نتنياهو خطط لخطاب درامي مزلزل... فداهمته المفاجآت

حساباته تشوشت بعد مقتل جندي في غزة واندلاع مظاهرات بتل أبيب

TT

نتنياهو خطط لخطاب درامي مزلزل... فداهمته المفاجآت

متظاهرون في شمال إسبانيا يحرقون دمية على شكل نتنياهو يوم الأحد احتجاجاً على حرب غزة (إ.ب.أ)
متظاهرون في شمال إسبانيا يحرقون دمية على شكل نتنياهو يوم الأحد احتجاجاً على حرب غزة (إ.ب.أ)

بعد 30 ساعة من الانتظار وحبس الأنفاس، ونقاشات طويلة على الشاشات وفي الشبكات، تبين أن الخطاب الدرامي لبنيامين نتنياهو، مساء السبت، لم يكن إلا شعارات مكررة لتبرير استمرار الحرب على غزة. فهو لم يتطرّق للموضوع الإيراني بأكثر من جملة مهترئة، يرددها منذ 14 عاماً «لن نسمح لإيران بالتسلح النووي».

لم يأتِ بجديد في رسالته السياسية، وكما اعتاد في السنوات الأخيرة، ألقى كلمته وراء ستار حديدي، بخطاب مسجل سلفاً لا يتاح فيه للصحافيين أن يوجهوا له أي سؤال.

وإن كان هناك من جديد في الخطاب فهو أنه هاجم الصحافيين الإسرائيليين «والخبراء الذين يحللون في الاستوديوهات» فاتهمهم بأنهم يقدّمون خدمة مجانية لـ«حماس» عندما يطالبونه بإنهاء الحرب.

فلماذا فعل نتنياهو ذلك؟

بدا واضحاً أن نتنياهو أراد بالخطاب إشغال الرأي العام للتغطية على حدث آخر يتوقع أن يكون درامياً حقاً؛ وهو التصريح المشفوع بالقسم، الذي سيدلي به رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، رونين بار، الأحد، في المحكمة. فالجنرال بار كان يستعد للكشف عما يعتبره السبب الحقيقي لقرار نتنياهو بإقالته.

نتنياهو ورونين بار في تل أبيب (أرشيفية - د.ب.أ)

بار يقول إن «السبب ليس انعدام الثقة، كما يدّعي رئيس الحكومة، بل لأنني رفضت القيام بخدمات خاصة تتناقض مع مهمتي في المخابرات». علم نتنياهو نية بار عرض سلسلة حكايات وقعت بينهما في هذا السياق، ويظهر منها أن نتنياهو طلب إقناع المحكمة بتأجيل محاكمته في قضايا الفساد؛ لأن حياته في خطر وقد رفض، كما طلب منه أن يزيد الحراسة على عائلته ورفض أيضاً، وغضب منه لأنه أمر بالتحقيق فيما يُعرف باسم قضية «قطر غيت»، التي قبض فيها عدد من مساعديه أموالاً شهرية، وغيرها من القضايا الأخرى.

«تمناه خطاباً مزلزلاً»

كان نتنياهو يخطط أن يكون لخطابه أثر زلزال؛ لأنه اتهم فيه قادة الإعلام الإسرائيلي بخدمة دعاية «حماس»، وأن يقع هذا الزلزال، عندما يكون نتنياهو يحتفل بالميمونة (الميمونة هي طريقة اليهود المغاربة في إنهاء عيد الفصح. فبعد أسبوع من الصوم عن الخبز وكل ما يحتوي على خميرة من العجائن، يخبزون مختلف أنواع الحلويات ويقيمون حلقات الرقص والأغاني).

اختار نتنياهو وزوجته الحضور إلى بيت أنسبائه؛ إذ إن عائلة خطيبة ابنه الصغير أفنير، من قرية مزور شرقي تل أبيب. وتمت دعوة 300 شخص للاحتفال، جميعهم من أنصاره من اليهود الشرقيين، والرسالة هي: هم يتخبطون ونحن نحتفل.

لكن أحداثاً عدة شوّشت وخربت خطة نتنياهو؛ فأولاً: تبين أن قوات الجيش الإسرائيلي وقعت في كمين لمقاتلي «حماس» شمالي قطاع غزة، بينما كان نتنياهو أصلاً يزور النطاق قبل أقل من أسبوع للتباهي بانتصاراته.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارة لشمال غزة يوم 15 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

وفي الهجوم الذي وقع السبت، قُتل جندي (تبين لاحقاً أنه درزي بدوي من رهط) وأصيب ثلاثة جنود بينهم جنديتان بجراح قاسية.

وثانياً: ترافق مع الهجوم إخفاقات؛ إذ إن الجيش أرسل فرقة تشغيل طائرات مسيّرة في منطقة يعتبرها آمنة لجنوده بعد أن سوّاها بالأرض، لكن مجموعة مقاتلين خرجوا من أحد ثقوب الأنفاق، التي كان الجيش أعلن عن تدميرها، وأطلقوا صاروخاً على سيارة تقل القوة.

أسفر الهجوم عن إصابة 3 مقاتلات، وتم استدعاء النجدة، فحضرت قوة كبيرة، وإذا بها تقع في كمين، وانفجرت بهم عبوة ناسفة، فقتل الجندي البدوي على الفور فيما أصيب أحد مرافقيه، وتبيّن أن القوة التي حددت جراح الجنديتين على أنها خفيفة أخطأت، وتأكد لاحقاً أنها قاسية جداً، وتأخر نقلهما وبالتالي علاجهما.

لا يحتفل ولا ينتصر

كل هذا جعل نتنياهو يتلبك، فلا هو يستطيع الاحتفال، ولا الحديث عن انتصار، كما قال في خطابه المسجل. وأصبح لازماً تغيير شيء في الخطاب، الذي كان قد أرسل إلى وسائل الإعلام.

ولكن ليس هذا فحسب، بل كان هناك من شوّش على نتنياهو الوصول إلى الاحتفال أيضاً؛ وهم المتظاهرون، فقد وصل المئات منهم إلى مزور. وحاولوا اقتحام مقر الاحتفال وهم يهتفون: «من يتخلى عن المختطفين، لن يتمكن من الاحتفال كالمعتاد».

متظاهرون إسرائيليون خلال احتجاج يوم السبت دعماً لإطلاق سراح جميع الرهائن بقرية مزور في تل أبيب (رويترز)

وخاطب المنظمون نتنياهو: «هذه المقدمة فقط لحفل الزفاف القادم. لن تنعم بدقيقة واحدة من الهدوء، لا أنت ولا عائلتك. لن نسمح لكم بمواصلة الاحتفال وكأنه لا يوجد مختطفون في غزة. لن تكون احتفالات ولا زفاف ما دام المختطفون مدفونين أحياء في أنفاق (حماس)».

وقد اعتدت الشرطة عليهم بفظاظة وشكوا جميعاً من إصابات، بينهم جيران أنسباء نتنياهو، الذين فتحوا بيتهم لإسماع صوت الاحتجاج إلى أذن نتنياهو بالضبط.

ماذا كان بالخطاب المتأخر؟

خطاب نتنياهو، الذي تأخر بثه ساعتين، قد تضمن التصريحات التالية: «الحرب لها ثمن باهظ، ولكن كشعب يريد الحياة، ليس أمامنا خيار سوى الاستمرار. لن أستسلم للقتلة. فمثل هذا الاستسلام من شأنه أن يُعرّض أمن الدولة للخطر».

وأكد نتنياهو: «نحن في مرحلة حاسمة، والصبر ضروري. إذا استسلمنا الآن، فسنخسر كل مكاسبنا».

وفي هجوم مباشر على منتقديه، أكد نتنياهو: «لن ننهي الحرب حتى نهزم (حماس) ونعيد جميع الرهائن. أولئك الذين يدعون إلى إنهاء الحرب يرددون موقف (حماس) ويرفضون إطلاق سراح الرهائن».

وأضاف بلهجة اتهامية: «أي زعيم مسؤول يستطيع أن يقبل مطالب (حماس) بعد السابع من أكتوبر؟».

كما تطرق نتنياهو إلى ما وصفه بـ«خدعة (حماس)»، وقال: «(حماس) ليست غبية. إنهم يريدون ضمانات دولية ملزمة تمنع استئناف الحرب. في حالة كهذه، لن تكون لدينا بعد الآن شرعية لاستئناف القتال».

وتابع: «إذا التزمنا بعدم القتال، فلن نتمكن بعد الآن من العودة للقتال في غزة. فمنذ بداية الحرب، سمعنا دعوات لإنهائها بالاستسلام، وقد تزايدت هذه الدعوات مؤخراً، خصوصاً أولئك الذين يجلسون في الاستوديوهات، ويطلقون خطاباً يثير فرح (حماس)».

وواصل: «لو رضخت، لما دخلنا رفح، ولما خلقنا الظروف التي أسقطت نظام الأسد، ولما قضينا على (محمد) الضيف، و(يحيى) السنوار، وعليه فلن لن ننهي هذه الحرب الانتقامية حتى ندمر (حماس)، ونعيد كل رهائننا، ونضمن أن غزة لم تعد تشكّل تهديداً لإسرائيل».

شهادة دفن

وفي أعقاب الخطاب توالت ردود الفعل، وغالبيتها سلبية ضد نتنياهو. واعتبرته العائلات «شهادة دفن لـ59 إسرائيلياً محتجزين في غزة». وكما قالت فيكي كوهن، والدة الجندي ألكس: «أنا أرسلت ابني ليحارب بقناعة تامة أن الجيش سيحميه ويحفظه، وإذا وقع في الأسر فسيعمل كل ما في وسعه ليعود سالماً، لم أتوقع أن يتم إهمال ابني، فلا الحكومة ولا الجيش يكترثان لأولادنا».

فيكي كوهين والدة الأسير الإسرائيلي نمرود كوهين خلال فعالية يوم الأحد للمطالبة بإطلاق سراحه جنوب إسرائيل (رويترز)

وقد أقيمت مظاهرات بمشاركة نحو 30 ألفاً في 80 مظاهرة، في جميع أنحاء إسرائيل تقريباً. وجميع الخطابات فيها جاءت صريحة واتهمت نتنياهو بإدارة حرب لمصالحه الشخصية والحزبية.

وقال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتياط، عمرام لفين، إن «لدينا رئيس حكومة يرسل جنودنا للموت في سبيل مصلحته الشخصية. في بلاد أخرى يدخل إلى السجن. ويجب ألا نسمح له بالاستمرار».

وقالت عيناف زانجاوكر، والدة الجندي الأسير متان: «بدلاً من تحقيق اختراق من شأنه تحرير الرهائن، نواجه فشلاً آخر في المفاوضات. نتنياهو بشكل مباشر يقوم بتخريب المفاوضات لأسباب شخصية. نتنياهو يرفض إنهاء الحرب لأسباب شخصية ويدفن الرهائن في الأنفاق. يخدعنا ويخدع شعباً بأكمله من خلال اقتراح اتفاق عالمي ثم يفشله قبل المرحلة (ب) ويستأنف القتال على حساب الرهائن».

وفي بيان رسمي، توجهت العائلات إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل مباشر. وقال يهودا كوهين، والد أحد الرهائن: «سيدي الرئيس، لقد فشلت التجربة. لقد ضللك نتنياهو أنت وجميعنا في طريق لا يؤدي إلى أي مكان. فشل الاتفاق قبل المرحلة (ب) واستئناف الحرب لم يُفضِ إلى عودة الرهائن! تكثيف الضغط العسكري على (حماس) لم يُؤدِّ إلى تليين موقفها! (حماس) تصر على نفس الشرط: تحرير الجميع مقابل وقف الحرب». «نتنياهو باعكم الأكاذيب بينما الرهائن يعيشون في الجحيم».

فهل استفاد أحد من هذه «الخضة» الدرامية التي أشعلها نتنياهو؟ بالطبع لا. ولا حتى نتنياهو نفسه.


مقالات ذات صلة

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

صرّح مساعد سابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه عقب هجوم «حماس» في أكتوبر 2023، الذي أشعل فتيل حرب غزة، كلّفه بإيجاد طريقة للتهرب من مسؤولية هذا الخرق الأمني

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية نتنياهو يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى الولايات المتحدة فبراير 2025 (د.ب.أ) play-circle

ما تكاليف رحلات نتنياهو الخارجية في 2025؟

بينما يتجهز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى زيارة جديدة للولايات المتحدة، كُشف النقاب عن تكاليف 4 رحلات الجوية التي قام بها خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

مساعد سابق لنتنياهو: رئيس الوزراء كلّفني وضع خطة للتهرّب من مسؤولية «7 أكتوبر»

قال مساعد مقرب سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه في أعقاب هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (القدس )
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدسفي القدس (إ.ب.أ) play-circle

نتنياهو: نعلم بالتدريبات الإيرانية الأخيرة

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، ‌إن تل أبيب على ​علم ‌بأن إيران تجري «تدريبات» في الآونة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على منصة «إكس» من محادثاته مع السيناتور ليندسي غراهام play-circle 01:12

مخاوف أميركية - إسرائيلية من إعادة بناء القدرات الإيرانية

تتصاعد التحذيرات الأميركية والإسرائيلية من عودة إيران إلى بناء قدراتها الصاروخية والنووية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

مساعد سابق يقول إن نتنياهو كلّفه بوضع خطة للتهرب من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

صرّح مساعد سابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه عقب هجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت عامين، كلّفه الزعيم الإسرائيلي بإيجاد طريقة للتهرب من مسؤولية هذا الخرق الأمني.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، وجّه المتحدث السابق باسم نتنياهو، إيلي فيلدشتاين، الذي يواجه محاكمة بتهمة تسريب معلومات سرية إلى الصحافة، هذا الاتهام الخطير، خلال مقابلة مطولة مع قناة «كان» الإسرائيلية، مساء الاثنين.

وقد اتهم منتقدون نتنياهو مراراً وتكراراً برفض تحمّل مسؤولية الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. لكن لا يُعرف الكثير عن سلوك نتنياهو في الأيام التي أعقبت الهجوم مباشرة، في حين قاوم رئيس الوزراء باستمرار إجراء تحقيق حكومي مستقل.

وفي حديثه لقناة «كان»، قال فيلدشتاين إن «المهمة الأولى» التي تلقاها من نتنياهو بعد 7 أكتوبر 2023، كانت إسكات المطالبات بالمساءلة. قال فيلدشتاين: «سألني: عمّ يتحدثون في الأخبار؟ هل ما زالوا يتحدثون عن المسؤولية؟». وأضاف: «أراد مني أن أفكر في شيء يُخفف من حدة العاصفة الإعلامية المحيطة بمسألة ما إذا كان رئيس الوزراء قد تحمل المسؤولية أم لا».

وأضاف أن نتنياهو بدا «مرتبكاً» عندما طلب منه ذلك. وقال فيلدشتاين إنه أُبلغ لاحقاً من قِبل أشخاص في الدائرة المقربة من نتنياهو بحذف كلمة «المسؤولية» من جميع التصريحات.

وصف مكتب نتنياهو المقابلة بأنها «سلسلة طويلة من الادعاءات الكاذبة والمكررة التي أدلى بها رجل ذو مصالح شخصية واضحة يحاول التهرب من المسؤولية»، حسبما أفادت وسائل إعلام عبرية.

وتأتي تصريحات فيلدشتاين بعد توجيه الاتهام إليه في قضية يُتهم فيها بتسريب معلومات عسكرية سرية إلى صحيفة شعبية ألمانية لتحسين الصورة العامة لرئيس الوزراء، عقب مقتل 6 رهائن في غزة في أغسطس (آب) من العام الماضي.

كما يُعدّ فيلدشتاين مشتبهاً به في فضيحة «قطر غيت»، وهو أحد اثنين من المقربين لنتنياهو متهمين بتلقي أموال من قطر أثناء عملهما لدى رئيس الوزراء.


«الأركان الإيرانية»: جاهزون لكل السيناريوهات

المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
TT

«الأركان الإيرانية»: جاهزون لكل السيناريوهات

المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)
المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي خلال حوار ويبدو خلفه ملصق لأجهزة الطرد المركزي (دفاع برس)

قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، إن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لمواجهة أي سيناريو يفرضه العدو»، مشدداً على أن جزءاً كبيراً من هذه القدرات «لم يستخدم بعد»، في رسالة تحذير مباشرة لإسرائيل وسط تصاعد التوتر الإقليمي عقب حرب يونيو (حزيران) الماضي.

وحذر شكارجي من أن «الرد سيكون قاطعاً» إذا فُرضت مواجهة على إيران، مؤكداً في الوقت نفسه أن أي تحرك هجومي من جانب طهران «سيكون بهدف معاقبة المعتدي»، وليس بدء حرب جديدة.

ونقلت وكالة «دانشجو» التابعة لـ«الباسيج الطلابي» عنه قوله إن إيران «لم تكن يوماً البادئة بالحرب»، لكنها «ستقف بحزم أمام أي عدوان»، مشدداً على أن العقيدة الدفاعية الإيرانية تقوم على الردع والاستعداد المستمر.

وتطرق شكارجي إلى الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، واصفاً إياها بأنها «حرب مركّبة شاملة»، حشد فيها الخصوم «كل قدراتهم أملاً في توجيه ضربة قاضية»، لكنه قال إنهم «فشلوا في تحقيق أهدافهم». وأضاف أن القدرات الإيرانية «لم تُستنزف» خلال تلك المواجهة، وأن ما لم يستخدم بعد «يشكل جزءاً أساسياً من معادلة الردع»، مشيراً إلى أن الضغوط والتهديدات «لن تغيّر مسار إيران، بل ستعزز تماسكها».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو، هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي، مما أشعل حرباً استمرت 12 يوماً بين الجانبين. وانضمت الولايات المتحدة لاحقاً إلى المواجهة عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وفي إشارة ضمنية إلى تقارير غربية وإسرائيلية تحدثت عن مساعٍ إيرانية لإعادة بناء وتعزيز القدرات الصاروخية، قال شكارجي إن طهران «لم تتوقف عن العمل حتى في ذروة التوتر»، موضحاً أن الحرب التي استمرت 12 يوماً «شهدت تعزيزاً للقدرات وتحقيق نتائج ملموسة». وأضاف أن الصاروخ الإيراني «فتاح» تمكن من اختراق منظومات دفاعية «تقدَّر تكلفتها بملايين الدولارات»، في إشارةٍ إلى فاعلية القدرات الصاروخية الإيرانية في مواجهة أنظمة دفاع متطورة.

لوحة إعلانية تحمل صوراً لقادة في «الحرس الثوري» قُتلوا خلال القصف الإسرائيلي معلَّقة على جسر على طريق سريع في طهران 14 يونيو الماضي (إ.ب.أ)

وفي جانب آخر من تصريحاته، ركز شكارجي على ما وصفها بـ«الحرب الناعمة»، معتبراً أنها «ميدان الصراع الأشد خطورة»، لأن «الخسائر الحقيقية تقع فيها». وقال إن مسار المواجهة «تحول جزئياً نحو الحرب الناعمة والإعلامية بهدف ضرب معنويات المجتمع»، مشيراً إلى أن الخصوم راهنوا على أدوات إعلامية ونفسية لتقويض المعنويات الداخلية. وأضاف أن «تماسك الجبهة الداخلية» والتنسيق بين الإعلام والقوات المسلحة والمجتمع «أفشل هذا الرهان وقلب المعادلة».

وعلى الصعيد الأمني الداخلي، كشف شكارجي عن تفكيك شبكة واسعة من الجواسيس والعناصر المرتبطة بـ«العدو»، موضحاً أنه جرى اعتقال نحو 2000 شخص خلال الفترة الممتدة من أشهر قبل اندلاع الحرب حتى نهايتها. وقال إن هذه الشبكة «أُنشئت على مدى سنوات»، وصُرفت «أموال طائلة لتدريبها وتنظيمها»، لافتاً إلى أن الجاهزية المسبقة للأجهزة المعنية أسهمت في إحباط نشاطها، مؤكداً أن «إعادة بناء مثل هذه الشبكات ليست سهلة».

تأتي تصريحات شكارجي في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الأميركية والإسرائيلية من عودة طهران إلى إعادة بناء قدراتها الصاروخية والنووية بعد الحرب التي اندلعت بين الجانبين في يونيو (حزيران) الماضي، وسط مخاوف متزايدة من سوء تقدير قد يقود إلى مواجهة جديدة غير مقصودة.

في هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، إن إسرائيل «على علم» بأن إيران تُجري «تدريبات» في الآونة الأخيرة، مضيفاً أن الأنشطة النووية الإيرانية ستُبحث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة مرتقبة في وقت لاحق من هذا الشهر. ولم يقدم نتنياهو تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه التدريبات، لكنه حذّر من أن أي تحرك إيراني سيقابَل برد «قاسٍ للغاية».

وتعكس تصريحات نتنياهو قلقاً متزايداً في تل أبيب من أن التحركات الصاروخية الإيرانية الجديدة قد لا تكون مجرد تدريبات اعتيادية، بل جزء من جهود أوسع لإعادة ترميم الترسانة الباليستية التي تضررت خلال الحرب الأخيرة.

وفي واشنطن، قال السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي إن إيران «لم تستوعب الرسالة كاملة» بعد القصف الأميركي لمنشأة فوردو النووية خلال الحرب، مشيراً إلى تقارير عن محاولات لإعادة بناء الموقع وتعزيز تحصيناته. وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شدد مراراً على أن إيران «لن تخصب اليورانيوم ولن تمتلك سلاحاً نووياً».

وفي الإطار نفسه، أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، خلال زيارة لإسرائيل، تأييده توجيه ضربات إلى إيران، محذراً من أن إعادة بناء القدرات الصاروخية الباليستية باتت تشكل تهديداً لا يقل خطورة عن البرنامج النووي، وداعياً إلى استهداف هذه القدرات في أي ضربة محتملة.

في المقابل، شددت إيران على أن برنامجها الصاروخي «دفاعي بحت» وخارج أي مسار تفاوضي. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إن القدرات العسكرية الإيرانية طُورت لأغراض الردع، محذراً من الرد على أي اعتداء يستهدف البلاد.

رجل يمر أمام لافتة بمكتب صرافة مع تراجع قيمة الريال الإيراني في طهران (رويترز)

وعلى الصعيد الداخلي، شهدت الساحة الإيرانية تبايناً في الروايات بشأن مناورات صاروخية محتملة، بعدما تحدثت وسائل إعلام قريبة من «الحرس الثوري» عن اختبارات في عدة محافظات، قبل أن ينفي التلفزيون الرسمي إجراء أي مناورات أو تجارب صاروخية.

وحذر مسؤولون إسرائيليون وأميركيون من أن هذا التضارب في المعطيات، إلى جانب ارتفاع منسوب الخطاب العسكري، قد يزيد من مخاطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع في المنطقة، في ظل غياب قنوات تواصل واضحة قادرة على ضبط إيقاع التصعيد.

ومع ذلك، تحدث مسؤول أميركي عن مقاربة واشنطن الحالية تجاه إيران، مؤكداً أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى سلوك طهران «مزعزعاً للاستقرار»، لكنها تعتمد في هذه المرحلة أدوات دبلوماسية واقتصادية وليست عسكرية.

وقال المسؤول، وفق ما نقلت «جيروزاليم بوست» عن موقع «والا»، إن الولايات المتحدة أعادت تفعيل استراتيجية «الضغط الأقصى» بهدف إنهاء التهديد النووي الإيراني، وكبح برنامج الصواريخ الباليستية، ومنع دعم طهران لما تصفها واشنطن بـ«المنظمات الإرهابية».

وأضاف أن هذه المقاربة تقوم على تضييق الخناق على إيران عبر العقوبات والعزلة الدولية والضغط الدبلوماسي، بدلاً من فتح جبهة عسكرية جديدة قد تقود إلى تصعيد واسع في المنطقة، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية تفضّل إدارة التهديد الإيراني تدريجياً، مع إبقاء جميع الخيارات مطروحة، من دون التسرع في اللجوء إلى القوة.


ما تكاليف رحلات نتنياهو الخارجية في 2025؟

نتنياهو يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى الولايات المتحدة فبراير 2025 (د.ب.أ)
نتنياهو يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى الولايات المتحدة فبراير 2025 (د.ب.أ)
TT

ما تكاليف رحلات نتنياهو الخارجية في 2025؟

نتنياهو يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى الولايات المتحدة فبراير 2025 (د.ب.أ)
نتنياهو يصعد إلى الطائرة التي أقلته إلى الولايات المتحدة فبراير 2025 (د.ب.أ)

بينما يتجهز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى زيارة جديدة للولايات المتحدة نهاية الشهر الحالي، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كُشف النقاب عن تكاليف الرحلات الجوية التي قام بها خلال عام 2025، والتي وصل عددها 4 مرات، وذلك على الرغم من صدور مذكرة اعتقال بحقه من قِبل «المحكمة الجنائية الدولية» التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب في غزة.

وكشفت «حركة حرية المعلومات» الإسرائيلية، عن تكاليف السفر كاملة، بما فيها ما يتعلق بحجز أجنحة للمبيت، وتكلفة غرفة كل فرد من حاشيته، وتكلفة رحلة الطائرة الخاصة المسماة «جناح صهيون» الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي غادر على متنها نتنياهو إلى واشنطن في فبراير (شباط) الماضي.

وكانت أولى رحلات نتنياهو إلى واشنطن في الفترة من 2 إلى 9 فبراير، والتقى خلالها ترمب في البيت الأبيض، حيث رافقه خلال الرحلة 40 فرداً من حاشيته، بالإضافة إلى حراس أمن، لم يُكشف عن عددهم لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

وبلغت تكلفة الغرفة الفندقية الواحدة 415 دولاراً، بينما أقام نتنياهو في فندق ويلارد إنتركونتيننتال واشنطن في جناح بلغت تكلفته 5000 دولار لليلة الواحدة، أي ما مجموعه 25000 دولار، أما تكلفة الرحلة على متن طائرة «جناح صهيون» فبلغت 434 ألف دولار، وهي الرحلة الوحيدة التي تم الكشف عن تكلفتها، بينما رد مكتب نتنياهو بأنه ما زالت تجري عمليات مراجعة بشأن التكاليف المتعلقة بالرحلات الأخرى على الطائرة نفسها.

وفي الثالث من أبريل (نيسان) الماضي، انطلق نتنياهو في رحلة استغرقت أربعة أيام إلى المجر، ورافقه 36 شخصاً من حاشيته، وبلغت تكلفة الغرفة الواحدة 417 دولاراً لليلة الواحدة، بينما أقام نتنياهو وزوجته في جناح بفندق فور سيزونز غريشام بالاس، بتكلفة 4632 دولاراً أميركياً لليلة الواحدة، أي ما يعادل 18528 دولاراً للجناح طوال فترة الزيارة.

طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مدرج مطار بودابست في المجر أبريل الماضي (أ.ف.ب)

ومن المجر، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى واشنطن، حيث أقام من 6 إلى 9 أبريل (نيسان)، بصحبة 36 شخصاً من حاشيته، وبلغت تكلفة الغرفة في فندق ويلارد إنتركونتيننتال واشنطن 520 دولاراً، بينما أقام نتنياهو وزوجته في مركز ضيافة بلير هاوس (مقر ضيافة الرئيس الأميركي)، وكانت الإقامة في الجناح ونحو 14 غرفة على نفقة المضيفين، وفقاً لما ذكره مكتب نتنياهو.

في السادس من يوليو (تموز) الماضي، انطلق نتنياهو في زيارة أخرى إلى واشنطن للقاء ترمب، واستمرت الزيارة خمسة أيام، ورافقه خلالها 41 شخصاً من حاشيته، حيث بلغت تكلفة الغرفة الفندقية العادية 375 دولاراً.

ووفقاً لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد تكفل المضيفون تكاليف الجناح ونحو 14 غرفة أخرى في ضيافة بلير هاوس طوال فترة الزيارة.

«إخفاء ممنهج للتكلفة»

وكانت الرحلة الأخيرة إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو نيويورك بين 23 و30 سبتمبر (أيلول) الماضي، برفقة 38 عضواً من وفده، وبلغ سعر الغرفة العادية في فندق لويز ريجنسي 1199 دولاراً أميركياً لليلة الواحدة، بينما بلغ سعر الجناح 5999 دولاراً لليلة الواحدة، بمجمل تكلفة 41993 دولاراً طوال الزيارة. وأكد مكتب نتنياهو أن «تكلفة الغرف مرتفعة للغاية نظراً لتزامن الحجز مع موعد الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إذ يتم حجز الغرف مسبقاً».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك سبتمبر الماضي (رويترز)

ومن المقرر أن يغادر رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبوع المقبل في زيارة أخرى إلى الولايات المتحدة، ولم يفصح عن تكاليف الرحلة إلى فلوريدا، حسبما أفادت «حركة حرية المعلومات».

واتهمت المحامية هايدي نيغيف، الرئيسة التنفيذية لـ«حركة حرية المعلومات»، مكتب نتنياهو بأنه «يخفي بشكل ممنهج تكاليف السفر إلى الخارج، ولا سيما حين يستخدم طائرة (جناح صهيون)»، مشيرةً إلى أن «المعلومات التي وصلت إليها الحركة بعد تقديم التماس أمام المحكمة المختصة، مليئة بالثغرات التي تثير الحيرة».

وأكدت الحركة أنها ستواصل «نضالها القانوني لاسترداد جميع الأموال العامة التي تم إنفاقها».

وكثيراً ما تعمل «حركة حرية المعلومات» على تقديم التماسات للكشف عن مصاريف نتنياهو وعائلته ونفقة منازله وسفره، وكثيراً ما كُشف عن نفقات عالية رغم أنه في فترات لم يستخدم تلك المنازل كما جرى خلال الحرب.