نتائج «محليات» جنوب لبنان تكرّس نفوذ الأحزاب

الخطاب الطائفي جيّر الأكثرية الشيعية لثنائي «أمل» و«حزب الله»

نساء أمام أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات البلدية بالنبطية جنوب لبنان (أ.ب)
نساء أمام أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات البلدية بالنبطية جنوب لبنان (أ.ب)
TT

نتائج «محليات» جنوب لبنان تكرّس نفوذ الأحزاب

نساء أمام أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات البلدية بالنبطية جنوب لبنان (أ.ب)
نساء أمام أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات البلدية بالنبطية جنوب لبنان (أ.ب)

لم تخالف نتائج الانتخابات البلدية (المحلية) والاختيارية في جنوب لبنان التوقعات، بل جاءت مطابقة لاستطلاعات الرأي التي سبقتها، خصوصاً في المدن والبلدات ذات الغالبية الشيعية التي حشد لها الثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» كل طاقاتهما للفوز بمعظم المجالس البلدية عبر التزكية وإثبات حضورهما الشعبي، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي دمّرت مناطق واسعة في الجنوب.

ونجح الجهد الذي بذلته قيادتا «أمل» و«حزب الله» في الفوز بعشرات البلديات بالتزكية؛ مما سهّل المهمّة عليهما في البلدات التي ذهبت إلى معارك حامية، سواء أكانت بالمنافسة العائلية أم بالخيارات السياسية المناهضة لتوجهاتهما.

وأكد مصدر مقرّب من حركة «أمل» لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس حركة «أمل» رئيس مجلس النواب، نبه برّي، «واظب حتى الساعات التي سبقت فتح صناديق الاقتراع على رعاية اتفاقات تجنّب كثيراً من البلدات الجنوبية معارك انتخابية»، مشيراً إلى أن «هناك 127 بلدية جنوبية فازت بالتزكية، بينها 9 بلدات مسيحية»، لافتاً إلى أن النتائج «ثبتت تمسك أبناء الجنوب بالخيار الذي يمثله الثنائي الوطني (أمل وحزب الله)».

استفتاء على الشعبية

ويجمع الخبراء على أن الاستحقاق البلدي كرّس نفوذ الأحزاب في كلّ المناطق اللبنانية، وهو ما انسحب على واقع «الثنائي الشيعي» في الجنوب، و«التيار الوطني الحرّ» بمدينة جزين، وقبلها حزب «القوات اللبنانية» في زحلة، بمحافظة البقاع، لكنّ أهميته بالنسبة إلى «الثنائي» أنه شكّل استفتاءً على شعبيته.

وفي هذا الإطار، أكد الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، أن نتائج انتخابات الجنوب «كرّست التصاق أغلبية الشيعة بـ(أمل) و(حزب الله) أكثر من ذي قبل».

سيدة تحمل صورة زوجها الذي قتل في الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل خلال إدلائها بصوتها في الانتخابات البلدية بالنبطية جنوب لبنان (إ.ب.أ)

ورأى شمس الدين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأمر «قد ينسحب على الاستحقاق النيابي في شهر أيار (مايو) 2026، ما لم يغيّر الوضع القائم، وتبدأ عملية إعمار المناطق المهدمة من قبل الدول العربية أو في حال وقّع لبنان اتفاق سلام مع إسرائيل».

ولم يُخفِ شمس الدين أن «(الثنائي) جنّد كل طاقاته لمنع إحداث أي خرق للوائحه في البلديات والمدن الكبرى، خصوصاً مدينتَي صور والنبطيّة».

وقال: «فازت لائحة (التنمية والوفاء) في صور بفارق 6 آلاف صوت بين آخر الرابحين فيها والمرشّح الذي نال النسبة الأعلى من الأصوات في اللائحة الخاسرة. أما في مدينة النبطية، فإن الفارق بلغ نحو 4 آلاف صوت لمصلحة لائحة (الثنائي). وهذا الواقع يشبه إلى حدّ كبير الفارق الذي حققه تحالف (أمل) و(حزب الله) قبل أسبوع في انتخابات مدينة بعلبك (البقاع) بفارق 6 آلاف و400 صوت عن اللوائح المنافسة، التي عززت حضور هذا (الثنائي) أكبر من الانتخابات البلدية في عام 2016».

خرق لـ«الثنائي»

ورغم غياب المنافسة الفعلية بين «الثنائي» وخصومهما، فإن تحالف العائلات المعارض لهذا «الثنائي» سجّل خرقاً لافتاً ببلدية الزرارية في قضاء الزهراني؛ إذ فازت العائلات بـ9 مقاعد مقابل 6 لـ«الثنائي»، كما اخترقت اللوائح المنافسة بمقعد واحد في بلدية حبّوش ومقعد واحد أيضاً في بلدية شوكين.

أحد عناصر «حزب الله» المصابين نتيجة انفجارات الـ«بيجر»... ويبدو فاقداً النظر وعدداً من أصابعه ويتلقى المساعدة للإدلاء بصوته خلال الانتخابات البلدية بمدينة النبطية جنوب لبنان يوم السبت الماضي (أ.ب)

ثمة أسباب أدت إلى هذا التفوق في الاستحقاق البلدي لفريق لطالما حمّله كثيرون حتى داخل البيئة الشيعية مسؤولية ما آلت إليها نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. وفي قراءته هذا الواقع، يؤكد شمس الدين أن «الشيعة يعيشون الآن حالة ضغط غير مسبوقة، خصوصاً في ظلّ تنامي الخطاب الطائفي وشدّ العصب القائم في لبنان، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وما خلّفته من مآسٍ في كل المناطق».

ويلفت إلى أن «الشيعة ما زالوا بحاجة اليوم إلى المساعدات التي يقدمها (حزب الله) كبدل الإيواء والإيجار للعائلات التي تهدمت بيوتها. وقد أنفق (الحزب) حتى الآن ما يزيد على مليار دولار بدل إيواء وتعويضات، وهذا في حدّ ذاته استثمار لـ(الحزب) داخل هذه البيئة».

جزين و«الاتحاد»

وفي مدينة جزين، فازت لائحة «التيار الوطني الحرّ»، برئاسة النائب جبران باسيل، بكامل المقاعد البلدية والاختيارية. وهذه النتيجة لا تختلف كثيراً عن انتخابات عام 2016، وفق شمس الدين، الذي يلفت إلى أنه «في عام 2016 كان هناك تحالف بين (التيار) و(القوات اللبنانية). أما في الانتخابات الحالية، فقد صوت 4 آلاف و700 ناخب في المدينة، فحصلت (القوات اللبنانية) على 1800 صوت، مقابل 2600 لـ(التيار)، وباقي الأصوات لمرشحين من خارج هذين الفريقين. وما عزز حظوظ (التيار) تحالفه مع النائب السابق إبراهيم عازار الذي يحظى بحيثية شعبية وازنة في جزين».

رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يرفع إشارة النصر في جزين (المركزية)

وفي حين أتت نتائج جزين مخالفة لنتائج الانتخابات النيابية التي انتزع فيها «القوات اللبنانية» المقعدين المسيحيين في القضاء من «التيار»، يوضح رئيس جهاز التواصل والإعلام في «القوات اللبنانية»، شارل جبور، أن «(القوات) لم تنكر حضور (التيار الحرّ) بمدينة جزين، لكن على مستوى القضاء يظهر التقدم لمصلحة (القوات اللبنانية)».

وقال جبور لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن بيّنت النتائج تأثير (القوات اللبنانية) في 16 بلدية من أصل 30 في القضاء، وهذا يرجّح أن تؤول رئاسة الاتحاد إلى (القوات)»، لافتاً إلى أنه «حتى داخل مدينة جزين تتفوق (القوات اللبنانية) بعدد الأصوات على (التيار الوطني الحرّ)، إلّا إن تحالف الأخير مع إبراهيم عازار قلب الفوز لمصلحته».

مفاعيل «النيابية»

ولم يخرج الطرفان المسيحيان الأقوى من مفاعيل الانتخابات النيابية الأخيرة التي عززت حضور «القوات» في جزين، إلّا إن مصدراً في «التيار الحرّ» أوضح لـ «لشرق الأوسط»، أن «(القوات) لم تفز بالانتخابات النيابية بأكثرية مسيحية، بل بفعل تحالفها مع أحزاب وقوى إسلامية في المنطقة». وذكّر بأن «الغالبية المسيحية في جزين صوتت في انتخابات 2022 لمصلحة (التيار)، لكن الانتخابات النيابية جرت على مستوى القضاء، واستطاعت (القوات) عبر تحالفاتها على مستوى القضاء؛ بما فيه مدينة صيدا (ذات الغالبية السنيّة)، أن تنال نائبين عن منطقة جزين».


مقالات ذات صلة

القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي، لكنها تحمل هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان.

هشام المياني (القاهرة )
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام متحدثاً عن مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع (رئاسة الحكومة)

سلام يعلن عن إنجاز مسودة قانون «الانتظام المالي» وإعادة الودائع خلال 4 سنوات

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أنه تم الانتهاء من إنجاز مسودة مشروع قانون معالجة الانتظام المالي واسترداد الودائع خلال 4 سنوات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

رئيس الحكومة المصري في بيروت حاملاً رسالة دعم للمسؤولين اللبنانيين

نقل رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي رسالة دعم للجهود التي يقوم بها المسؤولون في لبنان لتحقيق الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يحذّر من مسار «غير مطمئن» ويطلب تدخّل عون لحماية الانتخابات

رفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، سقف تحذيراته السياسية على خلفية الإنتخابات النيابية

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري الأسير عماد أمهز في صورة نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على حسابه على «إكس» play-circle 03:20

تحليل إخباري قضية الأسير عماد أمهز تلقي الضوء على أنشطة «حزب الله» البحرية

أعاد إعلان الجيش الإسرائيلي عن عملية نفذتها وحدة الكوماندوز البحري في بلدة البترون، شمال لبنان، وما رافقه من نشر تسجيلات مصوّرة مرتبطة بعماد أمهز.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«البنتاغون» يعلن إطلاق عملية ضد «داعش» في سوريا رداً على هجوم تدمر

عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«البنتاغون» يعلن إطلاق عملية ضد «داعش» في سوريا رداً على هجوم تدمر

عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش الأميركي في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث، الجمعة، إطلاق عملية عسكرية ضد تنظيم «داعش» في سوريا رداً على هجوم في تدمر أودى بحياة ثلاثة أميركيين.

وقال هيغسيث في منشور على منصة «إكس»: «بدأت القوات الأميركية عملية +ضربة عين الصقر+ في سوريا للقضاء على مقاتلين وبنى تحتية ومواقع تخزين أسلحة لتنظيم داعش، في رد مباشر على الهجوم الذي استهدف قوات أميركية في 13 ديسمبر (كانون الأول)».

وأفادت صحيفة ‌«نيويورك تايمز»، ‌نقلاً ‌عن ⁠مسؤول ​أميركي ‌طلب عدم الكشف عن ⁠هويته، ‌أن ‍الجيش الأميركي ‍شن ‍غارات جوية على ​أهداف عدة لتنظيم «داعش» في سوريا اليوم الجمعة.

وتأتي هذه ‌الهجمات ⁠بعد ​أن ‌تعهد الرئيس دونالد ترمب، بالرد بعد هجوم على جنود أميركيين نهاية الأسبوع الماضي في سوريا من قبل شخص يشتبه في ⁠انتمائه لتنظيم «داعش».

وذكر ‌الجيش الأميركي، أن ‍اثنين ‍من أفراده ومترجم مدني قتلوا، ‍السبت، في مدينة تدمر وسط سوريا على يد مهاجم استهدف قافلة للقوات الأميركية ​والسورية قبل أن يُقتل بالرصاص. وأصيب ثلاثة جنود أميركيين ⁠آخرين في الهجوم.

ونفذ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات جوية وعمليات برية في سوريا استهدفت المشتبه في انتمائهم لتنظيم «داعش» في الشهور القليلة الماضية، وغالباً ما كان ذلك بمشاركة قوات ‌الأمن السورية.


الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات «قيصر» ويؤكد بدء مرحلة البناء

الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
TT

الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات «قيصر» ويؤكد بدء مرحلة البناء

الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)

رحّب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الجمعة، برفع الولايات المتحدة نهائياً العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة تمهّد لعودة الاستثمارات إلى البلاد بعد سنوات من الحرب.

وقال، في كلمة مصورة، هي أول منشور له عبر منصة «إكس»: «اليوم هو أول يوم وسوريا دون عقوبات بفضل الله عزّ وجلّ، ثم بجهودكم وصبركم لأربعة عشر عاماً».

وتوجه بـ«الشكر الجزيل والخاص للرئيس دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، على استجابته لدعوة هذا الشعب السوري، وتقدير أعضاء الكونغرس لتضحيات الشعب السوري وتلبيتهم لدعوته برفع العقوبات عن سوريا».

وأضاف: «الشكر الجزيل لكل من ضحى وصبر خلال فترة الثورة السورية المباركة، لكل من استنشق الكيماوي، ولكل من هاجر وغادر أرضه، ولكل من غرق في البحار، ولدماء الشهداء التي روت هذه الأرض المباركة، حتى وصلنا إلى هذا النصر العظيم الذي توج برفع القيود عن سوريا بشكل كامل».

كما شكر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وكانت وزارة الخارجية السورية أكدت في وقت سابق أن رفع العقوبات «مدخل لمرحلة إعادة البناء والتنمية»، داعية «جميع السوريين، في الداخل والمهجر، إلى الإسهام في جهود النهوض الوطني».

وعلّق ترمب مرّتين تطبيق العقوبات على سوريا استجابة لمناشدات سعودية وتركية. لكن الشرع سعى إلى وضع حد نهائي للعقوبات خشية دفعها المستثمرين المتخوفين من تداعياتها القانونية في الولايات المتحدة للابتعاد عن سوريا.

وأقرّ الكونغرس الأميركي، الأربعاء، الرفع النهائي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق بشار الأسد عبر «قانون قيصر».


ملعب يعدّ متنفساً لأطفال مخيم بالضفة الغربية يهدده قرار هدم إسرائيلي

أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

ملعب يعدّ متنفساً لأطفال مخيم بالضفة الغربية يهدده قرار هدم إسرائيلي

أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

في ملعب صغير ملاصق لجدار الفصل بالضفة الغربية المحتلة، كان أطفال مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين يتدربون على كرة القدم غير مكترثين بالإسمنت الشاهق الذي بات جزءاً من المشهد، حتى جاء قرار إسرائيلي بهدم المنشأة التي تحوّلت إلى متنفس نادر لسكان المخيم المكتظ قرب بيت لحم.

يقول عبد الله عدنان، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وهو يستعد لتدريبات المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، إن «هذا الملعب منَحَني فعلاً القدرة على التدريب»، مضيفاً: «لولاه، لَما كانت لديّ هذه الفرصة لأمثّل المنتخب».

وُلد عدنان ونشأ في «عايدة»، على غرار شبان كثيرين من المخيّم أدّوا أولى مراوغاتهم هنا.

في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عثر أطفال جاءوا للعب على مذكرة للجيش الإسرائيلي عند مدخل الملعب، أحضروها إلى مهند أبو سرور، المدير الرياضي لنادي شباب عايدة.

طفل فلسطيني يتدرب على حراسة المرمى بملعب كرة قدم في مخيم عايدة بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

يقول أبو سرور: «فوجئنا عندما اكتشفنا أنها قرار بهدم ملعب كرة القدم في مخيم عايدة».

ويضم هذا الملعب، الذي تُعادل مساحته نصف ملعب كرة قدم، وفق المعايير الرسمية، أكثر من 500 طفل يتدربون على أرضيته.

«مساحة مفتوحة»

يضيف أبو سرور أن «هذا الملعب هو المساحة المفتوحة الوحيدة التي نملكها. وإغلاقه يشكل انتكاسة لحلم الأطفال وإسكاتاً للشعب الفلسطيني وطموحه أن يكون جزءاً من هذه الرياضة».

ويشير عدنان، البالغ 18 عاماً، إلى أن الملعب «طوق نجاة»، إذ إنه لو لم يكن موجوداً لاضطر إلى اللعب في الشارع أو ترك اللعبة نهائياً.

وتحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967 وتهدم، بشكل متكرر، منازل أو منشآت فلسطينية بحجةِ بنائها بلا ترخيص.

طفل فلسطيني يتدرب على كرة القدم في ملعب بمخيم عايدة قررت السلطات الإسرائيلية هدمه وتظهر خلفه أجزاء من جدار الفصل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

واطّلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» على مذكرة الجيش، الصادرة عن «كوغات»، هيئة وزارة الدفاع المسؤولة عن الشؤون المدنية الفلسطينية، والتي تقول إن الملعب بُني «دون ترخيص».

لكن أنطون سلمان، رئيس بلدية بيت لحم وقت إنشاء الملعب في 2021، يؤكد أن الموقع قانوني تماماً.

ويشير إلى أن البلدية استأجرت الأرض من الكنيسة الأرمنية المالكة لها، قبل أن تتولى اللجنة الشعبية للمخيم إدارتها، الأمر الذي أكده رئيس اللجنة سعيد العزة.

وردّاً على أسئلة «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الجيش الإسرائيلي إنه «على طول السياج الأمني (الجدار الفاصل)، هناك أمر مصادرة وأمر يحظر البناء، وبالتالي فإن البناء في المنطقة نُفّذ بصورة غير قانونية»، مضيفاً أن طعناً قدّمته الكنيسة الأرمنية ما زال قيد النظر.

وكغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، أنشئ «مخيم عايدة» لإيواء جزء من مئات الآلاف الذين فرّوا أو أُجبروا على مغادرة منازلهم عام 1948 عند قيام إسرائيل. ومع مرور الوقت، تحولت مدن الخيام إلى أحياء إسمنتية مكتظة.

جنود إسرائيليون يُوقفون فلسطينياً ووُجّه إلى الحائط لتفتيشه في مخيم نور شمس قرب طولكرم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

ويقول العزة إن «أكثر من سبعة آلاف شخص يعيشون على هذه القطعة من الأرض. الشوارع ضيقة، وليس لدينا مكان آخر للتنفس!».

«فرنسا أسهل من نابلس»

يعرض أبو سرور بفخرٍ ما قدّمه الملعب للسكان، إذ تمكنت مجموعات شبابية من السفر إلى الخارج للمشاركة في لقاءات رياضية، في متنفس نادر، مقارنة بالحصار المفروض على الضفة الغربية.

ويقول: «الذهاب للعب في فرنسا أسهل من الذهاب للعب في نابلس» (على بُعد أقل من مائة كيلومتر شمال الضفة الغربية).

وبعد الهجوم غير المسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي أطلق شرارة حرب ضروس في قطاع غزة، أقامت السلطات الإسرائيلية مئات الحواجز الإضافية في الأراضي الفلسطينية.

يضم ملعب مخيم عايدة الذي تُعادل مساحته نصف ملعب كرة قدم وفق المعايير الرسمية أكثر من 500 طفل يتدربون على أرضيته (أ.ف.ب)

وبات التنقل بين المدن أكثر تعقيداً بفعل شبكات طرق مخصّصة للمستوطنين، يُحظر على الفلسطينيين استخدام أجزاء منها، ما يَفرض عليهم الالتفاف لمسافات طويلة.

وفي الآونة الأخيرة، احتاج فريق كرة قدم من رام الله، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً، إلى ست ساعات للوصول إلى مخيم عايدة، وفق أبو سرور.

وعلى هامش تدريب يضم نحو خمسين طفلاً بين الخامسة والعاشرة، يأمل المدرب محمود جندية أن يُبقي القرارُ الملعب قائماً.

ويقول: «نعم، الجدار موجود، نشعر بأننا في سجن. لكن رغم ذلك، الأهم أن يبقى الملعب وأن يواصل الأطفال اللعب. إذا هُدم الملعب، فإن كل أحلام الأطفال ستُهدم».