يتواصل الجدل في العراق بشأن دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد المقرر انعقادها ببغداد في 17 مايو (أيار) المقبل، بعد إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني توجيه دعوة رسمية له، وسط اعتراضات من قيادات في «الإطار التنسيقي».
مع بدء وزارة الخارجية العراقية بتوجيه دعوات المشاركة في القمة العربية إلى القادة العرب، تصاعدت بيانات «الرفض» المتشددة لحضور الشرع إلى القمة، في مقابل ترحيب حار من أطراف أخرى.
وتشير مصادر مطلعة على مواقف قوى «الإطار التنسيقي» إلى أن «الغضب الحالي مرتبط بالزيارة السرية ولقاء السوداني بالشرع في قطر، أكثر من ارتباطه بشيء آخر».
وتقتصر المواقف الرافضة على فصائل مسلحة وحزب «الدعوة الإسلامية» ضمن «الإطار التنسيقي»، في مقابل «صمت» أو قبول ضمني من قوى أخرى داخل الإطار، مثل تيار «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف «النصر» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إلى جانب ترحيب واضح من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، المدعوم من الإطار، بمشاركة الرئيس السوري في أعمال القمة العربية.
حزب «الدعوة» يهاجم
هاجم حزب «الدعوة الإسلامية»، الأحد، بشدة دعوة الرئيس السوري لحضور القمة العربية المقررة في بغداد.
وقال الحزب في بيان إن العراق يتطلع إلى أن تكون القمة العربية في بغداد «نقلة نوعية في مسار العمل العربي المشترك، وأن تسهم في مواجهة التحديات، خصوصاً نصرة القضية الفلسطينية، وإنهاء معاناة غزة».
وأضاف: «بينما نُدرك ضرورة دعوة جميع الدول وفقاً لميثاق جامعة الدول العربية، يجب أن يُراعى خلو السجل القضائي، العراقي والدولي، من التهم والجرائم بحق من يشارك في القمة». وتابع: «لا يمكن دعوة من استباح دماء العراقيين، أو تورط في جرائم موثقة بحقهم»، في إشارة إلى مزاعم وجود مذكرة توقيف بحق أحمد الشرع.
وأبلغ مقرب من حزب «الدعوة» «الشرق الأوسط» أن «البيان يعبِّر عن وجهة نظر الحزب الخاصة، وليس بوصفه كياناً فاعلاً في البرلمان والحكومة». وأضاف أن «الحزب يدرك أن دعوة الرؤساء العرب لحضور القمة هي من مهام الجامعة العربية، وليس الدولة المضيفة للقمة، وقد أشار إلى ذلك في وقت سابق زعيم الحزب نوري المالكي».
ومن جهته، قال قيس الخزعلي، أمين عام «عصائب أهل الحق»، إن «العلاقات بين العراق وسوريا ضرورية»، لكنه رأى أن حضور الشرع إلى بغداد «سابق لأوانه»، محذراً من تداعيات قد تنجم عن اعتقاله بناءً على مذكرة توقيف نافذة بحقه.
وقال المسؤول الأمني لـ«كتائب حزب الله» أبو علي العسكري، إن «القمم العربية كانت تُعقد دون حضور الرئيس السابق بشار الأسد، ودون العراق أو ليبيا، ولن تتوقف بسبب عدم حضور المدان أبو محمد الجولاني».
دوافع انتخابية
قال مصدر رفيع من قوى «الإطار التنسيقي» لـ«الشرق الأوسط» إن «الدعوات الأخيرة لرفض حضور الشرع غذّاها عنصران، الأول مرتبط بالزيارة السرية للسوداني إلى قطر، والآخر الأهداف الانتخابية المرتبطة بقرب الانتخابات العامة».
وأضاف أن «زيارة السوداني غير المعلنة إلى الدوحة ولقاءه مع الشرع قد أزعجا كثيراً زعامات قوى الإطار التي رأت فيها محاولة من السوداني للخروج من عباءة الإطار والتزاماته»، كما فُهمت على أنها «خطوة يسعى من خلالها السوداني للحصول على ولاية ثانية لرئاسة الوزراء، عبر الاعتماد على قوى إقليمية داعمة».
ويعتقد المصدر أن «حالة الرفض التي تظهرها بعض الزعامات الشيعية مرتبطة برغبتها في التناغم مع جماهيرها في الشارع الشيعي، حيث تدشن بذلك حملة دعائية مبكرة استعداداً للانتخابات العامة المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
تعمد تجاوز القضاء
كان لافتاً أن بيانات الرفض الصادرة عن زعامات «الإطار التنسيقي» تجاهلت تماماً البيان الرسمي لمجلس القضاء الأعلى الذي أكد في فبراير (شباط) الماضي عدم وجود مذكرة توقيف ضد الرئيس السوري.
وذكر المجلس في حينها أنه «تم رصد مذكرات توقيف ضد أحمد حسين الشرع، الملقب بـ (أبو محمد الجولاني)، تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، يُنسب صدورها إلى محاكم تحقيق. وبعد الاتصال بالمحاكم المنسوب لها إصدار هذه المذكرات اتضح أنها مزورة وغير صحيحة».
وأضاف: «نحذر من يمارس هذه السلوكيات المخالِفة للقانون، وسوف تتم متابعة مرتكبيها لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم».
ترحيب كردي سني
يمكن رصد البيانات الترحيبية الواسعة من قبل الشخصيات والأحزاب السنية والكردية حيال حضور الشرع إلى بغداد.
وكتب القيادي في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري في وقت سابق عبر منصة «إكس»، أن «العراق مقبل على استضافة القمة العربية في بغداد بعد جهود حثيثة من الحكومة لتأكيد انتمائه إلى الحضن العربي وعالمه العربي».
وأضاف: «لكنْ هناك أصوات ودعوات نشاز من بعض النواب المغمورين بدوافع طائفية تحاول فتح النار على سوريا ولبنان والكويت وقطر ودول خليجية شقيقة بهدف إحراج الحكومة أمام العرب».
ومثلما أشار زيباري، فإن معظم الدعوات المرحِّبة بحضور الشرع إلى بغداد تعكس رغبة أصحابها في إعادة العراق إلى الحاضنة العربية، مع الرغبة الكامنة في التخلص من الهيمنة الإيرانية التي ترسخت في العقدين الأخيرين.
رحب زعيم «تحالف السيادة»، خميس الخنجر، بلقاء رئيس الوزراء السوداني مع الشرع في قطر، كما رحب بحضور الرئيس السوري إلى القمة العربية في بغداد. ورأى الخنجر أن اللقاء «يمثل خطوة مهمة لتعزيز التعاون العربي، وتكريس منطق الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية، وإعادة بناء جسور الثقة والتكامل بين شعوبنا بما يخدم أمن واستقرار منطقتنا».