السوريون متخوفون من إلغاء الدعم الحكومي عن المواد الأساسية

سيناريوهات عديدة أكثرها سوءاً يرفع سعر رغيف الخبز أضعافاً

أحد أسواق دمشق (رويترز-أرشيفية)
أحد أسواق دمشق (رويترز-أرشيفية)
TT
20

السوريون متخوفون من إلغاء الدعم الحكومي عن المواد الأساسية

أحد أسواق دمشق (رويترز-أرشيفية)
أحد أسواق دمشق (رويترز-أرشيفية)

تدرس الحكومة السورية عدة سيناريوهات تتعلق بـ«بالمواد المدعومة»، بينها سيناريو يتضمن «إلغاء الدعم بشكل كامل» عن كل المواد، في مقابل زيادة الرواتب، على الرغم من الوضع المعيشي الكارثي الذي تعانيه غالبية المواطنين.

ومما سيزيد من الوضع المعيشي المزري، تزامن الإجراءات الجديدة التي تنوي الحكومة اتخاذها، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، الأسبوع الماضي، إيقاف مساعداته الغذائية لـ45 في المائة من السوريين المحتاجين، وذلك، بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة في سوريا.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة تناقش حالياً دراسة «عدة سيناريوهات»، أحدها رفع الدعم بشكل جزئي عن المواد الغذائية الأساسية التي يتم تسليمها للأسر عبر البطاقة الذكية (الخبز، والسكر، والأرز، والزيت النباتي)، وبشكل كامل عن المحروقات (البنزين والمازوت والغاز) والكهرباء.

وذكرت أن من بين تلك السيناريوهات أيضاً: «رفع الدعم بشكل كامل عن كل المواد»، موضحة أن ذلك يعني أن تباع ربطة الخبز (7 أرغفة)، بالسعر «الحر» البالغ 1200 ليرة سورية، في حين تباع حالياً بالسعر المدعوم عبر «البطاقة الذكية» بـ200 ليرة، وليتر البنزين سيباع بسعر 7600 ليرة، علماً بأن سعر المدعوم منه عبر البطاقة الذكية 3 آلاف ليرة، وهذا سينطبق على كافة المواد المدعومة.

وذكرت أنه عند الانتهاء من مناقشة الدراسة، سوف تتبنى الحكومة أحد السيناريوهات وتصدر قراراً بذلك، يترافق مع قرار آخر بزيادة الرواتب الشهرية للموظفين.

محل بيع مواد غذائية في دمشق القديمة (أ.ف.ب)
محل بيع مواد غذائية في دمشق القديمة (أ.ف.ب)

ورأى خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، أنه في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد، بسبب الحرب طويلة الأمد، والعقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية، وشح العملة الأجنبية وصعوبة تأمينها، أرهقت الحكومة مسألة تأمين تكاليف دعم المواد الغذائية الرئيسية والمحروقات، وهي تحاول منذ فترة بعيدة التخلي عنه؛ لأن معظم ما تحتاجه من تلك المواد يتم استيراده من الخارج بالعملة الأجنبية؛ مشيراً إلى تصريحات رئيس الحكومة حسين عرنوس عن حجم الدعم المقدر بأكثر من 25 ألف مليار ليرة سورية، بزيادة تصل إلى 66 في المائة من قيمة الموازنة العامة لعام 2023.

وأوضح أن الحكومة منذ سنوات تمهد لرفع الدعم عن تلك المواد، عبر زيادة أسعارها بشكل متواصل، لتصل تقريباً إلى السعر العالمي، كما هي الحال بالنسبة للبنزين والمازوت.

ورأى أن أحد أسباب رفع الدعم مرتبط أيضاً بالانفتاح الخارجي على سوريا، والاستقرار الاقتصادي، وإمكانية دخول مستثمرين خارجيين لإقامة مشروعات استثمارية في البلاد، بحيث لا تكون هناك عدة أسعار للمادة الواحدة «مدعوم وغير مدعوم»، وقال: «الحكومة تريد أن تكون الأسعار موحدة في البلاد، بحيث لا يستفيد المستثمرون الأجانب من أسعار المواد المدعومة».

واعتبر الخبير أنه أياً كان شكل السيناريو الذي ستعتمده الحكومة، فسيكون «كارثياً» بالنسبة للأسر؛ لأنه مهما كانت قيمة الزيادة على الراتب الشهري، وحتى لو وصلت إلى 5 أضعاف، فلن يستفيد منها المواطن ما لم تتم السيطرة على سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي. وهو ما فشل فيه مصرف سوريا المركزي حتى الآن، إذ شهد سعر الصرف تدهوراً كبيراً خلال سنوات الحرب، ووصل حالياً إلى نحو 9 آلاف ليرة، بعدما كان في عام 2010 ما بين 45 و50 ليرة. على حين لا يتجاوز الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 150 ألف ليرة، بينما باتت العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج إلى 4 ملايين ليرة في الشهر.

بائع في سوق الحميدية الشهير في دمشق ينتظر الزبائن (أ.ف.ب)
بائع في سوق الحميدية الشهير في دمشق ينتظر الزبائن (أ.ف.ب)

تأتي الإجراءات التي تنوي الحكومة القيام بها، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي منتصف الأسبوع الماضي، أن أزمة التمويل غير المسبوقة، أجبرته على تخفيض مساعداته لتصل إلى نحو 2.5 مليون شخص، بعد أن كان يقدمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الوكالة لسد احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.

أطفال في مخيم للنازحين بعد زلزال مدمر في جنديرس شمال غربي سوريا قرب حافلة تحولت إلى فصل دراسي في مايو (يونيسيف)
أطفال في مخيم للنازحين بعد زلزال مدمر في جنديرس شمال غربي سوريا قرب حافلة تحولت إلى فصل دراسي في مايو (يونيسيف)

ورجحت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن تطول عملية الشطب من المساعدات الغذائية، الشريحة الرابعة التي تحصل على سلة غذائية كل 3 أشهر، وجزءاً من الشريحة الثالثة التي تحصل على سلة كل شهرين. وقالت: «من المستبعد شطب نازحين في مخيمات شمال سوريا وإدلب؛ لأن هؤلاء ليس لديهم ما يستهلكونه سوى السلة الغذائية».

ويبدي كثير من سكان دمشق تخوفاً كبيراً من التسريبات عن نية الحكومة رفع الدعم؛ لأن ذلك سيزيد حتماً من صعوبة الوضع المعيشي للناس «الميتة أصلاً»، وسيفاقم من حالة الجوع في عموم البلاد.


مقالات ذات صلة

فرنسا تحاكم 5 أشخاص بتهمة خطف صحافيين في سوريا

أوروبا الصحافيان ديدييه فرنسوا وإدوار إلياس (إ.ب.أ)

فرنسا تحاكم 5 أشخاص بتهمة خطف صحافيين في سوريا

مثل 5 رجال أمام المحكمة في فرنسا، الاثنين، بتهمة احتجاز 4 صحافيين فرنسيين كرهائن لصالح تنظيم «داعش» في سوريا التي تمزقها الحرب منذ أكثر من عقد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صورة جامعة للشرع مع أهالي اللاذقية الأحد (فيسبوك)

دون رقابة أمنية مسبقة... أهالي اللاذقية يناقشون الشرع بمخاوفهم

طلب خلال لقائه عدداً من أهالي محافظة اللاذقية التي زارها يوم الأحد، الوثوق بإدارة ملف التسويات الذي يقلقهم.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي ألقت مديرية أمن دمشق القبض على منذر أحمد جزائري وهو أحد المتهمين المتورطين بمجزرة حي التضامن (سانا) play-circle 00:42

القبض على أحد رؤوس المسؤولين عن مجزرة «التضامن» بدمشق

لم يكشف المسؤول الأمني عن هوية الموقوفين الثلاثة، إلا أن الوكالة الرسمية (سانا) أشارت في وقت لاحق إلى أن من بينهم المدعو «منذر أحمد جزائري».

موفق محمد (دمشق)
الخليج جانب من عبور شاحنات سعودية جديدة منفذ نصيب الحدودي بسوريا الأحد (واس)

المساعدات السعودية تواصل التدفق إلى سوريا

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى سوريا، إذ عبرت، الأحد، 25 شاحنة إغاثية جديدة، منفذ نصيب الحدودي السوري محملّة بمواد غذائية وإيوائية ومستلزمات شتوية.

«الشرق الأوسط» (منفذ نصيب الحدودي (سوريا))
المشرق العربي الجلسة الحوارية التحضيرية التي انطلقت من حمص الأحد (سانا)

انطلاق أول لقاءات اللجنة التحضيرية للحوار السوري من حمص

قالت عضوة اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، هدى الأتاسي، إن «اللجنة مهمتها إدارة تسيير عملية الحوار وتلمس هموم المواطنين وأخذ آرائهم والتأكد من تطبيق المعايير في اختيار الشخصيات المشاركة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

انتهاء مهلة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

جندي لبناني يمنع مواطنا من دخول بلدة حولا في جنوب لبنان (أ.ب)
جندي لبناني يمنع مواطنا من دخول بلدة حولا في جنوب لبنان (أ.ب)
TT
20

انتهاء مهلة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»

جندي لبناني يمنع مواطنا من دخول بلدة حولا في جنوب لبنان (أ.ب)
جندي لبناني يمنع مواطنا من دخول بلدة حولا في جنوب لبنان (أ.ب)

انتهت فجر الثلاثاء مهلة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله، وذلك بعيد ساعات من تأكيد الجيش الإسرائيلي عزمه إبقاء قواته في خمس نقاط استراتيجية عند الحدود.

وقبيل انتهاء المهلة، أكّد مسؤول أمني لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ القوات الإسرائيلية بدأت ليل الإثنين بالانسحاب من قرى حدودية مع تقدّم الجيش اللبناني للانتشار فيها. وقال المسؤول طالبا عدم كشف هويته إن «القوات الإسرائيلية بدأت بالانسحاب من قرى حدودية بما في ذلك ميس الجبل وبليدا مع تقدّم الجيش اللبناني».

وبدأت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بقصف شنّه حزب الله على مواقع إسرائيلية دعما لحليفته حركة حماس الفلسطينية في غزة قبل أن تشتدّ مع مرور الوقت وتصبح مواجهة مفتوحة خلّفت دمارا واسعا في مناطق عدّة في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وقدّرت السلطات كلفة إعادة الإعمار بأكثر من عشرة مليار دولار.

ورغم الدمار الهائل وغياب مقوّمات الحياة من بنى تحتية وخدمات أساسية، يتلهّف النازحون للعودة إلى بلداتهم الحدودية، لمعاينة ممتلكاتهم وانتشال جثث مقاتلين من أبنائهم، بعدما منعت القوات الإسرائيلية عودتهم طيلة الأشهر الماضية. ولا يزال نحو مئة ألف لبناني من إجمالي أكثر من مليون فرّوا من منازلهم، في عداد النازحين، وفق الأمم المتحدة.

وبين هؤلاء فاطمة شقير، ربّة المنزل التي فرّت من مسقط رأسها في بلدة ميس الجبل الحدودية قبل عام ونصف العام. وتقول شقير «اشتقت للجلوس أمام باب منزلي، وأن احتسي صباحا فنجان القهوة قرب ورودي». وتضيف «اشتقت لكل شيء في ميس الجبل، لجيراني. تفرّقنا ولم أعد أعرف أين ذهبوا». وعلى غرار كثر، تعتزم شقير التوجه مع عائلتها الى البلدة في ساعات الصباح الأولى. وتوضح «سنتوجه الى البلدة، نشعر بالفرح، على الرغم من أنّ منازلنا دُمّرت وخسرنا شبابا».

ودعت بلديات عدّة، بينها بلدية ميس الجبل، الأهالي الى التريّث في العودة لبلداتهم بانتظار انتشار الجيش اللبناني في أحيائها وعمل الأجهزة المختصّة على فتح الطرقات، لتوفير دخول «آمن». وميس الجبل واحدة من القرى والبلدات في القطاع الشرقي في جنوب لبنان، حيث أبقت إسرائيل قواتها منذ بدء توغلها نهاية سبتمبر (أيلول)، بينما انسحبت تباعا مع بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط.

ويسري منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) وقف لإطلاق النار أُبرم بوساطة أميركية ورعاية فرنسية. وكان يُفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون ستين يوما، قبل أن يتمّ تمديده حتى 18 فبراير (شباط). وقبيل ساعات من انتهاء المهلة، أعلن الجيش الإسرائيلي الاثنين أنّه سيبقي «قوات محدودة منتشرة مؤقتا في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان»، مبرّرا ذلك بمواصلة «الدفاع عن سكّاننا والتأكد من عدم وجود تهديد فوري» من حزب الله.

وجاء الإعلان الإسرائيلي رغم تأكيد لبنان رفضه المطلق لبقاء القوات الإسرائيلية، ودعوته رعاة الاتفاق إلى التدخل للضغط على الدولة العبرية. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعد حرب امتدت نحو عام وتخلّلها توغّل برّي إسرائيلي في مناطق لبنانية حدودية.

ولم يُنشر النصّ الحرفي الرسمي للاتفاق، لكنّ التصريحات الصادرة عن السياسيين اللبنانيين والموفدين الأميركيين والفرنسيين تحدثت عن خطوطه العريضة، لناحية تعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وإشرافه على انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية. وينصّ الاتفاق كذلك على انسحاب إسرائيل من كامل المناطق التي احتلّتها في جنوب لبنان.

ويضع القرار الإسرائيلي السلطات اللبنانية في مأزق بمواجهة حزب الله الذي كان حمّلها الأحد مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية مع انتهاء المهلة. وجاء قرار إسرائيل بعد إعلان رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو الأحد أنه «يجب نزع سلاح حزب الله»، مضيفا «تفضّل إسرائيل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة». وفي خضمّ الجدل حول سلاح حزب الله، أكدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري التزامها بـ«تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وواجب احتكار الدولة لحمل السلاح، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا».

ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تشنّ إسرائيل ضربات جوية وتنفّذ عمليات نسف تطال منازل في قرى حدودية، أوقعت اكثر من ستين قتيلا، نحو 24 شخصا منهم في 26 يناير (كانون الثاني)، الموعد الأول الذي كان مقررا لتطبيق وقف النار، أثناء محاولتهم العودة إلى بلداتهم الحدودية.

ومنذ بدء تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أحصت السلطات مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص. وفي إسرائيل، قُتل 78 شخصا، بينهم جنود، وفقا لحصيلة وكالة الصحافة الفرنسية استنادا إلى أرقام رسمية. كما لقي 56 جنديا آخرين مصرعهم في جنوب لبنان خلال الهجوم البرّي.

وأعرب خبراء في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في بيان عن استيائهم من استمرار «قتل المدنيين والتدمير المنهجي للمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية الأخرى في جنوب لبنان خلال فترة اتفاق وقف إطلاق النار». ونبّهت منظمة هيومن رايتس ووتش الإثنين إلى أنّ «تعمّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على العديد من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم». وأضافت «حتى لو كانت منازلهم لا تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟».