات كافة، لا سيما في مجال حفظ الأمن والاستقرار بالجنوب، مشيراً إلى أن بلاده ترغب في إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، لافتاً إلى وجود دول أوروبية أخرى تنوي أيضاً اتخاذ الموقف نفسه.

وقال كروسيتو إن هذه الخطوة تهدف إلى دعم الجيش اللبناني في مهامه بالجنوب، لأن إيطاليا تعتبر أن أمن لبنان والمنطقة والبحر المتوسط يتحقق من خلال تعزيز دور الجيش اللبناني وتوفير الإمكانات الضرورية له، حسبما أفادت الرئاسة اللبنانية.

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو (الرئاسة اللبنانية)

ويبلغ عدد الدول التي تتألف منها «اليونيفيل» 49 دولة، حيث تشارك بما مجموعه 9,923 جندياً لحفظ السلام، وتتصدر إيطاليا قائمة الدول الأوروبية بالعديد، إذ بلغ عدد الجنود المشاركين 1,099 جندياً، فيما يبلغ عدد الجنود الإسبان في البعثة 824 جندياً، و762 فرنسياً، و414 آيرلندياً، و217 بولندياً، و221 ألمانياً. أما كبرى البعثات، فهي من إندونيسيا بـ1232 جندياً.

وأشار كروسيتو إلى أن بلاده تواصل اتصالاتها بهدف تثبيت الاستقرار في الجنوب، وتتابع تطورات التفاوض الذي بدأه لبنان، وسوف تعمل كي تتحقق نتائج عملية منه، لأنه لا مصلحة لأحد في استمرار التوتر بالجنوب، وعلى إسرائيل أن تدرك هذا الأمر جيداً. وأكد الوزير الإيطالي أن المساعدات الإيطالية للجيش سوف تستمر وفق ما تم الاتفاق عليه مع وزير الدفاع اللبناني خلال محادثاتهما اليوم.

لبنان يرحب

من جهته، أبلغ عون وزير الدفاع الإيطالي بأن لبنان يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة تحل محل القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) بعد اكتمال انسحابها عام 2027، وذلك لمساعدة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها.

جنود في الكتيبة الإيطالية بـ«اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة مع الجيش اللبناني (اليونيفيل)

وقال الرئيس عون إن خيار التفاوض الذي اعتمده لبنان، وكلف سفيراً سابقاً ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، هدفه وقف الأعمال العدائية، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الأسرى المعتقلين في إسرائيل، وإعادة السكان الجنوبيين إلى قراهم وممتلكاتهم، مضيفاً: «لبنان ينتظر خطوات إيجابية من الجانب الإسرائيلي، ونعتمد على دول صديقة مثل إيطاليا، للدفع في اتجاه إنجاح العملية التفاوضية، والوصول إلى نتائج إيجابية».

وأكد الرئيس عون لوزير الدفاع الإيطالي أن لبنان بلد محب للسلام، ولا يريد الحرب؛ بل يعمل لحفظ الأمن وحماية الحدود وبسط سيادة الدولة، وهذا ما يجب أن يتولاه الجيش اللبناني بالتعاون مع الدول الصديقة الراغبة في مساعدته، «لا سيما أننا تعلمنا من الحروب المتتالية على أرضنا، أنه لا يمكن أن ينتصر فريق على آخر، ولا بد في النهاية من التفاوض».

ولفت رئيس الجمهورية إلى أن الجيش هو العمود الفقري لضمان الاستقرار؛ ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة كلها التي تتأثر حكماً بما يكون عليه الواقع الأمني في لبنان. وأشار إلى أهمية توفير الدعم للجيش الذي لا تقتصر مهماته على الحدود فقط؛ بل على كل لبنان، «وبالتالي فإن أي مساعدة تقدمها الحكومة الإيطالية للجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية هي موضع شكر وتقدير من الدولة اللبنانية».

سياسياً، اعتبر رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل، أنّ المرحلة المقبلة تشكّل امتحاناً حاسماً للدولة اللبنانية و«حزب الله»، مشدداً على أنّ استكمال انتشار الجيش وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي هما المعيار الفعلي لتجنيب لبنان حرباً جديدة وإطلاق مسار الاستقرار.

وقال الجميل بعد لقائه السفير الأميركي لدى لبنان ميشال عيسى، إن «الطريقة الوحيدة لحماية لبنان ومنع تكرار المآسي هي بسط سلطة الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية»، مضيفاً: «كل منطقة يوجد فيها الجيش تكون محمية، وكل منطقة خارجة عن سلطة الدولة وسيادتها تكون عرضة للخطر، خصوصاً في الجنوب».

وأشار الجميّل إلى ضرورة انتقال الجيش اللبناني فور انتهاء المهلة المحددة في خطته إلى منطقة شمال الليطاني، موضحاً أن «منطقة جنوب الليطاني باتت خالية من أي سلاح، وهذا أمر يجب أن يُعلن رسمياً في وقت قريب، كي يشعر أهل الجنوب بالأمان ويتوقف تعرضهم للقصف والأذى».


صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)
من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس إيغور غريتشوشكين، جرّاء اعتصام الأخير بالصمت، ورفضه الإجابة عن الأسئلة، وهو ما زاد تعقيدات التحقيق الذي يراوح مكانه منذ سنوات بين العوائق القانونية، والسياسية الداخلية، والحسابات الدولية.

وكان البيطار توجّه الأربعاء الماضي إلى صوفيا، لاستجواب غريتشوشكين، مالك سفينة أقلت نيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، وهو موقوف في صوفيا منذ ثلاثة أشهر، بموجب مذكرة توقيف صادرة عن القضاء اللبناني، ومعممة عبر الإنتربول الدولي. وعقد البيطار جلسة في حضور وكيلته، وقضاة بلغاريين، في مكان الاحتجاز المؤقت، حيث جرى توجيه الأسئلة له عبر قاضي تحقيق بلغاري، التزاماً بالأصول القانونية المعتمدة في التعاون القضائي الدولي.

قاضي التحقيق اللبناني في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار (الوكالة الوطنية للإعلام)

وقال مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إنّ المدعى عليه «رفض الإجابة عن أي سؤال، ملتزماً الصمت كلياً، باستثناء عبارة واحدة، حين قال إنه يكتفي بالإفادة التي سبق أن أدلى بها خلال استجوابه من قبل شعبة المعلومات اللبنانية في قبرص في العام 2020، وليس لديه ما يضيفه بشأنها.

تهرّب من المواجهة

وأضفى الصمت مزيداً من الشكوك حول دور غريتشوشكين وسفينته التي نقلت نيترات الأمونيوم من جورجيا إلى مرفأ بيروت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 في خطوة اعتبرها مصدر قضائي رفيع «محاولة واضحة للتهرّب من مواجهة أسئلة يعتبرها التحقيق أساسية في تحديد المسؤوليات».

لكن المصدر أثنى عبر «الشرق الأوسط» على «التعاون الكامل الذي أبداه القضاء البلغاري مع المحقّق العدلي، سواء على مستوى القضاة، أو إدارة السجن في صوفيا»، مشيراً إلى أن الفريق القضائي البلغاري «أجرى محاولات متكررة لإقناع غريتشوشكين بالإدلاء بأقواله، إلا أنّه أصرّ على موقفه، وامتنع نهائياً عن التحدّث».

علامات استفهام

وقال إن «امتناع مالك السفينة روسوس هو حق قانوني له، إلا أنّه يطرح علامات استفهام كبرى حول ما يحمله من معطيات قد تكون مفصلية في رسم صورة كاملة لمسار شحنة نيترات الأمونيوم منذ تحميلها وحتى انفجارها»، لافتاً إلى أن البيطار كان «يهدف إلى كشف حقيقة من اشترى نيترات الأمونيوم ولصالح من؟ وهل أن حمولة الباخرة كانت بالفعل ذاهبة إلى موزمبيق، أو أن هناك عملية تحايل غيرت وجهتها إلى مرفأ بيروت؟».

الدخان يتصاعد من موقع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 (رويترز)

ونقل المصدر القضائي عن مسؤولي السجن المؤقت الذي يحتجز فيه غريتشوشكين أن الأخير «يعاني وضعاً نفسياً صعباً منذ اعتقاله» في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي في صوفيا، أثناء توجهه من قبرص إلى موسكو. وأوضحت أن البيطار أبلغه بأنه «ليس متهماً، بل مشتبه به، وإذا ما أدلى بإفادته قد يكون ذلك سبباً لوقف الإجراءات القائمة بحقه، لكن ذلك لم يغير شيئاً بقناعاته». وأوضح المصدر أن غريتشوشكين «أجلس على كرسي وضع مقابل القاضي البيطار، حيث أغمض عينيه بيديه ولم ينظر إلى المحقق العدلي، ولا حتى للقضاة البلغاريين، مكتفياً بالقول أنا لا أعرف لماذا أنا مسجون هنا؟ وليس لدي ما أقوله».

مواكبة أمنية

في الإطار اللوجستي، والمواكبة الأمنية والدبلوماسية للمهمّة، علمت «الشرق الأوسط» أن مهمة البيطار «أحيطت بعناية كبيرة، حيث توجّه من منزله إلى مطار رفيق الحريري الدولي بمواكبة من مخابرات الجيش اللبناني، ومتابعة حثيثة من وزير العدل عادل نصّار». ووفق المعلومات فإنّ سفيرة لبنان في بلغاريا رحاب أبو زين «لعبت دوراً مهمّاً في تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح مهمة البيطار في صوفيا، حيث استقبلته في المطار، ورافقته إلى مكان إقامته، كما تولّت السفيرة شخصياً تأمين كاتب محضر التحقيق، ومترجمين اثنين، وسبق ذلك أن نسّقت مع السلطات البلغارية لتأمين المواكبة الأمنية له»، مشيرة إلى أن ذلك «عكس جدّية الجانب اللبناني في استكمال التحقيق رغم العراقيل».

وإزاء هذا التطوّر، يطرح السؤال مجدداً عن مصير غريتشوشكين: هل ستفرج عنه السلطات البلغارية أم ستسلّمه إلى لبنان؟ حتى الآن، لا يوجد جواب حاسم. إلا أنّ المصدر القضائي يؤكد أنّ لبنان «لم يفقد الأمل بإمكانية تسلمه، لا سيما أن محكمة الاستئناف البلغارية ستعقد جلسة هذا الأسبوع للنظر في طعن النائب العام بقرار رفض تسليمه». وشدد على أنه «حتى لو أطلقت بلغاريا سراحه فإن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه ما زالت سارية المفعول، وتتيح توقيفه في أي بلد يتوجّه إليه، باستثناء روسيا التي يحمل جنسيتها».

تقدير سيادي

في هذا السياق، يلفت المصدر القضائي إلى أنّ قرار بلغاريا المحتمل بعدم التسليم، في حال تثبيته «لا يشكّل سابقة ملزمة لدول أخرى، فلكل دولة تقديرها السيادي، وتعاونها القضائي قد يتغيّر تبعاً للضمانات المقدّمة، والظروف السياسية، والقانونية المحيطة بكل حالة»، لافتاً إلى «وجود أمل كبير بأن تقرر محكمة الاستئناف في بلغاريا تسليمه إلى لبنان، وأن سفيرة لبنان في صوفيا تتابع عن كثب تطورات هذا الملفّ مع السلطات البلغارية».

ووفق المصدر فإن «مذكرة التوقيف الغيابية بحق مالك السفينة روسوس ستبقى سارية المفعول، وإن البيطار فور عودته إلى لبنان سيقرر الخطوات التي سيتخذها في حال رفضت محكمة الاستئناف في صوفيا تسليمه إلى لبنان».


عون يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة بديلة لـ«اليونيفيل»

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يصافح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو خلال استقباله في قصر بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يصافح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو خلال استقباله في قصر بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

عون يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة بديلة لـ«اليونيفيل»

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يصافح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو خلال استقباله في قصر بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يصافح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو خلال استقباله في قصر بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)

أبلغ الرئيس اللبناني جوزيف عون، وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو خلال استقباله، اليوم (الاثنين)، في قصر بعبدا ببيروت، بأن «لبنان يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة تحل محل القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) بعد اكتمال انسحابها في عام 2027»، وفق ما نقلته الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.

وأوضح عون أن هذا الترحيب يأتي «لمساعدة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها».

وأوضح عون أن «خيار التفاوض» الذي تعتمده بيروت مع تل أبيب «هدفه وقف الأعمال العدائية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأسرى المعتقلين في إسرائيل، وإعادة السكان الجنوبيين إلى قراهم وممتلكاتهم»، مؤكداً أن «لبنان ينتظر خطوات إيجابية من الجانب الإسرائيلي، ونعتمد على دول صديقة مثل إيطاليا، للدفع في اتجاه إنجاح العملية التفاوضية».

وشدد الرئيس اللبناني على أن بلاده «محبة للسلام ولا تريد الحرب؛ بل حفظ الأمن وحماية الحدود وبسط سيادة الدولة»، مضيفاً أن هذا «ما يجب أن يتولاه الجيش اللبناني بالتعاون مع الدول الصديقة الراغبة في مساعدته، لا سيما أننا تعلمنا من الحروب المتتالية على أرضنا أنه لا يمكن أن ينتصر فريق على آخر، ولا بد في النهاية من التفاوض».

ولفت عون إلى أن الجيش اللبناني «هو العمود الفقري لضمان الاستقرار؛ ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة كلها» التي تتأثر بالوضع الأمني في لبنان، وأشار إلى «أهمية توفير الدعم» للجيش «الذي لا تقتصر مهماته على الحدود فقط؛ بل على كل لبنان».

بدوره، شدد وزير الدفاع الإيطالي على دعم بلاده للبنان في المجالات كافة، لا سيما في مجال حفظ الأمن والاستقرار في الجنوب.

وأشار كروسيتو إلى أن بلاده «ترغب في إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب نهر الليطاني بعد انسحاب (اليونيفيل) منها»، لافتاً إلى وجود «دول أوروبية أخرى تنوي أيضاً اتخاذ الموقف نفسه»، وقال إن «هذه الخطوة تهدف إلى دعم الجيش اللبناني في مهامه بالجنوب، لأن إيطاليا تعتبر أن أمن لبنان والمنطقة والبحر المتوسط يتحقق من خلال تعزيز دور الجيش اللبناني وتوفير الإمكانات الضرورية له».

وأشار إلى أن بلاده «تواصل اتصالاتها بهدف تثبيت الاستقرار في جنوب لبنان، وتتابع تطورات التفاوض، وسوف تعمل كي تتحقق نتائج عملية منه، لأنه لا مصلحة لأحد في استمرار التوتر في الجنوب، وعلى إسرائيل أن تدرك هذا الأمر جيداً».

وأكد أن المساعدات الإيطالية للجيش اللبناني سوف تستمر «وفق ما تم الاتفاق عليه مع وزير الدفاع اللبناني خلال محادثاتهما» اليوم.