المظهر العام للأسواق السورية عشية العيد يشير إلى انفراج كبير شهده تدفق البضائع شديدة التنوع من حيث الأصناف والأسعار وطرق عرضها في الواجهات وعلى الأرصفة، إلا أن ذلك لا يخفي بؤس القدرة الشرائية لدى 80 في المائة من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
صاحب محل سكاكر في البزورية، وهي أسواق دمشق القديمة المتخصصة بالحلويات والأعشاب والتوابل، قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا العيد هو الأول الذي نشعر فيه بارتياح ونحن نعرض بضائعنا المحلية والمستوردة، دون كابوس الجمارك والمالية والصحة. لافتاً إلى أن الأسعار انخفضت عن العام الماضي بسبب تحسن قيمة الليرة، والتخلص من أعباء الإتاوات التي كان يفرضها علينا النظام المخلوع، ولكن هذا الأمر لم يرفع الإقبال لدى السوريين الذين يصح فيهم قول العامة: «الجمل بقرش ولا يوجد قرش».

وسجّلت أسعار اللحوم والأضاحي هذا العام انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، حيث انخفض سعر كيلو لحم الغنم في حماة وحمص من 220 ألف ليرة العام الماضي إلى 80 ألف ليرة هذا العام، وفي دمشق انخفض من 240 ألف ليرة العام الماضي إلى 160 ألف ليرة، (الدولار الأميركي يعادل 9500 ليرة).
ومع قدوم عيد الأضحى انخفض سعر الأضاحي من 90 ألف ليرة لكيلو اللحم الحي العيد الماضي، إلى ما دون 50 ألف ليرة هذا العيد، ويرتبط الإقبال على الأضاحي بالقدرة الشرائية وتحويلات المغتربين من الخارج. ومن المتوقع أن يحقق الإقبال زيادة هذا العام مع عودة أكثر من 400 ألف سوري من الخارج.

سيدة كانت تتسوق لوازم حلويات العيد عبَّرت عن فرحها بأنه أول عيد أضحى من عشر سنوات سيشتري فيه أبناؤها المغتربون الأضاحي، وسيوزعون لحومها بأنفسهم، وقالت إنها طلبت منهم ألا يحملوا معهم هدايا من الخارج فكل شيء صار متوفراً في سوريا، لكنها في الوقت ذاته أظهرت انزعاجها من فوضى الأسعار، وقالت: «هناك بضائع أجنبية من كل صنف ولون على البسطات في الشوارع وبأسعار غير منطقية سواء كانت رخيصة أو غالية، فكل يبيع على هواه، ولا نعلم مصدر تلك البضائع أو هل هي مراقبة أم مهربة وهل هي صالحة أم لا».

وتواجه الحكومة السورية تحديات كبيرة في ضبط الأسواق في ظل استمرار فوضى تدفق البضائع دون رقابة، والتسعير العشوائي، رغم الحملات التي تقوم بها إلى الأسواق وتحديداً في مطاردة بسطات البضائع المهربة، التي تبدو حملات كر وفر.
رامز تاجر دمشقي في سوق البزورية قال: «ضبط الأسواق في المرحلة الحالية عمل صعب ومعقد، كون البلاد خارجة للتو من تحت نير ثقيل خلق تشوهات في بنية الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية والتجارية، كما أن تعطش الأسواق للبضائع والسلع التي كانت ممنوعة جعل التدفق فوضوي مع استمرار التهريب». لافتاً إلى أن «الفوضى تثير شهية التجار المستجدين على التجارة والمهربين لتحقيق أرباح كبيرة».

أضاف مستدركاً: «إنها حالة طارئة والذين ينتهزون هذه الحالة سيضطرون إلى خفض الأسعار بسبب قلة الطلب لأن الغالبية ليست لديها قدرة شرائية». كما أن «فوضى التسعير ستؤدي إلى ركود». وطالب زامر بتفعيل عمل وزارة التجارة الداخلية في الرقابة وملاحقة المخالفين وتنظيف البيئة التجارية من مخلفات العلاقات الفاسدة بين الأوساط التجارية والأجهزة الأمنية والسلطة، التي كانت سائدة خلال العقود الماضية وتفاقمت في السنوات الأخيرة بعد فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية، وقال: «كنا نشكو من رقابة (السلبطة)، واليوم نشكو من الفوضى وغياب الرقابة».
وركزت الحكومة أولوياتها خلال الأشهر الماضية منذ سقوط النظام، على رفع العقوبات وجذب الاستثمارات الأجنبية لإنعاش الاقتصاد، ليظل الاهتمام بالتجارة الداخلية وضبط الأسواق في الدرجة الثانية على سلم الأولويات.


